أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يسرا القيسي - حياتي قدري















المزيد.....

حياتي قدري


يسرا القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 3000 - 2010 / 5 / 10 - 09:51
المحور: الادب والفن
    



التقتها صدفة بعد مرور أكثر من ربع قرن حين كن على مقاعد الدراسة الثانوية والجامعية .. ورب صدفة خير من الف ميعاد؛ هكذا أصبحت حياتها مزيجٍ من صدفٍ وأقدار ؛ صاحت بصوتٍ عالي سمعه الآخرون المارة والواقفون المتبضعون في المتجر الكبير بان على وجوههم الدهشة والأستغراب؛ المتجر في وسط العاصمة بيروت الغنّاء المعطاء كأنها فتاة يانعة في عز شبابها بكل غنجها وأنوثتها حيث يتراقص جمال الجبل مع سهولة وسلاسة السهل بالبحر ..هذا ما يميز بيروت الفتاة اليانعة ..؛

ياااااه صديقتي أنتصار؛ رفعت رأسها المثقل بالهموم والأفكار تفاجئت ثمة حد أي حد يتذكرها وقد أحنى الدهر ظهرها ؛ تفحصت ملامحها من خلال نظاراتها ذات الزجاجة السميكة ؛ أنه الزمن لقد فعل فعلته الحمقاء معها ؛ تذكرتها بعد أن أستجمعت ذاكرتها المنسوفة ؛ آه آه صديقة عمرها وفاء لقد تغيرت كثيرآ ؛ وكأنها لم تتأثربظروف الحياة الصعبة التي نحياها .. تعانقا بحميمية تلك الايام الطيبة النقية ... أغرورقت مقلتيهما بالدمع .. دموع الشوق .. دموع اللقاء غير المتوقع .. أنها وفاء أسمٌ على مسمى صديقة العمر؛ كما هي بلباقتها لا بل أزدادت جمالآ ورونقآ ... حيوية ورشاقة ...؛أبتسمت أنتصار بمرارة مَنَ يستعيد ذكريات مر عليها عمر أولادهما هههه ...؛جلستا في مقهى للنساء فقط ؛ تتعالى أصواتهن مع قرقرة الأركيلة ؛ حرارة أحاديثهن كقيظ تموز؛

وجهت وفاء سؤالآ مباشرآ لأنتصار؛

- لماذا أنت هكذا ؟ تغيرت ملامحك كثيرآ؛ ذهب جمال وريعان الشباب وحل محله خطوط العقد الرابع وما يخبأه ؛

- ردت عليها كما تغيرت أنت يا صديقتي ؛ لكن الفرق شاسع بين التغيرين ؛ نحن لسنا سوى دمى في يد القدر الذي يمتلك سلطة مطلقة في تحديد مصائرنا وأختياراتنا... حدّثتها عن زواجها التعيس ومسؤلياتها المرهقة تجاه الأولاد ؛ أصغت أنتصار اليها وتعرفت على ظروف غربتها بضجرها وسأمها وما رافقها من خذلان وجحود الآخرين لها .. ومما زاد من تعقيد حياتها مرض زوجها وهو في منتصف العمر بمرض لا شفاء منه الأ بمعجزة من رب العالمين .. أستسلمت لقدرها ورضخت لواقعٍ مر مضحيةٍ بعمرها من أجل أولادها متحملة زوج لا يطاق بثرثرته وتذمره ولم يفكريومآ ما لأي موقف طارئ ؛ لامتها وفاء على سوء أختيارها لأنها لم تحسبها بلغة الأرقام كما حسبتها كانت قناعة أنتصار مختلفة عن قناعة وفاء تمامآ في أمور الحب والزواج ؛ فهي ترى أن الحياة مرحلة واحدة فعلينا أن نختار ما يلائمنا منذ البداية كي لانندم أو نتألم ونؤلم أولادنا ونظلمهم معنا ويتحملون سوء أختياراتنا كانت تقول لها يا أنتصار الحياة رزنامة كل يوم

تسقط ورقة منها علينا أن نحياها بمتعة وراحة بال ؛ فلغة الأرقام غالبآ هي التي تنجح في الزواج أما في الحب آه من الحب فمرآته عمياء ؛ قالتها وفاء وبكثير من السخرية وهي تهز يدها البيضاء الممشوقة وأظافرها الملونة التي زادتها جمالآ.. نحن غير مضطرات أن نكافح بعد سنين الدراسة ونقضي ما تبقى من نصف العمر في الحصول على أحتياجاتنا بمعاناة ..

أجابتها أنتصار بكلمة مقتضبة بألمٍ وحسرة وقد تحشرج صوتها بغصة.. برافو عليك يا وفاء حسبتيها صح ؛ أختزلتي الزمن وأختصرت الطريق منذ البداية ؛

أختارت وفاء رجلآ لا يحتاج الى أن يحسب أيام الشهر ولا يمسك قلمآ وقرطاسآ ليوزع راتبه البسيط على الجمعيات والقروض ... أحسنت الأختيار برجل أحبها لا بل يخشى عليها حتى من النسائم الربيعية الرقيقة لئلا تخدشها أو تلامس ثوبها أو تلاعب خصلات شعرها وتعكر مزاجها ..

أحبت أحمد حين كانت في أحدى سفراتها وهي مضيفة في أحدى شركات الخطوط الجوية ؛ هكذا أرتبطا ببعض من أول نظرة وتوّجا أرتباطهما بصبي وبنت في مقتبل شبابهما على أبواب تخرجهما من الجامعة ؛ تحمد ربها على هديته لها ... فرحت أنتصار لها ولحياتها الميسورة التي أزاحت عنها هموم ومعاناة أهلها وظروفهم الأقتصادية البسيطة ؛ كانوا أربع أخوات وأربعة أخوة وبالكاد كان والدهم يوفر لهم متطلباتهم .. سعدت بلقائها و حديثها عن حياتها وهي تقضي كل عطلة مع أولادها برحلة أستجمام في أحدى الدول العربية ...

حدثتها بفرح عن سفراتها .. وحضورها الملتقيات النسوية الخيرية ؛ لقائها الدوري بنساء المجتمع المخملي .. لقد تغيرت حياتها مئة وثمانين درجة ؛ ولم يبق شيئآ الا وعملته .. حتى ركوب الخيل ..والسباحة ؛ لقد وفر لها ولأولادها حياة مرفهة ؛ نسيت وفاء أيام العوز والبرد والجوع ..حينما كانت تلبس المعطف العتيق فوق جلبيتها .. في أيام الدراسة

على قدر فرحها بلقائها غير المتوقع والمفاجئ بوفاء تأملتها كانت متألقة ؛ تتحدث بزهوٍ.. تأملت حياتها ؛ فأنتبهتَ بعد برهة من الزمن بصوت وفاء عالي مسموع كعادتها ؛ كل شئ تغير فيها الأ صوتها الجهوري وملامحها الطفولية رغم ما غطت وجهها من أرقى ماركات المكياج الذي أضاف على جمالها جمالآ وبريقآ آخر ؛

ياااه كم أنا سخيفة فاتني أن أسالك عن حياتك بالتفصيل .. هل أنت مرتاحة مع زوجك الذي أحببتيه وتحديت أهلك من أجله ..

سحبتُ أنتصار نفسآ عميقآ من سيكارتها وحرقته بأحشائها ... شكل زفيرها سحابة فوق رأسها ؛ هزت رأسها وتململت قليلآ حاولت أن تخفي عنها وجع سنيين الغربة وألم حياتها مع زوجها المريض وأنينه المستمر الذي كان ينخر قلبها ؛ تمتمت ببعض الكلمات أثرت أن لا تفهمها وفاء؛ سألتها بماذا(تدردمين ) أجابتها

- لا شئ لا شئ ؛ كررت عليها السؤال

- ردت أنتصار من أين أبدأ لك الحكاية ؟

أحببته وأنت تعرفين قصة حبنا وما شابتها من تعقيدات تجاوزتها وأصريت عليه لأني أحببت مبادئه وقيمه التي أصبحت عملة نادرة في أيامنا هذه ؛ لهذا لم يطرأ أي تطور على حياتنا .. ؛ نفخت زفيرآ حارقآ...

- ردت وفاء بكلمات فيها الكثير من الألم والتأثر ؛ قلت لك يا أنتصار في الزواج أحسبيها بالعقل لا بالعواطف ؛ سرحت قليلا مع أفكارها وعذاباتها ومسؤلياتها المتراكمة ومشاكلها الجذرية والمتجذرة والمتشعبة كتشعب جذور كتشعب جذور الأشجار المعمرة .. لكزتها على يدها .. أين وصلت بسرحانك ؟ كأنها أيقظتها من كابوسٍ جاثم على صدرها ؛ ضحكت بعمق ولأول مرة من فترة طويلة قالت لها أسمي أنتصار ؟!.. أسمٌ على غير مسمى فحياتي كلها هزائم وخيبات وأنكسارات وفشل ذريع ..

- فعلقت الله يرحمك يا أبي لو أنتظرت قليلا كنت قد أسميتني نكسة من نكسات أوطاننا المتخاذلة ..

ردت عليها بلا فذلكة ولا تفلسف ليش كبرتي حالك قبل الآوان ؟.

أبتسمت ساخرة من كلمتها الأخيرة قلتي آوان ؟؟

- يا صديقتي لقد فات الآوان كررت سؤالها بطريقة مختلفة

- ألم تعرفي أكتشاف أسمه مركز تجميل ؟؟

- ألم تعيشي في عالمنا هذا ؟ أما زلت في زمن الأبيض والأسود كما في الخمسينيات .. أنهضي يا أنتصار ولا تستسلمي لظروفك .. أنهضي وتأملي حياتك وملامحك من جديد تأملي نصف الكأس المملوءة بالماء .. فتحت حقيبة يدها وسحبت مرآة صغيرة جميلة تدل على برجوازيتها ووضعتها أمام وجهها ؛

- اقرأي تعابير وملامح وجهك .. مالذي ستغيرينه من حياتك وقدرك؟ تعالي معي لتودعي ملامح اليأس والشيخوخة المبكرة في مراكز التجميل .. فركت راحة براحة ونبشت شعرها الرمادي بأصابعها التي تيبست وتشققت من الأشغال المنزلية الشاقة .. وقد بان عليها الأرهاق .. أحرجتها وفاء بدعوتها فمن أين لها هذا المبلغ أيآ كان فهو كثير وليس بأستطاعتها أستقطاعه من مصروف البيت وأدوية زوجها ... رنت ضحكتها المجلجلة ملئ فمها ذات الشفاه الوردية الرفيعة ؛ لا تفكري يا أنتصار نحن صديقات أنسيتي ؟ غدآ عيد ميلاد زواجي وأنا أدعوك لنعمل ( نيو لوك) أكدت عليها بالحضور على الموعد ؛ ودّعا بعضهما على أمل أن يلتقيا غدآ للاحتفال بعيد ميلاد زواج وفاء الميسور .. ودعتها.. وهي تجر أذيال خيبتها .. تفكر كيف أختياراتنا في كل شئ تحدد مسار حياتنا ؛ فحدثت نفسها أين كنت أنا والى أين وصلت حياتي مع زوجي المبدأي الموظف البسيط ..

داخت مع متطلبات أولادها وتطلعاتهم الى حياة أفضل .. وصلت البيت لتواجه أنين زوجها وتذمره من كل شئ تأملت نفسها أمام المرآة وبقيت تفكر ما الذي سيتغير من حياتي غدآ سوى مظهري الخارجي ؛ تاهت بتأمل حياتها الماضية والقادمة ..؛



#يسرا_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشريف أم تكليف ؟
- غيمة بيضاء
- أم كلثوم
- مملكة الخنديد
- الحب المر
- المرأة والفروسية
- نزق الحب
- قصة قصيرة جدآ / أحتواء
- 1/2 المثقفين
- الصمت
- صرخة امرأة
- دراسة نفسية
- القسم الثقافي / قصة / ذلك المساء
- المرأة العراقية في البرلمان
- المرأة العربية أستهلاك أم أستغلال


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يسرا القيسي - حياتي قدري