|
برج المراقبة
جمال بنورة
الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 22:43
المحور:
الادب والفن
"برج المراقبة" بقلم جمال بنورة
موقع عسكري متقدم.هناك برج للمراقبة، يعتليه جنديان. أحدهما يقف وراء مدفع رشاش في حالة تأهب، ومن خلال منظار بيده اليسرى، يراقب المناطق السكنية المحيطة بالموقع. الجندي الآخر يجلس على كرسي في حالة استرخاء وكسل، وسلاحه على ركبتيه. الجندي (1): (كأنما يحدث نفسه) معظم البيوت التي أراها قد تهدمت، وهجرها سكانها. (ينظر في ساعته) الساعة جاوزت منتصف الليل ولم يأتوا بعد.. إنني أنتظركم.. هيا! تعالوا! (يحرك المنظار بيده على شكل نصف دائرة مستكشفاً) الجندي (1) مستأنفاً حديثه: إذا استمروا بإطلاق النار.. فلن نبقي لهم بيتاً واحداً يحتمون به.. سنهدمها جميعاً على رؤوسهم. (يرفع المنظار عن عينيه، ويلتفت إلى رفيقه الجالس في الركن المقابل، فيراه قد غط في النوم) الجندي (1): ( في إشارة تنبيه) هيه.. يبدو أنك غفوت. لم يأتوا بك إلى هنا لكي تنام! الجندي (2): (ينفض رأسه كأنما يطرد النوم عن عينيه) لقد غلبني النعاس. الجندي (1): سيكون الأمر جيداً، لو بدأوا بإطلاق النار وأنت نائم! الجندي (2): الليل ساكن، فلا تُعكر هدوءه علينا! دعنا نستريح هذه الليلة. الجندي (1): لو علم القائد أنك نائم، فسوف يعاقبك! الجندي (2): (متنبهاً) لا أعتقد أنك سوف تخبره! الجندي (1): إذا اضطررتني إلى ذلك.. فلن أتردد.. الجندي (2): أنت صديق لا يُوثق به!.. الجندي (1): لأنني صديقك أفعل ذلك.. أنا لا أريد أن يُباغتوك وأنت نائم.. لأنني أحرص على حياتك.. الجندي (2): هل أنت حريص على حياتي أكثر مني؟ الجندي (1): على أي جندي إسرائيلي.. وليس عليك فقط.. الجندي (2): دعني من هرائك!.. الجندي (1): (يعود إلى منظاره ويراقب) أعتقد أنني أرى شيئاً يتحرك قرب أحد البيوت.. إنه شبح إنسان.. رغم العتمة أستطيع أن أراه.. هناك شبح آخر يقف خلفه. الجندي (2): (بلهجة ساخرة) أنت تتوهم دائماً رؤية الأشباح.. أنا أخشى أنها تلاحقك حتى في منامك.. هذا إذا تمكنت أن تنام!.. الجندي (1): أنا لا أمزح! الجندي (2): أنت تعلم أن موقعنا مُحصّن.. حتى لو كان لديهم مدفعية، لن تؤثر فيه! الجندي (1): لماذا يهاجمون إذن.. ما داموا يعلمون أنهم لن يتمكنوا من إصابتنا؟ الجندي (2): لإثبات وجودهم.. أو للتظاهر بأنهم قوة لا يُستهان بها! الجندي (1): وما الفائدة التي سيجنونها من وراء ذلك؟ الجندي (2): يفعلون ذلك لتحقيق مكاسب سياسية أو لتعزيز موقفهم في المفاوضات. الجندي (1): إنهم يحلمون.. أليس كذلك؟ الجندي (2): دعهم يحلمون.. ودعني أنام قليلاً! ألا تفك عني؟ الجندي (1): وإذا هاجمونا؟ الجندي (2): سنرد في الوقت المناسب! الجندي (1): هذا هو الوقت المناسب. (يصوب رشاشه الخمسمائة ويطلق صلية كاملة.) (لا أحد يرد على إطلاق النار.) الجندي (2): كفى! لا ضرورة لذلك. طيّرتَ النوم من عيني. الجندي (1): أنا أريد شخصاً أتحدث معه.. لا أريد شخصاً ينام أثناء الحراسة. الجندي (2): (يعتدل في جلسته) حسناً! يبدو أنني لن أنام الليلة (ثم مستدركاً) غداً سأشبع نوماً. الجندي (1): لماذا غداً؟ الجندي (2): لأنني سأكون في إجازة. منذ شهرين لم أرَ زوجتي. الجندي (1): لا بدّ أنها متلهفة لرؤيتك. ألأجل ذلك تريد أن تنام الليلة حتى تستطيع السهر في الليلة القادمة؟ (يتابع المراقبة من خلال المنظار) أعتقد أنك لن تنام الليلة.. هناك حركة غير طبيعية.. خذ أنظر بنفسك! (قبل أن يتم حديثه يُسمع صوت إطلاق نار عن بُعد) الجندي (1): أرأيت؟.. ها قد عادوا.. إنهم في نفس المكان الذي أخبرتك عنه.. الآن سنلقنهم درسا لن ينسوه!.. سنهدم البيت الذي يحتمون به. الجندي (2): وما ذنب الأبرياء الذين بداخله؟ الجندي (1): من قال إنهم أبرياء؟.. لماذا يسمحون للمسلحين بإطلاق النار من جانب بيوتهم؟ الجندي (2): علينا أن نرد على من يُطلق علينا.. وليس على البيوت. الجندي (1): كيف نمنعهم من إطلاق النار إذا لم نهدم البيوت التي يحتمون بها.. ثم إن ذلك سيجبرهم على الرحيل.. (يرفع جهاز اللاسلكي إلى أذنه، ليرد على الإشارة التي وصلته.) الجندي (1): قيادة المدفعية.. نعم.. البيت الثاني على الخط الرئيسي من جهة اليمين. أمامك مباشرة.. البيت المواجه للموقع تماماً. (يُغلق الجهاز. بعد لحظات يُسمع صوت إطلاق قذيفة مدفعية. ثم تتبعها عدة قذائف.) الجندي (1): (وهو يراقب من خلال المنظار) لقد أصابت البيت إصابة مباشرة. الجندي (2): (يتناول المنظار من الجندي الأول) دعني أرَ! (الجندي الأول يُصوب رشاشه في اتجاه البيت.) الجندي (2): ماذا ستفعل؟ الجندي (1): سترى بنفسك! (يطلق عدة زخات من الرصاص باتجاه البيت.. في حين يُسمع صوت سيارات الإسعاف.) الجندي (2): أصبنا الهدف.. فلماذا تطلق النار؟ ألا ترى سيارات الإسعاف قادمة؟ الجندي (1): أستطيع أن أتخيل حالة الفزع التي يعيشونها.. تراهم الآن مختبئين في جحورهم. ليس لديهم ملاجئ آمنة مثلنا.. أينما ضربت سوف تصيب. (يلتفت نحو رفيقه) يظنون أن إطلاق بضع رصاصات علينا سيجبرنا على الانسحاب. عليهم أن يفهموا أننا باقون هنا إلى الأبد. (يعود لإطلاق النار بغُل.) الجندي (2): سيارات الإسعاف تقترب! لا تطلق الآن.. فقد تصيب مدنيين! الجندي (1): (مستمراً بإطلاق النار بشكل عشوائي) هل أخذتك الشفقة عليهم؟ الجندي (2): لا علاقة للشفقة بما أقول.. أنا أُطلق على من يُطلق علي.. وليس على مدنيين. الجندي (1): هذه فرصتنا للتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين. الجندي (2): ولماذا تريد التخلص منهم؟ الجندي (1): لنحافظ على نقاء الدولة اليهودية (يستمع إلى اتصال باللاسلكي، ويظهر عليه الامتعاض) هناك أمر بالتوقف عن إطلاق النار بناءً على طلب من الارتباط. يقولون أن هناك حالات إنسانية تستدعي العلاج. الجندي (2): ألم أقل لك؟ الجندي (1): كان بودي أن أظل أقصف مواقعهم حتى الصباح.. حتى لا يبقى بيت واحد قائماً على أساساته. الجندي (2): (بهيئة استغراب شديد) كيف تستطيع أن تحمل في داخلك كل هذه الكراهية؟ الجندي (1): هل يعني ذلك أنك تتعاطف معهم؟ الجندي (2): لم أقل ذلك! ولكن مهما كانت مشاعري نحوهم.. فلن أسمح للكراهية بأن تفقدني إنسانيتي! الجندي (1): وهم.. أين إنسانيتهم عندما يفجرون الحافلات، والأسواق؟ الجندي (2): وأنت.. هل نسيت ما فعلته الليلة؟! ثم أنا أتحدث عن شعب.. وليس عن الانتحاريين. الجندي (1): لم أعمل ما فيه الكفاية.. بودي لو أفجر جميع بيوتهم. الجندي (2): ماذا ستحقق من وراء ذلك؟ الجندي (1): إن مجرد وجودهم على قيد الحياة.. لن يحقق لنا الراحة أبداً. الجندي (2): من أين جاءتك هذه الفكرة؟ ألم نكن نعيش معهم في السابق.. ولم يكن الوضع بيننا بمثل هذا السوء؟ الجندي (1): سمحنا لهم بالعودة، فصاروا يطلقون الرصاص علينا.. كان يجب ألا نسمح لهم بإدخال السلاح معهم.. كنا نتوقع أن يستعملوه لفرض هيبتهم، وحفظ الأمن.. وليس ضدنا.. والآن يريدون عودة القدس (عاصمتنا الأبدية) إليهم.. بل وعودة خمسة ملايين لاجيء فلسطيني. (فترة صمت) ولاجئو الشعب اليهودي أين نجد مكاناً لهم؟.. نحن لا نعرف العيش مع مليون فلسطيني، فكيف إذا جاء خمسة ملايين؟ سيصبحون هم الأغلبية.. وربما في يوم ما سيشكلون هم الوزارة!.. تخيّل لو أن عربياً أصبح رئيس وزارة، أو حتى وزير دفاع.. هل سيعلن الحرب على أي دولة عربية..؟ بالعكس سوف يُوجه نيران أسلحتنا إلى صدورنا..! الجندي (2): (متهكماً) لقد ذهبت بعيداً في تخيلاتك! الجندي (1): أقول لك.. انك لا تستطيع أن تثق بعربي!! الجندي (2): ألا تريد أن تعيش آمناً على نفسك وبيتك؟ الجندي (1): لماذا كنا نحارب طوال هذه السنين؟ أليس من أجل تحقيق الأمن؟ الجندي (2): لا تستطيع أن تحقق الأمن لنفسك، إذا لم يتحقق لغيرك.. وهذا يفرض علينا التفاوض من جديد مع الفلسطينيين.. والاستماع إلى مطالبهم.. علينا أن نعطيهم شيئاً يقبلون به.. ويمكننا القبول به أيضاً.. بحيث لا يشكل تهديداً لنا.. الجندي (1): كلما أعطيتهم شيئاً، سوف يطلبون أكثر.. إن مطالبهم لن تنتهي!! وهذا يشكل خطراً على وجودنا!! الجندي (2): ليست هذه المشكلة.. فوجودنا كدولة أصبح معترفاً به حتى من العالم العربي.. فلا خوف من هذه الناحية. الجندي (1): أين المشكلة إذن؟ الجندي (2): المشكلة أن هناك شيئاً خطأ في العلاقة بيننا وبينهم. نحن نعيش أزمة ثقة. كل طرف لا يثق في نوايا الآخر. إذا تمّ تصحيح هذا الخطأ، وبناء جسور الثقة من خلال خطوات متفق عليها.. فسأعتقد أنه يمكننا أن نتعايش معاً وأن نجد الحلول المناسبة للقضايا المعلقة. الجندي (1): أنت تُبسط الأمور لدرجة السذاجة! الجندي (2): (متجاهلاً تعليقه) ولتصحيح هذا الخطأ، على حكومتنا أن تتوقف عن سياستها الحالية التي تتبعها مع الفلسطينيين. الجندي (1): هل أنت فلسطيني أم يهودي؟ الجندي (2): أنا إنسان قبل أن أكون يهودياً أو فلسطينياً. وحتى أحافظ على إنسانيتي عليّ أن أعترف بحقوق الآخرين.. الجندي (1): مرحى.. رائع.. سيسر عرفات عندما يسمعك تقول هذا الكلام! الجندي (2): ولعلمك، فقد اتخذت الليلة قراراً لن أتراجع عنه. الجندي (1): لن أستغرب منك أي شيء! الجندي (2): سأكون أول من يعلن عن موقفه، برفض الاستمرار في هذه الحرب اللعينة! الجندي (1): (بتعجب) حقاً.. لم أنتبه إلا الآن.. إلى أنك لم تُطلق رصاصة واحدة في هذه الليلة! الجندي (2): (بتصميم) ولن أطلق في المستقبل.. ولذلك أقول لك.. إنني لن أعود إلى هنا مرة ثانية، حتى لو وضعوني في السجن!
#جمال_بنورة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زواج مؤجل
-
الزيارة
-
الاجتياح
-
في المستشفى
-
موعد مع الموت
-
الموت خلف الأبواب - قصة قصيرة
-
لقمة العيش - قصة قصيرة
-
القبر - قصة قصيرة
-
موت الفقراء - قصة قصيرة
-
الدرس الأخير - قصة قصيرة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|