أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فؤاد مرعي - استبداد الشمال ومحنة الجنوب















المزيد.....

استبداد الشمال ومحنة الجنوب


فؤاد مرعي

الحوار المتمدن-العدد: 190 - 2002 / 7 / 15 - 07:04
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


ينتهي الكاتب الاميركي روبرت د. كابلان في مؤلفه المنشور تحت عنوان <<نهايات الارض>> "The Ends Of The Earth" الى القول: <<اننا خارج نطاق السيطرة، فأوروبا وأميركا الشمالية خاضتا حربين عالميتين ثم حربا باردة لتجدا أنهما مجتاحتان بأمراض وبائية وكوارث بيئية وجريمة منظمة وأحوال متردية. ان <<الحقيقة المبتذلة>> هي ان المستقبل سيكون قاسيا ومؤلما وعنيفا وغير مؤكد>>.
يشارك كابلان في استنتاجاته القاتمة هذه مواطنه زبيغنيو بريجنسكي في مؤلفه <<خارج نطاق السيطرة>> "Out Of Control" حيث يخلص الى :<<ان الازمة في عالم ما بعد الشيوعية يمكن ان تتعمق، وتؤدي الى عودة ظهور ديماغوجية ألفية وحروب بين دول الشمال والجنوب، ويمكن ان يقوم عندها تحالف جديد بين الدول الأشد فقرا ربما بقيادة الصين ضد الدول الغنية>>. فيما يذهب الاميركي صاموئيل هنتنغتون في كتابه <<صدام الحضارات واعادة صنع النظام العالمي "The Clash of Civilization and Remaking of World Order" الى القول: <<ان لحظة الفرح الطاغي ونهاية الحرب الباردة فجّرت وهم الانسجام>>.
ويتنبأ <<بقيام عالم من الصراع العنصري والصدام الحضاري ونشوب حرب عالمية بين الولايات المتحدة والصين تؤدي الى دمار نووي>>. ويتساءل <<في حال أمكن تفادي الحرب، ما اذا كان على الغرب المتوعك الذي أنهكه الانحطاط الاخلاقي والانتحار الثقافي والتفكك السياسي ان يخضع للأمم الاسلامية والآسيوية!>>. وينهي كلامه بالاستنتاج <<ان المستقبل يبدو عبوسا>>.
هذه الافكار هي عيّنة لما تحفل به الساحة الاميركية من تحليلات وتنبؤات مبنية على معطيات ومؤشرات تتقاطع معظمها عند نقطة واحدة: ان آلام البشرية الى ازدياد رغم كل هذا التقدم.
لقد لفت نظر المفكرين والمحللين ان العقد الأخير من القرن العشرين تميّز بالفوضى والرعب والحروب المدمرة. وان مطلع القرن الحالي فاق فيه الرعب كل ما شاهدته البشرية في السينما. فقد تبيّن ان العولمة تحمل الى جانب انجازاتها العمرانية، مخاطر ناجمة عن افتقادها الى مؤسسات عالمية ناظمة للعلاقات الدولية على أساس التكافؤ والعدالة وليس على أساس القوة. فضلا عن افتقارها الى مقولات انسانية تنفي المقولات الجديدة عن <<صراع الحضارات>> و<<نهاية التاريخ>> و<<المستقبل الأسود>>. فالديموقراطية، كمقولة فكرية وسياسية، فقدت زخمها وهي تترنح تحت مشاكل العالم الجديدة التي لا يمكن حلها بالسحر الديموقراطي وحده. وأول ما يلفت الانتباه في هذه الظاهرة الارتدادية هو سهولة ايجاد الأعذار لشن حروب دموية جديدة، وتجاوز حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وصولا الى إسقاط هذا الحق عمليا.
لقد جرى التمهيد لهذه التحولات عبر نشر مقولات فكرية مرعبة ومحبطة. فبدلا من تقسيم العالم الى رأسمالي واشتراكي، جرى تقسيمه الى أغنياء وفقراء، ثم جرى تمويه هذا التقسيم بالحديث عن قسمة العالم الى مسلمين ومسيحيين ويهود وهندوس وبوذيين.. الخ. تستوي في ذلك الدول والأفراد والعواصم والمدن والأحياء السكنية. هذا السيناريو كان بحاجة الى التزيين والتغليف عبر أفكار قابلة للرواج والانتشار. تماما كما جرى التمويه على حروب السيطرة الجديدة عبر نظرية مكافحة الارهاب ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ان هذا التحول الاستراتيجي في أساس اندلاع الحروب (من كشمير الى افغانستان الى فلسطين مرورا بكوسوفو والعراق) أدى الى عودة التاريخ الى عصر الاستعمار الرأسمالي. وقد تجلى ذلك بعودة الانظمة السياسية والحكومات والمؤسسات الدولية والشركات الاحتكارية والقطاع الخاص لكي تمثّل جميعها حصرا مصالح الأغنياء في العالم. إضافة الى تحكمها المطلق بإمرة الجيوش وإدارة أسلحة الدمار الشامل والهيمنة على وسائل الاعلام الكبرى. فيما لم يعد يمثل مصالح الفقراء سوى بعض الجمعيات الاهلية غير الحكومية، وبقايا الاحزاب اليسارية.. والجمعيات الخيرية. أما اذا اختارت احدى الدول المستقلة ان تبقى خارج هذا الاصطفاف البنيوي الرأسمالي (كوبا كوريا الشمالية إيران.. الخ) فإنها سوف تغامر بأن تضع نفسها تحت الحصار الاقتصادي (في أحسن الاحوال) وعلى لائحة الارهاب (في أسوئه). وأحيانا قد يؤدي ذلك الى ضرب منشآتها الاقتصادية بشكل مباشر (كما حصل في السودان حين تم تدمير أهم مصنع للدواء في أفريقيا بصواريخ أميركية).
ان الحرب على الارهاب تختلف عن الحروب التقليدية كونها تدور في كل مكان، وعلى كل ارض، بين مشبوهين تقول اجهزة المخابرات انهم إرهابيون لأسباب ايديولوجية، وبين اجهزة أمن وجيوش نظامية محترفة ذات تسليح وتمويل غير محدودين. وعلى الرغم من ان الرأي العام يشاهد عبر أجهزة التلفزية الحديثة أدق تفاصيل الاحداث، الا انه يعجز عن تكوين <<حقيقة واحدة>> عما يدور. الى ان تضع الحرب أوزارها وتسفر عمليات القتل والتدمير عن <<الحقيقة النهائية>> التي يحددها دائما ميزان القوى على الارض.
إذن لم تعد الانظمة الليبرالية في الغرب الرأسمالي مسالمة ومحايدة ومعتدلة! لقد أصبحت متدخلة وصاحبة مشاريع أمنية وعسكرية. حدث هذا بعد نهاية الحرب الباردة مباشرة، فأصبح مشهد سوق المعتقلين العرب في مدن وشوارع الولايات المتحدة الاميركية الى التحقيق، ومنه الى السجن، مشهدا روتينيا. صارت مراقبة المهاجرين من أصول شرق اوسطية وآسيوية في مدن وعواصم الاتحاد الاوروبي أولوية أمنية، وتزايد عدد التهديدات المجهولة المصادر التي تستهدف بصورة خاصة الأمن الاوروبي والاميركي (بينها النووية والجرثومية!).
لكأن أوروبا وأميركا أصبحتا محميتين أمنيتين! هذه الصورة تأخذ أبعادها الكاملة مع تنامي اليمين المتطرف والتيارات الشوفينية في أكثر من بلد غربي، والاسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق هي: هل تجاوزت المجتمعات الغربية عقدة <<النازية الألمانية>> بحيث وجدت نفسها متعايشة بحكم التطورات مع تيارات نازية جديدة؟ أليس من الممكن ان محنة العودة الى الوراء قد ابتدأت على الصعيد الاجتماعي بتقليص دور الدولة الرعائي، وعلى الصعيد السياسي بالمزيد من العسكرة والاستنفار الأمني والعقائدي؟ ألا يلفت الانتباه أنه في الوقت الذي تشهد فيه العولمة طفرة إعلامية معرفية غير مسبوقة في التاريخ تدعو حكومة أقوى وأثرى دولة في العالم الى إنشاء مركز <<للتضليل الاعلامي>> مموّل من خزينة الدولة (أي من أموال المكلفين)؟، وفي الوقت الذي تنزاح فيه الحدود أمام رؤوس الاموال و<<حامليها>> في شتى بقاع الارض ترتفع الحدود عاليا في وجوه الافراد فاقدي رؤوس الاموال (المهاجرين)؟.
ان المستقبل ينذر بأن تصبح شعوب الجنوب مناطق محاصرة ومعزولة يفتك بها المرض والجوع والفوضى، في الوقت الذي تتعرض فيه ثرواتها الطبيعية للنهب الاستعماري الجديد وناسها وعمرانها للقصف والتدمير.
يقول كابلان: <<ان جهود فترة ما بعد الحرب الباردة لفرض الديموقراطية تخلو من منطق معقول. نحن نصوّب البنادق الى رؤوس شعوب العالم النامي، ونقول لهم: تصرفوا كما لو أنه لا توجد بينكم صراعات عرقية او اقليمية دامية>>.
هذا الكلام يعني ان الاميركيين يصوّبون بنادقهم الى رؤوس الشعوب لإجبارها على سلوك طريق الديموقراطية باعتبارها مفتاح التنمية والتطور! إذن كيف نفسّر دعم أميركا لكثير من الانظمة الاستبدادية في العالم الثالث؟ وكيف نفسّر مواقفها المعادية لمصالح شعوب الجنوب داخل المؤتمرات العالمية والمؤسسات الدولية؟ وكيف نتعامل مع حقيقة ان الحربين العالميتين: الاولى والثانية، انطلقتا من الشمال تحديدا لا من الجنوب؟
() كاتب لبناني.
 
جريدة السفير


#فؤاد_مرعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد ...
- حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
- وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض ...
- أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير ...
- ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
- بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش ...
- Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
- -القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
- -المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
- إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فؤاد مرعي - استبداد الشمال ومحنة الجنوب