|
حقيقة السجون السرية في العراق
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2996 - 2010 / 5 / 5 - 20:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تابع العالم أجمع بقلق وسخط شديدين ما نقلته وكالات الأنباء، بخصوص واقعة اكتشاف السجن السري الجديد في مطار المثنى في بغداد، فضلاً عما نقلته شاشات التلفاز ووكالات الأنباء والصحف، وخصوصاً الشهادات التي أدلى بها بعض النزلاء السابقين في هذه السجون السرية، التي كشفت عن معاناة فائقة ومأساة حقيقية لعشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين .
ورغم تضارب التصريحات بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المنتهية ولايته ووزير الدفاع عبدالقادر العبيدي ووزيرة حقوق الانسان وجدان ميخائيل، حول نفي أو تأكيد وجود مثل هذه السجون، إلآّ أن الغموض والإبهام حول طبيعة هذه السجون جاء على لسان جميع المسؤولين بتأكيدهم أنها وإنْ كانت سجوناً غير سرية، إلاّ أنها سجون غير معروفة لأهالي المعتقلين ولا حتى لمحامي المحتجزين، الأمر الذي يجعلها في التكييف القانوني سجوناً سرّية بكل معنى الكلمة .
لقد عانى العراق طويلاً من انتهاكات حقوق الانسان وعرف ظاهرة السجون السرية والخاصة، إضافة الى ظاهرة التعذيب المزمنة، وهو ما كانت تمارسه جميع الحكومات من دون استثناء، لا سيما في عهد النظام السابق، حيث شهدت السجون والمعتقلات، السرّية والعلنية، مآسي حقيقية، بما فيها من تم إبعادهم من المهجرين العراقيين، وضاعت أخبار عشرات السياسيين في ظروف غامضة، بمن فيهم بعض أتباع الحزب الحاكم كما تفشت ظاهرة الاختفاء القسري على نحو صارخ، لكن ما حصل بعد احتلال العراق فاق جميع ما حصل من انتهاكات سافرة لمنظومة حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل جميع الحكومات العراقية المتعاقبة، وبفترة زمنية قياسية، حيث تكدّس في السجون على مدى السنوات السبع الماضية عشرات الآلاف من العراقيين، من دون محاكمات أو تهم محددة في الغالب، وكانت الاعتقالات العشوائية، لشباب وفتيان بعضهم لم يبلغ سن الرشد في مناطق وأحياء كاملة تقريباً، جراء عمل إرهابي أو عمليات عسكرية، عنفية، تستهدف قوات حكومية أو قوات محتلة او ميليشيات مقرّبة من هذه المجموعة أو تلك من المجاميع المتنفذة، لا سيما التي في الحكم أو محسوبة عليه، وظلّت ظاهرة الاختفاء القسري مستشرية إضافة إلى ما شهده العراق من أعمال تطهير طائفي ومذهبي وعرقي، وهجرة الملايين من مناطقهم ونزوحهم إلى مناطق أخرى أو اختيارهم المنفى .
وكانت السجون السرية والسجون الطائرة والسجون العائمة قد أصبحت منذ أحداث 11سبتمبر/أيلول الإرهابية الإجرامية، التي حصلت في الولايات المتحدة ظاهرة شائعة، لا سيما سجن غوانتانامو الذي يقبع فيه حتى الآن مئات من المعتقلين، وفاحت رائحته الكريهة، الأمر الذي دعا الرئيس أوباما لإعلان إغلاقه كجزء من حملته الانتخابية، وأمرَ بذلك بُعيد وصوله إلى البيت الأبيض، لكن لم يلغ الآن، ولم يُنقل نزلاؤه، رغم سوء أوضاعهم باعتراف الجميع، بما فيه هيئات أمريكية، حقوقية، وأعضاء في الكونغرس .
كما شهدت أوروبا، لا سيما رومانيا وبولونيا وجود سجون سرّية على أراضيها رغم احتجاجات الرأي العام الأوروبي، وكانت طائرات أمريكية وغيرها تقوم بمهمة النقل والاحتفاظ بهم، وظلّت تطوف بالمعتقلين خافية ذلك عن الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان، مثلما شهدت البحار وبعض البواخر الكبرى معتقلات عائمة في وسط البحر من دون الإعلان عنهم أو تقديمهم الى القضاء، وكانت الذريعة انهم متهمون بالإرهاب وهم من الخطورة بمكان، ما يتطلب إسدال ستار كثيف حول وجودهم .
ولا شك أن الحكومات العراقية المتعاقبة، وبخاصة بعد الاحتلال لجأت إلى السجون السرية التي أصبحت هي الأخرى ظاهرة مقلقة، بحجة أن نزلاء هذه السجون من العناصر الإرهابية الخطرة، الأمر الذي يتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية، بما فيها اللوائح السجنية . ولعل اكتشاف سجن مطار المثنى الذي يضم أكثر من 430 معتقلاً، وفي ظروف قاسية، أعاد مسألة المعتقلات السرية إلى الواجهة .
والمفارقة أن وسائل الإعلام الأمريكية كانت في كل مرّة هي التي تقوم بنشر وتصوير وإذاعة مثل هذه الأخبار كما في واقعة سجن أبو غريب، وفي واقعة سجن الجادرية العام 2005 وواقعة سجن رقم 4 في العام ،2006 وفي واقعة سجن المثنى مؤخراً، ولكن للأسف كانت تذهب جميع مطالبات انزال العقوبات الصارمة بالمرتكبين أدراج الرياح، بما فيها المطالبات الدولية بإغلاق سجن غوانتانامو والسجون السرية الأخرى، سواءً كانت طائرة أو عائمة .
وبالعودة للوضع العراقي فإن لجان التحقيق التي كانت الحكومات العراقية تقوم بتشكيلها في كلّ مرّة كانت تصل في غالب الأحيان إلى طريق مسدود، وإنْ توصلت إلى اتهام بعض المرتكبين وصدور مذكرات اعتقال بحقهم، إلاّ أنها لم تنفّذ باستمرار، الأمر الذي يحمّل السلطات الحكومية المسؤولية الأساسية .
ولعل من أولى مهمات المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية الأخرى هو القيام بإرسال لجان تقصّي حقائق وزيارة السجون والالتقاء بعوائل الضحايا وبالضحايا أنفسهم، وسماع شهادات لخبراء ومختصين وناشطين، لا سيما من نقابة المحامين العراقية والهيئات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها، علماً بأن الكثير من الضحايا موجود حالياً خارج العراق أيضاً .
وبخصوص المسؤوليات الأخرى فإن القوات المحتلة لا يمكن أن تعفي نفسها من المسؤولية، بحكم احتلالها للعراق بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام ،1977 الأمر الذي يتطلب مساءلات قانونية ناهيكم ما تفرضه الاتفاقية العراقية - الأمريكية من التزامات، بغض النظر عن تعارض هذه الأخيرة مع قواعد القانون الدولي، باعتبارها اتفاقية غير متكافئة بين طرفين أحدهما قوي والآخر ضعيف، ولا بدّ من تقديم المرتكبين الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، خصوصاً وأن جرائم التعذيب والحطّ من الكرامة لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن للقوات المحتلة أن تعفي نفسها من هذه المسؤولية بحكم التزاماتها الدولية طبقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني .
لعل الرأي العام العربي والدولي بجميع مكوّناته وبمنظمات حقوق الإنسان والهيئات الحقوقية والنقابية جميعها مطالبة برفع صوت الاحتجاج وتوجيه رسائل إلى الحكومة العراقية تطالبها بوضع حد لهذه الظواهر المشينة وكشف بقايا السجون السرية ومحاسبة المسؤولين عنها بمن فيهم من أصدر الأوامر أو تستّر عليها أو مارس التعذيب، وذلك بهدف كشف الحقيقة وإنفاذ العدالة وإنزال أقصى العقوبات بالمرتكبين والمتواطئين، والأهم في كل ذلك هو جلاء حقيقة السجون السرية وحقيقة المأساة العراقية المستمرة .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلم وردي مرعب!
-
الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
-
ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
-
الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
-
العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-
-
الوصل والفصل بين العالمية والخصوصية
-
أرمينيا وسيمفونية المبارز!
-
كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*
-
العالم الثالث وسلة المهملات
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (24) ملكوت السماء وملكوت الأرض
-
فضاء الثقافة القانونية وحكم القانون
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (23) الاشتراكية والإيمان الديني
-
الشراكة والتنمية
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (22) كاسترو والدين
-
موسم القمة العربية والخيار العسير
-
كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (21) «الشبح» والأسطورة: هل اختلط
...
-
ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟
-
الموساد والجريمة والعقاب
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (20) القبعات الخضر والصيد الثمين!
-
الصوت والصدى
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|