|
هل العالم بحاجة اليوم للحضارة العربية؟ إشكالية العقل والعقال
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2995 - 2010 / 5 / 4 - 12:18
المحور:
كتابات ساخرة
هناك إشكالية بالغة في فهم وتقبل وبلع وهضم ما يسمى بالتاريخ العربي، وبالتالي ما تسمى بالحضارة العربية، إذ كيف يمكن لقوم من البدو لم يتميزوا عبر التاريخ بإتقان حرفة، أو صنعة، أو إنتاج فنون (رسم، موسيقى، نحت، رقص، باليه...إلخ) أن يصدروا الحضارات للعالم؟ وإذا كان البدو يعيشون في الجزيرة العربية على الغزو والقنص وحروب البسوس من أجل بعير معقورة، وبهذه العقلية المتواضعة، وكان الفقر والعوز والحاجة يميز حياتهم، وكانت مصر بعد الغزو العربي إليها، تصدر القمح والغذاء إلى الجزيرة العربية، التي يقال بأن سلسلة قوافلها كانت تبدأ في مصر وتنتهي في الحجاز، ولاسيما في سنوات المجاعات والقحط، وعام الرمادة الذي ألغى فيه الخليفة عمر الجزية والزكاة. ماذا لدى هؤلاء كي يصدروه للبشرية؟ وهل يمكن اعتبار عولمة الغزو البدوي تحت الرايات المقدسة حضارة؟ إذا كان هذا هو المقصود، فهناك إشكالية في الفهم والنظرة للتاريخ وبنية الأشياء. وهناك بكل تأكيد فرق كبير بين الحضارات الراقية والمدنية، والإمبراطوريات العسكرية والهمجية في التاريخ، والإشكالية تكمن في الخلط بين هذه المفهومين والتصورين.
فمن المعلوم تماماً ومن خلال التجارب على مر التاريخ، أن المنتج الحضاري في الفكر والفن والإبداع والصناعة والتجارة حين يبلغ مرحلة من التراكم الكمي والنوعي، يصبح في مرحلة ضرورية ولازمة للانطلاق والخروج من معاقله وعبور الحدود إلى العالم ونشر ذاك المنتج الحضاري. فالغرب اليوم يحق له أن يدعي بأنه صاحب حضارة وصاحب إرث حضاري وهو الذي قدم للبشرية الكهرباء، والتجارة، والفنون، والسينما، والطائرات، والموبايلات والسيارات والإنترنت....إلخ وغيرها من المخترعات التي ترفل بنعيمها جميع شعوب العالم، وهذا لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل احتاج لوقت طويل من العمل والجهد والإنتاج والإبداع، وبعد أن تشربت تلك المجتمعات تلك المنتجات الحضارية ورسختها في محيطها، وأثبت نجاعتها، انطلقت لتغزو العالم عن بكرة أبيه؟ فماذا كان لدى بدو الجزيرة من إرث حضاري وإنتاج إبداعي، غير الشعر الجاهلي الذي كان في محصلته القصوى تغنياً بالقبيلة، وافتخاراً بالفروسية والغزو، وتغزلاً وهجاءً، وحتى هذا فقد شكك به طه حسين، وما عداه، من الصعب العثور أو الادعاء والقول بأن هناك منتجاً حضارياً عظيماً يعتد به، وعليه القيمة، قدمه من يسمون بالعرب إلى الحضارة البشرية، والتي يقولون بأن رسالتهم خالدة، وقدمت السعادة والرفاهية لبني البشر، وما زالوا يصرون بشقيهم القومي والسلفي، على إعادة بعث وإحياء تلك الحضارة، رغم أن الحضارة البشرية بنسختها الغربية قد تأصلت وقدمت للبشرية معجزات علمية وحضارية، لم تستطع ما تسمى الحضارة العربية في أوج امتدادها، وحتى اليوم، أن تقدم للعالم أي منتج حضاري يوازي أبسط منتج حضاري غربي كولاعة السيجارة و "نكاشة البابور"، مثلاً؟ ولا تزال المنظومة العربية صاحبة الرسالة الخالدة تستورد حتى الإبرة من الغرب والصين البوذية.
والسؤال الهام الآن، لماذا يبشرنا العروبيون والقوميون بإعادة بعث ما يسمى بالحضارة العربية مرة أخرى؟ هل أفلحوا في تجربتهم الأولى التي ما زالت تجر حتى اليوم الصراعات والخلافات والإشكاليات التاريخية، وتسببت في اندلاع أطول حرب في التاريخ؟ وماذا ستقدم الحضارة العربية من شيء جديد لبني البشر اللهم إلا أن تقول لهم من كان أحق بالخلافة ممن؟ وهل بإمكان الحضارة العربية، في حال إعادة انبعاثها من جديد، أن تضيف أي شيء لما هو موجود، أو أن تخلص البشرية من كل ما تعاني منه اليوم من مآزق ومشاكل وانسدادات بلمسة سحرية؟ أم ستزيد من الإشكاليات القائمة؟ وهل بإمكان كل الحضارات القديمة مجاراة الحضارة الغربية الحديثة، تلك الحضارة التي تعيش في حال من الموت السريري، أي بانتظار الإعلان عن ساعة وموعد الدفن، فقط، وهذا لا يغير من طبيعة الأمر وما هيته.
إن ما وصلت إليه الحضارة البشرية بنسختها الغربية الديكارتية الفولتيرية الإينشتاينية العقلانية اليوم، (والتي لا تدعي التفوق والعنصرية ونشرت قيم حقوق الإنسان في حين لا يعترف البدو العرب بأية حقوق للآخر)، من تقنية وتقدم تكنولوجي هائل لا يوصف، ولا يمكن بلوغه من أية حضارة كانت موجودة سابقاً، تنسخ كل ما قبلها من حضارات وتجبها، وتجعلها في حال الموت والذكرى التي تصلح فقط لمتاحف التاريخ؟ فلو عادت اليوم مثلاً الحضارة العربية ماذا ستفعل ولدينا العلم النووي، وغزو الفضاء، وعلوم الطب والفلك والفيزياء والكيمياء .....التي وصلت حد الكمال، ماذا سيضيف البدو الأعاريب اليوم على كل هذا، هذا إذا كان باستطاعتهم إضافة أي شيء على الإطلاق اللهم باستثناء براءات الاختراع المسجلة تاريخياً باسمهم ويتفاخرون بها كالحجامة، والتداوي ببول البعير، وإرضاع الكبير، وجنح الذبابة...إلخ؟ هل لدى البدو الأعاريب من أي شيء يمكن إضافته لما هو موجود؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا تعيش كامل المنظومة البدوية من المحيط إلى الخليج على إنتاج الغرب في الطب والغذاء والدواء؟ وهل بإمكان أصحاب الرسالة الخالدة الاستغناء اليوم، عن أبسط المنتجات التي يتصدق بها الغرب عليهم حتى على مستوى حبة الإسبيرين؟ وماذا ينقص البشرية أصلاً حتى يقدمه لهم أصحاب الحضارة الخالدة؟
هذا الإبهار التكنولوجي والعلمي الغربي وتلك الإنجازات الغربية الهائلة التي يقف العقل حائراً أمامها تجعل الحضارة العربية بقضها وقضيضها وبكل أدواتها وآلياتها، وبكل ما أتت به، ليست ذات أي معنى، أو حتى قيمة تذكر، ولا لزوم لها بعد أن امتلك الإنسان ناصية العلم والإبداع وتقديس العقل لا تقديس العقال. والبدوي العربي ما زال أمام إشكالية تقديس العقل أم العقال؟ وأهم شيء بالنسبة للبدوي العربي، صاحب الرسالة الخالدة، كما هو معروف هو التباهي بالعقال، وليس بالعقل، وجل همه هو ألا يسقط عقاله، حتى لو بقي عقله فارغاً. فالعقال أهم من العقل عند البدوي، يبلغ حد القداسة، رغم أنه قد لا يلزم ولا ينفع الإنسان في شيء؟ وإن سقوط العقال هو أهم بكثير من سقوط العقل. فحضارة العقال التي حبست العقل بداخله لا تتواءم وقيم العصر وآلياته وبنيته الأولى التي تقتضي إطلاق العقل وعدم حبسه داخل العقال، وإطلاق العقل من داخل العقال، كفيل لوحده، بجعل ما يسمى بالحضارة العربية قابلة للحياة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم على أية حال.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يحتقر البدوي المهن الإنسانية النبيلة؟
-
الخطاب البدوي العنصري
-
من المئذنة إلى شاشة التلفاز
-
لماذا لم يعتذر المؤذن السابق من السوريين؟
-
مليونيرات الحوار المتمدن
-
هل يحرر حزب الله المقدسات الإسلامية؟
-
شيوخ التكفير والإرهاب على القوائم السوداء
-
وصفة حزب الله
-
منطق العصور الحجرية
-
السيد المدير العام لجرّات الغاز المحترم
-
السيرة ذاتية لكاتب عربي
-
العرب وموسوعة غينيس
-
أنفلونزا البراكين
-
التعنيز: وإفلاس إعلان دمشق
-
دول الخليج ومخالفة شرع الله
-
الزيدان الفهلوي: وتصابي الشيخ الماضوي
-
هل أفلس إعلان دمشق حقاً؟
-
هل ينتهي الإرهابي الدولي أحمد موفق زيدان إلى غوانتانامو؟
-
سكاكين أحمد موفق زيدان ودعواته العلنية للتطهير العرقي
-
مطلوب القبض على وزاراء االتربية والثقافة العرب بسبب إعدادهم
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|