|
ملحمة الانعتاق
فريدة النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 3004 - 2010 / 5 / 14 - 10:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قال المخرج التقدمي الأمريكي «أوليفرستون» واصفا فيلمه التسجيلي الجديد «جنوب الحدود» عن الرئيس الفنزويلي «هوجو شافيز» «إنها المرة الأولي في التاريخ التي يشابه فيها رؤساء عدة دول في منطقتنا الأشخاص الذين يحكمونهم». ويقصد «ستون» بهؤلاء الرؤساء «لولا داسيلفا» في البرازيل الذي خرج من معطف النضال العمالي النقابي بعد أن عمل في بداية حياته ماسح أحذية وانتخبه شعب البرازيل لدورتين متتاليتين أو «ايفو موراليس» رئيس «بوليفيا» الذي انحدر من سكان بلاده الأصليين من الهنود الحمر، وحمل في ذاكرته ما اختزنته الروح الشعبية من ذكريات عن كفاح كل من العبيد و«تشي جيفارا» في بلادهم حين حرض الأخير الفلاحين وأبناء العبيد الذين أذلهم وأهانهم المستعمرون الإسبان والأمريكيون ونظمهم لمقاتلة مستغليهم وقاتل جيفارا بنفسه في صفوفهم إلي أن حاصرته المخابرات الأمريكية وقتلته خوفا من إشعاع الثورة الكوبية التي كانت قد انتصرت، وتحسبا لامتدادها إلي كل أمريكا اللاتينية الخاضعة للإمبريالية الأمريكية وكانت أمريكا قد سلحت نظما ديكتاتورية قمعية لإخضاع شعوب القارة دفاعا عن مصالحها غير المشروعة. أما «هوجو شافيز» بطل الفيلم الأخير لـ«ستون» والذي جاء بدوره منتخبا لدورتين بأصوات الفقراء والمهمشين والهنود الذين ينتمي إليهم، ورتبت له المخابرات الأمريكية أكثر من محاولة لقتله أو إزاحته، ولكنه اعتمادا علي شعبه وعلي المؤسسات الجماهيرية التي أنشأها نظام استطاع أن ينتصر ديمقراطيا علي كل مؤامرات الأعداء الطبقيين والاستعماريين. واستطاع «شافيز» في نفس الوقت أن يحافظ - بمعونة الطبقات الشعبية ودعمها - علي الحقوق التي حصلوا عليها في ظل النظام التقدمي، وبطبيعة الحال فلا يزال كل من «داسيلفا» - الذي رفض بالمناسبة أن يغير الدستور لكي يمد فترات حكمه لأكثر من دورتين رغم أنه كان يستطيع، كذلك «إيفو موراليس» و«شافيز» يواجهان صعوبات شتي تتمثل في عنف الأعداء الطبقيين والتعقيدات الهائلة في العلاقات الاجتماعية المركبة وقوة كبار الرأسماليين وثرائهم وأشكال التردد والميوعة التي تميز الطبقات الوسيطة أو ما يسمي بالبورجوازية الصغيرة وهي تتطلع إلي الصعود والإمساك بتلابيب الطبقة الرأسمالية ونمط حياتهم، ولم تنضم بعد بشكل حاسم للعمال وصغار الفلاحين. عرف هؤلاء القادة الذين يشابهون شعوبهم وقد منحوا لهذه الشعوب كل ولائهم أن ينبوع الأخلاق الثورية لا ينضب كما علمهم «فيديل كاسترو» هو الذي رفع نظامه المحاصر في كوبا شعار «نعم أنا أستطيع» حين صمم برنامجا لمحو الأمية أخذ المعلمون الكوبيون المتطوعون ينفذونه في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية ليخلصوها من عار الأمية، وحين استعار «باراك أوباما» هذا الشعار البليغ ليصبح أداة حملته الرئاسية لم ينسبه أحد لأصحابه الأصليين الذين حين قالوا نعم نستطيع كانوا يغالبون قوة الإمبريالية القاهرة بقوة الإرادة والتصميم والتنظيم والثقة اللامتناهية في قدرات الشعوب وثراء تجربتها. فكيف انتصر هؤلاء جنوب الحدود وحافظوا علي انتصارهم؟ لعل المتابعة المتأنية لتجارب هذه البلدان ومسيرتها التي أدت لانتخاب رؤساء يمثلون الطبقات الشعبية حق تمثيل تدلنا علي أن عنصر الوعي لعب دورا رئيسيا في هذه المسيرة الظافرة. إذ نضج الوعي الثوري لدي الطبقات الشعبية في أتون الكفاح المرير ضد النظم الديكتاتورية والتضحيات الباهظة التي قدمتها هذه الشعوب وفي القلب منها أحزاب تقدمية ومجتمع مدني نشيط ونقابات أصبحت حرة عبر النضال. وكان هذا الوعي وما يزال عنصرا حاسما في تأكيد ديمقراطية ونزاهة الانتخابات العامة التي حملت هؤلاء الرؤساء إلي سدة الحكم، وحدث ذلك كله في ظل تعددية سياسية صارعت فيها ببسالة كل القوي الشعبية الطامحة إلي التحرر والعدالة ضد الأعداء القوميين والطبقيين، وحررت نفسها أولا بأول من أوهام الوعي الزائف الذي أجادت ترويجه قوي الاستغلال والقمع حين ربطت بين الحرية الاجتماعية وحرية السوق والتجارة دون أي ضوابط إنسانية. وأنشأت هذه النظم مؤسسات إعلام قوية استطاعت في ظل التعددية أن تنافس الإعلام البارع والمزيف للبورجوازية لتخط هذه الشعوب مجددا ملحمة من ملاحم كفاحها الممتد عبر القرون من أجل الانعتاق من كل أشكال العبودية والاستغلال وأملا في بناء عالم جديد ترفرف عليه رايات الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. وحولت هذه التجارب جنوب الحدود قارة أمريكا اللاتينية من حديقة خلفية للولايات المتحدة الأمريكية كما وصفتها الأدبيات الاستعمارية إلي منارة للحرية والتقدم تضيء للعالم كله الطريق إلي الحرية الحقة.
#فريدة_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قضية للمناقشة - باسم الله
-
أفعال فاضحة
-
فاشية إسلامية!
-
إخضاع المرأة والمجتمع
-
السؤال الجديد
-
العَلمانية ليست كفرًا
-
ألمجد لمن قال لا
-
ألمعركة القادمة
-
الهولوكست والعنصرية
-
تحرر المرأة العربية ذلك اللحن الذي لم يتم
-
الدمقراطية والعلمانية
-
قضية للمناقشة في عيد العمال
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|