|
مذكرات مترجم ...!
حبيب محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 12:53
المحور:
سيرة ذاتية
تجربتي مع طالبي اللجوء والمقيمين العراقيين و العرب في مملكة السويد . * ( سلسلة حلقات ) * * ( الحلقة الأولى : - توطئة - ) *
أهمية وضرورة تدوين ونشر المذكرات والسير الذاتية ، على أختلاف وتنوع الأشخاص الذين يكتبونها وينشرونها . سواء كانوا رجالات دين أو دولة أوسياسة أو أدباء أوشعراء أو فنانيين أو مهنيين . تكتسب أهميتها وضرورتها ، من كونها أي تلك النتاجات . تنقل وبأمانة ، خبرات وتجارب ومعارف أنسانية مفيدة ، على أختلاف أوزانها وأحجامها وتنوع مضامينها. وضمن حراك زماني ومكاني يساعدنا على ، فهم أدق وأشمل . وعلى تفعيل وتقويم تجاربنا ومعارفنا لما يحدث اليوم بمقياس ما حدث في الأمس . والشئ نفسه ينطبق على السير الذاتية لأناس وأشخاص عاديون وبسطاء تماماً . فكتابة السير الذاتية ليست قطعاً ، حكراً على الزعماء والقادة والمشاهير . بل يتعاطاها الجميع ، أياً كان موقعه في الحياة . المهم والأهم ، أن كاتب السيرة هذا أو ذاك ، يجد في ثنايا تجربته دروساً وعبراً ، يمكن ان تكون سبيلاً للمنفعة العامة والفائدة المرجوة للوصول والتواصل مع الأجيال . وأنطلاقاً من هذه الحيثية تحديداَ ، تبرز أهمية تدوين ونشر المذكرات والسير الذاتية بشكل عام .
أما عن تجربتي بشكل خاص ، و التي أزيح ستار الخصوصية عنها الآن ، فأجدها حافلة وغنية بالأحداث العامة التي تخطت حدودها الشخصانية ، وثرية بتفاصيلها الحياتية التي لامست وجدان وضمير وعقل وثقافات وتطلعات وسلوك ومزاج وأحاسيس ومشاعر ومآسي الآف ، ليس فقط من أبناء جلدتي من العراقيين . بل ومن العرب المغتربين ( المهجرين والمهاجرين ) ، ومن شتى الأصقاع والأنتماءات والهويات والجنسيات . وتزامنت مع أحداث ومنعطفات دولية هامة ، هزت العالم برمته وأهتزَّ لها. سواء ما قبل سقوط برجي التجارة العالمي في نيويورك ( رمز الأمبريالية الرأسمالية ) . في الحادي عشر من سبتمبر ، أوما تلاه من أحتدام وتصاعد وتيرة الصراعات والحروب الأقليمية والدولية ، الأستباقية منها والتقليدية وفي مناطق عديدة من العالم المحكوم وللأسف بمنطق الأقوى وليس الأصلح ، حتى يومنا هذا . فثراء وغنى تلك التجربة والملامسة والمعايشة الحية على الطبيعة ودون تزويق . والتي أتاحتها ليَّ مهنة الترجمة ، طيلة عقد من الزمن . أٌدين لها بالعرفان والجميل ، لما أضافته ليَّ من أستزادة معرفية وموسوعية عملية وحية . فكانت هي الهاجس و المحرك والدافع الأساس ،الذي دعاني وبألحاح لاحقاً ، الى كتابة ونشر هذه المذكرات ، والتي هي بين أيدكم وأمام أعينكم الآن .
للمهنة ( أيّ مهنة ) ، أثر فعلي وتفاعلي في داخل أيًّ منا.. ولا يشعر بتأثيرات هذا الفعل وتفاعلاته المنغرسة فينا ، وبتأثيره الكبير في حياتنا وبهذا الكم أو ذاك . إلاَ إذا مارس المرء وبنفسه وجرب التنقل بين بعض المهن ،التي تتميز كل منها بخصوصيتها وبهالتها ونكهتها التي تتفرد بها . و بغض النظر عن المفاضلة من حيث الأهمية والأفضلية بين عمل مهني وأخر. نجد البعض من المهن التي تتغلغل برواسبها بالذاكرة ولاتفارقها مطلقاً . سواء ذكريات هذه المهنة أو تلك.. فالذكريات المهنية الثرية بمثابة حفر ضارب الأعماق في الذاكرة خالدة فيها.. والمنخرطون في العمل السياسي المعارض للسلطات البوليسية والقمعية في بلدانهم ، هم أكثر الناس غنى و تجربة في مزاولة أعمال مهنية مختلفة ومتنوعة . بحكم الملاحقة والمطاردة والتخفي عن أنظار الكلاب البوليسية لهم ، والتي تلاحقهم ، جراء أنشطتهم المعارضة للسلطة و أدواتها المتجبرة . فيضطروا صاغرين أم راغبين الى مزاولة مهن في الغالب تكون خارج نطاق مؤهلاتهم . من أجل بقائهم على قيد الموت المؤجل .
وبحكم قدري ، الذي أنجبني من أسرة ، كبيرها وصغيرها ، كرس جل طاقاته وأوقاته وأمكانته وتفاصيل حياته وراهن بمستقبله ، في أمتهان العمل الحزبي المعارض . رافضاً التسليم بأمر الواقع . متطلعاَ وساعياً للتغيير وأحقاق ميزان الحق والعدل المفقود . أنخرطت مبكراً ، كأقراني من أفراد أسرتي ، في هذا المنحى الذي أطرَّ منهج حياتي ومستقبلي لأحقاَ .
وبفعل الأنتكاسة الكارثية التي لحقت بالقوى السياسية المعارضة على يد السلطة العراقية أنذاك في آواخر السبعينات . والتي نجم عنها ، فرار ونزوح قيادات المعارضة العراقية وبالجملة . اليسارية منها والدينية والقومية ، على حد سواء . عن ساحة العمل الميداني الطبيعي في الحاضنة العراقية . ونقل قيادتها وقرارها السياسي الى خارج حدود العراق . ليستقر في الحاضنة الاقليمية والدولية المتربصة بالعراق سوءاً . وبهذه الخطوة والغير مسبوقبة في سجلات التاريخ النضالي الطويل للمعارضة العراقية . فكانت سابقة مشؤمة و خطيرة ، ارتكبت بها خطأً إسستراتيجيا كارثيا . ليس على صعيد مستقبلها كقائد للمعارضة فحسب بل وعلى صعيد مستقبل شعبها الذي يعاني حتى لحظة كتابة هذه السطور ، من اثار وتداعيات تلك السياسات الكارثية المؤلمة والباهضة . وللأسف يدفع هذا الشعب الذي ابتلا بها ثمن مكلف . جراء إنزلاق هذه القيادات عن مسارها . فبمجرد تعرضها ( إي تلك القيادات الهزيلة ) ، لضغوطات وملاحقات مبيتة ، ذكية وشيطانية . مصدرها النظام . إذ كان يهدف ويسعى ذلك النظام من وراء ممارساته وحملاته القمعية تلك ، الى عزل تلك القيادات عن حاضنتها الجماهيرية . ولم يقدم على تصفيتها فرادا . إذ كان بمقدور النظام انذاك فعل ذلك بكل يسر . فهية اي قيادات المعارضة تلك كانت على مرئا منه . يرصد خطواتها وتحركاتها ويُقيمْ ردود افعالها الهزيلة . فوجد النظام انذاك اعتقال تلك القيادات وتصفيتها جسديا لايخدم مصلحته ولا يحقق الغرض الذي ينشده . فغض الطرف عن تسللها وفرارها الى خارج العراق . لتقع في فخ الحاضن الاقليمي والدولي سئ الصيت . عن قصد بغية ان تفقد مصداقيتها وتنفض عنها شعبيتها . حتى يتسنى له اي ذلك النظام ، من تحقيق ما كان يصبوا ويتكتك اليه . في الانفراد بالسلطة ودون منافس واحتكارها المطلق لنفسه ودون مشاركة وأن كانت هامشية من أحد . أن سقوط تلك القيادات المعارضة ، في شِرك الحاضن الأقليمي والدولي آنذاك . هو الذي شرّعَ وأسسَّ لاحقاً ، الى التشرذم الأثني والطائفي والحزبي والذي يتجلى اليوم وبأشع صوره ، في النظام ( الشللي المحاصصاتي الكريه ) . والمستوحى أساساَ نظرياً وتطبيقياٍ ، من المبدأ الأنكلوسكسوني الاستعماري الأستيطاني القديم ( فرق تسد ) . والذي بات من الصعوبة بمكان تجاوزه ، و على المدى المنظور .
وحتى بعد نضج العوامل الذاتية ، الضاغطة والدافعة بأتجاه خوض تجربة الكفاح المسلح للدفاع عن النفس ، و لصد الهجمة المسعورة للنظام ، والتي بذلت من أجلها القواعد الجماهيرية والحزبية العراقية المعارضة ، الغالي والنفيس من سيل المعانات والتضحيات . الأ أن تلك التجربة ولدت ميتة وللأسف . أذ رهنت قيادات المعارضة العراقية ( النفعية وضيقت الأفق ) ، تلك التجربة المنشودة من قبل قواعدها الضاغطة ، رهنتها وسلمت مقدراتها ، بيد الطامع الأقليمي والدولي . بدل من الأعتماد والأتكال على القاعدة الحزبية والجماهيرية محلياً ، تلك الجماهير ، التي أثبتت قدرتها العالية على البذل والعطاء والتضحية . وأكدت تطور الأحداث لاحقاً ، عدم آهلية القيادة وعجزها الصارخ في التحكم والسيطرة ، ببوصلة قيادة النضال الوطني التحرري ، نحو أهدافه الوطنية وبصناعة محلية خالصة .
تلك التجربة المريرة و التي ( ولدت ميتة ) في الكفاح المسلح للمعارضة العراقية في أواخر السبعينات . والتي كان ليَّ شرف الأسهام بها أسهاماً ميدانيا ، وعلى مدار ثلاث أعوام والتي كادت أن تطيح بحياتي . لها الفضل في تنضيج قرار مصيري ، متأني ومتأتي من أجمالي حصيلة التجربة الحزبية التي عايشتها ومررت بها ، طيلت سنوات أحترافي للعمل الحزبي . وتجسد قراري التاريخي على الصعيد الشخصي بأعتزال النشاط و العمل الحزبي نهائياً ، وكان ذلك تحديداً في عام ١٩٨٢ . مع الأستمرار في النشاط السياسي الفردي و المستقل والمعارض ، سواء للسلطة العراقية القائمة آنذاك أو للأحزاب المشلولة والمرتهنة بالخارج .
فمنذ عام ( ١٩٨٢ ) هذا التاريخ الأقرب الى قلبي وعقلي . والذي عودت نفسي حتى هذه اللحظة الأحتفاء به ، في كل عام تمر ذكراه . معتبراً إياه عام الأنعتاق من الأغلال والقيود ، الثقيلة والخانقة ، والمكبلة لملكاتي و لقدراتي وأمكانياتي وعطاءاتي . والذي تتوج ببلوغ تجربتي في العمل الحزبي ، مبلغ النضج و الكمال ، وبفضل هذا النضج ، أمتلكت زمام المبادرة ، في أجرء وأرجح وأعقل القرارات المصيرية على المستوى الشخصي . فكان خياري ، في الأستمرار بمزاولة الأنشطة والفعاليات السياسية ، بما يكفل ويضمن الحفاظ على نصاعة تاريخي وتاريخ أسرتي النضالي المشرق . المهم والأهم بالنسبة ليَّ ، أن تكون هذه الأستمرارية ، في تسجيل هذا الموقف أو ذاك ، أو في هذا النشاط أو ذاك بعيدة كل البعد عن التخندق والتحيزالحزبي الضيق . فكنت السباق من بين أقراني سواء من أفراد آسرتي الذين أفتخر بهم وببطولاتهم وتضحياتهم ومواقفهم المشرفة . و من الأصدقاء الكثر والمقربين من تطلعاتي ومواقفي . في البحث والتقصي عن ملاذ آمن . يحفظ بقائي على قيد الحياة ، والعيش بحرية وكرامة . ودون وصايا من أحد . خصوصاً ( وصاية قيادة المعارضة العراقية المذلة ) ، التي سقت المر والحنظل للمئات من المناضلين والشرفاء . فكان مجرد التفكير بدول الجوار المحيطة بأهلي وشعبي في العراق ، لأن تكون ملاذي الآمن ، أمراً مستحيلاً . في ظل وجود ( المافيات التابعة لقيادة المعارضة العراقية ) ، والتي يعرف القاصي والداني ، أساليبها الرخيصة والمذلة ، في فرض الوصايا . ونفس تلك ( المافيات المأجورة ) ، كانت تروج لمفاهيم السقوط السياسي ، في حال اللجوء الى دول الغرب المانحة للجوء . للحد من ظاهرة التململ والتسرب والتشظي بين جمهورها وقواعدها ، والتي بدأت تفكر جديا ً بمصائرها ، في ظل الوصايا المجحفة للقيادة ، والتي لايهمها من أمر قواعدها ، سوى سبل الحفاظ على مواقعها وكراسيها السلطوية المتجبرة من فراغ . فتبلور قراري آواسط عام ١٩٨٧ ، بالسفر الى المملكة السويدية ، سعياً للملاذ الآمن والعيش بحرية وكرامة فيها . فكانت السويد وما تزال بالنسبة ليَّ لآلاف غيري ممن تقطعت بهم السبل ، برداً وسلام .
للموضوع تتمة ، تأتيكم في الحلقة الثانية .
#حبيب_محمد_تقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها الرفاق : أنا العراق ...!
-
معاً ننسج الراية ...!
-
هيهات منا القسمة ........!
-
سرادشت عثمان - والله يازمان...!
-
قصيدة / السنين العجاف ...!
-
أوهبكَ سيف أجدادي ...!
-
على ضوء الشمعة ...!
-
الهجرة والأغتراب : بين الأمس الغابر والحاضر العابر ...!
-
قصيدة / في ذكرى مجزرة شارون بشتآشان ...!
-
١ آيار / بطاقة عيد ... !
-
في ذكرى التاسع من نيسانها...!
-
البصرة : شهقة ثغر ، تكابد من أجل أسترداد أشراقتها .
-
صلبوا النواب وأحمد مطر العظام.....!
-
حرب على الأقلام الصفراء
-
غيبتكَ
-
الإلحاد : هل هو عدو أم خصم للدين ؟
-
ظهور الأديان في حياتنا : نعمة أم نقمة ؟
-
تأمركوا اثابكم الله .....!
-
لوحة من ريف مدينتي ميسان!
-
ٍالثقافة : بين الواقع وبين البحث عن هوية تكافلية تكاملية مست
...
المزيد.....
-
شاهد ما حدث عندما تم اختراق إشارات مرور في شوارع واشنطن
-
طالب لـCNN عن منفذ إطلاق النار بجامعة فلوريدا: طُلب منه مغاد
...
-
السعودية: فيديو القبض على 4 يمنيين في مكة والأمن العام يكشف
...
-
ماذا يعني منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة نافلني؟
-
دراسة: الأطعمة فائقة المعالجة تترك بصمتها في دماغك!
-
روسيا تسجن صحفيين سابقين في DW بسبب المعارض الراحل نافالني
...
-
تهديدات ترامب ورسائل إيران المتضاربة تربك جولة المباحثات الث
...
-
المكسيك تسجل أول إصابة بشرية بـ-داء الدودة الحلزونية-
-
تونس.. أحكام بالسجن تصل إلى 66 عاما في -قضية التآمر على أمن
...
-
شبه جزيرة القرم تحتفل اليوم بانضمامها إلى روسيا
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|