|
كنت طفلا ذات يوم
محمد الرديني
الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 11:44
المحور:
كتابات ساخرة
في منتصف السبعينات برزت الى الوجود دائرة ثقافة الاطفال في العراق – والتي رأسها حينذاك طيب الذكر الشاعر فاروق سلوم- وسرعان ما كتب لهذا الوليد الجديد ان ينمو بعافية وسرعة لامثيل لهما. ومن المفارقات العجيبة ان هذا الوجود قوبل من الكثير من ادباء العراق بعدم اكتراث، بل ان بعضهم سخر من التجربة على اعتبار ان تراثنا الادبي لم يكن غني بما فيه الكفاية لاغنائه زليس من المعقول ان ينزل الاديب الى مستوى الطفل ليكتب له (...). ولكن الامر لم يكن كذلك لدى بعض الشباب الذين سرعان ما تحمسوا لممارسة هذه التجربة – تجربة الكتابة للاطفال – رغم انهم فعلا لايعرفون من اين يبدأون.. كان حماسهم وفرحهم بهذه التجربة هو مقياسهم في تخطي سخرية الادباء الافذاذ الذين ما كانوا يمنحون الفرصة لاي احد حتى بنشر قصة قصيرة في مجلة الشباب هذا عدا مجلة الاقلام التي كانت حكرا على مجموعة معينة مارست استاذيتها على جيلنا الناشىء ، كيف لا والمسوؤلون فيها يريدون مناطحة مجلة الاداب البيروتية حينذاك. اذكر من مجموعة الشباب فاروق يوسف ومحمد جبير ومالك الواسطي وصباح الشاهر وغيرهم.. كان هؤلاء الذين يجمعهم جنون الشعر والكتابة الرائعة هم الذين اسسوا فيما بعد لأروع تجربة ثقافية للاطفال. صدرت عن هذه الدار مجلة المضمار اعقبتها اصدارات قصصية نالت الاعجاب والتقدير من داخل العراق وخارجه خصوصا وان اصدارات الاطفال في وطننا العربي كانت شبه معدومة باستثناء مجلة ميكي ماوس في مصر ذات النكهة الامريكية في التناول ومجلات مبعثرة اخرى في هذا البلد العربي او ذاك. وتنبه بعض الادباء ممن وجدوا في هذه المجلة شيئا مختلفا باتجاه تقديم مايريده الاطفال دون استاذية او مكابرة فحاولوا الكتابة فيها تحت اسماء مستعارة خوفا من سخرية زملائهم ولكنهم لم يستطيعوا التواصل بعد ان انكشف امرهم امام الاخرين. ولكن هذه مجموعة الشباب المتحمسة للتجربة استمرت بالاجتهاد الذي اثمر عن شهرة واسعة لاصدارات الدار اذ سرعان ما استقطبت اقلاما من خارج العراق وحظيت باحترام قرائها الذين حرصوا على متابعتها اسبوعيا وشهريا وكان الدليل على ذلك ارتفاع نسبة المبيعات وتوافد طلاب المدارس يوميا لزيارة مقرها والتعرف على محرريها. كان عدد الكتاب الذين تخصصوا في الكتابة للاطفال في الوطن العربي يعدون – ومايزالوا – على اصابع اليد ويقف على رأسهم الكاتب السوري القدير زكريا ثامر الذي كنا نجد فيما يكتب كنزا في معرفة اسرار هذا العالم الذي دخلناه بالحماس فقط.. كان كاتبا رائعا جذي الكبار الى قصصه قبل الصغار. وبدلا من سعينا لاقناع الاطفال والاولاد فيما نكتب, ركضنا نحن اليهم ، ذهبنا الى مدارسهم وبيوتهم وفي اماكن تجمعاتهم نسألهم عما يريدون وكانت تلك المغامرات بحق الاساس القوي الذي وضع كل اصدارات الدار في موقع رفيع جدا. لقد تعلمنا من قرائنا الاولاد حقائق مذهلة ما كنا لنعرفها لولاهم. قال احدهم: لماذا يعتقدون ان الكبار اذكى منا ..؟ قال آخر: يعتقدون ان تصغير اسماء الحيوانات محبب لدينا؟ لماذا يسمون الثعلب بالثعلوب والقطة ميكي والفار ماوس.. اننا نسخر منهم في داخلنا لاننا نخاف غضبهم. قال ثالث: اكتبوا لنا بلغتكم وسترون اننا نفهمنا بشكل واضح. وقال أخر ثم أخر وتلاه أخر.. كلاما لم نكن نعرفه من قبل .. صحيح كانت لدينا قواعد عامة ولكنها كانت قواعد مرحلة معينة ويجب متابعتها وتجديدها وكنا نتعلم بحق من هؤلاء الصعار. في هذه الظروف بدأنا نعي قليلا ماذا يتعين علينا فعله،وكانت زيارتنا للمدارس – وهي مبادرات ذاتية – اكسبتنا الكثير من المعارف ونبهنا الطلاب هناك الى حقائق مهمة اولها الا نكتب ونحن كبار، بمعنى الا نستسهل الكتابة اليهم ولابأس من الابتعاد عن النصائح الابوية والاجتماعية والتعاليم المباشرة في كل شأن من شوؤن الحياة. وانقلبت هذه الدار الى صالات للموسيقى والغناء ورسم الكاريكاتير وكتابة الشعر وتبادل النكات حتى بات بعض المارين من امام مبنى الدار يعتقدون انها انقلبت الى صالة لتعليم الموسيقى والغناء. كنا نشعر ان ضجيجنا في صالات التحرير هو جزء من عملنا تجاه هؤلاء الاولاد .. بصراحة كنا اطفالا نكتب للاطفال بعيدا عن قصص الخيال الفج والاساطير المريضة. وجاء اليوم الذي احسسنا فيه ان الطامة الكبرى قد نزلت على روؤسنا فقد جاءنا مدير التحرير ليقول: صدر تعليمات حاسمة من وزارة الثقافة والاعلام تشير الى اننا اهملنا تثقيف الاطفال على التربية الحزبية كما اننا لم نكتب ابدا عن تجربة الطلائع وحب الوطن والاخلاص له،و..و.. لم نستطع الاصغاء الى اخر الكلام فقد كنا نعرف مصدره وفحواه. وانسل الواحد منا تلو الاخر الى خارج الدار والى الابد.
#محمد_الرديني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ممنون ل-بو نونة- ..ملحق اضافي
-
انا ممنون ل-ابونونة-
-
الله يلعن هذه القيلولة
-
اعلان عن وجود وطائف شاغرة للمفخخين
-
عصير -غيرة- للبيع
-
راحت عليك يا افلاطون
-
مقابلة منقطعة النظير
-
العقول من امامكم والانترنت من خلفكم فاين تذهبون؟
-
خسئت ايها الطيار العراقي
-
-دير بالك- على معسكر اشرف ياشريف
-
حتى الزبالة عزيزة
-
هذيان
-
برلمان ام حمام نسوان
-
لماذا لايقرأ هؤلاء التاريخ ؟ هل من مجيب
-
انقلاب في السماء السابعة
-
جريحان في بيتي
-
حمار اسمه -ذات الاهتمام المشترك-
-
عقول تآمرية
-
الهاجس الملعون
-
صدام حسين يحضر احتفالات نوروز في ايران
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|