حميدة العربي
الحوار المتمدن-العدد: 3007 - 2010 / 5 / 17 - 18:35
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
منذ ان عرف الانسان الملائكة والشياطين والعلاقة بين الرجل والمرأة تحكمها المقولة الشهيرة ( ما اجتمع رجل وامرأة الا وكان الشيطان بينهما ) .. رغم المحاولات الجادة التي تبذلها النساء ( المثقفات خاصة ) لتغيير وزحزحة تلك العقلية التي تؤمن وتطبق تلك المقولة ( المبدأ ) .. لاثبات انه ليس هناك من شيطان الا الرجل نفسه ! .. وفي الحقيقة فأن الرجل هو الذي ابتدع واخترع هذه المقولة وثبتها ( في ذهن المجتمع والمرأة خاصة ) لكي يبرر , فيما بعد , افعاله مع المرأة , ويرميها على الشيطان ( المزعوم ) الموجود بينهما .. فحين يلومه الآخرين يتذرع بأن الشيطان هو السبب !
وهناك بيت شعر ( دارمي ) قاله رجل , حتما , وجعله على لسان امرأة :
برد الصبح قرصات لفني بعباتك وبساعة الشيطان انت ويه ذاتك
جعل هذا البيت على لسان امرأة لكي يؤكد ان المرأة تعترف وتقر بوجود الشيطان بينهما , وان ساعة الشيطان ( هذه ) آتية لا محالة , ولذا فهي لا تلومه بل تستسلم وتسلم امرها وتتركه لذاته ( ضميره ) .. وهذه كلها من ابداعات الرجل الذي لا يعرف , مع المرأة , الا مجاراة شيطانه !
فالرجال على مختلف مستوياتهم ومنابعهم وتلاوينهم , ينظرون الى المرأة من نفس الزاوية , كونها انثى , مصدر الاثارة ووعاء اللذات !!
والرجال نوعان : الجاهل ( البسيط ) الذي يعتبر المرأة تابعا او ملكا له , و ليس لها من مكانة او دور الا خدمته ( ليلا ونهارا ) وهذا النوع لا يمكن ان يؤمن او يعترف بأية علاقة بين الرجل والمرأة خارج اطار القرابة او الزواج , ويستنكر شئ اسمه صداقة بين الرجل والمرأة ويعتبرها امرا معيبا او عارا على المرأة والرجل ( صديقها ) .. وفي كل الاحوال فأن هذا النوع ( الرجل ) واضحا برأيه ونظرته وموقفه , يطرح نفسه وافكاره كما هي , دون تزييف او تزويق او تغليف .. ويمكن اعتباره صادقا مع نفسه ومع المرأة ( وان كان سلبيا ) .
اما النوع الثاني فهو المتعلم ( المثقف ) وهو غالبا ما يتصف بالتناقض والازدواجية في التعامل مع المرأة . فالمرأة التي تخصه ( زوجة او اخت ) غير مشمولة بالحقوق والحرية والمساواة التي ينادي بها , ولا يحق لها اتخاذ صديق ( رجل ) .. اما هو فيؤمن بالصداقة بين الرجل والمرأة ولكن نظريا فقط وتحت شروط وظروف معينة ( خاصة ) مثلا :
اذا كانت المرأة لا تعجبه ( لا يجدها جميلة كما يريد ) فأنه يتعامل معها كصديقة ( مع بقاء بعض الرسميات والجدية ) ويستعمل معها عبارات , هي الحدود والحواجز التي يضعها بينهما , مثل ( انت اخت عزيزة ) ( اعتبريني دائما اخ ) ( مرحبة ) ( في امان الله ) ( لا شكر على واجب ) ( لأنه يشعر ان كل شئ معها يدخل ضمن الواجب ) .. واذا كانت ارملة او مطلقة ولديها ابناء فيناديها ( ام فلان ) ليذكرها دائما انها ام .. وتابعة لأناس آخرين ! .. واسلوبه معها , عادة , يتسم بالبرود والجدية وقد يشعر بثقل العلاقة فتجده يحاول التهرب والاعتذار باستمرار ( والله مشغول دائما ) ( وقتي ما يسمح ) ..
اما اذا كانت المرأة تعجبه ( جميلة حسب ذوقه ) فالوضع مختلف تماما .. والتعامل ايضا مختلف , فهو الذي يتصل بها , بالحاح , ( ردت اسمع صوتك الرقيق ) ( حتى وان كان صوتها انكر الاصوات ) ويستعمل عبارات مثل ( صباح الورد ) ( مساء الياسمين ) ( انا احاضر دائما ) ( اشغالي ؟ لا لا .. اؤجلها طبعا ! ) ومستعد لبذل الغالي والنفيس ليوطد علاقته معها رغم انه , امامها, يسميها صداقة !
وعندما تتاح الفرصة فيجتمعا معا , بمفردهما , يبدأ بجس النبض ( يتحرش بها ) يمسك يدها او يمسد شعرها .. الخ وحين تنتفض المرأة رافضة ومستنكرة , على اعتبار انهما اصدقاء ولا يمكن للاصدقاء ان يقوموا بهكذا افعال .. يزعل ويغضب ويتهمها بأنها متخلفة ومعقدة ومدعية ثقافة .. الخ ( وكأن الثقافة والتحضر مرتبطان بالسماح له بالتحرش بها ) .. بمعنى اذا استجابت لارادته ورغباته فهي متحضرة ومثقفة , واذا رفضت فهي متخلفة وجاهلة !
ولأن الرجل يتصف , عادة , بثلاث صفات ( لا خلاص منها ) .. اولا : الانانية ( لا يفكر الا بنفسه ورغباته ) , ثانيا : الشعور بالاهمية ( وهذا تولّده التربية والعرف الاجتماعي الذي يفرق بين الذكر والانثى باعطاء الذكر الافضلية في كل شئ )
ثالثا : روح الهيمنة والتسلط ( وهذا ناتج عن السببين السابقين ) .. ونتيجة لهذه الصفات فأنه لا يفكر بالمرأة التي معه ( مشاعرها , رغباتها , حالتها النفسية .. الخ ) لا يفكر مثلا ان كانت تحب شخصا آخر .. او هو , نفسه , لا يعجبها كرجل .. ولا يخطر في باله ان المرأة ( المثقفة خصوصا ) في اي وضع وفي اي سن , تحلم بالحياة الرومانسية وتفكر بفارس احلام وسيم ( بدون كرش وصلعة ) .. المهم بالنسبة للرجل ان يكون هو معجب بها وعليها ان تتقبله وتقبل بكل ما يريد ويرغب والا سيحكم عليها بالطرد من جنته ( صداقته ) ويتهمها بالجهل والتخلف الى الابد !
والمرأة تؤمن , فعلا , بالصداقة وتطرح نفسها كصديقة حقيقية .. في حين ان الرجل يجاريها في ذلك ( مدعيا الصداقة ) حتى تحين الفرصة ويكشف لها عن حقيقة ما يريد من تلك العلاقة ( الصداقة ) بحجة ان الشيطان بينهما دائما!
مع ذلك وبشكل عام , فاٍن المرأة , وللاسف , ما زالت تثق بصداقة الرجل المثقف وتصدق ذلك الادعاء .. ربما لأنه مختلف عن ذلك الجاهل البسيط , يتعامل بتهذيب واحترام ( لا يخلو من مكر ودهاء ) وربما لأنه لا خيار آخر امامها غيره .. الا الجاهل البسيط الذي لا تنسجم معه .. او لقناعة ( وهمية ) ان الرجال مختلفون ( حسب الطبع والتربية ونوع الثقافة ) وهذا قد يكون صحيحا في كل الامور ما عدا موضوع المرأة .. فكلهم ينظرون اليها نفس النظرة ونفس المقياس ونفس الشعور .. الفرق ان الرجل المثقف يجيد اخفاء ما يريد بأسلوب مهذب , رقيق , ناعم ( لا يخلو من مداهنة ) .. والجاهل يعلن ويجهر ما يريد بأسلوب مباشر ( لا يخلو من خشونة احيانا ) .. لكن نظرتهما وغايتهما واحدة .. الاساليب وطرق التنفيذ هي المختلفة !!
واخطر هؤلاء هو الرجل المتزوج .. فهذا له عدة وجوه ويلعب على عدة حبال , حبل الزوجة وحبل المجتمع , وحبل الصديقة ( التي يريدها عشيقة اذا كانت جميلة ).
والمرأة التي يعرفها هي زميلته امام زوجته ( اذا عرفتها ) , وصديقته امام الآخرين والاصدقاء .. ويسعى سرا لكي يكسبها عشيقة او زوجة ثانية .. ولو صدمته برفضها فأنه يقاطعها ويشطبها من قائمة اصدقائه ولا يتوانى عن التشهير بها واتهامها بأنها كانت تلاحقه وهو يتهرب منها ( لأنه يحب زوجته جدا ويحترمها جدا جدا ) .. ولو سأله احد عنها فسوف يقلل من قيمتها ويشوه صورتها امامه ويحرضه باسلوب منمق على تجنبها والابتعاد عنها !
وباستثناء الاحبة والعشاق فأن الرجل والمرأة ان اجتمعا سوية ( كأصدقاء ) .. المرأة , عادة , تفكر بأشياء عامة .. والرجل يفكر بأشياء خاصة .. فلا الثقافة ( بأدبها وفنها وعوالمها الواسعة ) ولا العلم ( بابتكاراته وانجازاته التي غيرت كل شئ ) قادرة على تغيير نظرة الرجل الى المرأة .. وهي النظرة البدائية القائمة على الغريزة الحسية !
واذا وجد رجل لا ينظر الى المرأة بهذه النظرة فهو , اما طاعن في السن , او شاذ , او غربي ( اوربي او امريكي .. الخ .. حيث لديهم صداقة حقيقة بين المرأة والرجل )
واتحدى كل الرجال ( المثقفين وغيرهم ) ان كانت لديهم صديقات ( بلا شيطان بينهما ) غير اللواتي لا تعجبهم اشكالهن !!
#حميدة_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟