أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صبحي حديدي - اليهودي العربي














المزيد.....

اليهودي العربي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 913 - 2004 / 8 / 2 - 14:00
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في نيسان (إبريل) من عام 1994، عقدت جامعة وريك البريطانية مؤتمراً فكرياً نوعياً بعنوان "قراءات ثقافية في الإمبريالية: إدوارد سعيد وثقل التاريخ"، على هدي أعمال الناقد الثقافي والمفكّر الفلسطيني الكبير الذي رحل عن عالمنا السنة الماضية. وقد شرّفني أن أشارك في ذلك المؤتمر بورقة عنوانها "قراءة رايموند وليامز، بعد قراءة إدوارد سعيد"، حاولت فيها تلمّس ديناميات قراءة أستاذ مثل وليامز (بوصفه أحد كبار روّاد النقد الثقافي، ممّن مارسوا هذا النقد قبل زمن طويل من انقلاب المصطلح إلى موضة رائجة) بعد الوقوف على القراءة المعمقة التي قام بها أحد تلاميذه (سعيد)، الذي انقلب بعدئذ إلى أستاذ كبير في شتي حقول النقد الثقافي.
وكان المؤتمر حاشداً بالفعل، وضمّ نخبة من نجوم النظريات النقدية الصاعدة آنذاك (التفكيكية، ما بعد الاستعمار، التاريخانية الجديدة، النسوية...)، من مختلف الجنسيات والأصقاع، مثل بينيتا باري، ماساو ميوشي، نيل لازاروس، غاوري فيسواناثان، روبرت يونغ، وسواهم. وبالطبع، وكما ينبغي أن يحدث كلما اتصل الأمر بالراحل سعيد وبفلسطين قبله ومعه، كان لا بدّ من أوراق تتناول موضوعة الهولوكوست. وكما ينبغي أن يحدث في كلّ مرّة أيضاً، كان لا بدّ لأحد المشاركين اليهود أن يكون صهيونياً، بل ومتطرفاً أيضاً.
وأذكر أنني أخذت أغلي وأنا أتابع أفكاره، وانهمكت في تدوين النقاط التي وجدت أنني لا أستطيع السكوت عنها البتة، حين ربتت على كتفي سيدة كانت تجلس ورائي، وأعطتني قصاصة مطوية، علمت من إشارة يدها أنها مُرّرت إليها من الصفوف الخلفية، وتحديداً من إدوارد سعيد. الراحل أومأ بعينيه، مبتسماً، وملوّحاً بإشارة تقول: "طوّل بالك". وفي القصاصة كان الراحل يحثّني على الصبر، وانتظار المداخلة التالية التي سوف تكون الردّ البليغ على تخرّصات المحاضر الصهيوني. وقد دام استغرابي بضعة ثوانٍ، قبل أن أعود إلى البرنامج لأتبيّن أن المتدخلة التالية هي إيللا شوحط... أستاذة النقد السينمائي والدراسات الثقافية في جامعة مدينة نيويورك، و... اليهودية العراقية!
وشوحط سليلة أسرة يهودية عراقية هاجرت إلي إسرائيل مطلع الخمسينيات، مضطرّة، في أعقاب "اضطرابات الفرهود" التي اجتاحت العراق. ولكنها، مثل أبيها تماماً، ظلت تعتبر نفسها يهودية عربية، واتخذت في وقت مبكر من حياتها مواقف جذرية مناهضة للمؤسسة الصهيونية، إذْ رفضت أداء خدمة العلم في إسرائيل، وسُجنت سنتين جرّاء هذا الرفض، ثم غادرت الدولة العبرية إلى الولايات المتحدة حيث بدأت تنشر دراساتها اللامعة حول اضطهاد اليهود الشرقيين ("المزراحيم" الذين لم يهاجروا من إسبانيا، وليس "السفرديم" وحدهم)، وتحوّل هؤلاء إلى آخَر خاضع لاضطهاد اليهود الغربيين.
لكنّ شوحط كانت قد بدأت تلمع في ميادين دراسات ما بعد الاستعمار والنقد الثقافي إجمالاً؛ وأخذت تشارك في تحرير عدد من الدوريات الشهيرة، مثل Critique وSocial Text؛ وتنشر بالإنكليزية دراسات نوعية لافتة حقاً، حول الاستعمار والإمبريالية وسياسة التمثيل؛ فضلاً عن عضويتها النشطة في عدد من الهيئات المناهضة للتمييز العنصري في إسرائيل، مثل "المنتدى النسوي المزراحي"، و"يهود من أجل العدالة". ولهذا فإنّ ردّها هي (اليهودية الشرقية المضطهدة في إسرائيل، "واحة الديمقراطية"، على يد ضحايا الهولوكوست دون سواهم) كان يحمل من الدلالات والمغزى أكثر بكثير ممّا يمكن أن يحمله أيّ ردّ من أيّ عربي. كان الراحل إدوارد سعيد على حقّ تماماً، فقد أبلت شوحط بلاء حسناً ومدهشاً، عميقاً وشجاعاً ونبيلاً...
وحين قدّمت لي شوحط أحدث كتابها الأحدث آنذاك، "السينما الإسرائيلية: شرق/غرب وسياسة التمثيل"، الصادر عن منشورات جامعة تكساس، كتبت الإهداء بالإنكليزية، ولكنها وقّعت باسمها العراقي الأثير لديها، وبخطّ عربي جميل: حبيبة شوحط! كذلك كانت شديدة اللهفة لمرافقتي إلى دعوة شاي وجهها إليّ طالب سوري كان يحضّر الدكتوراه في كوفنتري. وكانت بهجتها غامرة وهي تتحدّث العربية، باللهجة العراقية الفاتنة، وتتحدّث عن حضيري أبوعزيز وحسين نعمة وسعدون جابر... وسط ارتباك صديقنا السوري، وفرحته الغامرة إذْ يستمع لأوّل مرّة إلى يهودية تقول إنها "بنت عرب"...
ولم يكن مصادفة أنّ المخرج السينمائي، اليهودي العراقي بدوره، سمير جمال الدين استضافها في شريطه "إنسَ بغداد"، إسوة بأربعة آخرين من اليهود العراقيين: السياسي موسي حوري، والأديب والجامعي شمعون بلاص، والقاصّ سامي ميخائيل، والأديب والروائي سمير نقاش. ورحيل هذا الأخير قبل أيام، بالإضافة إلى عذابات العراق وجراح العراقيين المفتوحة راهناً، أعادتني إلى ذكرى مؤتمر جامعة وريك، وإلى صورة اليهودي العربي الذي يرفض المؤسسة الصهيونية لأسباب لا تتصل بعنصريتها وتمركزها حول الذات الغربية فحسب، بل لأنه يعتبر نفسه آدمياً يقيم في ماضي وحاضر ومستقبل الأرض العربية الأولى التي نشأ فيها.
أليس إبراهيم السرفاتي، اليهودي المغربي المناضل والمعارض والسجين السابق والمنفيّ اللاحق، أبرز الأمثلة؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرنسا وتهمة العداء للسامية: من الابتزاز إلى المصيدة
- رأساً على عقب
- البرادعي في إسرائيل: تفتيش -وجودي- من ارتفاع عين الطير
- الواق واق الجديدة
- أيهما أكثر أولوية: نهب العراق أم محاكمة صدّام؟
- الشعر والطواحين
- لوينسكي جورج بوش
- سياسة الذاكرة حيث ينعدم الفارق الأخلاقي بين هتلر وتشرشل
- المئوية الفريدة
- النظام الرأسمالي العالمي: التنمية بالدَيْن أم غائلة الجوع؟
- القصيدة والأغنية
- أنتوني زيني: العداء للسامية أم الحقائق على الأرض
- خارج السرب
- حزب الله في ذكرى التحرير: احتفاء مشروع وأسئلة شائكة
- السينمائي الداعية
- بريجنسكي والسجال الذي يتكرر دون أن يتجدّد: خيار أمريكا في ال ...
- فلسطين التي تقتل
- مصطفى طلاس والتقاعد الخالي من الدلالات
- تكنولوجيا الروح!
- أنساق الإرهاب: -الحملة- في اشتداد والمنظمات في ازدياد!


المزيد.....




- فيديو يوضح مدى سرعة انتشار الحريق الناتج عن الألعاب النارية ...
- تفاعل على رد فعل سياح خليجيين لحظة تعرضهم لتهديد من تركي يحم ...
- رئيس وزراء هولندا يغادر منصبه على دراجة هوائية
- زعيم كوريا الشمالية يجري تفتيشا على مصانع للذخيرة (صورة)
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 10 مسيرات أوكرانية فوق 3 مقاطعات ر ...
- أكبر كارثة في أجواء الخليج.. صاروخ أمريكي يخترق قلب طائرة مد ...
- سالدو يسمي الدول التي تستورد منتجات مقاطعة خيرسون الروسية
- كوبا أمريكا: البرازيل تتأهل وتصطدم بالأوروغواي في ربع النهائ ...
- الرئيس التونسي يحدد 6 أكتوبر موعدا للانتخابات الرئاسية
- مخربون في النمسا يقطعون رأس تمثال للعذراء وهي تلد بالمسيح


المزيد.....

- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صبحي حديدي - اليهودي العربي