تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة،في الخامس عشر والسادس عشر من تموز / يوليو الجاري، مؤتمراً دولياً حول حقوق الإنسان وضحايا الحروب في القانون الدولي. وتشارك في المؤتمر، الذي ينعقد في مقر مركز زايد للتنسيق والمتابعة في أبو ظبي، نخبة من الخبراء والباحثين والناشطين فى المجالات الإنسانية وحقوق الإنسان وما يتصل بها، من العالم والبلدان العربية، ومنهم:الدكتور رونى برومان- مؤسس جمعية "أطباء بلا حدود " العالمية، والذى كان من أوائل من دعوا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية فى جرائم الحرب التى ارتكبها الإسرائيليون فى الأراضى الفلسطينية بحق المدنيين، وسيقدم ورقة عمل حول التدخلات العسكرية الإنسانية، والبروفيسور هانز كوشلر- رئيس منظمة " التقدم" الدولية، بمداخلة حول اللجنة الدولية لتقصى الحقائق فى مخيم جنين وما تعرض له أهله من اعتداءات وجرائم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية (بتواطئ أمريكي وصمت دولي مريب لم تباشر اللجنة أعمالها)، والدكتور أمين مكى مدنى- الممثل الإقليمى للمفوضية العليا لحقوق الإنسان فى العالم العربي، والدكتور ميشيل ميير- المفوض الإقليمى للجنة الدولية للصليب الأحمر لشبه الجزيرة العربية، والذى سيقدم ورقة عن الحرب وحماية الضحايا فى القانون الإنسانى الدولي، والدكتور رودلف الجراح- الخبير فى شؤون الشرق الأوسط، والذى ستكون له مداخلة عن المؤثرات الاجتماعية والثقافية للحرب، ومبعوث خاص لرئيس جمهورية جيبوتى المستشار ضياء الدين عبد الرحيم،الذي سيقدم مداخلة له حول مسؤولية القانون الدولى نحو ضحايا النزاع فى القرن الإفريقي، الصومال نموذجاً.
وستشكل الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية، والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى محوراً بارزاً فى أعمال المؤتمر - تبعاً لموقع " العرب اونلاين " ، في 7 / 7/ 2002-من خلال أوراق العمل التى سوف يقدمها الدكتور راجى الصورانى - مدير المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان ونائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والدكتور إياد السراج- مدير ومؤسس جمعية غزة لبرامج الصحة النفسية، والذى سوف يتحدث حول أطفال فلسطين من الانتفاضة الأولى إلى الانتفاضة الثانية، والأستاذ غسان احمد الشهابى بورقته المتمركزة على آثار الحرب الإسرائيلية على حقوق الإنسان الفلسطيني، والدكتورة سعدية بهادر أستاذة علم النفس بورقة عمل عن الآثار الناجمة عن تعرض الأطفال لصدمات الحروب، إضافة إلى مشاركة الدكتور وليد عبد الرزاق الدالى- الأمين العام للجنة دعم انتفاضة القدس بالمملكة العربية السعودية..
ويتزامن إنعقاد المؤتمر مع إفتتاح محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بهولندا، في الأول من تموز / يوليو الجاري، بعد أن صادق على معاهدتها العدد المطلوب من دول العالم.وشكل إنبثاق المحكمة إنتصاراً للقانون والعدالة الدولية. فإعتباراً من هذا التأريخ سيمثل أمام المحكمة الدولية كل من يتهم بإرتكابه جرائم إبادة أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، للقصاص منه،مهما كان بلده، وفي أي مكان من العالم. وستشكل المحكمة محور العلاقات الدولية في المستقبل- بحسب كوفي أنان- الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أعتبر دخول المحكمة حيز التنفيذ حدثا تأريخياً هاماً، يؤشر الى ان دولة القانون هي في اساس العلاقات الدولية. وقال أنان، في بيان تلاه الناطق باسمه «انها فرصة تاريخية تمنح العالم في المستقبل إمكانية ردع مرتكبي الفظاعات». وأضاف:" ان دخول المحكمة حيز التنفيذ بمثابة وعد بانبثاق عالم يتعرض فيه مرتكبو عمليات الابادة والجرائم ضد الانسانية او جرائم حرب الى ملاحقات القضاء حتى وان كانت دولة ما لا تستطيع او لا تريد ان تقوم بهذه الملاحقة».وحث على وجوب « مواصلة العمل حتى لا يبقى مجرمون بدون عقاب، ومن اجل تفادي عمليات الابادة وغيرها من الجرائم الخطيرة التي تندرج في ما تلاحقه المحكمة»، مشيداً بكل البلدان التي وقعت المعاهدة التي انبثقت منها المحكمة، وطلب من الدول التي لم توقع بعد عليها ان تفعل في اقرب وقت ممكن.
ويذكر أن محكمة الجنايات الدولية ولدت بعد مخاض عسير، بموجب معاهدة أبرمت في العاصمة الإيطالية روما في عام 1998، ووقع عليها 135 دولة، وصادق عليها-حتى لحظة إعداد هذا التقرير- 76 دولة، وهو العدد الذي يزيد الحد الأدنى المطلوب.وقد اشادت منظمات الدفاع عن حقوق الانسان بانشاء المحكمة بوصفها أهم خطوة تعزز العدالة الدولية منذ محاكمة كبار المسؤولين النازيين امام محكمة عسكرية دولية في نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية. ورحب المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة بمصر بدخول النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.واعتبر في بيان اصدره في القاهرة بالمناسبة ان المحكمة الجنائية الدولية تسد ثغرة في قواعد القانون الدولي باعتبارها آلية جزائية دولية دائمة تختص بالنظر في ابشع الجرائم التي ترتكب تجاه الانسانية كجرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، وتساعد على تحقيق العدالة الجنائية الدولية.وستمنح المحكمة الشعوب الضعيفة، والمغلوب على أمرها، الفرصة لردع مرتكبي الجرائم بحقها، لاسيما وان إفتتاحها يأتي في وقت ترتكب فيه الجرائم ضد البشرية على مستويات مختلفة في أكثر من 50 دولة، أي نحو 30 بالمئة من الدول الاعضاء بالامم المتحدة.وقد منحت صلاحيات كاملة لمحاكمة مرتكبي الجرائم المذكورة، بحيث لم يعد بعد اليوم بإمكان المجرمين، أياً كانوا، ومن أية جنسية،وبأي موقع ومسؤولية، وفي أي بلد في العالم، الإفلات من يد العدالة.
على أن المحكمة تجابه الكثير من المعوقات لحين مباشرة أعمالها فعلياً: فهي حتى الآن، بلا مقر رسمي، وإنما تقيم، بصفة مؤقتة، في وزارة الخارجية الهولندية، والمقر الرئيس الدائم لها سيتم الإنتهاء منه في حلول عام 2006. وجل ما سيقوم به فريق المحكمة في الوقت الحاضر هو استقبال الدعاوى، وتسجيلها، ثم حفظها في الأرشيف لحين النظر فيها، أي أن المحكمة لن تقوم قريباً بالتحقيق في الدعاوى المرفوعة اليها، ولن تبحث عن أدلة وإجراء تحريات، إذ لم يتم بعد تعيين مدعي عام وقضاة ومحامين.لهذا الغرض ستعقد الدول التي وافقت على الاتفاقية إجتماعاً في نيويورك، في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، يكرس لتنصيب فريق المحكمة من قضاة وممثل الادعاء، والأمين العام للمحكمة، وتعيين نحو 200 موظف وخبير قانون دولي.ولذا يتوقع المحللون أن لا تبدأ المحكمة النظر في أولى قضاياها قبل نهاية عام 2003.
من جهة أخرى، فأن المحكمة ليست ملزمة إلا للدول التي صادقت وتصادق على اتفاقية إنشائها, وهي لا تتدخل لممارسة مهمتها إلا في حال تقصير القضاء الوطني, تشريعا أو تقاعسا, في ملاحقة المتهمين بجرائم الحرب أو الإبادة وما إليها من جرائم بحق الإنسانية.وقد أفلحت الولايات المتحدة في مؤتمر روما بأن لا تُطبق اختصاصات المحكمة بأثر رجعي، أي أن لا تنظر المحكمة فيما سبق ارتكابه ـ قبل إقامتها ـ من جرائم، فضمنت لرعاياها ألا يحاسَبوا على ما ارتكبوه سابقاً في الصومال والعراق والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان..
و برغم ذلك بدت الولايت المتحدة الأمريكية، وتبدو، مرعوبة من المحكمة الدولية. فلم تكتف بعدم المصادقة على إتفاقيتها، وقد سحبت إدارة بوش الأبن، في اَيار/ مايس الماضي، توقيعها المبدئي على معاهدة تشكيلها، وتراجعت عن أية التزامات، ورفضت إحالة المعاهدة الى الكونغرس للتصديق عليها، ضمن السياسة الخارجية الأمريكية لما بعد 11 أيلول/ سبتمبر، التي وصلت حد إقرار مبدأ «الضربة الوقائية»، وبالاسلحة النووية، اذا اقتضى الامر، حتى للدول التي لا تملكها.وبرفضها المصادقة على إتفاقية المحكمة الدولية إنظمت الولايت المتحدة الى كل من اسرائيل وروسيا والصين وباكستان والهند وسنغافورة، ضمن 127 دولة رافضة لإتفاقية روما.. ليس هذا فحسب، بل وأعلنت، بكل وقاحة، بأنها لن توقع على وثيقة تأسيس المحكمة إلا بعد حصولها على ضمانات دولية تحقق لها أهدافها، ورفضت ان تقدم لها أي دعم مالي، مطالبة أن بتمتع جنودها العاملين ضمن قوات حفظ السلام الدولية بحصانة تحول دون مثولهم المحتمل امام المحكمة، وشرعت بإبتزاز مجلس الأمن الدولي لفرض ما تطالب به، وهددت بانهاء مهمة الامم المتحدة في البوسنة.. وحيال رفض غالبية أعضاء مجلس الأمن الأنصياع لها هددت بإستخدام حق النقض (الفيتو) على القرار، اذا لم يمنح افراد قوات حفظ السلام والمسؤولون الاميركيون حصانة المثول امام المحكمة، ساعية، بموقفها المشين هذا، شل المحكمة قبل بدء عملها.
وشنت واشنطن حملة شرسة ضد المحكمة نفسها، بذريعة ان المحكمة "تنتهك سيادة الدول"، وقد " تؤدي" الى محاكمات " ذات دوافع سياسية" للمسؤولين او الجنود الأمريكان العاملين خارج الحدود الاميركية.. ويبدو ان الإدارة الأمريكية فاتها ان خشيتها هذه على عساكرها من المطاردة والملاحقة القانونية هي بمثابة اعتراف ضمني بارتكاب الجيش الأميركي مخالفات وجرائم حرب في العديد من بقاع العالم التي عملوا وانتشروا فيها، وإلا فلماذا الخوف والرعب اللذين انتاباها، فرفضت التوقيع على معاهدة اقامة هذه المحكمة، وراحت تحاربها ؟!!
ولم يقتصر الموقف المعادي للولايات المتحدة على شنها هجومها الوقح ضد المحكمة،عشية إنطلاق عملها، من خلال إجبار الدول الاعضاء فى مجلس الامن الدولى التابع للامم المتحدة على الاختيار بين المحكمة او بعثات الحفاظ على السلام، والإعتراض على قرار كان ينص على تمديد وصاية بعثة السلام فى البوسنة لمدة 6 اشهر، وإستخدام النقض (الفيتو) عند اتخاذ القرار، بل واعلنت عن سحب 3 مراقبين عسكريين من اراضى تيمور الشرقية، وهددت بإفشال مهمة حفظ السلام في العالم.الأمر الذي حدا بالامين العام للأمم المتحدة كوفى انان الإعلان: "لقد قررت الولايات المتحدة عدم المشاركة فى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن هناك 76 دولة اخرى تشارك فيها..واعتقد ان علينا احترام قراراتها ايضا".ودعا الى إيجاد حل لما طرح، بعيداً عن تهديد مستقبل مهمات السلام والمساس بشرعية المحكمة الجنائية الدولية. وانتقدت منظمة العفو الدولية " أمنستي إنترناشينال" الولايات المتحدة لعدم ابرامها المعاهدة المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، معتبرة انه "لا يمكن الكيل بمكيالين فى القضاء الدولي، او السماح بافلات اى كان من العقاب فى اى ظرف كان، فى ما يتعلق بجرائم مثل جرائم الابادة والحرب والجرائم بحق الانسانية".واصدرت بيانا دعت فيه الولايات المتحدة الى اعادة النظر فى طلبها القاضى بافلات مواطنيها من العقاب تجاه المحكمة الجنائية الدولية.وجاء في البيان: "ندعوهم، كما ندعو جميع الدول، المشاركة فى المعركة ضد بقاء افظع الجرائم بلا عقاب، الى مواصلة تقديم دعمهم الكامل للمحكمة الجنائية الدولية".واعتبرت المنظمة المافعة عن حقوق الإنسان وتتخذ من لندن مقراً لها: "ان موقف الولايات المتحدة يهدد نزاهة النظام القضائى الدولى برمته ويعيد النظر فى التطبيق العالمى لاحد مبادئه الجوهرية، وهو عدم الافلات من العقاب لمرتكبى جرائم مثل جرائم الابادة، والحرب، والجرائم بحق الانسانية ".وأضاف " ان معاهدة روما، التى انبثقت عنها المحكمة الجنائية، تنص على ضمانات قوية ضد الملاحقات العارية عن الاساس او الناتجة عن دوافع سياسية".
وشهد يوم إفتتاح المحكمة إرتكاب سلاح الجو الأمريكي مجزرة جديدة في أفغانستان، عندما قصف بقنابل ضخمة فتاكة حفل زفاف في اقليم اوروزغان، شمال مدينة قندهار جنوبي أفغانستان، كان يحضره نحو 400 مواطن، فقتل منهم 48 وجرح 118، من بينهم أطفال ونساء، بحجة أن الطائرات العسكرية الأمريكية تعرضت لنيران مدفعية، بينما كان أهل العريس والعروسة يطلقون النار من مسدساتهم وبنادقم في الهواء تعبيراً عن فرحهم. وإعترف البنتاغون " بقصف مدنيين عن طريق الخطأ"، لكنه لم يقر بمسؤوليته عن المجزرة، وإكتفى الرئيس الأمريكي بوش بتقديم التعازي لذوي الضحايا. وقيل أن الحكومة الأمريكية قدمت تعويضات للضحايا، قدرها- لاحظ !- 200 دولار عن كل قتيل و 75 دولار عن كل جريح !!، لكن روجر كين- المتحدث باسم القوات الاميركية- نفى، في 12 / 7 ، تقديم الحكومة الأمريكية لأية تعويضات مالية للضحايا
ونظراً لتكرار مثل هذه الجريمة، فقد أعربت الحكومة الأفغانية عن بالغ غضبها ازاء الحادث، واستدعى الرئيس الأفغاني حامد كرزاي كبار المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم قائد قوات التحالف في أفغانستان وابلغهم قلق أفغانستان الشديد بسب ما حدث. وكانت تلك أول مرة تقوم فيها السلطات الأفغانية بإدانة ما يعرف بـ"النيران الصديقة" للقوات الأمريكية، على الرغم من وقوع العديد من الحوادث السابقة التي راح ضحيتها مدنيون أو جنود أفغان .
ولم تكن مجزرة العرس الأفغاني المذكور الحادثة الأولى التي يقتل فيها العساكر الأمريكان المواطنين الأبرياء في أفغانستان نتيجة تصرفاتهم الهوجاء، التي أقل ما يقال عنها انها تصرف رعاة البقر الكاوبوي، وقد راح ضحيتها اَلاف الأبرياء، وطالت حتى الحلفاء، حيث كشفت اللجنة المشتركة الكندية-الأمريكية للتحقيق في مقتل الجنود الكنديين ، الذين قتلوا بقصف طائرة أمريكية في نيسان/ أبريل الماضي" أن القتلى كانوا ضحايا انعدام الضبط العسكري، واستخدام قنابل قاتلة لا تتناسب والوضع". فقد كان الطياران الأمريكيان قد طلبا إذنا بالقصف من قيادتهما، وطلبت القيادة منهما الانتظار، ورغم ذلك أطلقا من القاذفة أف 16 قنبلتين موجهتين بالليزر زنة الواحدة 250 كلغم، وذلك " "دفاعا عن النفس "- حسب ادعاءاتهما.
ولم ينس العالم بعد جريمة إعدام الأسرى الأفغان، وقد عرض في الرايخستاغ الألماني وفي البرلمان الأوربي في ستراسبورغ، قبل فترة، فلم وثاقي بعنوان " مجزرة في المزار " تحدث عن قتل أسرى الطالبان أثناء نقلهم، وعلى اثره جرت المطالبة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق بتلك المجزرة.ولليوم يتسر البنتاغون على تلك الجريمة البشعة.
وضمن نهج الولايات المتحدة في رعاية مجرمي الحرب والتستر على جرائمهم حذرت واشنطن إسرائيل، في 3/7، من انها ستكون «الضحية الاولى» لنشاط محكمة لاهاي الدولية الجديدة لمحاكمة مجرمي الحرب، مشيرة الى تلقيها معلومات مؤكدة تفيد بان معظم الدعاوى المقدمة الى المحكمة تتعلق بالممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين،حاثة حكومة شارون ألا تكتفي بعدم اقرار ميثاق المحكمة، بل ان تسحب توقيعها على دستور المحكمة، الذي كانت وقعت عليه سنة 2000 في روما. وقالت ان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، في حينه، وكذلك حكومة ايهود باراك في اسرائيل، اخطأتا عندما وقعتا على هذا الدستور، علما بان الولايات المتحدة سحبت توقيعها. وعملاً بنصيحة واشنطن قررت الحكومة الاسرائيلية الامتناع عن اقرار ميثاق المحكمة، والتنسيق التام مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع، ودراسة امكانية سحب توقيعها على ميثاق روما.والحكومة الإسرائيلية معذورة في رفض التصديق على ميثاق محكمة الجنايات الدولية، وذلك لتأريخها الحافل بالجرائم ضد الإنسانية، ولممارساتها الإجرامية اليومية، خاصة ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يجعل قادة إسرائيل وجيش إسرائيل وقطعان الصهاينة المستهدف الأول من قبل سلطات المحكمة الجنائية الدولية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية على مر السنين وحتى اليوم. ولم يجف بعد دم ضحايا مجزرة جنين ولا ضحايا الإجتياح الإسرائيلي في اَذار / مارس و نيسان / أبريل 2002، التي منعت الولايات المتحدة معاقبة المجرمين الذين إرتكبوها.ولم ينس العالم بعد مذابح صبرا وشاتيلا وقانا..
وتحت ضغط الولايات المتحدة،وفي سابقة خطيرة في المجتمع الدولي،وبالرغم من عاصفة الاحتجاجات ضد الموقف الأميركي، وافق مجلس الأمن، في 12 / 7، على إعفاء الأميركيين لمدة عام من محاكمتهم أمام محكمة الجنائيات الدولية، وهو اتفاق استهدف إنقاذ بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام من استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدها واحباط مهماتها.وجاء في القرار 1422 الذي تبناه أعضاء مجلس الأمن بالإجماع، ان أي عنصر من عمليات حفظ السلام, جندي أو غير ذلك, ينتمي إلى دولة لم توقع معاهدة روما التي تشكلت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، لن يكون موضع ملاحقات أمام هذه المحكمة. وتنص الفقرة الثانية على أن الفترة المذكورة قابلة للتجديد من قبل مجلس الأمن.وهو ما يعني انه سيكون من الصعب جداً على المحكمة الجنائية الدولية أن تقاضي قوات حفظ السلام التابعة للولايات المتحدة وغيرها من الدول التي لم توقع على اتفاقية تأسيس المحكمة الدولية. ويقول مؤيدو المحكمة الجنائية الدولية إنه على الرغم من أن قرار مجلس الأمن هذا لن يكون له تأثير عملي يذكر على عمل المحكمة الدولية، فإنه يمثل سابقةً لتدخل مجلس الأمن في اتفاقية دولية مبرمة، لاسيما وان السفير الاميركي جون نيغروبونتي هدد بان الولايات المتحدة تعتبر ان قيام المحكمة الجنائية الدولية باعتقال اي مواطن اميركي سيكون "عملا غير شرعي له عواقب وخيمة".
حيال الموقف المعادي للمحكمة من قبل الولايات المتحدة، طرح أحد المحللين: لماذا تخشى الولايات المتحدة أن يطول قضاء المحكمة رعاياها إذا كانت متأكدة من أنهم لم يقترفوا جرائم داخلة في اختصاص المحكمة الدولية؟ ولماذا تتخوف على أفراد جيشها الذين قاموا بمهمات التدخل العسكري في أقطار أجنبية إذا لم يكن لهم ما يؤاخذون عليه؟..وأشار الى التساؤل الذي طرحه مرة الناطق باسم البيت الأبيض الأمريكي:« لماذا يتخوف النظام العراقي من زيارة المفتشين الدوليين للعراق إذا كان لا يتوفر على أسلحة الدمار الشامل؟»..
وقد أثار الموقف الأمريكي الإستياء والإستهجان من قبل الكثيرين في العالم، بمن فيهم أقرب الحلفاء لواشنطن.فقد عبرت السيدة كلير شورت عن "خيبة أمل هائلة من الموقف الاميركي الذي شكل حجر عثرة في وجه امكان تطبيق القواعد الاساسية لآداب السلوك على جميع الحكّام وفي كل الاوقات بما يؤدي الى رفعة في العالم".ووصف جاك سترو-وزير الخارجية البريطاني الموقف الاميركي بأنه «مسألة خطيرة».أما وليم بايس- رئيس التحالف الدولي من اجل انشاء هذه المحكمة وهو تحالف يضم اكثر من 1000 منظمة عالمية، سارع الى الاعراب عن ذهوله لأن الرفض الاميركي يحاول تهديم «احد اهم التطورات في القانون الدولي منذ تأسيس الامم المتحدة قبل 57 عاما».وأعلن الكاتب جون تشانبيك:"ان اميركا تعيش في الطبقة العليا من الكرة الارضية» واذا نزلت اليها فإنها تنزل على طريقة دخول رعاة البقر الى الحانة. حيث يطلقون النار في كل الاتجاهات".ودعت كندا، في10/7، الى نقاش مفتوح في مجلس الامن، بحيث يمكن لكل دولة ان تبدي اعتراضها على المساعي الاميركية لمنح جنودها حصانة من المحاكمة امام اول محكمة جنائية دولية دائمة، وقالت:" ان احدا من قوات حفظ السلام ليس فوق القانون". ورفضت قبول أي حلول وسط بشأن المقترحات الاميركية التي يرفضها بصورة غير رسمية حتى الآن معظم الدول الاعضاء في مجلس الامن. وقال بول هاينبيكر السفير الكندي في الامم المتحدة ان مشروع القرار الاميركي يبعث «رسالة غير مقبولة تفيد ان قوات حفظ السلام فوق القانون».وكتب التحالف الدولي من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية خطابا مفتوحا الى وزراء خارجية 174 دولة من غير الاعضاء في مجلس الامن يطالبها فيه بالضغط على اعضاء المجلس للوقوف الى جانب المحكمة الدولية.
لقد خلقت الإدارة الأمريكية وتخلق، متعمدة، المشاكل والصعوبات أمام محكمة الجنايات الدولية لثير الشكوك والتكهنات بإحتمال ان يكون ماَلها ليس أفضل من مآل هيئات دولية كثيرة سواها، وهي تسعى لتكون المحكمة الدولية مجرد إسم فوق مبنى لا أكثر، وجهاز مشلول وعاجز..وبالتالي خلق المبرر للشكوك والتساؤلات المشروعة، ومنها: كيف ستتمكن المحكمة من ممارسة أعمالها على هذا النحو؟
وقد كشف موقف الإدارة الأمريكية من محكمة الجنايات الدولية عن الوجه الاَخر لأميركا، كراعية لمجرمي الحرب ولأعداء الحرية.فتساوت بموقفها هذا مع الدول التي لها تأريخ غير مشرف في الإخلال بالقانون وحقوق الإنسان.ولا شك أن المؤتمر الدولي حول حقوق الإنسان وضحايا الحروب في القانون الدولي، الذي ينعقد في دولة الإمارات، سيكشف المزيد من حيثيات الجرائم التي أرتكبت بمباركة ودعم وتواطئ زعيمة "النظام العالمي الجديد "، ونأمل شجبها وإدانتها بشدة!
12 / 7 / 2002