|
الشيخ وهالة الصبح - قصة قصيرة
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 913 - 2004 / 8 / 2 - 12:20
المحور:
الادب والفن
تقول أسطورة قديمة لشعب مجهول، يسكن جزيرة صغيرة، في بحر بلا اسم، أن في صباح البدر الأول من كل عام قمري، وقبل شروق الشمس، تظهر عند التقاء اليابسة بالماء على خط الأفق، هالة من نور، لمجرد لحظة، أو بعضها، ومَن تمكن مِن الرجال كبار السن من الحملقة في الهالة، عاد شاباً كما لو كان دون العشرين . . ويقول البعض أن أحد القدماء استطاع الحملقة في الهالة لسبع مواسم متتالية، فاستحال إلى نسر، جذبه الشفق الأحمر الذي يضمخ الماء والسماء عند الغروب، ولم يعد مرة أخرى، وإن قالوا أنه يحلق في سماء الجزيرة في ليالي المحاق، ينير للعشاق المتعانقين بين صخور الشاطئ، فتسري في أوصالهم رجفة وصمت مهيب، كما لو مسَّهم السحر، وما يلبث أن يذوب في العتمة. كان برد الشتاء ينهمر من النافذة، ورذاذ المطر يمور بفضاء للعشق، الحنين، وفاصل من إهراق الحروف المبتلة برائحة الخريف . . قلت، لم يجدر أن أرتكب الزحف حتى مشارف بركة الحقيقة . . القديمة كالشيطان . . خرساء كبلورة سقطت ذات مساء من جيب أحد الآلهة المخمورين. لم أقل، العشق في الفصل السادس انتهاك لصرامة درب التبانة . . وأن روعة عينيها فاقدة النطق، فلم يتصادف لاندحار الدهشة على وجنتيها مذاق الينسون. ثمَّة مسافة بين صمت هالة في مدارها، منيع ومتمنع، وورقة على غصن أجرد، تعاند التساقط تحت قدم الليل البليدة كعلامة استفهام . . تبذل لآخر قطرة، عصير الحياة، الشوق، حتى البكاء، في شرايين ورقة لم تعد بلاستيداتها خضراء. قلت، الحقيقة مرآة يفضَّل أن تسعى إليها بأكثر السبل جدارة بالجرذان. كانت الأنثى الصماء إبهاماً يعيد إلى شفتي الشيخ المخرف ذكريات الرضاع . . حلوة كالفليَّا في أهوار العصافرة قبلي السكة الحديد، قبل عصر الانفتاح . . أكان يملك إزاء تلك العينين رفاهية الاختيار؟ أم يؤذن لهتاف الشبق أن يتهدل على جدران عدم الاكتراث؟ يتصنع التأرجح على عوارض تضنُّ عليه، بالرفض المشرف؟ مهلة للصراخ في الامتداد السحري، ما بين جوبيتر وعطارد؟ بوْح بكلمة "أحبك" ذاتية الاشتعال؟ حتى ادعاء الصمت الوقور كأجراس كنيسة مهجورة؟ لم أقل، الإصرار لعبة أبدية، لمن لا يمتلك غير الأنين، فيما توصد عليه فيوض عينيها كل السبل . . إلا الانفطار. قلت أحبك رغماً عنك، أحبك بكل ما أمتلك من وقاحة متصنعة، أحبك وأدبُّ بقدمي، أركل بغيظ كالجحيم كل ما أجد أو لا أجد، أحبك حتى لو أطلقتِ علي الرصاص، أحبك فأريني ماذا أنت فاعلة، أحبك فاقتليني، فها أنت تفعلين بصمتك، صمتك نشيد أسمعه حيناً هياماً خجولاً متمنعاً، وحيناً مطَّ شفاه وازدراء أو رثاء. لم تقل، ترى ما نفعك وقد بارح حتى العنكبوت أركانك؟ لم تقل، لا تدفعني من فضلك لدهاليز الإجابات المباشرة. لم تقل، الآلهة وحدها تحتكر النزق المقدس، وأكذوبة الخلود، ويا ليتك حتى كنت من مريديها. لم تقل، هل بقى من عصيرك ما يفي بتوق جسد يعاني فورة الشباب، تتقاذفه أمواج اللوعة، وهو يرقب بهلع قطار العمر يمضي خالي الوفاض؟ أم كل أدواتك أصابع أدمنت المجون المجاني، وجسدي يا سيدي قيثارة مشدودة الأوتار، تهفو لريشة من جحيم؟ هل قالت: أنتظر نسراً يختطفني إلى ما بعد السماء، لا عقاباً يتأملني لبعض الوقت، يتنهد في حسرة وهو يسبح في بحار عيني التي يتحدث عنها، ثم لا يلبث أن يرتد على عقبيه ليذوي في وكره متهالكاً؟ قلت، الحقيقة فرصة للوجع، تماماً عند ظلال النهاية، وقد غادرت الجنادب حقل المساء، بغير وعد في أبدية يدرك كهنتها روعة نذالتهم. حسناً، فأنا أحتويك كلما استكانت أوتار الليل لصبوة كائناته، في مسافة محايدة بين غفوة وغفوة . . لا أرتكب حماقات ـ إن كان لك أن تصدقي، إن اكترثت أن تصدقي ـ فقط أنفح رأسك لوسادة دهشة بين ضلوعي، وأتناوم. لا يدخل دائرة الحماقات طبعاً أن أتحسس وجهك بكفين غير ضامرين، كما يستحسن أن أدعي . . وأن أدعك تتقدين بالوجد، ربما تسعين إلى كتف، من يقول هجرتها الطيور من ألف عام؟ هل أسمعها تنشج، وهي تلفُّ ذراعيها حول صدر لم تبل ضلوعه بعد؟ قلت، الحقيقة تعاند عوز الخواء في زمن يتيح حرية الاختيار، بين التضور والانتحار . . من يقنع شيخاً ليرضى بقبلة بديلة، من شفاه آلهة تجد ذاتها في ممارسة القتل والمثلية الجنسية؟ طلاء الفضاءات بأكفان القبح. والأخلاق الفاضلة. والعقل والمنطق، وسائر أفانين، وشمت التاريخ بمذاق ما بين الرمادي، وآخر خيوط الضوء الذاوية على شطآن لم تطأها أقدام بشر.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 2/3
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 1/3
-
نحن وأمريكا الجزء الثالث
-
نحن وأمريكا الجزء الثاني
-
نحن وأمريكا الجزء الأول
-
الفاشيون الجدد والاقتداء بمقتدى
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|