|
حول شعوبية الأمس واليوم .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 17:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الحديث عن أخطاء الماضي العربي من باب وذكر إن نفعت الذكرى ، كافية بتأليب من حولك من العربان ، أو السائرين في ركبهم بالإشارة إليك بالبنان بأنك عنصري ، أو داع إليها ، ويذكرونك بالقول ( الفتنة نائمة ، لعن الله من أيقضها )أو توصف ازدراء بالشعوبي في أقل تقدير . الحديث عن الشعوبية أمر قديم رافق خروج العرب من ربعهم الخالي صوب الشمال والشرق والغرب ، فبعد أن كان كل شيء عندهم عربي في بدايات الدعوة المحمدية ، بحيث أن (العربي = المسلم ) ، أصبح الأمر مختلفا فيما بعد بحيث أن أمما جديدة دخلت الإسلام ، من فرس وتركمان ، وسلاجقة ، وأمازيغ ، وأكراد وقبط وترك وأفغان ... الخ ، وبالتي أصحب خيمة العروبة غير لا ئقة ولا تتسع لجحافل المؤمنين الجدد ، وتسميتها غير مرضية خاصة وأن الإسلام يستنكف منها ويشطبها ، لقوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) . وبإصرار العرب الاستئشار بالإسلام وجعله ملكية خاصة يؤثرون بها من أرادوا ، وينزعونها ممن شاءوا . فكل من أسلم من العجم ففي عنقه منة ـ بكسر الميم وتشديد النون ـ من العرب لا تقدر ؟!! ، فإما أن تقبلَ بأفضلية العرب العرقية في كونهم خير أمة ، وبدونهم لا يكتمل إيمان الموالي الذين هم مجبرون تحت وقع آيات الفقيه من جمعية (حدثنا ) الخضوع حتى لا يُنتقض من إيمانهم ،( مادام حب العرب إيمان وبغضهم كفر) كما قالوا و أرادوا ، وأكثر المتنبهين لرغبات العرب هم ( الفرس ) باعتبارهم أهل حضارة ،وأكثر فهما وقربا من العرب ، فهم الوحيدون المؤهلون فهم عقلية هؤلاء العرب وما يريدونه تحت غطاء الإسلام ، والفرس هم الذين رفعوا راية العصيان والإستنكار ضدهم، وكانوا جدار صد منيع في تحقيق رغباتهم وأهوائهم ،واستعملوا أساليب الحرب الفكرية والأدبية في الإنتقاص من قيمة العرب المتنامية تحت وقع الإنتصارات المدوية في عهد حلفاء بني أمية . أنا لا أريد التذكير هنا بأساليب المقارعة بين الطرفين ، و ما رافق ذلك من انسلاخ وكراهية ، ظاهرها إسلام وخفيها عنصرية وحب في بسط النفوذ على السلطة الثيوقراطية بفرعيها الديني والدنوي ( الخلافة) ، وإنما أريد أن أعرف كنه مصطلح الشعوبية ومدلولاته والغاية منه ، وهل أفل أم مازال يعشعش بيننا حيا يرزق . ***الشعوبية رد فعل على العروبية : مأ أفهمه من ( الشعوبية ) وبدون فلسفة وتمييع ، هو كراهية شعب ما لشعب آخر ، وسعي شعب ما إلى انتقاص من قيمة شعب آخر ، فما نقرأه من أحاديث ملفقة ، وأشعار رنانة ، وما نستخلصه من كراهية في كتب التراث الصفراء بين العرب والفرس يدخل في هذا المنحى ، وبتتبع مسار الظاهرة يتضح أن العرب هم السباقون في ادعاء الأفضلية لأسباب معلومة يدركها العام والخاص ، وهي دعاوى باطلة بالمنظور الديني والعقلي والمنطقي ، وذاك الإدعاء الذي وجد التطبيق الفعلي أيام حكم الأمويين والعباسيين ، هو الذي ولد احتقانات وتسنجات عند الأتباع ( الموالي) واهل التسوية، وشنوا حربا كلامية بسند ديني وعرقي وحضاري ، ومن خلال ذلك يفهم أن ما فعله المسلمون الفرس كان دفاعي أكثر مما هو تهجمي ، ورد فعل طبيعي ضد عقلية بدوية ممزوجة بالإسلام ( أقول ذلك وأنا لست شيعيا بقدر ما أنا شعوبي !) ،وتقديري أن الشعوبية شعوبيات ، شعوبية عربية ضد الأعراق الأخرى ، وشعوبية الآخرين ضد العرب . ***الشعوبية ....شعوبيات . فإذا كانت شعوبية العرق التي جسدها بصدق بشار بن برد والجاحظ وابن المقفع وابن الرومي وابي نواس أدبيا ، فإن شعوبية العرب والتي أصطلح عليها مؤخرا بالعروبية وظفت القوة والسلطة أيام دولتهم القوية، قوة معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد وهشام ، ومن سايرهم من ذوي السلطان من رؤساء الأجناد الذين أبادوا الخلق وأفنوا النسل على شاكلة ما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي أو عقبة بن نافع الفهري وأحفاده من بعده . فإذا كانت شعوبية الفرس معنوية المعالم بأسلوبها التهكمي ، فإن شعوبية العرب فعلية في جبروتها و مستترة وراء جلباب الدين ، ولعب فيها الفقيه دورالأساس في ترسيخها بين الشعوب غير العربية ، وهو ما ما أنتج تمزقات محورية داخال الدين ، فأصبحت الشيعة والرافضة مرادفة للشعوبية الفارسية، والنواصب رديفا للسنة العربية ، والمحرك الأساس بين الطائفتين هو التنفذ السياسي والديني، وهو ما تترجمه بوضوح قضية الحوثيين مع السنة ،وما يقع اليوم بين السنة والشيعة في بلاد العراق،ومن هنا يمكن القول أن الشعوبية تنين بأوجه مختلفة ومتعددة منها الوجه العرقي ومنها الوجه السياسي والديني ثم اللغوي والثقافي . ***الشعوبية العرقية الإثنية : فالشعوبية العرقية هي قاسم مشترك بين جميع الأمم ، فكل يرى بأنه الأفضل ، ولو تحت سقف ومظلة الإسلام ، والعرب هم السباقون في نشر الإديولوجية العروبية بادعاء النسب الشريف مدعومين بترسانة من الأحاديث الموضوعة ، وكل ينظر إلى ألآخر نظرة ريب وشك ، والعجيب في الأمر عندما تنظر أقوام بأن لها الأفضلية متنكرين لكل قول سديد أو رأي قويم ، وهم يحاولون نفاقا تلوين جميع أمم الدنيا بالعروبة ، وما هم بعرب ، أوهم عرب بدرجات ، عرب أقحاح ، وآخرون هجناء ، والبقية موالى أذيال وأتباع ،حسب قانون الولي والمولى والذي احتفظ بعبير جوهره إلى يومنا هذا بتحوير التسمية إلى نظام الكفيل ، وأعجب كثيرا بخوف العرب من إثنيات أخرى بوصفها نتنة ، ويجيزون لإثنيتهم ما لا يجيزون لغيرها ، بل ويسعون على فرضها على الآخرين باسم اللغة العربية ؟ واللغة إن نجحت في ترويض الألسنة ، إلا أنها غير قادرة على تلوين دماء الشعوب المتحدثة بها . ***الشعوبية الإسلامية ضد الديانات الأخرى : أفضلية المسلم على غير المسلم ، رفعة المسلمين مقارنة بغيرهم من الملل الأخرى ، ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ، تطبيقات عقيدة الولاء والبراء ، منع التبشير ، والمطالبة بفسح المجال لانتشار الإسلام في دول الغرب و التعامل بمكيالين ، ( حلال علي وحرام عليك ) ، إنها شعوبية متطرفة ترى لنفسها ما لا ترى لغيرها . وهل تساءل المسلم عن نظرة ألآخرين له ، وهل اهتم باحترام معتقدات الآخرين ليحترم الآخر معتقده ؟ فالأمر فيه سادية ياسادة ( كما تدين تدان) غير أن الأقوام الإسلامية المتشددة حازمون وجازمون على رؤية القذاة في عيون غيرهم ، ويتناسوا جذوع النخل في عيونهم ، وهو ما يجعل بعض سلفيينا يترحم على أرواح منكوبي الطائرة الليبية المسلمين دون غيرهم من الغربيين ، متنكرين في ذلك لكل قيم الأنسنة بمعانيها الرحبة . ***الشعوبية اللغوية والثقافية : النظر للغة العربية بمنظور قدسي ، لغة القرآن ، (وانزلناه بلسان عربي مبين )، وهي ( لغة أهل الجنة )، تعريب الأمم الإسلامية غير العربية ، ... كلها دعاوي باطلة لا صحة في جعلها لغة للعالمين ، وكل أمة إسلامية لها الحق في الحفاظ على لسانها وتراثها وتاريخها ، المدافعون عن اللغة العربية والذين يعملون على فرضها بالقوة كما فرضوا الإسلام بأساليب الترويع والتخويف لم تعد مجدية ، وهي تعد تطرفا في حق الآخر، الذي له نفس الطموح ونفس التطلع، ولعل في رؤية طه حسين للعرب في كتابه الشعر الجاهلي ، وحديث الإربعاء ما يروي الظمأ ، ويكشف بشجاعة أن الحضارة الإسلامية الرائعة لم يأت بها المسلمون من بلاد العرب ، وإنما أتوا ببعضها من هذه البلاد ( يقصد موطنه مصر) ، وببعضها الآخر من مجوس الفرس ، وببعضها الآخر من نصارى الروم ... وبذلك تجسدت فكرة ( إن خلقناكم شعوبا وقبائل لتنابزوا )، أو ما يطفح به كتاب العبر لابن خلدون من تفننه في تشريح عقلية العرب البدوية بكونها نقيضا للحضارة مبرهنا ومعللا بما يقنع ويزيد حتى وصفه بعضهم بالشعوبي . ***عندما تغير الشعوبية موقعها . إن الجبروت العربي أيام بني أمية الذي تنكر لكل قيم الإسلام ، والذين اعتقدوا خطأ بأ نهم مادة الإسلام وما هو كذلك ، حيث أفرزت الأحداث مفارقات عجيبة غريبة بين ما هو إسلام ، وما هو فعل للعربان ،وهو ما جعل صاحب ثورة الزنج يلقن بني العباس طعم العبودية بأسلوب معاكس ، (احتقار العبيد للإسياد وسبيهم وقتلهم بنفس السلاح الديني ) ، وهو ما تكرر في مواقع كثيرة منها ما شهدته الأندلس أيام الزحف المرابطي الأمازيغي عليها لتخليصها من مكائد المعتمد بن عباد العربي الذي تحالف مع الشيطان المسيحي لضرب إخوة الإيمان ، وانتهى به الأمر سجينا في أغمات ، ثم أين العربان عند صد التركمان للتار في عين جالوت 1260 م ، وأين هم عند مقارعة صلاح الدين الكردي للصليبيين وإجلائهم من القدس ، وأجد نفسي مجبرا هنا على ترديد مقولة الإمام الشافعي الرائعة:[ قولنا صحيح يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء مفندا بأفضل مما قلناه قبلناه]. الخلاصة . مفصل القول أن شعار الشعوبية التي طالما أًُشهر في حق المدافعين عن إرثهم الحضاري والثقافي واللساني المحلي المشروع أصبح عديم الجدوى ،وغدا جزءا من اسطوانة مشروخة ، حاول العربيون عبثا أحياءها باسم القومية العربية ، التي ولدت عرجاء معوقة ، انمحى وجودها الفعلي تدريجيا ، وبقيت شعارا معلقا على مسجب تتلاعب به رياح العلمانية والعولمة والصهيونية بعدما تبين أنها مخطط تغريبي بعثي هدام ، هدفه محو الآخر وتذويبه سلاليا وعقديا ولغويا وحشره في زمر ة الموالي والتبع باسم الإسلام والحضارة …. التي هي ليست عربية بالمرة ، وما على أقوامنا سوى البحث عن بدائل منطقية مسايرة للزمان والمكان تضمن لها الفاعلية والنماء في عالم لا يعترف حاليا بالخنوع والتراجع شعاره الكبير .. اتركه يعمل .. اتركه يمر .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الآثار بين كارثتي النهب والإهمال .
-
محنة الأمازيغ في الأندلس ( عصر الولاة ).
-
هوية الأمازيغ بين الأصالة والإغتراب .
-
الأمازيغ والجبروت الأموي .
-
التسونامي الإلكتروني .. بين المطاوعة والتطويع.
-
الأمازيغ الذين تربعوا على عرش الفراعنة ؟، وقهروا اليهود ؟.
-
الإديولوجية القاتلة في شمال افريقيا.
-
جدل حول تسمية / المغرب العر بي؟ أم بلاد تمازغا ؟
-
يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد، صراع عقيدة أم صراع منفعة ؟
-
الإسلام... دين وحدة أم فرقة ؟
-
يزيد زرهوني العلماني ،في صراع مع السلفيين
-
زكية الضيفاوي ... أو نضال المرأة التونسية.
-
التيهان بين العروبة والإسلام .
-
هل العرب أحسنوا تمثيل الإسلام ؟
-
فتنة قرطبة الأندلسية. 403 هج/1013م ، هل هي فتنة أمازيغية أم
...
-
جريمة فرنسا النووية في الجزائر.
-
خراب القيروان!!!
-
عقبة بن نافع الفهري (بين القيل والقال والحقيقة والخيال).
-
انتشار الإسلام في شمال إفريقيا ( بين الفتح والغزو).
-
عقيدة الولاء والبراء بين الشريعة والحياة .
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|