أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - من المئذنة إلى شاشة التلفاز














المزيد.....

من المئذنة إلى شاشة التلفاز


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2992 - 2010 / 5 / 1 - 11:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تـُظهر زلات اللسان عادة حقيقة ما يبطنه المرء في أعماقه من نوايا وأفعال، وما يضمره تجاه الناس. وكثيراً ما يقع أصحاب العمل العام في مثل هذه الزلات، رغم ما يحاولون إحاطة أنفسهم به من "كياسة" مصطنعة، وتأدب، وبروتوكول وانضباط، ففي لحظة واحدة ينهار كل هذا ويظهر "النجوم" عراة مكشوفين أمام الناس. وكل نفس هب نتاج لثقافتها وتربيتها ونشأتها وعقدها وأمراضها ونوازعها التي يحاول البعض إخفاءها، ولمنها تظهر هكذا، ومن دون سابق إنذار، في لحظة ضعف أحياناً، أو حين تتراكم تلك النوازع وتتجمع ولم يعد بمكان هناك قدرة على التحكم بها، أو حين يشعر صاحبها براحة ما، وبقدرته على البوح بها من دون أنت يلقى أي لوم وعتاب.

حين أشرنا لعمل المؤذن السابق وانتقاله من محراب المسجد، ومن على جدران المئذنة، إلى شاشة تلفزيونية بكل ما فيها من إبهار وأضواء وتقنية وانضباط، لم تكن الغاية في معرض التحقير والتبخيس والازدراء، كلا، وحاشانا وحاشاكم على أية حال، فهذا ليس في صلب ثقافتنا التنويرية، وإنما كما قلنا سابقاً بغرض تبيان المنبت والجذور الثقافية والفكرية التي دلف وانحدر منها هذا المكسور، وعلاقتها بما يأتيه من سلوك وكلام وخطاب. ويبدو أن المكسور لم يكن يدري، حتى اللحظة، أن هناك فرقاً كبيراً بين ثقافة وسلوك المحراب والمئذنة، وثقافة وسلوك الشاشة ومخاطبة جموع من المصلين بما لذ وطاب من الخطبة والخطاب إياه، المليء باللعن والشتائم والسباب على كافة الناس كما نسمع في خطبهم، وبين مخاطبة أطياف واسعة من الناس. وأن الانتقال من المئذنة والمحراب، يتطلب انتقالاً وتحولاً في السلوك والخطاب لم يستطع المكسور على ما يبدو أن ينجزه.

ولوسائل الإعلام العصرية أدبياتها وخطابها الراقي، وللشاشة مستلزماتها وبروتوكولاتها البعيدة عن مستلزمات ومتطلبات المسجد والمؤذن والمحراب، فالكلمة تحسب على الشاشة بالمثقال، بينما في المحراب لا رقيب ولا حساب ولا قيود على الخطاب خاصة حين يتعلق بسب الناس.(شتم الطلقاء علي بن أبي طالب ذاته الخليفة الراشدي الرابع مائة عام على المنابر حتى أتى الخليفة عمر بن عبد العزيز وألغى تلك البدعة الأموية فالأمر عادي وتقليدي ولا غرابة فيه).

ومخاطبة أطياف متنوعة وشرائح عريضة ومتباينة من على الشاشة، يختلف بالطبع عن مخاطبة نسق ثقافي وعقلي ومستوى فكري واحد يكاد ينعدم فيه التباين الفكري تراه في ثنايا المحراب. ومن هنا، بالذات، بدأت مأساة المسكين المؤذن السابق، حيث يبدو في كثير من الأحيان بأنه لا يشعر بكبير فرق بين وجوده في المحراب، وعلى أعلى الجدران يؤذن للناس، وبين وجوده أمام شاشة تتطلب بالتأكيد أكثر مما يتمتع به المؤذن من مواهب وإمكانيات.

ففي المحراب، ينفتح الخطاب على آخره، ويذهب إ‘لى مدياته القصوى، وبدون ضوابط ولا حدود ولا روادع فالثقافة والتقليد تسمح بهذا، حيث تشتم فيه الشعوب والأمم والأقوام والملل والنحل والأديان بدون استثناء ويكفـّر فيه الناس، ويطلق على الآخرين صفات حفدة القردة والخنازير، وتتم الدعوة بالموت، والترميل، والتيتيم، والقضاء على كل من ليس ناج من النار حسب اعتقاد المكسور(من هنا لم يجد المكسور أية ضرورة وداع ومبرر للاعتذار). ولا بد أن المكسور حين مارس عمله السابق كمؤذن وخطيب وداعية بترولي من إياهم، في مسجد من مساجد إمارة دبي، قد مارس كل هذا وأرضى غروره، وحقده على البشرية التي تشربها من نعومة أظفاره، وفجر كل مكامن التعصب والعنصرية والكراهية والرغبة التدميرية القاتلة ضد الآخر، وحين انتقل إلى شاشة التلفاز، اعتقد أنه ما زال هناك في المحراب، وفوق أسطح المساجد، وعلى المآذن، يدعو الناس للجهاد، ويسب ويلعن الشعوب والأمم والأقوام. فالعملية، قد تبدو، في أحد جوانبها، نوعاً من الاختلاط، والسهو، والنسيان الآني وزلات اللسان التي تخفي "المستور"، الذي انتاب المكسور في لحظة ما، وقال ما كان يقوله ويردده بانتظام في المحراب، على شاشة التلفاز هذه المرة، معتقداً أنه ما زال هناك، يمارس عمله كالمعتاد فالآخر بالنسبة له مشرك وذمي وكافر وملعون وقرد وخنزير ولاعق حذاء وأهبل ومضحوك عليه...إلخ. فالشاشة و"البزة" الغربية والجلوس مع، وأمام بشر محترمين، لم تغير من خطاب الدشداشة والقلنسوة والنعال التي كان يرتديها المكسور في صحراء دبي.

غاب المذيع و"النجم" الإعلامي في تلك اللحظة، وظهر المؤذن السابق بكل تواضعه ودروشته وخطابه التقليدي حين قال المكسور ما قاله بحق أبناء الوطن السوري العظيم، وذهب كل ذاك البريق واللمعان الذي حاول أن يحيط نفسه به على الدوام، فالمؤذن سيبقى مؤذنا، ولن يبلغ النجومية التي لها أهلها، وناسها، وأدبياتها، وأخلاقياتها الصارمة والرفيعة والبعيدة عن لغة المؤذنين وشيوخ القتل والتكفير وداعية الموت الكريه.

مسكين هذا المكسور، الذي اختلطت عليه الأمور، وتاه، ولم يعد يعرف ويميز في بعض الأحيان، هل هو في المحراب أم في أعلى المئذنة، أم في استديو وعلى الهواء والشاشة. فما زال، وبكل أسف، يحمل معه خطاب المحراب أينما حل وارتحل وأقام. فالقاعدة الصارمة تقول" من شب على شيء شاب عليه، وكل شيء سيعود إلى أصله، ومهما ذهب بعيداً، وتلون، وتزوق وامتد واستطال". وها هو "النجم" الإعلامي يعود إلى أصله مجرد مؤذن، لا راح ولا جاء، ينضح بخطابه المعروف في رحاب المحراب. ولا حول ولا قوة إلا بالله



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم يعتذر المؤذن السابق من السوريين؟
- مليونيرات الحوار المتمدن
- هل يحرر حزب الله المقدسات الإسلامية؟
- شيوخ التكفير والإرهاب على القوائم السوداء
- وصفة حزب الله
- منطق العصور الحجرية
- السيد المدير العام لجرّات الغاز المحترم
- السيرة ذاتية لكاتب عربي
- العرب وموسوعة غينيس
- أنفلونزا البراكين
- التعنيز: وإفلاس إعلان دمشق
- دول الخليج ومخالفة شرع الله
- الزيدان الفهلوي: وتصابي الشيخ الماضوي
- هل أفلس إعلان دمشق حقاً؟
- هل ينتهي الإرهابي الدولي أحمد موفق زيدان إلى غوانتانامو؟
- سكاكين أحمد موفق زيدان ودعواته العلنية للتطهير العرقي
- مطلوب القبض على وزاراء االتربية والثقافة العرب بسبب إعدادهم ...
- أحمد موفق زيدان على خطى أحمد منصور: زيدان يدعو لإبادة طائفة ...
- لماذا خسر العرب معركتهم الحضارية؟
- رسالة إلى السيد مدير المصرف العقاري


المزيد.....




- جيمس ديفد فانس.. نائب ترامب المؤيد لإسرائيل والمسيحية
- المقاومة الاسلامية تنفذ سلسلة عمليلات ضد مواقع وانتشار جيش ا ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: تنفيذ عملية مشتركة مع الحوثي ...
- «حدثها الآن» إليك تردد قناة طيور الجنة بيبي نايل سات 2024 ال ...
- بزشكيان: دعم إيران للشعب الفلسطيني المظلوم مستمد من تعاليمنا ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف إيلات وميناء حيف ...
- المقاومة الاسلامية بالعراق تستهدف إيلات المحتلة بالطيران الم ...
- اضطهاد وخوف من الانتقام.. عائلات كانت مرتبطة بتنظيم -الدولة ...
- في البحرين.. اكتشاف أحد أقدم -المباني المسيحية- في الخليج
- “ولادك هيتجننوا من الفرحة” ثبت الآن قنوات الأطفال 2024 (طيور ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - من المئذنة إلى شاشة التلفاز