شامل عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3005 - 2010 / 5 / 15 - 20:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نظرية الاستبداد صاغها الكَتاب الأوربيون في القرن الثامن عشر .
أخذت هذه النظرية طريقها إلى الإصلاحيين العرب / المسلمين , لأنهم فكروا في "
التقدم / التأخر – التمدن / الانحطاط ( حسب تعبيرهم ) .
إن تأخر العالم الإسلامي راجع إلى الطبيعة الاستبدادية لنظام الحكم ؟
هناك الكثيرين من الكَتاب والمثقفين يُركزون على هذه النقطة ويأهملون العامل الديني , ولكن هل يمكن الفصل بين تحالف النظام مع سلطة الدين مُتمثلة بما يُسمون / رجال الدين / ؟
إن احتلال الأتراك للبلاد العربية سبباً في انحطاطها ؟ هذا قولهم على غرار هذا قولك للزميل العزيز طلعت خيري ؟
مع ملاحظة أن سلطنة بني عثمان / الخلافة العثمانية / كانت خلافة إسلامية في نظر غالبية المسلمين تحكم العالم الإسلامي ( بالكتاب والسنة ) , وعندما سقطت عام 1924 بكى العالم الإسلامي على سقوطها ؟ فهل كانت احتلال أم أنها خلافة ترعى شؤون الناس وتحكمهم بالنص المقدس الذي لا بد أن يكون هو الحاكم على مر الزمان لصلاحيته التي لا تنفذ ؟
النتيجة لا بد من إصلاح نظام الحكم حتى نتخلص من التأخر وننتقل إلى التقدم أو من الانحطاط إلى التمدن ؟ هناك قناعة لدى هؤلاء الإصلاحيين ومعهم الكثيرين من المثقفين " بأن تأخرنا راجع إلى طبيعة النظام السياسي – أي الاستبداد – فتم نقده في كتاباتهم ثم أصبح مطلباً وطنياً ؟
فكرة المستبد العادل هي الفكرة التي أقتبسها الإصلاحيين من فكرة – المستبد المستنير – ( أوربا ) . للأوربيين الفضل في وعي الإصلاحيين بأن الاستبداد سبب تأخرهم ودعوتهم إلى حكم دستوري . هذا القول يؤيده ما ذهب إليه – رشيد رضا – حيث قال "
( أعظم فائدة أستفادها أهل المشرق من الأوربيين معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة ) .
ثم يستمر فيقول " إن المسلمين المعاصرين أخذوا فكرة – الحكم الديمقراطي – من أوربا وليس من تراثهم "
( لا تقل أيها المسلم أن هذا الحكم الدستوري أصل من أصول الدين الإسلامي ونحنُ قد استفد ناه من القرآن وسيرة الخلفاء . لا , بل من الأوربيين والوقوف على حال الغربيين ) .
فإنه لولا اعتبار بحال هؤلاء الناس لما فكرت أنت وأمثالك أن هذا من الإسلام .
( رحمة على والديك يا شيخ رشيد رضا فلقد خلصتنا من الديمقراطيين الإسلاميين بقولك هذا ) .
معنى هذا الكلام " أن المسلمين لو تُركوا لتراثهم لما اكتشفوا الديمقراطية والنظام الدستوري .
تم ترجمة – المستبد المستنير – إلى – المستبد العادل –
نظرية – المستبد العادل – لها جذور في تراثنا .
الاعتقاد في أمام منتظر يظهر لإحقاق الحق والعدل استناداً إلى الحديث الذي يقول "
إن الله يبعث على رأس كل مائة عام إلى الأمة أماماً يُصلح أمورها .
الإصلاح معناه اللحاق بمستوى الأمم الأوربية باقتباس ما هو صالح لديها من مبادئ وتنظيمات ومؤسسات .
حصل هذا لأن هناك وعي لدى المسلمين المحدثين لم يكن يعرفه الأقدمون ( الوعي بالتأخر ) .
ولكن لا بد من تجاوزه بعملية مزدوجة وكما يلي "
اقتباس أسباب قوة الغرب من قيم ومبادئ وتنظيمات وبتبنيها بإعادة قراءة التراث ولكن بطريقة انتقائية , لا يُستدعى كل التراث , بل يُهمل الكثير منه أو ينتقد أو يُسكت عنه ؟
هل يمكن ذلك ؟ كيف يمكن طي التأخر وانجاز التقدم ؟ أو ما هو السبيل لانجاز الإصلاح بهذه الطريقة ؟
( لا بد من إصلاحات في زمان مختزل يتحقق فيه ما تحقق عند الغير في الزمان العادي ) ؟
( يعني خبط لزق أو على المزاج ) ؟
ما معنى قولهم هذا "
لا بد من سلطة قوية ممركزة لتسريع الإصلاحات المطلوبة , أي لا بد من مستبد عادل لإنجاز التقدم المنشود ( مثل حكامنا الذين أنجزوا لنا ما مطلوب أو مثل الذين يحلمون ) ؟ على كل حال .
هل هذه الطريقة ديمقراطية ؟ لأن شعار الحوار المتمدن – يساري – علماني – ديمقراطي .
القائلين بفكرة الاستبداد العادل لا يثقون في الناس بل بحملهم قسراً على الإصلاح ؟
ولكن هل هذا تناقض أم لا ؟
الذين دعوا لحكم دستوري من الإصلاحيين والذين ترجموا الديمقراطية إلى الشورى هم أنفسهم القائلين بضرورة المستبد العادل ؟ وهذا قمة التناقض .
الديمقراطية استشارة منظمة للناس – استفتاء – انتخابات على برامج – الخ .
هل الحكم بالقوانين لا يمنع الاستبداد ؟
الحاكم المطلق السلطة يمكن أن يكون حكمه استبدادياً بقوانين يفرضها ( وما أكثر المستبدين في الشرق وما أكثر ديمقراطيتهم ) ؟
يقول الشيخ محمد عبده " لا بد من حاكم يحمل الناس على رأيه في منافعهم بالرهبة إن لم يحملوا أنفسهم على ما فيه سعادتهم بالرغبة ( وهذا برأيي المتواضع أصل البلاء ؟ وهو قمة التناقض مع المبادئ الديمقراطية المنشودة ) .
أعزائي " مشكلة المثقفين عموماً حين يكون البون شاسعاً بين أفكاره وبين ما عليه واقعه ( هو ده اللي حيموتني مش هيموتني مثل ما يكتبه الأخوة في مصر يلفظونها بالحاء ويكتبونها بالهاء ) .
هذا المثقف مستعجل يريد أن تتحقق أفكاره في الزمن الذي يعيشه وبما أن العمر قصير لو تدرون والواقع لا يتغير بسهولة فيلجأ إلى وسيلة التغيير بالقوة .
بثورة أو انقلاب ويبشر بقدومهما ؟ هذه النتيجة قد خبرتها بلداننا وهي – الكوارث – مجيء استبداد جديد يحل محل استبداد قديم . ( وكأنك يا أبو زيد ما غزيت أو ما غنيت – حلوة ما غنيت ) ؟ الوسيلة الديمقراطية وسيلة طويلة وطريقها صعب .
وبما أن النظام السلطوي يحتل كل المجال العام – براً – بحراً – جواً – ويحتكر وسائل الإعلام ومناهج التعليم والأجهزة القمعية .. الخ .
بالرغم من كل ذلك فإن التغيير الديمقراطي وبالنضال الديمقراطي هو – التغيير الحقيقي –
من أجل دولة الحق والقانون , قائم على شرعية التعدد في السياسة – الثقافة – الحريات .
المعيار الحقيقي لأي نظام ليس فيما يطلقونه أو يصفون أنفسهم به و لا في الأسماء ( الجمهورية الديمقراطية .... وغيرها ) ؟ ليست الجمهورية أفضل من الملكية لمجرد الاسم ؟ وليست الديمقراطيات الشعبية كذلك لأنها تطلق على نفسها هذا الاسم ؟
المعيار الحقيقي للحكم على نظام ما هو " وضعية مواطنيه داخله , هل حقوقهم الإنسانية مضمونة , هل هناك حرية تعبير – إصدار صحف – نشر – هل هناك قيود على تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات والتجمع والتظاهر السلمي , هل هناك تعددية حقيقية , هل هناك حريات دينية , هل .. هل .. الخ .
تغيير النظام المستبد ليس بالانقلابات ,, التغيير الحقيقي هو التغيير الديمقراطي وبالنضال الديمقراطي .. صحيح انه طريق صعب وطويل ولكنه الطريق الوحيد الصحيح .
قد يظن بعض السادة العلمانيين " أن استعمال القوة في فرض الأفكار له نتائج مثمرة " وهذا خطأ فظيع , وغبي , أثبتت جميع التجارب فشل هذه الطريقة .. هناك قانون يقول " لكل فعل رد فعل يساويه في القيمة ويعاكسه في الاتجاه " ..
أتاتورك في تركيا أغلق جميع المدارس الإسلامية ومنع ارتداء العمامة ..
رضا خان في إيران منع الحجاب – أجبر رجال الدين على حلق لحاهم – منع مواكب العزاء في عاشوراء .. انظروا إلى إيران الآن وسوف يتبين لكم ماذا اقصد ؟
هذه محاولات مفاجئة وقهرية ولذلك جاءت النتائج عكسية .. دليل رأيي المتواضع كما يلي "
يقول الأستاذ عصام نعمان "
المطلوب هو التغيَر وليس التغيير . التغيَر ذاتي نابع من الداخل .. التغيير قسري نابع من الخارج . التغيَر يبدأ بالحرية – الحرية هي المبتدأ والخبر – هي الإنعتاق من الارتهان لثالوث "
التقليد الجامد – السلطان الجائر – العدو الطامع .
جمود التقليد حَمى جور السلطان وعطل التجديد ( التقليد هو بطل الأمة الوحيد الذي لم يعرف الهزيمة منذ أمد بعيد ) ؟ وبذلك غابت الحرية وتحولت مستمدة جذورها من التراث إلى الطاعة .
السلطان يقرر والرعية تطيع , إذا أصاب السلطان قيل أن مرده إلى مقدرة فيه وموهبة , أما إذا أخفق فإنها إرادة الله أو ضربة القدر ؟
الطاعة هي القاعدة ومنذ أول يوم والحرية استثناء , الطاعة هي طريق حياتنا والحرية مجرد انقطاع طارئ لطاعة مزمنة .
هذه هي أصالتنا والتي لها معنى واحد " الإيغال في ممارسة الطاعة " الطاعة للسلطان والطاعة للنص .
الحرية أصبح لها مدلول " التمرد على التأويل السلطاني للنص "
غير أننا أخفقنا .. لقد خسرنا الحرية والحداثة .. منذ أجيال ونحنُ نراوح في مستنقع الركود .
لقد عطلت ثقافة الطاعة نصف الأمة بحرمان المرأة حقوقها وحريتها ..
النتيجة مزيداً من الركود والتخلف ,, ومزيداً من الطاعة والاستتباع .. مزيداً من الضعف الشامل . من هذه التجارب الفاشلة هناك درس ساطع "
( أن لا سبيل إلى التغيير إلا بنقد التقليد .. أن لا سبيل إلى النقد إلا بفك الارتهان وممارسة الحق في الحرية بوتيرة الحق في الحياة ) .. وبدون شتائم يا أهل العقول ؟
بغير ذلك .. أعذرونا .. فالجهود التي لا تصب في هذا الاتجاه هي جهود ضائعة وكلام ونقاش وجدل عقيم لا يزيد إلا المأساة ... ( رأيي المتواضع ) .
/ ألقاكم على خير / .
#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟