أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان














المزيد.....

أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2996 - 2010 / 5 / 5 - 11:44
المحور: الادب والفن
    


عادةً ما نخاف تحويلَ الروايات الكبرى أفلامًا. فبالرغم من اتساع عوالمُ ميديا السينما، وتوسُّل المخرج عواملَ مساعدةً من موسيقى تصويرية، وضوء وظلال، ومواقع تصوير، ومؤثرات بصرية وسمعية، ولعب فنيّ لبناء دراما مكثفة يصنعها المخرجُ والسيناريست والممثلون، وبالرغم من أن فكرة السينما هي تحويل "النصّ" إلى "صورة"، ما يعجّل بتسرّب الطاقة السردية من عين القارئ، حال قراءته الرواية في كتاب، إلى عينيه وأذنيه وحواسه مجتمعة، حال مشاهدته فيلمًا سيمائيًّا، ضاجًّا بالحوار والموسيقى والضوء والصور، وللصورة، كما نعرف، مثلُ حظِّ عشرة آلاف كلمةٍ، من حيث سرعة وصولها للمتلقي، رغم كل ما سبق، إلا إننا، نحن الغارقين في هوس القراءة، نشفق على رواية أحببناها أن "تُختصَرُ" عوالمُها في ساعتين على شاشة عرض. قليلة هي الأفلامُ التي لم تقتلِ النصَّ الأصليّ! ونذكر أن نجيب محفوظ كان، حين يُسأل عن أفلام رواياته، يقول: لست مسئولا إلا عن رواياتي، أما الأفلام التي بُنيت عليها فلها آلياتٌ تِقَنية، ومن ثم نقدية، مختلفة، لا أعرف عنها شيئًا. من ذلك القليل الذي نجح في موازاة النص فيلم مثل: "العطر"، للألماني باتريك زوسكند. ذلك الفيلم الذي جعل المُشاهِد يكاد يستنشقُ العطرَ العبقري الذي من أجله قتل جرونوي عشرات العذراوات ليستخلصه من أجسادهن الجميلة.
أمّا أن يجتمع عظيمان في عمل: عظيمٌ في الكتابة مثل إبراهيم أصلان، وعظيمٌ في الإخراج مثل مجدي أحمد علي، فذلك من شأنه أن يهبَ السينما المصرية العريقة قطعةً جديدة من الدُّر الفريد، اسمها "عصافيرُ النيل". بدأ المخرج فيلمه بمشهد فانتازيّ يرسمُ صورةً دقيقة لإبراهيم أصلان، المبدع المُحلِّق. يذهب عبد الرحيم، الشابُّ النازحُ من القرية إلى المدينة ليعمل في هيئة البريد، بصنارته إلى شاطئ "بحر" النيل ليصطاد سمكةً، سوى إن صنارته الراميةَ بطولها في عرض السماء لم تصطد إلا عصفورًا! في ذلك المشهد الخاطف، تتكاثف خيوطُ الحبكة الدرامية جميعها، وتتلخص شخصيةُ أصلان الذي وهب عمره الأدبيّ لاصطياد العصافير، التي ترمز للحظات الإبداع وومضات الوهج السرديّ الفاتن، التي تقطر من قلمه. يرسم المخرجُ لوحاتٍ نابضةً بالحياة في حارة "فضل الله عثمان" بحيّ إمبابة الشعبي. النسوةُ في جلابيبهن زاهية اللون يخُضن في بِركة ضحلة من مياه الغسيل، تغمرُ سيقانهن رغاوي الصابون ، فيما يضحكن ويتسامرن ويتغامزن. الأبوابُ المصدّعة القديمة تكسوها طبقات متشققة من الطلاءات البدائية، الجدرانُ الجيرية الكالحة، النوافذ المهشّمة التي تنفتح على غرف بسيطة تضمُّ بشرًا رقيقي الحال، لكنْ يعرفون كيف يدبرون حياتهم بقروشهم القليلة، وحبّهم الحياة بحلوها الشحيح ومرِّها البازخ. الطفلةُ التحيلة التي يطير شعرها نشوةً وهي تمارس لعبتها الوحيدة، الممكنة في ظلّ الفقر: تفريغ إطارات السيارات من الهواء. طريقةُ خلع الفقراء أضراسهم المريضة؛ بربطها بحبل مثبت في الحائط، ثم انتزاعه بقوة لتوفير أجرة الطبيب. وبعد المدّ الأصولي الذي ضرب به السادات اليساريين، نشهد مجموعة من الإسلاميين في جلابيبهم وذقونهم الطولى يضربون كهلا مسًّنا بالجنازير والسياط لإجباره على أداء صلاة الفجر في المسجد!
لمبةُ الكيروسين يعلو بلّورَ زجاجها الهبابُ الأسود، يشعلها الزوجُ "سي البهيّ" حين تنقطع الكهرباء، ويهرعُ بها إلى زوجته "نرجس" لينقذها من خوفها المَرضيّ من العتمة، وتحتفظ لذلك بعلبة كبريت في جيبها، تضيعها دائمًا فيشتعل رعبها. إلى أن تتجرأ يومًا، حين تنشب الفوبيا أسنانَها في قلبها الوَجِل، وتطلب منه طلبًا فانتازيًّا، لكن شديد الدلالة: أن يضيء قبرها بلمبة صغيرة بسلك، ولو أسبوعًا، حتى تعتاد الظلام الأبديّ. يستنكر في البداية مطلبها الخيالي، فلما تلحّ، يبدأ في مناقشة التفاصيل: من أين يأتي بالكهرباء؟ سوف تنفجر اللمبة! هل يجوز سؤال الملكين في نور الكهرباء؟ لكنها تحاججه وتجيب تساؤلاته، فيومئ في الأخير مستسلمًا. ثم يقضي بقية عمره في كتابة شكاوى إدارية لرؤسائه، أبناء أقدم بيروقراطية في التاريخ، أولئك الذين أجبروه على التقاعد المبكر عن العمل في مصلحة البريد. تتكاثر الشكاوى وتأخذ في التصاعد على الدَّرج الوظيفي والسُّلطويّ حتى تصل إلى رئيس الجمهورية، السادات، فيساومه بأنه كان يتعرف على خطابات الضباط الأحرار، ولم يبلغ عنهم، ومن ثم فهو شريكٌ في الثورة. آلاف الأوراق وشفّافات الكربون ملأها قلم الموظف التعس. ويتصاعد وعينا بمرور الزمن عبر عدسة نظارته التي يزيد سُمْكها عامًا بعد عام، حتى يكاد البصرُ أن يتلاشى، قبل أن يسقط ميّتًا وقد ارتدى "زونط" الخدمة القديم، وحبّات سِبحة الكهرمان تتناثر من بين أصابعه. فيما الزوجة الصابرةُ تبيع ذهبها قطعةً إثر قطعة، ثم نحاس مطبخها وأوانيها، وفي الأخير، الكريات النحاسية التي تمثّل عرائس أعمدة سريرها العالي. تبيع ثلاثًا وتُبقي العروسة الرابعة تحفظها كما يحفظ المرءُ قطعةً من قلبه. تراوغها فتضيع هنا وهناك، تبحث عنها فلا تجدها، ثم تفاجئها وتظهر لها بغتةً، فتُلمّعها بحنوٍّ وتدسّها في مكان خفي كيلا تضيع! فتضيع! وتبدأ من جديد لعبةُ المراوغةُ والتخفي، بين المرأة وكُرَةِ النحاس العتيقة.
أما المشهد العمدة في هذا الفيلم الجميل، فمشهد الختام. مشهد يجسّد ضياع مصر الراهنة من يد أبنائها. تصوّره الجدّةُ المسنة حين تركض في الطرقات بجلبابها الممزّق وشعرها الأبيض المنكوش وهي تسأل المارةَ في وجع: "محدّش عارف طريق البلد ياخدني معاه؟" ونجيبُها بأسًى، نحن المصريين: محدش عارف، لأن البلد ضاعت واختفى الطريقُ إليها، أضاعها غزوان: غزوٌ خارجي خليجيّ أصوليّ قضى على جمالها القديم، وغزو داخليّ أفرزته حكوماتٌ متعاقبة أخفقت في أن تحبَّها وتحميَها. المصري اليوم..



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاطف أحمد، فنانٌ من بلادنا
- الفنُّ تكسيرًا للصورة النمطية للعرب
- قرطبة مدينة الشعراء والتاريخ المزدوج
- كهاتين في الجنّة
- الشِّعرُ في طرقات قرطبة
- فاطمة ناعوت والسعي وراء تأنيث العالم
- لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة
- هكذا الحُسْنُ قد أمَر!
- ساعةُ الحائط
- سهير المصادفة
- ولكنْ، كلُّنا في الهَمِّ مِصرُ! (2)
- الجنوب كمان وكمان (3)
- أطفالٌ من بلادي
- رسالةٌ من الجنوب (1)
- معرض الجنايني بالأقصر، يمزجُ الشعرَ بالتشكيل
- اطلبوا العِلمَ، ولو في التسعين!
- عِمتَ صباحًا يا -شجيّ-!
- مَحو الأميّة المصرية
- الشاعرة فاطمة ناعوت: أنا اندهش إذًا أنا إنسان
- أكبرُ طفلٍ في التاريخ


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان