|
خربشات على جدار مفترض - كتابة عبر النوعية
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 913 - 2004 / 8 / 2 - 13:58
المحور:
الادب والفن
يوميات مسافر . . أسافر إليها، يتهادى قاربي المرتجف، بالمرفأ العاصف، بين نهديها المعجزين، الرابضين في صلف مشع، تسقط جمجمتي، أدس أنفي، أسمالَ غربتي، والوحشة، وأجولةُ الملح، ورمال ناعمة تطمر رئتي، في ذلك الوادي الضيق، والهزيم والعبير، أتلوى، تزحف شفتاي على استدارة البضاضة، تبحث، الحلمة النافرة على مرأى، تنتظر، تقطر لوعة، تنوء بخرس الزمن . . أعدت طفلاً وقحاً يعربد؟ يتحسس نبضاً في رحم المستقبل، بين فخذيه . . يعتصر إبهامه بين شفتيه . . عند جزع نخلة لم يشذب، نصبت العناكب عليه شراكها، فيء يلفحه الهجير، عصير مهدر من أيام الصبا والصبابة، على السفح بين بشاعة تلك الأعواد، والأشواك، جرداء، متناثرة، وكوة الشبق الفاغرة ترفل بأجداث الحلكة، وسلاسل، تغلق الفخذين رعباً، تقطع الطريق. أسافر إليها في منتصف النهار، على ظهري الحطب والسكين، أعدو إلى المذبح، أتمرغ في دمها المراق، أكتوي، ألتاع، أقذف الحصى المخضب في وجه الشمس وهي تغرب في الصباح، أعفر القمر بالتراب، وملء قبضة من سناج . . قبل أن يشرع في البزوغ، أضاجع حفرة باردة، تمتلئ، أسبح في عصيري، أرقص الرقصة الأخيرة على رصيف ممتد، محشور في فوهة الزمن، يتأرجح في الخواء، يترضض، قبل أن يصل القطار، إلى نقطة البداية. أسافر إليها خلف الستار، الأحجار، تنين المستحيل ذي الألف رأس وذنب، وهضاب من القواقع المهشمة، والنوارس الميتة، على القاع المحصب، وبقايا الملح، في فمي أيضاً . . كانت عقارب ساعتي تحصي في تؤدة زمان الانحسار، وعلى الامتداد بقايا سفائن، وأشرعة ممزقة، وقراصنة ذوي لحى، كانت مهيبة، وهيكل عظمي لحوت أبيض، كان أبيض. أسافر إليها محمولاً في نعش، بأكفاني المزركشة، المقدسة، وزجاجة فارغة عليها علامة سفن أب، وتمائم، وحجاب لطول العمر، ورأس كلب مجففة، وعوامة مثقوبة على شكل قلب، وأدعية . . لم تكن هناك، وكان ظلها وحده ملتصقاً بالجدار، وبعض من كلاب ضالة تبول، فيما رائحة النهاية النوشادرية، تفوح من كل الأركان.
في المساحة صفر . . أرجوك، أعني على رفع هذا الغطاء، ليندفع البخار المحبوس في وجهك، فأراك تصرخ وتولول، وزجاجة السكوتش الفارغة، تطل رقبتها النحيلة من جيب سروالك الخلفي، ومسمار ضل الطريق إلى بطن قدمك، واستقر بين الربوتين، له فعل السحر . . يحق لك أن تتلوى، يضغط فكُك العلوي على شفتِك السفلى، وتغمض عينيك، وتتأوه. يا سيدي ملك السلافة، طالت الغفوة بضع ساعات، حتى انطلق القطار بلا مكابح، هلا تفضلت على كرسيك المطهم، والبايب بين ضروسك تأكل النار جسده، وتقهقه، يرتج كل ما شيدت، قصور وأوكار فئران، وكرسيك على كتفي، أعدو، أعدو في اتجاه الريح، لا آخذ نفساً عميقاً، قبل أن تستقر حمولتي الثمينة بين القضيبين، وأراه آتياً من بعيد يصفر، وبنفس القدر من النذالة، أرقبك تستغيث، وأنا مشغول في هرش فروة رأسي، وما بين الفخذين. يا سيدي العملاق المفلس، الذي بدد ثروته، وقوَّته، على لعبة الأراجيح، ومشاكسة قطَّة رومية تشرب القهوة على قارعة الطريق، تطوي ذيلها وتدبر، قبل أن يستبد بك النزق، وتفعل فاضحاً في الطريق العام، حين يراك الشرطي، تعبر الطريق مسرعاً، تدهمك سيارة، وتلقى نفس المصير، الذي راقك كثيراً، وأنا أعد عليك حتى الرقم عشرة، ثم أعلن للجميع أن الدوائر تدور. يا سيدي المهذب، امنحني فرصة واحدة، أن أوليك ظهري وأنت تتحدث بحماس، وأراك مرة واحدة تتوسل، تقعي عند قدمي، تطلب المستحيل، وأنا أبتسم في إشفاق، أو بلاهة، وربما لا أبتسم على الإطلاق، وأن تكون طيباً ومطيعاً، وتنسى كل احتياجاتك الأساسية، وأن تسمح لي أن أصفعك عندما أريد، وأن أسحبك من رباط عنقك وأدقه في الحائط بمسمار، فتصفق بكلتي يديك، وأرد لك التحية بتواضع مصطنع، وعيني مركزة على مؤخرتك. رائع أن تأتي، لتقرفص معي عند الجدار، نرقب المارة بخسّة، يلقي أحدهم في وجهينا عملة معدنية، نتركها تتدحرج، ونتقاتل باستماتة، ونذالة، وإن تقيأت خيالات أمجادك، ألقمك حجراً، وأنت تنشب أظافرك القذرة في وجهك، أمنحك جنيهاً كاملاً لتشرب كابتشينو، تتهلل كطفل وضيع، تشكرني بعرفان وأنت تلعق شفتيك، بلسانك المقطوع، وتحك بظهر يدك، عدة مواقع ملتهبة ومخجلة، رائع، رائع جداً، أن تأتي. حين تأتي، قد أذهب أنا لمساحة أخرى لا تسعك، إذا أمطرت أستنزل عليك اللعنات، وأفعل أيضاً إن لم تمطر، أصدر صوتاً قبيحاً في مفترق الطرق، أمارس حقي في التبدد، الانفراط، يرتج بؤبؤاي تحت حجاب مطاط، يصدران حشرجة، وتتوافد فئران كثيرة، لأعود وأهرب من جديد، لمساحة أخرى، ثمّة مساحة مقدارها صفر. حين تضيق المساحة، أو تنعدم، أمارس هوس الانسكاب على الضفتين، تقفز الأسماك الصغيرة الملونة، تطارد بقعاً من ضوء، مثلجة وعدوانية، تتوارى التماسيح الغضّة البريئة، في لفائف الطفولة الساذجة، المبللة دائماً ببعض الحصى، بعض عشب داكن الخضرة، وبعضي، على كل الامتداد، حول المجرى الشَعري، الصفري، وهو يدفع موائد الآلهة حتى المصب، هناك تقيم الكرنفال، وتتشمم الطواطم رائحة الكلأ الوحشي، في مساحة صدري، ولم يزل بعضي هناك، في المساحة صفر.
تكويـــن . . في البدء، كانت المرأة والرعد والجنون . . حين نزل المطر، انساح في دلتا نهديها . . ارتعشت، فكان الموج والزبد . . تخثّر، فكان الرجل . . توسد ثدياً ساخناً، ناصعاً ووحشياً، وراح . . فإذا الحلم يرفرف بين جذور أشجار همجيّة، بجناح واحد، مكسور، وكان أن هبط هناك، على الثدي الآخر، يبرطم، وألسنة نيران تتراقص من أسفل، بمسافة بدت طويلة . . فقد كان القنفذ كرة من لحم رخوة، اعتادت وطء الأزهار، وشجيرات الورد، وتخرج ببعض من شوك، ويتضوع العطر فتسكر، تترنح، لتعاود نوبات الدهس، ومزيد من شوك . . حتى كان مساء تسلل بين فخذيها، ونام، قبل أن يعتاد الدفء، أطبقت عليه، ارتعب، حين استنفر الشوك، صرخت، فتحت فخذيها، وأسرعت تطبقهما من جديد، تلك كانت بداية اللعبة. كان الطير لم يزل قابعاً، يعبث بمنقاره . . التهبت وتكورت، وسُميت حلمة . . على الضفة الأخرى كان الثدي طرياً ومنبعجاً، ينوء بالرأس الثقيل، قبل أن تعبث أصابعه، ويحاكي ذلك الطائر العربيد . . من يومها لم ينقطع العبث، حتى فاض الحليب، فكانت الأنهار. هي غاضبة دون ما سبب واضح . . تتأوه يرتج الملكوت، تتدحرج قواقع فارغة، مختنقة بالخواء، ترتمي عند أصابع قدميها، تطقطقها، فتعلمت الجنادب كيف تشدو . . لم تكن الريح بعد قد تجرأت على الالتفاف حول خصرها، وهو يتلوى . . تعلق به وتنتحب، فاستمرأت الهزيم . . سحابات منهكة تتبدد، مفضوحة ونزقة، تهاجمه شظايا، لا تشق صدره، تنفجر داخله، حرّيفة ولاذعة، كذا وسادته البضَّة، وحليبها يفور، كانت تنتفض، طرقات تمرق من صوان الأذن، تعربد في التلافيف، جامحة، تدك حوافرها جدران جمجمته، توغل في الغوص في رخاوة الثدي، الذي صار هائلاً بما يكفي، لاحتواء مدينة.
تجربـة وداع . . كان الكوب فراغاً يتفاقم، والشاي المهدر يتمشى في ظل الموات، يتداعى زهر السيجار حين غرة، ينتشر اللون الرمادي بحجم الجغرافيا، أتعلق بجدائل المزولة، يجرجرني الظل إلى حظيرة الأحلام . . قالت لن أغيب طويلاً، والمذياع ملتاعاً يثرثر، بأغنية من المقررات اليومية، تعضُّني كحصاة في حذاء بين أصابعي، هكذا انطرحت على قدمي، ووطأتُ في عدوي فتات غيوم أسفل الطوار، ولعنتُ شيطان المقولات، واستبدال الكم بالكيف، ولعبة الكراسي الموسيقية، وطاغوت العقارب الميتة بفداحة عبيرها الأنثوي . . على مشاجب الجدران المفترضة، كان أرستوفان يشد شَعر لحيته، وفي التليفون، تناقش براكسا أحدث التسريحات. أن أتمدد في تابوت الصمت، المنحوت بين عينيك، وأتجاهل دمعة لم تنحدر، وصرخة ربما سمعتها وحدي . . أن أبتاع الوهم بقروشي القليلة، البيضاء، وأعد من الواحد للمليون للمرة العاشرة، وألملم نجوماً تحت قدمي الرب، لم تشملها نعمته، لأطحنها في جمجمة لها نفس ملامحي، وأسكب ماء قليلاً، وبعضاً من السكر، لأصنع سادس فنجان من القهوة، أريقه على مخدع موتستارت وسوناتاته، وكونشرتو الفلوت، وأنهي الحوار، بصفتي هوبلس كاس. لي أن أطمع في شهادة تقدير، ونقش اسمي على مقبرتك قبل أن تحكمي إغلاقها، وأن تداعبي طفولتي بصراخ يذكرني بأمي، وبجارنا الذي يقدس ساعات القيلولة، والصمت، والظلمة، وستائر الأحلام الحائلة. أن أمارس طقس الانفراد، وصخوراً من أسمنت الكتابة، وأتعاطى غبار الانفجار الكبير، الثقيل، وأدمن البقع السوداء . . أن أشتمَّ رساخة الوجود، ورطوبة حراشتها، تماماً كما كان في البدء، وكما يلذ أن يكون، وأن تشدي الرحال إلى مجرَّة مجهولة، مصنوعة من سلال البرتقال، وتكسرين جميع الكؤوس، ألف عام قبل النخب الأخير، تاركة طفلك في أحشائي، يضرب بيديه الهواءَ، باحثاً عن حلمتك المتشققة، وإذا صنعت من حبات الظلمة عقداً، يحاكي ذاك الذي على صدرك، وسواراً لجناحك المرضوض، وقرطاً من كبد المشترى، وتذكرة رحيل، وبضعة أطنان من نفاد الصبر، ورميم ابتسامة ضارية، تعلك الخواء، أكون قد دشنت صينية سالومي، بدم وماء من رأسي المجزوز، وقدمت برهانا" دامغاً وعبقرياً، أنني أحبك بكل الطرق.
اسمعني يا سيدي . . قبل أن أهيل على ظهرك أسفارك وأصفق، قبل أن أقلب المائدة، وأُفلت مشط قدمي خلفك، تعال نلعب أي لعبة لا يتقنها أي منّا، على أن تنزلق قليلاً عن كرسيك، ريثما تتقيأ عليه صغار السلاحف، وذئاب من كرتون، تجف أيضاً بلولة أفعالك اللاإرادية، وأنسى لبعض الوقت رائحة عرقك في بطون المجامر . . نرمي الزهر مثلاً في عيون الطير، نقرقض أظافر حماقاتنا المشتركة، نفتح مسامنا نعبُّ صفير الريح ونهتف . . تتفسخ واحديتك إلى كثرتي . . فيما تقطع الورق، أجرب دس آس بين الجلد وبلاطات الطوار . . أتنسم هزيمتك في عبق زهر البرتقال. على حاجب المجرَّة، قطَّة سيامي ترضى لكلب مبتور الذيل أن يعتليها . . ريفية صبوح تبيع الخيار وتتحسر . . يرضع طفلها مترب الكفليْن سبابته، ولأنك راسخ قديم إلى حد الفجاجة، يلزم أن أكون تافهاً، كعضو أنثوي فقد مرونة عضلاته. ما يعنيك سيدي، وخزائنك مترعة بالمخاط، وضباب غطيطك يدغدغ حُق فخذي، أُطلق من رخاوة قبضتيك خصرَ الخريطة، أُجرِّد من الذباب - وأصابعي متعانقة خلف ظهري- وجهَك. علي أن أعثر عليك أولاً، هنا، أو هناك، ثم أجدني، أقذف على الجدار، وأرتعش.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيخ وهالة الصبح - قصة قصيرة
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 2/3
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 1/3
-
نحن وأمريكا الجزء الثالث
-
نحن وأمريكا الجزء الثاني
-
نحن وأمريكا الجزء الأول
-
الفاشيون الجدد والاقتداء بمقتدى
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|