|
رغم رحيله المأساوي لم ترحل قصائده
كاظم السيد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2992 - 2010 / 5 / 1 - 17:02
المحور:
الادب والفن
الشاعر الشهيد شاكر السيد نصيف رغم رحيله المأساوي لم ترحل قصائده ولدت القصيدة عنده في مطلع الخمسينات، بعد أن ترعرع وعاش في بيئته الحلية. التي كانت زاخرة بفنونها وأدبها العربي الفصيح والشعبي الحسجة خصوصا إنها حفلت بالعديد من الأسماء في هذا المضمار إبان تلك الحقبة التي قسمت فيما بعد إلى عدة أجيال منها الرعيل الأول المتمثل بالشاعر عبد الحسين صبره ورهطه والرعيل الثاني المتمثل بصاحب عبيد الحلي ومعاصريه والرعيل الثالث المتمثل بالملا محمد علي القصاب. ومن ثم الرعيل الرابع المتمثلة بنخبة مبدعة من شعراء الحلة.. وشاكر السيد نصيف واحد من تلك النخب المتمثلة بالمشهد الشعري الحلي الستيني. رسخ أقدامه من خلال إبداعاته الشعرية، فهو امتداد من سبقهم من الرواد الذين قدموا أجمل ألوان ورودهم الفواحة بعطرها الجميل، والتي ما زلنا نستنشق عبقها كامتداد جذور النخيل من الفرات حتى طين الحلة.المدينة الأم التي انجبته حتى أصبح الشعر زاده اليومي. ومن خلال المعانات السياسية والاجتماعية ومظاهرها الاقتصادية والحياة العامة للإنسان العراقي والتي يعيشها في تلك الحقبة كل هذه أثرت في مسيرته الشعرية إلى حد كبير حتى أصبح ذا طاقة شعرية متمكنة في القصيدة الشعرية (الكلاسيكية القديمة). لكنه لم يستفد من الفرصة انتشاره عبر المشهد آنذاك إلا ما ندر سوى من شعراء ورفاق دربه في مدينة الحلة امثال كريم النور /عبد الستار شعابث / جليل بقلي / علي بيعي ..وغيرهم من المبدعين . شاكر السيد نصيف اسم لامع في تاريخ الشعر الشعبي، لكن الأجهزة الأمنية والقمعية للنظام الدكتاتوري المباد اطفؤوا جذوة ابداعه الشعري في بداية الثمانينات. بعد أن شنوا حملتهم القذرة لاعتقال الشيوعيين خوفا من تأثيرهم في الشارع العراقي وغيبوا (شاكر الشاعر والإنسان) وضاع ذكره ولم يعرف عنه حتى هذه اللحظة أي شيء نهائيا: لأنه لم يذعن لإرادة النظام القمعي، حتى لا يصبح مرتزقا ومأجورا لكونه لم ينحني امام المغريات التي قدمها النظام الدكتاتوري. وقف شاكر.. كسيف متحديا سياط وأهوال البطش الصدامي ضد المثقفين الوطنيين الذين يحملون الفكر الماركسي النير، فقدم شاعرنا من اجل قضيته التي يؤمن بها أغلى ما يملك إلا وهي روحه العاشقة للفكر والمبادئ الأصيلة.. لقد ترك شاعرنا أثرا كبيرا لدى محبي هذا الأدب الرفيع من خلال قصائده الجميلة والزهريات البديعة وفضلا عن الأغنية والأنشودة كما في (كرد وعرب) هذه الأنشودة التي انطلقت من ضمير شاعرنا حيث يبدو أكثر صدقا وامانة من خلال ما كان محملا بهمومه وحولا الحزن إلى فرح.. وجاء مبشرا لهم بالحب والتضامن والسلام في إعلان بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 لأن الشاعر مرآة عصره: كرد وعرب نعلن سلم ما ننهزم يوم الحزن.. يا لتستمع احنه ما نردع ما ننخدع احنه كرد وعرب لأجل الشعب نبني الفخر طول الدهر عدنه عبر ما ننخذل.. احنه الامل كول وفعل.. احنه كرد وعرب فقصائد (شاكر) تفيض بعذوبة وشفافية تمنحنى المتعة، خاصة في قصائد العتاب وشكواه.. ويذكر الحبيب بأيام الهوى الأولى كما جاء في هذه القصيدة الرائعة: كل ظني العمر وياك يحلالي خاين ما دريت أتعذب أحوالي. **** رضيت انت ورضيت أنه وصبحنه اثنين. وحده الروح ما تدري اشتمر سنين هسة تلتفت ليه اوتدير العين!! ليش اشحصل مني وياك يا غالي. **** تعاهدنا اليضدك ينحسب ضدي حبيبي انت مهجتي اوصرت كل ودي بعد الحبر ما جف ضيعت عهدي هذا الامل بيك تخون للتالي.؟ فقصائده تمتاز بشفافية والمفردة السهلة بكونها مستوحاة من البيئة التي يعيش فيها الناس البسطاء في الريف والشارع والمقهى والمدرسة.. انها تفيض بالحب والعشق الحلي الأصيل، مما سهلت الجو لاستخدامها وحفظها في أزهرياته، وهذا واحد منها: للي يريد ينشـــــد لعـــد شــــافـــــه عالراح كلبي يكون عالما بعد شافه جذاب ولفي ويكلي للجرح شافه انه السبب بالجره واشد على خله هســــــــــــا تبين دليلي ممتلي خله شــــــــــان الهـــــــــوه ما نفع خله انظر اعيونه اشتكلك واسمع الشافه يبدو أكثر تعبيرا فهو يتحدث عن حبه العنيف لوعته عند فراق الحبيب تلتمس عند قراءتك لكتابه حرارة العاطفة وروعة التعبير عن أحاسيسه الجياشة في ثنايا هذه السطور التي نظمها عام 1968: تحاربني بسهام العين ما تكدر الشوك أيزيد عندي والأمل يكثر سبحان الخلق ولو جنتك صور حجاياتك ابد متروح عن بالي ونلاحظ من هذا الزهيري التعبير مشحون بصورة جمالية ومعاناة صادقة برهن فيها على عمق وعيه الشعري: يلي خيالك بعثلي نوحــــي وأشجاني وياك كلبي اشعمل صديته وأشجاني مرتاح وحدي جنت حبيت وأشجاني ظنيت توفي بوعدك والمحبة أوعود بهواك عمري خلص يا يوم كلي أوعد نرجع ونكعد سوه ما بين كاس وعود يا عاذل الغيرك يا حاســــــــــــــد الدارك!! بالكلب باني الالكترونية دون الخلك دارك مظلوم حبك تراني واليحــــــــــــب دارك آنه الزرعت الورد يشـــــــــتمه واشجاني أن هذه الكتابات بما تتضمنه من أفكار واضحة، انما هي تعبير عن صلة الشاعر بالموضوع وطراز العمل الشعري الأكثر التصاقا بالواقع. وهي تعكس شخصيته الرقيقة وعاطفته وهيامه ولوعته وولعه الذي يكمن في روحه العاشقة من جهة ولم يبعد ولم يتجاوز الإنسان وهمومه كموضوع مطروح بقوة وايمان. لقد كان تغييب الشاعر الشهيد شاكر السيد نصيف إبان العهد الصدامي، فاجعا ومؤلما فانه في الوقت نفسه خسارة كبرى للأدب الشعبي العراقي، لكن تركته الشعرية ستبقى خالدة في ذاكرة الاجيال ومتوارثة جيلا بعد جيل رغم رحيله المبكر المأساوي فقصائده لم ترحل ولم يتوقف الدفق في جسدها الغض. سلاما لشاكر الرجل الماركسي المعطاء، الواضح الأصيل النقي الطيب أينما وجدة رفاته الطاهرة.. والخزي والعار لجلاوزة النظام الدكتاتوري وحزبه الفاشي . ـــــــــــــــــــــــــ * رئيس تحرير مجلة الشرارة
أصوات لا تنسى عباس جميل عقلية موسيقية مدهشة.. لم تتكرر كاظم السيد علي [email protected]
يمتلك الموسيقار الكبير وعميد الأغنية العراقية عباس جميل تاريخيا فنيا حافلا بالانجازات اللحنية والنغمية على امتداد أكثر من نصف قرن.. قدم فيه بما هو جميل إلى الذائقة العراقية من خلال عطائه الزاخر الذي نهله من واقعها المعاش بهمومه وأماله وطموحاته ولا زالت عالقة في ذاكرة الناس توقد فيهم الحنين لجماليتها الحسية لكونه لم يطعم ألحانه (أنغام غربية)، فاتسمت بطابعه المحلي البغدادي الأصيل. وهذا هو السبب الرئيسي التي جعلها في أذهانهم ووجدانهم وذكرياتهم منذ الأربعينات كما في أغانيه (عليمن يا كلب تعتب عليمن) و(بسكوت اون بسكوت) فكل هذا جعل من عباس جميل يتميز في هذا المضمار الرحب عن اقرأنه الملحنين في تلك الحقبة. وتألق اسمه في سماء الأغنية العراقية حتى بلغ رصيده أكثر من (400) أغنية (بغدادية +ريفية) التي من خلالها برز الكثير من المطربين والمطربات بأصواتهم الحقيقية الجميلة فلحن لزهور حسين أكثر من (60) أغنية منها (غريبة من بعد عينج ييمه) و(يم عيون حراكه) و(جيت يهل الهوه) والسبب الذي جعله يلحن أكثر أعماله لزهور وانسجامه معها يقول في احد لقاءاته عنه (فقد كانت تربطني بزهور حسين علاقة روحية حميمة.. وهذا ما جعلني انسجم معها في اللحن الذي أقدمه لها) وفائدة نزهت أغنية (يا كاتم الأسرار) ولعفيفة اسكندر (يا كلبي) ولوحيدة خليل ونادية حمدي وعبد الرحمن خضر حتى لحن لأغلب مطربي الريف أمثال (وحيدة خليل): لأغنيتها الشهيرة (جاوين أهلنا) كما لحن للمطرب داخل حسن ( يا طبيب أصواب دلالي كلف) وكذلك لعبد محمد وشهيد كريم و(أمي) لسعدون جابر ولميعة توفيق وأحلام وهبي وصبيحة إبراهيم وعزيمة توفيق وللمطربين العرب.. أمثال ليلى عبد العزيز وعباس الدري من الكويت وليلى حلمي من مصر وسلامة من لبنان لقد كان الملحن القدير عباس جميل حريصا منذ بدايته على التعامل مع أصوات ذو نكهة عراقية أصيلة.. غير مفتعلة. تتفاعل مع الكلمة واللحن.. كما وجدها عند المطربي والمطربات التي لحن لهم ألحانه الجميلة.. فكانت تلك الأصوات أنفة الذكر حريصة أشد الحرص على ما تقدمه للمتلقين.. والمتذوقين للغناء العراقي الأصيل.. لقد أدى عباس جميل أكثر ألحانه بصوته لكونه يمتلك صوتا جميل منذ صباه فكان الطالب الوحيد الذي يختارونه لقراءة النشيد عند رفع العلم في ساحة المدرسة صباح كل يوم لكونه كان طالبا نموذجيا في ملبسه ودروسه. فمنذ ذلك اليوم شجعه زملائه وأساتذته على حلاوة صوته.. وأنه يصلح للغناء.. مما حدا به إلى أن يستمع إلى أصوات كبار الفنانين العرب من خلال افلامهم التي كانت تعرض في دور السينما في بغداد وخاصة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش.. فأخذ يحفظ أغانيهم جميعا مما أحس بأن هذه الأغاني قريبة إلى صوته.. مما أخذ شغفه بهذا المضمار الجميل.. حتى تعلم رويدا رويدا أصول المقام وأنغامه المتعددة من خلال سماعه لمحمد القبنجي وحسن خيوكه.. والبياتي عبد الهادي واستمع كذلك للغناء الريفي الأصيل.. الذي كان يؤديه المطرب الكبير الطورجاوي عبد الأمير وتعلم منه أطواره الجميلة.. فبعد أن نمت عنده الرغبة الشديدة لدخول مجال الفن.. فقد عزم على ذلك ودخل لدرس الموسيقى دراسة علمية في المعهد المذكور حيث تعلم الضرب على العود وتعلم أصول الموسيقى الغربية والصولفيج هذا وقد نال الفنان المبدع أوسمة كثرة منها لقب (موسيقار) منحته له الجامعة العربية في احتفال أقيم له بهذا الخصوص في القاهرة عام 1995م وقبل رحيله كرم من قبل اتحاد ديوان الشرق وقدم له وسام الإبداع الثقافي. وأخيرا لا بد من القول: أن رحيل عباس جميل خسارة كبيرة وفادحة للفن العراقي الأصيل.. لأنه طاقة مدهشة وعقلية موسيقية لم تتكرر.
ـــــــــــــــــــــــــ * رئيس تحرير مجلة الشرارة النجفية
أصوات لاتنسى محمد القبانجي صوت الابتكار والتجديد
كاظم السيد علي * [email protected]
قبل أكثر من خمسة عشر عاما رحل عميد المغنين العرب في الارتجال الغنائي (المقام) عن الدنيا بهدوء ودون ضجة.. ووفاء لمطرب العراق الأول، ننتهز الفرصة للحديث عن بعض مسيرته الفنية: محمد عبد الرزاق القبانجي.. موهبة غنائية ساحرة يحفظ للمقام العراقي أصالتها.. ولد عام 1904 في محلة سوق الغزل الشعبية ـ بغداد ـ نشأ وترعرع في كنف والديه ومنذ الوهلة الأولى اتجه ذلك الفتى الصغير إلى الغناء من خلال المقهى التي مجاورة إلى محل والده عندما كان يعمل معه في (العلوة) والتي كان يرمها أهل الغناء والطرب فأخذ ينتظرهم ويتابعهم عن كثب، فكان يصغي لهم عند مزاولتهم الغناء في تلك المقهى. شغف ذلك الفتى واغترف من ذلك النبع الأصيل وبدأ مشواره وخطا خطواته بتأنيٍ مع مسيرة الغناء التراثي (المقامات العراقية) فكان فطنا وذكيا يستوعب كل ما يسمعه من ألحان وألفاظ، مما أخذت ذاكرته تحفظه عن ظهر قل، فكان محمد يقوم بتصحيح القصائد في ذلك الوقت للموهبة التي كان يمتلكها وكذلك لإتقانه اللغة العربية من خلال ولعه بالشعر العربي (كنت أصحح هذه الأخطاء، وكان ذلك مدعاة لدهشتهم فعلا، حتى استقر بهم الحال إلى دعوتي لمجالسهم محاولين الاستفادة من الذي أحفظه). هذا مات جاء على حد قوله في إحدى لقاءاته. حتى كان وجوده معهم يشجعهم ويحثهم على الاستمرار في الغناء.. وبعد تعلمه القراءة والكتابة على يد (الملالي) آنذاك ومن خلال تعلمه حفظ الآيات القرآنية، تفوق في تجويد الآيات من خلال نبرات صوته التي يملكها.. مما دفعه ذلك إلى الولوج في جادة الغناء أولا، ومن ثم تشجيع والده الذي يملك ذوقا ولكنه من محبي الموسيقى والغناء ثانيا، وخاصة المقام العراقي، مما جعله يغني ويطرب المغنين والمستمعين بصوته الرخيم فنال إعجابهم هذا يعود بالفضل إلى أساتذته الأوائل، كل من قدوري العيشة ومحمد الخياط والسيد الولي، الذي تعلم منهم الأداء في فن المقام وكذلك تأثره الأخير بمطرب مصر الكبير عبد الحي حلمي.. حتى أصبح فنانا يشار له بالبنان ويقف بالموقع المتقدم بطريقته المتفردة والمتميزة عن غيره من مطربي المقام لقدرته الفذة وحفظه وأدائه للمقامات الصعبة وذلك لتجربته الطويلة في هذا الميدان حتى بقى الصوت المهيمن على خشبة المسرح الغنائي لسنوات طويلة: مما استرعى انتباه شركات التسجيل آنذاك ومنها شكة ألمانية، ومن خلالها قام بتسجيل جميع المقامات العراقية لقاء مبلغ بسيط جدا. لقد كان القبانجي من الفنانين المجددين والمبتكرين في مسيرة هذا الفن الأصيل فبدا بمرحلة الإبداع والتجديد والابتكار في عالمه وتجديد ديمومته، حيث ادخل إلى المقامات العراقية مثل مقام اللامي وكذلك مقام القطر وبعض النغمات من مقام الإبراهيمي. وفي عام 1968 منح وسام (كومندوز) تثمينا للدور الذي لعبه في تشكيل الصيغة النهائية لمقام اللامي عام 1929، وكذلك لعب دورا في نقل بعض المقامات إلى مسامع الناس من محبي ومريدي هذا اللون من الغناء الأصيل مثل مقام الحجاز كار والكرد واللذين استخدما في بلدان غير العراق. والقبانجي انطلق من انه فنان يحمل رسالة إنسانية عليه أن يحافظ على القيمة العليا والنهوض بالتراث الغنائي لوطنه وكان المدافع الأول عن هذا النوع من الفنون من خلال ترسيخه له ومحافظته على هذا اللون من الموروث الحضاري الراقي، من حيث تجديد ديمومته إلى مستواه اللائق كتراث موسيقي عربي أصيل.. ومن خلاله كان المطرب الكبير (القبانجي) يعبر عن الأحاسيس الإنسانية التي تواجهه في الواقع المعاش وعن هموم وتطلعات شعبه الاجتماعية والسياسية والوطنية: فكان بحق فنانا، وكانت المحافل التي تقام في تلك الحقبة تشهد له بذلك فقد لاقى من الحكومات المبادة ما لاقى من تعسف واعتقال عندما كان يؤدي أغانيه من خلال أدائه للمقام العراقي وهاجم الاستعمار وأذنابه الرجعيين والشاهد على ذلك البيت الذي كتبه الشاعر الراحل عبد الكريم العلاف الذي يقول فيه. سعيد اللي كضه عمره بلادي اوعايش دون خلك الله بلادي الغريب اصبح يزاحمني بلادي الاهل أهلي وبلادي شح علية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * رئيس تحرير مجلة الشرارة النجفية
نزار سليم .. رساما ... وقاصا ... ومؤلفا
كاظم السيد علي* [email protected]
اغلب الذين يتحدثون عن الفن التشكيلي في العهد السابق يغيب عن ذاكرتهم بعض أسماء رواده !! هذا ماما اعتاد نظام الدكتاتورية المقيتة اللا ثقافي أن يثقف به ليطمر المواهب اللامعة في سماء الثقافة العراقية من الذين لم يركعوا للنظام البائد ولم يخسروا إبداعاتهم الفنية لتمجيد أساليبه الإجرامية .. ومن هؤلاء الفنان الراحل نزار سليم . اليوم ومن خلال هذه الصفحة استذكره استذكارا وفيا لما قدم هذا الفنان المبدع من أعمال جليلة ، فقد كان نزار سليم واحدا من المبدعين القلائل الذين عبروا عن الحياة بصيغ تعبيرية وبمضامين وأفكار متطورة بين معاصريه ، وواحدا من أولئك الذين تمثلوا بالأصالة العراقية وبالفن العربي عموما . فمن بين البيئة الفنية التي كان يمثلها والده الحاج محمد سليم الرسام يخرج" نزار " كواحد من الرهط الذي تولى ريادة الفن التشكيلي العراقي بعد شقيقه " جواد " وصبت فيه إمكانياته وقدراته الفنية . ناهيك عن كونه مؤلفا شغف بالتأليف منذ طفولته عندما كان عمره ثماني سنوات وأثمرت تجربته بصدور صحيفته الخطية (الصبا ) وأستمر بصدورها حتى تخرجه من الإعدادية. ومن ثم رساما للكاريكاتير حيث شارك في جميع المعارض الكاريكاتيرية في بغداد والخارج . فضلا عن انه كاتب قصة قصيرة حتى أصبح يشار له بالبنان حيث اصدر ثلاث مجموعات قصصية منها ( أشياء تافهة ) و( فيض ) و( رغم كل شيء ) ومؤلفا أصدر مسرحية طويلة بعنوان ( اللون المقتول ) وكتابين في المسرح بعنوان ( مقدمة في المسرح الصيني ) و( عشر مسرحيات ذات فصل واحد ) كما اصدر كتابا فنيا بعنوان ( الفن المعاصر في العراق ) طبع بالغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية والألمانية والروسية . ولد الفنان نزار سليم في أنقرة من أبوين عراقيين في 15 آذار 1925 وخرج من بيئة فنية تمتلك مواهب متعددة وتمتلك أفكارا واعية متقدمة بالثقافة ابتداء من والده ووالدته التي كانت تعمل له ولأخيه جواد تماثيل من الشمع والطين تشكل لهما منها المرأة ، الحمامة ، العصفور ، الحصان وأشياء أخرى مستمدة من البيئة الريفية لكونها امرأة من مدينة( الدراجي ) تلك البيئة الريفية .. حتى ولع الأشقاء الثلاثة جواد ونزار ونزيهة وبدأ كل واحد منهم نحاتا إضافة إلى موهبتهم الرئيسية الرسم . لقد كان ( نزار ) متقدما في فنه منذ الدراسة الابتدائية بمدرسة الفيض الأهلية فقد كانت درجته في الرسم 100 بالمائة خلال الأعوام 1938 – 1942 وكان والده الرسام المبدع متبرعا في تدريس مادة الرسم مجانا فيها ، لقد لعب والده دورا مهما في تجربة نزار وله الأثر الواضح فيها مما ساعده في بادئ الأمر على كيفية جر الخط المستقيم والتظليل وقياس الحجم , كذلك كيفية تكبير الصور الشخصية بالمربعات .. هذا ماأكده " نزار " بأكثر من حديث ، في عام 942 دخل الإعدادية وتخرج فيها 1945 ثم دخل كلية الحقوق وتخرج عام 1952 بعدها دخل معهد الفنون الجميلة وذلك لشغفه وحبه الجنوني بالرسم . بعد أن صدر تعيينه في وزارة الخارجية آنذاك .. وهو في المرحلة الثالثة مما اضطر أن يترك دراسته بالمعهد المذكور ، بعد إقامته بجمهورية الصين الشعبية وبالضبط بالعاصمة (بكين ) التقى بالفنان الكبير (شو ) ودرس على يده الفن التقليدي لمدة ستة أشهر ، كان نزار فنانا نشطا بين زملاءه حيث ساهم في معرض الكليات للرسم والنحت في قاعة كلية الآداب عام 1941 لجمعية أصدقاء الفن ، وفي عام 1951 ومن خلال هذه التجربة الفنية الطويلة أقام (6 ) معارض في أماكن متعددة من العالم فمعرضه الشخصي الأول أقيم في (بون ) عام 1955 وفي عام 1956 أقام معرضه الثاني وشهدت الخرطوم عام 1958 معرضه الثالث أما الرابع عام 1967 في مدينة استوكهلم أما الخامس الذي أقيم ضمن تكريم وزارة الثقافة آنذاك فكان تكريما شاملا ضم أعماله في الرسم والنحت والتصميم والكاريكاتير .. والفنان " نزار " كان يعمل بقوة وإيمان وثبات للتعبير عن طابع التراث والواقع والبيئة العراقية الأصيلة من خلال مناظر القرى والسواق .. فأعماله تبدو موضحة للتاريخ والتراث البغدادي والبيئة الحاضرة تحمل لوحاته رموزها وحيويتها الاجتماعية معها فمن خلال مشاهدتك لها فهي تستهويك وتقودك بوداعة إلى ألوانها الشفافة المفعمة بالحركة والحياة المتمثلة بلوحته (تعطش وشربك ماي بثنين أديه ) و( الفلاح والفلاحة ) و(بغداديات 1979 ) و (لعبة الساس ) وغيرها من الأعمال التراثية الجميلة ومن البيئة الريفية الساحرة بجمالها الفتان ، كل هذه كانت قاعدة (نزار ) التي بني على أساسها عمله الفني وهاجسه الأول والأخير .. هذا ما لوحظ في أعماله التي ضمها معرضه الأخير عام 1980 ، لقد عبر فيه عن واقعه اليومي ومعالجاته لحياة القرية وابنها البار (الفلاح ) أولا والوسط الشعبي بمشاعره الطازجة كل هذا يعبر عن حب نزار سليم للحياة. ــــــــــــــــــــــــــــــ * رئيس تحرير مجلة الشرارة
#كاظم_السيد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الممثل اللبناني نيقولا معوض يتحدث بالتركية.. ما القصة؟
-
فنانة كازاخية تهدي بوتين لوحة بعنوان -جسر الصداقة-
-
تطورات في قضية اتهام المخرج المصري عمر زهران بسرقة مجوهرات
-
RT Arabic توقع مذكرة تعاون مع مركز الاتحاد للأخبار في الإمار
...
-
فيلم رعب لمبابي وإيجابية وحيدة.. كواليس ليلة سقوط ريال مدريد
...
-
حذاء فيلم -ساحر أوز- الشهير يُطرح للبيع بعد 20 عاما من السرق
...
-
تقرير حقوقي: أكثر من 55 فنانا قتلوا منذ بدء الحرب في السودان
...
-
-وتر حساس- يثير جدلا في مصر
-
-قصص من غزة-.. إعادة صياغة السردية في ملتقى مكتبة ليوان بالد
...
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|