علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 914 - 2004 / 8 / 3 - 12:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
2 أغسطس 2004 م
في منتصف الستينات، في عهد الملك فيصل، كانت هناك أنشطة سياسية في المملكة، وتمّ قمع تلك الحركة بقوة، سجن وتعذيب لسنوات طويلة. أنصار تلك الحركة كان أكثرهم من الشيعة في المنطقة الشرقية، والبعض من أماكن أخرى متفرقة من المملكة. رئيس أو قائد تلك الحركة، كما يذكر لنا من عاصروها كان من الرياض، وتم سجنه عدة سنوات، بينما الآخرين من الشيعة عانوا الأمرين لسنوات طوال في السجن تحت التعذيب.
ما ذكرته يبين بشكل واضح بأن الحكومة السعودية كانت في الماضي ولا تزال تمارس التمييز الطائفي ضد الشيعة، حتى في الظلم؛ وهذه الحكاية تتكرر كل يوم بشكل أو بآخر. قبل أيام (الجمعة 23 يوليو 2004 م) تم اعتقال المواطن عبدالله بن عبدالرحيم آل قريش (أبو حكيم – 45 عاماً) من أهالي مدينة صفوى وذلك بعد قدومه من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أب لأربعة أبناء. أبو حكيم لم يحمل آر بي جي ولا صواريخ سام ولا قنابل يدوية ومتفجرات، ولم يقم بتحويل مئات الآلاف من الدولارات لمنظمات عنصرية تدعو إلى الكراهية وقتل الأجانب، ولم يساعد في بناء مواقع متطرفة على النت، ولم يخالف قوانين الإقامة في أمريكا.
بالمقابل قامت الحكومة السعودية بالدفاع عن سامي الحصين المتهم بدعمه لمنظمات إرهابية والمساهمة في إنشاء مواقع لاستخدام الطائرات كسلاح للتفجير، ووكلت له طاقم من المحامين كلّف حوالي 300 ألف دولار. ونشرت صحيفة الشرق الأوسط خبر رجوعه من أمريكا وأنه تم استقباله استقبال الأبطال، وأن والده استلم المكالمات المهنئة من الكثير من الناس، بعضها من مسؤولين. أثبتت التحقيقات أن سامي عمر الحصين حوّل مئات الآلاف من الدولارات إلى منظمات متطرفة في أمريكا مخالفاً القوانين وأنشأ لها مواقع على النت لتستمر في دعمها للتطرف والإرهاب، وقد برأته المحكمة لأن ذلك بشكل تطوعي وأن الأموال التي قام بتحويلها إلى منظمة في أمريكا لم تكن على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب، وهذا يكفله الدستور الأمريكي حيث أنه يأتي ضمن حرية التعبير.
نحن نؤمن بأن ما فعلته الحكومة السعودية في الدفاع عن مواطن سعودي هو القرار السليم، مع تحفّظنا على ممارسات سامي الحصين حيث ساهم في إنشاء العديد من المواقع المتطرفة والداعية للعنف، مثل مواقع شيوخ التطرف، الحوالي والعودة، وهو من ساهم في إنشاء موقع طريق الإسلام المتطرف. هل زار أحدكم موقع طريق الإسلام، والذي لم ولن يصله الحجب؟ هذه بعض العناوين من الموقع: من صور الغلو والكفر عن الرافضة – عثمان الخميس، الرافضة واليهود والواقع اليوم – سعد بن عبدالله البريك، سلسلة الرافضة عقيدة وهدف - الشيخ إبراهيم بن عثمان الفارس، الفتوى المختارة - السؤال: ما حكم تكفير طائفة "الرافضة" ؟ والإجابة في ملف صوتي للشيخ بن باز يكفّر في الشيعة ويقول بأنهم عُبّاد أوثان، الرافضة – إحسان إلهي ظهير، الهند و باكستان والرافضة - فوزي السعيد. هذا أحد المواقع التي ساهم سامي الحصين في إنشائها وهي ذات رائحة طائفية نتنة، فهل هذه سياسة الحكومة تجاه الشيعة؟
أليس لنا الحق في السؤال عن المواطنين الشيعة الذين لم يحصلوا على ما حصل عليه سامي الحصين من دعم، حتى مع براءتهم من التهم الموجهة إليهم؟ سأذكر فقط قصة هاني عبدالرحيم الصايغ (من مدينة سيهات) الذي فرّ إلى أمريكا طالباً اللجوء عام 1999 م، بدل أن تقبله الولايات المتحدة الأمريكية استناداً لقوانينها التي تمنع تسليم أي إنسان إلى حكومته طالما هناك احتمال سجنه وتعذيبه أو حتى إعدامه مع غياب أي نوع من المحاكمة العادلة، قامت الحكومة الأمريكية بتسليمه إلى الحكومة السعودية. الحكومة السعودية لم تدافع عنه، مع أن الحكومة الأمريكية برّأته من الضلوع في عملية تفجير الخبر عام 1996 م، والآن الكل يعلم من كان وراء تلك التفجيرات، ولا يزال هاني الصايغ مسجوناً في سجن الحائر منذ أكتوبر 1999 م، حيث يعيش بمعزل عن العالم الخارجي ولم يسمح لعائلته بزيارة، ولا بالاتصال بمحام أو تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه.
الحكومة السعودية التي دفعت 300 ألف دولار للدفاع عن الحصين، لا تطبق أي نوع من القوانين الأخلاقية الإنسانية التي وقّعت عليها للحفاظ على حقوق المتهمين، ولا يزال هناك العديد من الشيعة في السجون السعودية يعيشون حياة صعبة دون أن يكون لديهم أي فرصة للدفاع عن أنفسهم أو الاتصال بأهاليهم أو بمحامين للدفاع عنهم، ولن يحظوا بمحاكمة عادلة، ولا محاكمة علنية لتبين التهم المنسوبة إليهم. وقد أدانت منظمة العفو الدولية عملية تسليم الصايغ إلى الحكومة السعودية وأدانت الحكومة السعودية لانتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان.
عندما قرأت خبر اعتقال مواطنين من الطائفة الاسماعيلة بنجران، المواطن علي آل دويس وفاضل حمد رديش ومانع صالح آل قريشه، والحكم عليهم بالسجن لمدة سنتين مع 750 جلدة، لكتابتهم على النت وذلك بتهمة الانتماء إلى منتديات تعمل بالإخلال بالأمن، والأضرار بالوطن، تذكّرت ما فعلته السلطات السورية قبل عدة أسابيع عندما اعتقلت المواطن السوري عبدالرحمن الشغوري (32 عاماً) وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين ونصف لنشره "أخبارا كاذبة تضعف معنويات الشعب". ويواجه أربعة سوريون آخرون تهما في قضايا مشابهة. الإخلال بالأمن والإضرار بالوطن، ما أضعف الوطن الذي يختل أمنه بكتابة على الإنترنت، وما أقبح وطن بدل أن يدافع عن شعبه يقوم بالتلصص عليه. فما الفرق بين الحكومة السعودية "المسلمة" والحكومة السورية "البعثية" إذا كانت الدولتان تعاقبان بالسجن لمدة سنتين فقط لكتابة على الإنترنت؟ أعذار أقل ما يقال عنها قبيحة، تستحقر المواطن وتنال من إنسانيته.
أليست الكتابة على الانترنت تأتي "ضمن حرية التعبير" التي كفلها "القانون" مثل ما كفله القانون "الأمريكي" لسامي الحصين؟ أم أن "ديننا الحنيف" يختلف عن قوانين أمريكا "الوضعية" "الكافرة" التي تكفل للمتهم محاكمة نزيهة وتتكفل بتعيين محام للدفاع عنه، وهذا يخالف "الدين الإسلامي" الذي تتبعه الحكومة السعودية؟
في الوقت الذي "تأسف" فيه الحكومة على لسان ولي العهد الأمير عبدالله لأن "الفئة الضالة" لم تستفد من العفو، مع كل الحوافز التي قدّمتها إضافة إلى العفو، أموال وتجنيس لزوجاتهم ودفع الديون التي عليهم وفرصة للظهور في القنوات الإعلامية، لازالت الحكومة تعامل الشيعة المسالمين بشكل يندى له جبين الإنسانية من تمييز في جميع نواحي الحياة، بل حتىّ في العقاب، فالشيعة يأخذون حصتهم "كاملة" غير منقوصة من التعذيب والتغييب, والآخرين يتم استقبالهم استقبال الأبطال من قبل مساعد وزير الداخلية وكأنهم حرّروا أرضنا المغتصبة فلسطين ومرتفعات الجولان.
الإصلاحات التي ينتظرها البعض على أنها قادمة معللاً ذلك بوجود مؤتمر الحوار الوطني الأول والثاني، وأخيراً الثالث فقدت زخمها، حيث فقد الناس الأمل في الإصلاح، خاصةً مع اعتقال قادة الإصلاح السلمي الذين تم سجنهم إلاّ إذا وقّعوا على تعهد بعدم التقدم بعرائض إصلاحية، والذي رفض لازال يقبع في السجن، وهم الأستاذ علي الدميني، الأستاذ الدكتور متروك الفالح والأستاذ الدكتور عبدالله الحامد. المتفائلون بالإصلاح والتغيير السلمي إلى الأفضل هم الواهمون فقط.
#علي_فردان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟