|
الإنسان و الأديان...!
باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 22:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إحتاجت البشريّة منذ فجر تاريخها لقوى عليا تقف بجانبها ضدّ جبروت الطّبيعة و الأعداء و تعطي حياتها معنى متساوقا مع مفهوم الخلود و يضفي على كينونتها بعدا إفتراضيا يمتدّ إلى ما ما بعد الموت طالما أنّ مكانتها و أهمّيتها في الكون الشّاسع لا تكاد تُذكر...حجر الزّاوية الأوّل في أيّ دين إمّا نصّاب زعم أنّه إله أو نبيّ مُرسل من عند اللّه و صدّقه أوّل غبيّ، أو رجل جاء بني عصره مصلحا أو مفكّرا أو مناديا بنشر الأخلاق أو بتجديد المبادئ و المفاهيم البالية السّائدة ثمّ إنتهى الأمر بأن ألّهه و قدّسه قومه بإرادته أو بغير إرادته و غدا نبيّا أو إلها أو قدّيسا يتناقل ذكره و فكره الأجيال عن الأجيال...!
يتدعّم و يترسّخ رصيد الدّين و أثره على الشّعوب و الثّقافات عبر الزّمن بفضل تشكّل طبقات و مجموعات متراصّة من الاستغلاليين و المستنفعين من الحكّام و المشايخ و أوصياء الدّين رغم أنّ جميع الآلهة قديما و حديثا أثبتت عجزها البيّن في إثبات أيّ وجود فعليّ أو أثر ملموس لها على كوكبنا فضلا عن فشلها الذّريع و الواضح في التدخّل الإيجابي بشكل محسوس في عالمنا الأرضي و بقاءها على طول الزّمن على الحياد بحجّة تأجيل تدخّلها في حياة البشر و تأخير القيام بدورها المنوط بها في الجزاء و العقاب إلى عوالم افتراضيّة ماورائيّة لا يعرفها الإنسان و لا يدركها إلاّ عندما يموت و يعود مرّة أخرى إلى الطّبيعة التي أتى منها...!
ليس هناك دليل علمي واحد على جدّية ما يحفل به تراث الأديان من خوارق و معجزات مزعومة تتحدّى قدرات البشر و الطّبيعة نُسبت لأشخاص أو لأمكنة كانوا يعيشون فيها أو لأشياء كانت تخصّهم لأنّهم أذكياء أو لعبثيّة الأقدار وترسّخت في الأذهان عبر النّقل و التّكريس و التّراكمات ثمّ توارثتها الأجيال و تناقلتها فيما بينها كحقائق و كمسلّمات بل كدلائل و كحجج تستشهد و تحتجّ بها لصالح معتقداتها و قدّيسيها...!
مع أنّ كلّ الدّلائل الحسّية و المنطقيّة و العقليّة تنسف فكرة الإله الإنسانيّة المتداولة من أساسها و تؤكّد بقوّة فكرة اللاّدينيّة بكيفيّة صارخة ما فتئت تُحرج و تُربك معسكر المتدينين (و هم الأكثريّة الطّاغية) منذ القدم رغم إستماتتهم في المحاججة و المناكفة العبثيّة المندفعة و النّابعة أساسا من عواطف حماسيّة و حالات نفسيّة مرتهنة و رغم القسوة و التّعالي الّلذان عُرفا بهما إزاء معسكر الإلحاد... لم يتركوا وسيلة على مرّ الأزمان إلاّ و استخدموها من أجل اضطهاد الملحدين و اللاّدينيين و التّضييق عليهم و اعتبارهم الأوطى و الأدنى منهم و إرهابهم و التكبّر عليهم و كأنّهم أقلّ شأنا منهم في سلّم البشريّة أثناء حتّى أيّ جدل أو حوار فكري بينهما...!
في رأيي برزت حاجة الإنسان إلى الدّين عندما شعر بهشاشته و حساسيته و قابليته العالية للمهالك...إحتاج هذا الإنسان الضّعيف في هذا الكون المترامي الأطراف إلى الدّين لأنّ مشاعره بالدّونيّة و بالضّآلة ما انفكّت تتعاظم و تتجلّى له أمام غلبة و قهر قوّة الطّبيعة الطّاغية لذلك نراه عَبد الشّمس و عَبد القمر و عَبد الحيوانات و كلّ ما تقمّص أو رمز في ذهنه للقوّة و التأثير و الطّغيان و الخلود...احتاج الإنسان إلى الدّين لأنّه وعى حجمه المتناهي في الصّغر في هذا الكون اللاّمتناهي في الكبر...
إخترع الإنسان الدّين لينظّم نفسه و ليتمكّن حكّامه من السّيطرة على محكوميه...هناك دائما أشياء يمكن أن تردعها القوانين و اليد الحديديّة لكن تبقى أشياء خاصّة تلعب فيها القرارات الشّخصيّة الدّور الحاسم لأنّه يصعب حصرها أو مراقبتها من طرف أيّ هيئة مراقبة أو ردع...دائما و ابدا هناك تحالف مصلحي بين الحكّام و أهل النّفوذ من جهة و بين رجالات الدّين و أوصياءه من جهة أخرى لكي تسهل السّيطرة على النّاس...
الأنبياء رجال مثلهم مثل السّياسيين و المفكّرين الثّائرين يمتازون عن غيرهم بالذّكاء و بنزعة أقرب إلى الهلوسة و الشّعور بالعظمة قد تكون فطريّة أو مكتسبة تجعلهم يرغبون في التميّز و يشجّعهم محيطهم و الظّروف الّتي حولهم إلى كسر الرّتابة و السّعي إلى إحداث التّأثير و التّغيير في حياتهم و في حياة و عادات و أنماط حياة مجتمعاتهم...ينتهي بهم صبرهم و إصرارهم ضمن محيط معيّن و معطيات إجتماعيّة و بيئيّة مؤاتيّة تتميّزغالبا بعاطفيّة النّاس في تلك الأزمان و بقابليتهم العالية على التأثّر و التّصديق...ينتهي بهم نضالهم الممتع بأن يضعوا المعتقدات و يؤسّسوا لأديان تتدعّم بالأتباع و المؤمنين عبر الزّمن و التّكريس المتواصل...و تحضرني مقولة لست أدري من قائلها يقول "نشأ الدّين عندما التقى أوّل نصّاب بأوّل غبيّ"...يصدّق غبيّ نصّابا ثمّ يصدّقهما أغبياء و أغبياء و يتزايد الأتباع و المصّدقون بمتوالية هندسيّة حتّى يتبلور القالب العقائدي و يستقوي بنائه شيئا فشيئا و يتدعّم رصيده الفكري و المحاججي بما يكدّسه و يصنعه و بما يكرّسه مفكّروه و دعاته و أتباعه عبرالزّمان و المكان بسلاحي التّرغيب و التّرهيب و هما أقوى سلاحين تستخدمهما أغلب الأديان...السّلاح الأوّل و هو التّرغيب في الجنان و جائزة الخلود أمّا السّلاح الثّاني و هو التّرهيب من غضب الإله و جحيمه الّذي أعدّه للعصاة و المارقين...!
يتشكّل القالب الأوّل لأيّ ديانة من مجموعة من التّوصيات البسيطة المتوافقة نسبيّا مع الأعراف و التّقاليد السّائدة في مجتمع ما و المتطابقة مع قائمة الأخلاق الإنسانيّة العامّة مثل فعل الخير و الصّدق و الإحسان و نبذ الظّلم و الغشّ...إلخ..يبدأ الدّين مسالما مهادنا و عندما يستمكن و يستقوي بتراكماته و برصيد أتباعه يستغول فيه الظّلم و تسكنه روح الشّر و لا يبقى لنا منه غير ذلك الجزء الشّيطاني الّذي نبرّر به مساوئنا و نغطّي به فضائحنا و قبحنا..!
رغم ذلك فإنّي أرى أنّ الإنسان لا زال في حاجة إلى الدّين كمبادئ أوّليّة عليا و سيبقى في حاجة إليه لألفي أو ثلاثة آلاف سنة أخرى على الأقلّ قبل أن يتحرّر نهائيّا من تلك الحاجة أي بعد أن يقضي على احتكار الدّين للأخلاق و المبادئ الّتي تنظّم حياته و بعد أن يطوّر وعيه و إدراكه لذاته و للكون و بعد أن يرفع قدراته التقنيّة و المعرفيّة و هو يجالد قوى الطّبيعة و يستطلع أبعاد الكون الفسيح...
#باهي_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قيمة الانضباط في مجتمعاتنا...!
-
الجزائريّون و المصريّون في مسرح الدّيكة...!
-
وافق الحاكم المحكوم...!
-
الخمار و اللّحية قضيّتا الجزائريين الأساسيّتين...!
-
العصفور الحزين
-
حكاية قبيلة بني لاهيه
-
زنزانتي الخوف
-
مدينتي العربيّة المسلمة....؟!
-
كان لي رأي حين أبديته، ساقوا عليّ الملامة و قالوا أنت حمارُ.
...
-
عقيدة الولاء و البراء هل تصلح للعصر الحالي....؟
-
تيسون....
-
رغم التّدليس و التّزييف إلاّ أنّ الّتاريخ لا يرحم و لا يجامل
...
-
مرض التّفكير، أعراضه، علاجه و طرق الوقاية منه...!
-
هل من أمل في نهضة المسلمين و المرأة عندهم عورة و شيطان يُبطل
...
-
خسئتم مشيخة الجهل و النّفاق، فأنتم مصيبة الأمّة و بلاءها الأ
...
-
لدين الإسلام دور يصعب إنكاره أو المرور فوقه...!
-
سطور من الفصل الثّاني عشر من رواية كرة الثلج
-
هل إسلام الغالبيّة ممسوخ أم منسوخ....؟!
-
على من يكذب أمين منظّمة المؤتمر الإسلامي....؟!
-
احتقان، شغب..و سخط عامّ! الفصل الأوّل (2)
المزيد.....
-
قناة الأطفال المفضلة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة 2024 الجد
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مباني يستخدمها جنود الاحت
...
-
ايران تطلق سراح سجين نمساوي انطلاقا من الرأفة الاسلامية
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن قصف هدف في غور الأردن بفلس
...
-
“خلي أطفالك يبسطوا” اضبط الآن تردد قناة طيور الجنة 2024 الجد
...
-
مصر.. الإفتاء تحسم جدل قراءة القرآن بالآلات الموسيقية والترن
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تقصف موقع بياض بليدا بالمدفعية
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تقصف ثكنة راموت نفتالي بصواريخ ا
...
-
فرح أطفالك ونزل طيور الجنة…تردد قناة طيور الجنة الجديد على ا
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع السماقة في تلال كفرش
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|