أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - لساني














المزيد.....

لساني


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 23:25
المحور: كتابات ساخرة
    


قيل قديماً أيهما أنفع العلمُ أم المال ؟ فقال العلماء ُ: طبعاً العلم أفضل من المال ؟ وقال الأغنياءُ : إذا كان العلمُ أفضلُ من المال فلماذا يقفُ العلماء على أبواب الأغنياء يتسولون ؟ فقال العلماء: لمعرفتنا بفضل المال ولجهلكم أنتم الأغنياء بقيمة العلم.

وعاشت جدتي من حياتها خمسون عاماً وهي أرستقراطية برجوازية يحيطُ بها الخدمُ والحشمُ والعبيد من كل جانب و ثلاثون عاماً وهي على الحديدة والبلاطة وأنا عشتُ معها 22 عاماً على نفس الحديدة والبلاطة وورثتُ عن جدي اللسان والشعر وورثتُ عن جدتي الحديدة والبلاطة ,وكانت رحمها الله تغضب من حدة لساني وسرعة جوابي وبديهتي و تقول عني : والله أنت يا جده شغل حكي وبس , الله ما هو معطيك غير لسان ماضي مثل السكينه , وكنت أقول : لالالا شو بس الله أعطاني لسان ؟ وكانت تقول وترد على سؤالي وهي تضحك بكلمة واحدة (نعم) .

واليوم تبين لي فعلاً أن جدتي لم تكن مخطئة أنا فعلاً لا أملك ُ إلا لسانا ً فقط لا غير وحديدة وبلاطة وكل الذين يعرفونني يعرفون اللسان والحديدة والبلاطة التي أملكهما كابراً عن ظهر كابر, وكلما حاولتُ التخلص من لساني لكي أتخلص أيضاً من الحديدة والبلاطة كلما ازداد لساني ثراءً والبلاطة اتساعاً على قدر الكلمات والمفردات الجديدة التي يحسبها الناس ثروة ,وكلما حاولتُ أن أُطعمه للقطة كلما هربت القطة من منظره خائفة أن يصيبَ عقلها منه لوثة فتتسمم حياتها الخاصة وأسرتها بكاملها , وهذا هو السبب الرئيسي في تعبي وشقائي ولو لم يعطن الله لسانا ً حاداً لعوضني بدلاً من الحديدة والبلاطة بكومة من الأموال والذهب أكسبُ فيها نفسي وأخسر العالم كله من حولي , ولا أدري إن كنتُ فعلاً قد كسبتُ نفسي أم خسرت العالم ونفسي دفعة واحدة , ويبدو أنني خسرتُ نفسي والعالم كله .
واليوم خرجتُ من البيت على عادتي في كل يوم خميس للجلوس مع نخبة من الشعراء والموسيقيين كما اعتدنا على ذلك من سنين وحين عدتُ إلى البيت لاحظ أولادي أنني لا أرتدي ثياب العمل فقالوا لي : شو أنت مش كاين اليوم تشتغل ؟ فقلت : لا, فقالوا شو لعاد شاطر تكتب مقالات على الفاضي إحنا بدنا انروح رحله مع طلاب المدرسة ..إلخ .

وجلستُ أقارن بين كلامهم وكلام جدتي عليها ألف رحمه ونور وقلت : لو كانت جدتي على قيد الحياة لقالت لي : شايف أولادك كلهم بشهدوا معي أنت فقط عباره عن لسان حاد مثل السكين , ورفعتُ يدي وقلت : يا رب لو توخذ من لساني بعضا منه وتعطيني فقط ما يرضي أولادي , أنا لا أريدُ أن تحل عقدة من لساني أنا أريدُ أن تضع فيه عقدة وتعوضني بدلاً منها بقليل مما يسدُ الحاجة وليس بكثير وأن يكون التعويض على قدر العقدة ,ولو كان اللسان يباع لبعته في سوق الألسنة ولو كان يأجر لقمتُ بتأجيره لمدة سنة أو سنتين كشقة مفروشة , وضحكتُ على نفسي وقلت : أنا مش عارف ليش أكثر من مليون مرة بدون مبالغة حاولت أن أترك الكتابة ولكنها هي المتمسكة بي ولا تريد أن تتركني بحالي , وأكثر من مليون مرة حاولت أن أبتعد عن التفكير ولكن فجأة تدبُ في رأسي فكرة وتطلع من رأسي كأنها شجرة أرز لبنانية أو شجرة زيتون أردنية أو نخلة خليجية , وكلما قمتُ بتنظيف بحري من الأسماك الحية كلما ظهرت الأسماك بدون سابق إنذار كما ظهر على الأرض آدم بلا أبٍ أو أمْ , ولستُ أدري لماذا تلاحقني الكتابة وتصر على موقفها مني وعدم رغبتها في تركي وشأني ؟! , ربما أن آلامي هي سبب كتاباتي وأوجاعي هي سبب أشعاري و هذا الصباح مزقنني الكلمات وبعثرتني الحروف فحاولت أن أجمع تلك الحروف فسقطت مني على الأرض وتناثرت هنا وهناك مثل حبات اللؤلؤ المنثورة على الأرض أو النجوم المنثورة في السماء , ووجدتُ فيها جراحي فقلتُ بيني وبين نفسي سأتركها قليلاً في الشمس والهواء لكي تجف وتلتئم ,ولكن أقدام المسافرين قد داست حبات اللؤلؤ و الحروف فاتسعت جراحي على طول الطريق المؤدي إلى كل العواصم العربية , فرجعت وقلت سألم تلك الجراح لا أريدها أن تجف في الشمس والهواء سأختزلها في داخلي لعلها تحترقُ في داخلي كما يحترق السُكّرَ والنشويات , ولم يعد هنالك من داعي لكي أردد تلك الكلمات التي تقيّحت في داخلي وكلما أطفئت كلمة وأصبحت رمادا كلما اشتعلت بدلا منها كلمة أخرى وكلما قلت هذا آخر مقال أكتبه كلما شعرت بعشرات الأفكار التي تنبعث من رأسي كما انبعثت أثينا من رأس زيوس كبير الآلهة , من أين تأتيني الأفكار ؟ صدقوني لا أدري , ومن أين تنبع الكلمات ومن أين مصدرها ؟ صدقوني لا أدري , ولو أدري عن مصدر تلك الكلمات لأغلقته من سنين ولو أدري عن منبع الأفكار لردمته من سنين , ولكنني فعلاً لا أدري من أين تنبع تلك الكلمات .

وفي ليلة من ذات الليالي وأنا جالس وحدي وجدتُ نفسي تمسك بالقلم وتكتب ألف باء السياسة والفلسفة والحب , وفجأة وجدت نفسي كاتبا دون أن أدخل المدارس أو الجامعات , وسؤال كان يراودني : لماذا أنا أكتب ولماذا أنا كثير القراءة؟ ولماذا كلما أعلنت توبتي أعودُ إلى ارتكاب ذنوب الكتابة والمعاصي والآثام من جديد ؟.

لم أُرزق لا بمالٍ ولا بعقارات , إلا أنني قد رُزقت باللسان وبالكلمات , وصدقت جدتي رحمها الله حين كانت تقول : هذا الولد والله الله ما هو حاطط فيه غير لسانه.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باركني
- المثقف المبدع
- تصاعد أعمال العنف المجتمعي في الأردن
- المرأة وحرية الاختيار
- احنا وين والعالم وين!
- الدين المُحرف
- كيف تختارين زوجك؟
- مشكلة الفقر والفقراء
- إسماعيل ياسين الضاحك الباكي
- من أنت؟
- من أنا؟
- هل أنت تأكل أظافرك أم ملابسك كما يفعل بعض الناس؟
- هل أنا فعلاً حمار؟
- الإنسان حيوان ابن حيوان2
- الطلاق ظاهرة صحية
- رسالة المعلم
- تفسير سورة لإيلاف قريشٍ إيلافهم
- هل من حقي أن أختار ديانتي؟
- الثقافات المتعددة
- سيكولوجيا العنف ضد المرأة في المجتمعات الاسلامية


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - لساني