|
رغد وعائشة ورانيا..حالات عَرَضية أم عاهات مستديمة؟
وجيهة الحويدر
الحوار المتمدن-العدد: 916 - 2004 / 8 / 5 - 11:50
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
"وجدتُ انه من الصعب علي ان أوفق بين بعض التصرفات التي يقوم بها "والدي" وبين القيم التي حرص على تربيتي عليها واعتناقها" هذه آخر عبارة تلفظت بها كريستي رودوك وهي تلم امتعتها لترحل عن والدها فيليب رودوك وزير الهجرة الاسترالي وتختفي للأبد من حياته في صيف 2002. كريستي ابنة الثلاثين عاما التى امتهنت المحاماة وكانت من اقوى المعارضات لسياسية والدها المتشدد ضد اللاجئين في بلادها. فهي منذ تولي والدها منصب وزير للهجرة، لم تحتمل قط تعامله اللاإنساني تجاه طالبي اللجوء السياسي والاستيطان. حيث ان اللاجئين كانوا ومازالوا يعاملون كالجناة. يُحتجزون تحت رقابة مشددة في شبه معتقلات نائية عن المدن، ويحاطون بأسوار شائكة. يُقذف بهم وبنسائهم وصغارهم في تلك الأماكن الموحشة وفي ظروف قاسية وكأنهم مدانيين بتهم أو مرتكبي جنح ، ويتركون لشهور طويلة واحيانا لسنوات. ذاك المصير يناله ذوي الحظ السعيد من المهاجرين، اما من كان النحس حليفهم فيُردّون بسفنهم الى حيث اتوا، فيهيمون على وجوههم ويتوهون بين امواج المحيطات الهائجة، فتتحطم مراكبهم ومن ثم يتحولون الى وجبات آدمية سهلة لتقضمهم الحيتان واسماك القرش. آلاف اللاجئين من الافغان والعراقيين والايرانيين لقوا حتفهم في المحيطات، ومن ثم حطت هامدة أشلاء من جثثهم على ضفاف استراليا بسبب عدم استقبالهم وقبولهم كلاجئين. وجدت كريستي ان ما يحدث لتلك الفئة من البشر على ارض وطنها وحشية وذل وظلم في حقهم، وان قوانين والدها الصارمة وقسوته هي المسببة لحدوث تلك التراجيديات الانسانية المفجعة. لذلك احتجت على والدها وعلى نهجه وسياسته المجحفة، فهجرت البلد بأكمله، واتجهت الى احدى دول العالم الثالث لتعمل فيها كمتطوعه في احدى المشاريع الإنسانية للأمم المتحدة.
ذاك الصنف النبيل من نساء "الذوات" الرافض للقهر قليل جدا ويكاد يكون معدوما. ما نراه اليوم هو من النوع المضاد تماما وعلى وجه الخصوص بين السيدات العربيات اللاتي يقطن على ارض تعج بالدكتاتوريين والمنتهكين لحقوق الانسان. فعلى سبيل المثال سيدة مثل رغد صدام حسين، أو حاملة الدكتوارة الفخرية عائشة القذافي، أو المذيعة السعودية رانيا الباز، خير نماذج على النساء المستأنسات للذل وسحق الذات وتبعاته. فهن من النساء اللاتي وعينَ على بيئات افرادها تتعاطى الظلم وتقتات عليه، لكن لم يدفع ذلك بأي واحدة منهن ان تحرك بنة شفه ضده. رغد تربت على يدي رجل لم يرف جفنه قط لإهدار دم احد، حتى حين قطّع اجساد اباء احفاده وفتت جماجمهم بالأسلحة الفتاكة. فبالرغم من أن رغد فقدت زوجها على ايدي اخوتها ووالدها، لكن مازال يتعثر لسانها وتتعلثم وتعجزعن انتقاد اي احد من ذكور اسرتها الفاشيين. بل تدافع عنهم ببسالة عجيبة وتجد اعذارا واهية للجرائم التي اقترفوها.
اما عائشة القذافي التي ظهرت في بدايات التسعينيات امام العيان وفي وسائل الاعلام كإمرأة اوروبية، بشعرها الاشقر الطويل المنسدل على الاكتاف، وبشخصية آخاذة في المظهر، حيث كانت مرتدية الجينز الضيق و"التي شرت" الذيَن ينمان على انها امرأة من الطراز الغربي الرفيع. الآن اصبحت عائشة كأنها "صرح من خيال فهوى". في تلك الايام تعشم فيها خيرا بعض الكتّاب السياسين العرب، بأنها ستكون يوما ما اول امرأة عربية حاكمة، وربما افريقية ايضا.فحين ذاك الظهور الساطع، تركت عائشة انطباعا حلوا في نفوس النساء بالذات، فالكل فغر فاهه وناظريه ومسامعه تحسبا لذاك الحدث الجليل المرتقب. بعدها يقال انه جرى خلافا بينها وبين والدها، فذهبت الى باريس للدراسة في جامعة السوربون.أختفت عن الانظار لمدة لتظهر تارة اخرى لنا قبل عدة شهور، بنبأ ترأسها لفريق المحامين الاشاوس، الذين نصّبوا انفسهم للدفاع عن "حامي البوابة الشرقية" وقائد ام المعارك وابوها صدام حسين. حيّرت العقول تلك المرأة الشابة ولا يدري احد مالذي تريد ان تحققه وتجنيه من وراء اقدامها على تلك الخطوة.
اما رانية الباز فهذه المرأة كانت اشدهن عاهة وتشوها، يبدو ان تلك المرأة اعتاد جسدها على الضرب المبرح واستأنست شخصيتها الإمتهان والتحقير، لذلك في "العلقة" الأخيرة التي تلقتها من جلادها، من المحتمل انها ارادت ان تخبر العالم بأسره انها "حرمة" قلبا وقالبا وقولا وفعلا، وأن "الحريم" اللاتي من صنفها يجب ان يعاملن بالصفع واللطم وتهشيم الوجه كي يستقيم حالهن وتعتدل سلوكياتهن.
رغد وعائشة ورانيا ثلاث نساء شابات عشن حياة متباعدة لكنهن في نهاية المطاف وصلن الى نفس محطة "الحريم" التي تتلقف الذكور الظالمين والمستبدين والفاشيين وتحتضنهم وتبارك خطواتهم وتشد على ايديهم وتساندهم كلما ألمى بهم ضرر. بينهن قواسم مشتركة أهمها انهن يعشقن يإبتذال الاضواء، وانهن مصابات بعاهات مستديمة من شدة ماتعاطوه من تنكر للذات، وتبعية بسمة بهيمية لرموز دكتاتورية شديدة البشاعة. هؤلاء الفتيات يجّسدن صورة المرأة العربية المشوهة التي ترى ان الظلم عدلا والقهر نعمة والاستبداد اساس الحياة الطبيعية. تلك النساء عينات لكثيرات منتشرات في شتى انحاء البلدان العربية. يأتين من كل الطبقات ويتشكلن في صور مختلفة. منهن الاستاذة الجامعية، وربة المنزل، وسيدة الاعمال، والمتعلمة، والجاهلة، والفلاحة وحتى السفيرة والوزيرة. كل تلك الاصباغ والهالات لا تغير من معادن "الحريم" اللاتي أدمن على السياط وتمجيد الجلاوزة وتبجيل العنف كأسلوب للحوار.
رغد وعائشة ورانيا سددن رماح صلبة وقاسية في اعناق النساء العربيات الطموحات اللاتي يتطلعن لرفع الظلم عن الناس ويزاولن مهنة مناهضة الدكتاتورية والقهر والتجبرعلى البشر وصد تبعاته. آذين النساء اللاتي يعملن بأمانة وجد من اجل تشييد حياة كريمة لأفراد مجتمعاتهن، وتحسين رمز المرأة في النفوس وتحريرها من الارث المهترئ، من أجل سن قوانين تحمي حقوقهن كنساء وتحفظ لهن آدميتهن والآخرين من حولهن. رغد وعائشة ورانيا عريّن واقعهن المفخخ بكل اصناف القهر والسادية فهن لسن حالات عرضية بل هن نساء بعاهات مزمنة، لأنهن حصيلة بيئة موبوءة بالدكتاتورية، وتركة اناس متفاقمون بالشر، وفائض اناء ملغم بالفاشية..وكل اناء بالذي فيه ينضحّ!
#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إن كيدهم أعظم
-
الى متى سيظل تاريخ الحضارة الإنسانية يُلقن مبتورا؟
-
هل توجد هناك علاقة بين تناسق الجوارب وإزهاق الروح؟
-
قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري
-
لاستاذ حيّان نيّوف.. الاحتضار هو حين تسكن روحك جسد انثى عربي
...
-
خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
-
وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك
...
-
العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
-
لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا
...
المزيد.....
-
تقرير أممي: جرائم العنف الأسري تقتل امرأة كل 10 دقائق في الع
...
-
ابتكارات لمكافحة العنف ضد النساء في مناطق النزاع والحروب
-
بيان حملة 16 يوم لإنهاء العنف ضد النساء: ثلاثون عامًا على مت
...
-
اعتقال دعاء الأسدي…وملاحقة نساء الانتفاضة
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
الاعتداءات الجنسية ضد النساء في العراق تسجل أرقاما مرعبة
-
الشباب.. مفتاح مكافحة العنف ضد النساء
-
الحياة الواقعية تحت وطأة الصراعات.. المرأة اليمنية في أدب وج
...
-
سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 الجريدة الرسمية بعد أخر ال
...
-
المجلس الوطني يدين جرائم الاحتلال ضد المرأة الفلسطينية ويطال
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|