|
محام اصغر للشيطان الاكبر!!
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 2991 - 2010 / 4 / 30 - 23:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
محام اصغر للشيطان الاكبر!!ـ صوفيا ـ جورج حداد* باعتبارنا بعض خلق الله البسطاء الذين يسمون الاشياء باسمائها، فنقول للابيض ابيض وللاسود اسود، كنا نعتقد ان الاشتراكية العلمية والماركسية ـ اللينينية انما هي نظرية الثورة: الاشتراكية والوطنية، للتحرر من الاستعمار والامبريالية والرأسمالية وبناء النظام الاشتراكي؛ وان كارل ماركس ما أفنى السنوات الطويلة من عمره في كتابة "رأس المال" الا لتفنيد الرأسمالية ونقضها ودحضها والدعوة للقضاء عليها. ولكن العلامة العليم، فؤاد النمري العظيم خيب ظننا، وطلع علينا، ايضا وايضا، باحدى نظرياته الافرنقعية، التي تقول ان الماركسية انما وجدت للدفاع عن الرأسمالية والانتاج الرأسمالي، ولو كان انتاج الافيون الافغاني، ونصب نفسه ناصحا ومستشارا للرأسماليين الاميركيين عموما، ولأحد ممثليهم في السلطة الرئيس باراك اوباما خصوصا، وأجره ـ اي أجر النمري ـ طبعا على الله (!!!). ففي مقالة محشوة بالتناقضات من اولها الى آخرها بعنوان "محطة الانحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم" (موقع الحوار المتمدن ـ العدد 2978 ـ 17/4/2010) يقول النمري ما يلي: "في منتصف القرن التاسع عشر تنبه كارل ماركس إلى أزمة الإنتاج الرأسمالي، الإنتاج الفائض عن الحاجة، فرأى أن الحل الوحيد يتمثل فقط بتحطيم قيد الإنتاج الذي قيّد البشرية واستعبد الإنسان منذ ما قبل التاريخ. فنادى عمال العالم لأن يتحدوا ليحطموا قيد الإنتاج الذي يقيدهم جسماً وروحاً". اي ان كارل ماركس (في "البيان الشيوعي" و"نقد الاقتصاد السياسي"، وفي تأسيس الاممية الشيوعية) دعا البروليتاريا العالمية ليس الى الثورة الاشتراكية والاستيلاء على وسائل الانتاج، بل دعاها الى توحيد صفوفها مع الرأسماليين "المجددين" لتحطيم قيد الانتاج، اي لتطوير التكنولوجيا والتجديد المستدام للآلات ووسائل الانتاج والتوصل الى الانتاج غير المحدود. ويطرح النمري نظرية افرنقعية اخرى، مكملة للاولى، هي ان اميركا لم تعد بلدا رأسماليا، وان الطبقة الوسطى "الوضيعة" (لا الاحتكارات الكبرى وحيتان البورصات) هي التي تسود في الولايات المتحدة الاميركية "من خلال سرقتها لمنتجات العمال... ونهبها لاموال الرأسماليين عن طريق البورصة" ويضيف حرفيا ان "مضاربي البورصة ليسوا رأسماليين مهما امتلكوا من اموال بل هم في حقيقة الامر العدو القاتل للرأسمالية" (مسكينة الرأسمالية كم هي مظلومة!). ويعرج النمري قليلا الى البيت الابيض ليلتقي الرئيس باراك ويشجعه بقوله "في قول ذي دلالة كبرى وقاطعة قال الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أسابيع قليلة، وبحكم موقعه كمسؤول عن مواجهة الأزمة، قال .. أن لا سبيل إلى مواجهة الأزمة المالية والإقتصادية الخطيرة التي تمسك بخناق الولايات المتحدة الأميركية سوى التحوّل إلى الإنتاج البضاعي. ها هو الرئيس الأميركي يتفق معنا في أن الإقتصاد الخدمي، إقتصاد الطبقة الوسطى لا يقيم مجتمعاً". ويضيف " لا نشك مطلقاً في أن الرئيس الأميركي، وبحكم مركزه على رأس الإدارة الأميركية، قد حدد بدقة العلاج الشافي للأزمة الخطيرة الماثلة، وفي نفس الوقت فإننا لا نشك أيضاً في أن الرئيس الأميركي، وقد عرف العلاج الصحيح، لا يعرف كيفية العلاج ومضاعفاته". و"الرئيس الأميركي لا يعرف. لكن ماذا عن الماركسيين المؤهلين غالباً في استشراف المستقبل؟ نحن كماركسيين مسؤولون دائما وأبداً أمام طبقتنا البروليتارية أولاً ثم أمام الجماهير الشعبية من بعد عن استشراف المستقبل وإضاءة الطريق، طريق الأنسنة وتقدم البشرية. نقوم بذلك بمنتهى الأريحية". (طبعا سرغيي خروشوف وميخائيل غورباتشوف، وفخري كريم، وكريم مروة، والياس عطالله ـ والان فؤاد النمري ـ انما يضعون انفسهم في خدمة اميركا بمنتهى الاريحية ولوجه الله تعالى فقط لا غير). ويقدم النمري تفسيرا وتبريرا لوذعيين لسياسة الغزو والعدوان الاميركية ـ الصهيونية ـ الاطلسية الجديدة بالقول "رب من يظن أن هناك طبقة ثالثة وهي الطبقة الرأسمالية؛ هذه الطبقة لم تعد متواجدة بصورة محسوسة في البلدان التي يمكن أن يكون لديها استعداد لأن تتقدم حركة التاريخ، وقد هاجرت من مراكز الرأسمالية الكلاسيكية وحطت في البلدان المتخلفة التي لا تمتلك أدنى فرصة في إقامة نظام عالمي كالنظام الرأسمالي. وعلى العموم فإننا نبحث في المجتمعات التي لها دور في توجيه العالم الحديث، عالم ما بعد عالم الطبقة الوسطى". واخيرا يحدد مهمة الماركسيين بالعمل في خدمة الرأسمالية الاميركية والاحتفاظ بزعامتها للعالم فيقول "على الماركسيين المؤهلين بل وعلى جميع المهمومين فعلاً بحقوق الإنسان أن ينظروا جدياً بكل وسيلة تحقق رؤيا الرئيس الأميركي في انعطاف الولايات المتحدة والعالم كله إلى الإنتاج البضاعي. على الماركسيين الطلائعيين بصورة خاصة الإجابة على الأسئلة الحدية في هذا السياق وهي .. هل ثمة احتمال في أن تعود الولايات المتحدة إلى الإنتاج البضاعي؟ .. وكيف يمكنها أن تعود، أو ما هي القوى التي ستعمل على إعادتها؟..". احاول فيما يلي ان اعيد تركيب "نظرية النمري" عن الازمة الرأسمالية الراهنة وطريقة الخروج منها، بشكل مبسط يسهل على فهم الناس العاديين من امثالي. فبحسب اقوال النمري: ـ1ـ ان الازمة القائمة، والتي انطلقت من اميركا، ليست ازمة رأسمالية، بل ازمة "مضادة للرأسمالية"، لان "الطبقة الوسطى" الوضيعة، طبقة الخدمات والاقتصاد الاستهلاكي والخدمي (ومنهم المضاربون في البورصات) سرقت العمال والرأسماليين معا. ـ2ـ ان المجتمع الاميركي لم يعد مجتمعا رأسماليا يقوم على الانتاج البضاعي (اي انتاج السلع المادية الملموسة، غير الخدمات). ـ3ـ ان الطبقة الرأسمالية هاجرت من مراكز الرأسمالية الكلاسيكية وحطت في البلدان المتخلفة التي لا تمتلك أدنى فرصة في إقامة نظام عالمي كالنظام الرأسمالي. ـ4ـ ان مهمة البروليتاريا هي دعم الرأسماليين للعودة الى الانتاج البضاعي (السلع المادية) في البلدان التي يمكن أن يكون لديها استعداد لأن تتقدم حركة التاريخ (كأميركا واوروبا الغربية واسرائيل التي هي "واحة الدمقراطية" الغربية في الشرق المتخلف). XXX وانا (وعلى قد فهماتي) اسمح لنفسي ان ارد على النمري بما يلي: ـ1ـ ليس في كل ما يقوله النمري اي ظل للماركسية (كنظرية للثورة الاشتراكية) بل هو داعية رخيص للرأسمالية. وهذا هو نصف المصيبة. ـ2ـ والنصف الاخر من المصيبة هو ان النمري هو ضد اقامة الرأسمالة في البلدان المتخلفة (كبلداننا) ومع تعويم الرأسمالية المأزومة في البلدان المتطورة (كأميركا) التي يسميها "مراكز الرأسمالية الكلاسيكية". اي انه، بكلمات اخرى، عميل للاستعمار والامبريالية والصهيونية، ولكنه بدلا من ان يرتدي، مثلا، الثياب العسكرية الجرداء للص وقاتل مجند في "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع او في "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة انطوان لحد، او ما اشبه ذلك في فلسطين والعراق، فإنه يرتدي ثياب بروفسور دجال يدعي الماركسية يطلق رشاش اكاذيبه كي يغتال عقولنا. ـ3ـ غير صحيح ابدا ان النظام في اميركا لم يعد رأسماليا، لان الاقتصاد لم يعد بنسبته الاكبر مرتبطا ارتباطا مباشرا بالانتاج البضاعي (السلعي) في اميركا. فأولا، ان الاقتصاد الاميركي هو اقتصاد امبريالي، اي انه اقتصاد له طابع عالمي، او اقتصاد عالمي مركزه اميركا. والشركات الاميركية تمتلك ليس فقط سيارات فورد الاميركية الصنع، بل تمتلك ايضا البترول والكاوتشوك والذهب والالماس والبن والكاكو والقطن و و و و...، من السلع الخاماتية ونصف المصنعة والمصنعة من كل انحاء العالم، ولكنها تمتلكها بطريقة استعمارية ـ اغتصابية ـ نهبية. هل يعني ذلك ان الشركات الاميركية ـ بما تمتلكه من مصادر خيرات وانتاجات غير اميركية ـ لم تعد رأسمالية؟ بالعكس تماما، هكذا هي الرأسمالية، وهذه هي الرأسمالية، ولا رأسمالية غير هذه الرأسمالية. واذا كان النمري يعرف بشاعة هذه الرأسمالية ويريد ان يبرئ اميركا من هذه البشاعة بالايحاء بالصورة النمطية للرأسمالية الانتاجية الكلاسيكية التي تقوم على "الدمقراطية" و"السوق الحرة" والمزاحمة الحرة الشريفة والصراع الطبقي الشريف، فانني اقول له ان هذه الصورة النمطية لم توجد تاريخيا ولا لحظة الا في مخيلة الدعاة وايديولوجيي الرأسمالية، وان كل مساحيق العالم، من عند العطار النمري او غيره، لن تجمـّل وجه الرأسمالية "الفعلية". ـ4ـ غير صحيح ابدا ان الرساميل غير المرتبطة ارتباطا شكليا مباشرا بالانتاج البضاعي (السلعي المادي الملموس) ليست او لم تعد رساميل رأسمالية، بل اصبحت اموالا سرقها او استولى عليها اللصوص ومضاربو البورصة من "الطبقة الوسطى" الوضيعة. ولننظر في الاطار الشكلي للرأسمال، من ضمن الصيغ الاقتصادية التي يقدمها ماركس في كتابه العبقري "الرأسمال": ـ5ـ يطرح ماركس الصيغة التالية بوصفها صيغة الانتاج الحرفي، الذي يهدف الى تبادل السلع بين المنتجين انفسهم، تبعا لوجود فائض لدى كل منتج من السلعة التي ينتهجها، وحاجته الاستهلاكية الى سلع اخرى لم ينتهجها هو: س ـ ن ـ س. اي: سلعة معينة ـ يتم تبادلها بالنقود، التي تستخدم كوسيلة تبادلية ـ من اجل الحصول على (شراء) سلعة اخرى يحتاجها منتج السلعة الاولى. وفي هذه المعادلة او الصيغة لا يوجد رأسمال، ولا يوجد "ربح" اضافي لمنتج السلعة الاولى، ولا لمنتج السلعة الثانية. بل ان كل منتج يكون قد تبادل (بواسطة النقود) سلعته بسلعة اخرى ليس الا، لاجل استهلاكه الشخصي. وتكون النقود في هذه الحالة لا "رأسمالا" هدفه الربح، بل "وسيلة تبادلية" ، الا انها لا تكون "وسيلة تبادلية" مقبولة، الا اذا كانت هي نفسها "سلعة" حقيقية هي"الذهب" او ما يماثله او ما يمثله. ـ6ـ ثم يطرح ماركس الصيغة التالية بوصفها صيغة الانتاج البضاعي (السلعي) الرأسمالي. وهنا تتحول النقود من وسيلة تبادلية لا تهدف الى الربح، الى وسيلة رأسمالية تهدف الى الربح، وهي صيغة: ن ـ س ـ ن+ . اي: نقود (هي هنا رأسمال) ـ تتحول الى سلعة (هنا تدخل عملية الانتاج التي هي حصيلة قوة العمل + وسائل الانتاج (الالات والمعامل والارض المستعملة الخ) التي تتحول الى سلع جديدة جاهزة للنزول الى السوق ـ نقود جديدة اكثر (هي اكثر من كمية النقود المستخدمة في بدء العملية، اي هي النقود الاولى + القيمة المضافة، التي تسمى الربح). وهذا هو الشكل الرأسمالي الذي يقف عنده ويتمسك به النمري. ولكن يبدو ان النمري لم يكمل او لا يريد لانصاره الذين يضحك عليهم ان يكملوا قراءة "الرأسمال"، وعمل كالواعظ الذي توقف عند عبارة "لا تقربوا الصلاة..."، او الطبيب الذي بنج المريض وشق بطنه، وغادر غرفة العمليات وهو يقول لذويه "انا قمت بما علي، والباقي على الله!". ـ7ـ فبعد نشوء الصيغة الرأسمالية الاولية، البدائية (ن ـ س ـ ن+) يطرح ماركس الصيغة الاعلى للرأسمالية التي هي الصيغة "الاكثر شيوعا" بين الرأسماليين، والتي تشمل كل الرأسماليين بدون استثناء، خلافا للصيغة الرأسمالية الاولى التي لا يتوقف عندها ولا يطبقها اي رأسمالي على الاطلاق والا لم يكن "رأسماليا" واقعيا. وهذه الصيغة الرأسمالية الثانية، العليا هي صيغة: ن ـ ن+. اي: نقود ـ نقود اكثر. اي: النقود الاولية التي تمثل الرأسمالية الانتاجية في شكلها الاولي ـ كمية النقود ذاتها (الرأسمال) + الربح. وتستثني هذه الصيغة الصيغة الاولى (ن – س – ن+) التي هي صيغة الرأسمالي المتخصص بفرع انتاجي واحد، وتتخذ طابعا شموليا يجمع كل الرأسماليين وكل اشكال عمل الرأسمال: الانتاج بمجمله، التوزيع، اعادة التوزيع، اعادة اعادة التوزيع، التجارة، الخدمات، اللصوصية، العمل البنكي، البورصات، الاحزاب، الحكومات، السياسة الخارجية، تكوين الجيوش الاستعمارية، تمويل الحروب، تنظيم الانقلابات واقامة الدكتاتوريات، واخيرا لا آخر تمويل آلة الدعاية والديماغوجية الامبريالية والرأسمالية التي تشمل وسائل الاعلام على اختلافها والجامعات والجمعيات الخيرية والانسانية والتي تهدف في الاخير الى تفريخ دعاة للرأسمالية من امثال الاستاذ فؤاد النمري. وهناك حقيقة جوهرية واساسية لا يجب ان تغيب عن البال وهي ان هذه الاشكال والتحولات لصيغ الرأسمال، تنطلق من الانتاج وتعود لتصب فيه، لان الانتاج (وسائل الانتاج + قوة العمل) هو المولد الوحيد او "الفبركة" الوحيدة لانتاج "القيمة المضافة" او "الربح". وفي هذه الحالة فإن كل دولار، او اي وحدة نقدية قابلة للصرف، موجود في الدورة المالية وليس "مكنوزا" تحت مخدة شحاذ ما، هو "رأسمال منتج" ومرتبط تمام الارتباط بعملية الانتاج. وقد وصل المجتمع المتروبولي (الاميركي وغيره) الى هذه الحالة الاستيهامية من الفصل بين الاقتصاد البضاعي الانتاجي وبين الاقتصاد الاستهلاكي ـ الخدماتي (اللاانتاجي) في هذا المجتمع، عن طريقين (كلاهما انتاجيين): اولا ـ التطور التكنولوجي، الذي جعل بالامكان بحد ادنى من قوة العمل (وقت العمل ـ عدد العمال او المزارعين) انتاج كميات هائلة من السلع، اكثر بكثير من حاجة السوق الاميركية او السوق العالمية لسنوات وسنوات. وفي هذه الحالة نجد ان المستودعات وكل اشكال التخزين هي مليئة تماما. وهناك شكل آخر من التخزين هو الشراء المستقبلي، اذ نجد البورصات تتداول، مثلا، سندات لبيع مواسم الذرة او زيت الطعام لسنوات الى الامام، 2025 مثلا، والتاجر او المضارب الذي يمتلك سندا يتعلق بصفقة زيت طعام يتم استلامها سنة 2025 انما يكون على ثقة انه سيمتلك تلك الكمية في الوقت المحدد لان كل شرروط انتاجها متوفرة بوقت وجيز وتسليمها في الوقت المحدد. والشيء ذاته يقال عن بعض السلع الستراتيجية "صعبة الانتاج" كالنفط، الذي يتم استخراجه ونقله في مناطق صعبة وخطرة تتكرر فيها الاضطرابات والحروب. ولذلك تتضاعف تكاليف التأمين والتخزين وضمانات التسليم الت يقد تقتضي شن الحروب وتنظيم الاضطرابات والانقلابات الخ. وقد عمدت الشركات والدول المعنية الى تخزين كميات هائلة من النفط في الناقلات العملاقة المستخدمة كمستودعات والمجمعة "جزرا" في اعالي البحار تحميها جيوش كاملة من السفن الحربية والغواصات والطيران الستراتيجي. ونجد ان معظم سندات صفقات النفط المتداولة في البورصات انما تتعلق بالصفقات المستقلية لسنوات الى الامام، وان الاسعار تتفاوت كثيرا بين سنتين "مستقبلتين" مثلا، لانه حين تم طرح هذه السندات في سنة ماضية انما تم في سنة "سلمية" او "مضطربة" الخ. وثانيا ـ التخلف التكنولوجي الشديد والمرتبط بالتمييز العنصري ضد شعوب وبلدان باسرها، والتمييز ضد الاطفال والنساء. وينتج عن هذا نشوء "فروع انتاج" كاملة تقوم على العمل اليدوي البدائي للرجال والنساء والاطفال، كالعمل في مناجم الذهب والماس ومزارع الكاكاو في افريقيا واميركا اللاتينية. حيث يكدح العاملون في هذه المناجم والمزارع في ظروف لاانسانية بالمرة تتحطم معها كل مقاييس الفقر المعتمدة لدى النقابات الانتهازية. وتتحطم هنل كل حسابات الاقتصاد السياسي، التي تحدد اجر العامل بالوقت الضروري لاعادة انتاج نفسه (اي قوة عمله التي ينفقها في العمل المحدد) وبدلا عن ذلك، فإن قبضة من الوحوش البشرية المعنيين بتجارة السلعة المعينة هم الذين يحددون مسبقا كم يريدون ان يعمل في الفرع هذه السنة: مليون عائلة او اكثر او اقل، فيحددون المبلغ الذي يريدون انفاقه وكمية المحصول الذي يريدون الحصول عليه، وبناء على ذلك على المنطقة المعينة ان تتكيف مع هذا القرار المصيري، فيعيش من يعيش ويموت من يموت وتدفن بقايا عظامه في اضيق حفرة ممكنة دون ان يدري به احد. ولكن في كلا الحالتين من العمل التخزيني "للمستقبل"، فهو مرتبط بالانتاج، سواء راقي التكنولوجيا ام متخلف التكنولوجيا. XXX وحتى لا يعتقد البعض اننا نلقي الكلام على عواهنه، ليسمح لنا القارئ ان نقدم بعض الامثلة الواقعية: المثال الاول: لنأخذ منتج السيارات الاميركي المشهور هنري فورد، الذي يعتبر من رموز الرأسمالية الانتاجية الكلاسيكية في اميركا. ولنبدأ معه من لحظة تأسيس معامل فورد وبداية الانتاج فيها. اي، حتى لا نعقد الامور، لنضرب صفحا عن تجميع الرأسمال الاولي ونمتنع عن سؤال السيد فورد من اين له الرأسمال الذي أسس به مصانع فورد. في صبيحة يوم ذهبي من ايام الرأسمالية المظفرة يرن الهاتف في مكتب السيد فورد، ويخبره مدير المصانع او رئيس المهندسين ان اول سيارة ستخرج من عنابر المصنع بعد نصف ساعة، مثلا. ينزل السيد فورد الى المدخل يحمل زجاجة شمبانيا فاخرة، ويحيط به رهط من الصحفيين والمصورين الصحفيين ونخبة مختارة من المدعوين. وتخرج السيارة من الداخل يحيط بها عدد من المهندسين ورؤساء الاقسام والعمال القدماء، وتبدأ فقسات عدسات التصوير تختلط مع فرقعات فتح قناني الشمبانيا. وفي اليوم التالي تخرج الصحف وفي صفحاتها الاولى صور وانباء "الحدث التاريخي". ويجلس السيد فورد في مكتبه، او يتمشى في الردهات بشيء من العصبية، منتظرا النتائج. ويبدأ تسجيل الطلبات وقبض الاثمان، نقدا او شيكات. طبعا ان السيد فورد سيأخذ مصروفاته الشخصية من هذه المقبوضات، ويسجلها تحت اسم "نفقات عمل" او "ارباح" او لا يسجلها تحت اي اسم كان غير اسمه. ولكن ماذا سيفعل السيد فورد بما يتبقى من مقبوضاته؟ هل سيكدس المقبوضات اليومية في مكتبه او بيته، الى ان يأتي يوم تفيده فيه المحاسبة انه استعاد كامل رأسماله في عملية تأسيس مصانع سياراته، ثم ينتظر اياما او اسابيع أخر ليتكدس لديه الربح، ثم بعد ذلك يبدأ يفكر ليقرر ماذا سيعمل بهذا "الرأسمال الموسع" وبالالات والعقارات التي استخدمها لانشاء المعامل والمستودعات الخ. طبعا ان السيد فورد كرأسمالي نموذجي لن يفعل شيئا من ذلك، ولن يكدس اي مبلغ في مكتبه او بيته اذا لم يكن بحاجة اليه كي ينفقه في اليوم التالي او بعده؛ بل هو سيعمد كل يوم الى تحويل كل المبالع المقبوضة نقدا وشيكات الى حسابه المفتوح في البنك. وهنا يبرز سؤال ذو وجهين مترابطتين: هل ان قطاع البنوك هو قطاع انتاجي؟ او خدماتي؟ فاذا كان قطاع البنوك قطاعا خدماتيا، فهل ان السيد فورد حينما يودع تدريجيا "رأسماله المستعاد" يستقيل فعليا من وظيفته الرأسمالية الانتاجية؟ الجواب عند السيد النمري: ان البنوك هي قطاع خدماتي ـ اذن: غير رأسمالي انتاجي ـ اذن غير رأسمالي. ولكن الجواب الذي تعطيه الحياة الواقعية هو: ان السيد فورد حينما يودع رأسماله في البنك، يبقى رأسماليا نموذجيا بشكل كلي، وكيفما كان الشكل الذي يتخذه رأسماله، سواء في صناعة السيارات، او في صناعة الاخشاب، او في الايداع في البنك والاكتفاء بالحصول على فائدة دنيا، او في شراء سندات او اسهم لشركات اخرى. بما في ذلك في قطاع "الخدمات" التي تبدو في الظاهر بعيدة كل البعد عن الانتاج، مثل نوادي القمار والنوادي الليلية لممارسة الدعارة الهاي لايف وشبكات المضاربة على سباق السيارات وسباق الخيول والمباريات الرياضية الخ، فهذه "المصائد المالية" تدخل في النهاية تحت عنوان: اعادة تجميع رأس المال المجزأ، بفعل عملية اعادة اعادة اعادة تقسيم الانتاج والرأسمال والارباح، في عملية اعادة اعادة التوزيع في النظام الرأسمالي. اي انها "عملية رأسمالية" صرف من الفها الى يائها، وان كانت تمر في بعض الحالات بين اصابع اللاعبي الغشاشين المحترفين في اندية القمار، او بين افخاذ العاهرات الفاتنات في فنادق النجوم. المثال الثاني: "جمهوريات الموز"ـ انتشر هذا التعبير في اواسط القرن الماضي، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في اميركا اللاتينية، في الوقت ذاته الذي انتشر فيه تعبير "الماكارثية" في اميركا الشمالية. وفي الوقت الذي كانت "الماكارثية" تعني خنق الحريات الدمقراطية ومطاردة المثقفين والمناضلين والنقابيين الشرفاء في اميركا وفصلهم من اعمالهم وتجويعهم وتسليط سيف الاعتقال والاغتيال فوق رقابهم، كان تعبير "جمهوريات الموز" يعني الجمهوريات الكرتونية في بلدان اميركا اللاتينية، التي تصبح على انقلاب وتمسي على انقلاب. وكان يقف خلف هذه الانقلابات والتلاعب بمصائر شعوب اميركا اللاتينية شركة اميركية هي ما يسمى "شركة الفواكه الاميركية"، التي كانت الحاكم الفعلي لاميركا اللاتينية، حيث كانت لها هيئة اركانها (السياسية ـ المخابراتية ـ العصاباتية ـ العسكرية) وكانت لها جيوشها المرتزقة، وعملاؤها من الجنرالات الى الصحفيين الى المخبرين الى القتلة الصغار المأجورين، الذين يتولون قتل الشيوعيين والدمقراطيين والتقدميين والمناضلين النقابيين والمزارعين الوطنيين ورجال الكنيسة الانسانيين. وطبعا ان هذه "النشاطات" لا علاقة لها لا بالموز ولا بالكاكاو ولا بقصب السكر ولا بأي نوع من الفواكه التي كانت تتستر بها شركة الفواكه الاميركية. اي انه لم يكن لها علاقة بالانتاج الرأسمالي الكلاسيكي، بالمعايير السطحية لفؤاد النمري. ومع ذلك فإن الدولة الاميركية كانت تقدم كل المساعدات والتسهيلات الممكنة لشركة الفواكه الاميركية؛ كما ان الرأسماليين الاميركيين كانوا يشترون اسهم وسندات شركة الفواكه الاميركية، على وجه التحديد من اجل دعمها ومساندتها وتمويلها في نشاطاتها "غير الانتاجية". لماذا؟؟؟ لان هذه النشاطات كانت تعني قطع الطريق على امكانية قيام استقلالات حقيقية لبلدان اميركا اللاتينية وتحريرها من ربقة الهيمنة الاميركية الشمالية، وتعني منع قيام انظمة حكم دمقراطية وطنية، او حتى دكتاتورية وطنية تعمل على استغلال ثرواتها القومية لمصلحة شعوبها وبلدانها، وتعني استمرار وجود اميركا اللاتينية كمنطقة نفوذ لاميركا الشمالية، مما يعني اضعاف الانتاج في اميركا اللاتينية وتشجيع الانتاج في اميركا الشمالية. اي في الحساب الاخير فإن عامل الانتاج هو الذي كان العامل المقرر في النشاطات "اللاانتاجية" لشركة الفواكه الاميركية. المثال الثالث: "ادفع دولارا تقتل عربيا" ـ ظهر هذا الشعار عشية او مع ظهور الدولة الغاصبة الاسرائيلية. ويعتقد بعض المثقفين السطحيين العرب (او كلهم، نقصد السطحيين وليس المثقفين طبعا) ان هذا الشعار كان من صنع الاوساط الاسرائيلية والصهيونية المتطرفة ليس غير. ولكن الواقع ان هذا الشعار هو الشعار الستراتيجي الرئيسي الاميركي ـ الاسرائيلي المشترك، الذي كان ولا يزال يرمز الى دفع التبرعات وتقديم المساعدات لاسرائيل، والذي لولاه لما استمرت اسرائيل بالوجود، ولانهار الاقتصاد الاميركي برمته منذ عشرات السنين، وربما لما استمرت اميركا ايضا في الوجود كدولة موحدة ذات ستراتيجية عالمية، ولتفككت الى عدة بلدان اقليمية صغيرة، وهو المصير الذي ينتظرها في المستقبل القريب ان شاء الله. تماما كما تفكك الاتحاد السوفياتي، مع "فارق بسيط" هو ان اميركا لديها الطاعون الصهيوني ولكن ليس لديها بلد مثل روسيا بتاريخها الحضاري. في الظاهر ليس لهذا الشعار علاقة اقتصادية ـ انتاجية، سوى مسألة جمع التبرعات لاسرائيل. ولكن في الواقع التاريخي فإن هذا الشعار هو ذو علاقة عضوية بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، خصوصا الاميركي، وبشكل اكثر تحديدا بالانتاج والاسواق العالمية. ولننظر الى ذلك عن قرب: عشية نهاية الحرب العالمية الثانية التي برزت فيها الولايات المتحدة الاميركية بوصفها القوة الاقتصادية الاعظم، والتي اصبحت تتقدم على اوروبا باشواط، عقد في تموز 1944 مؤتمر دولي في بريتون وودز باميركا، وهو المؤتمر الذي تقرر فيه انشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير، وتقرر اعتماد الدولار بوصفه العملة الدولية الرئيسية.علما ان الدولار لم يكن ذا تغطية ذهبية محددة، بل كانت "قيمته" تحدد سلطويا من قبل الدولة الاميركية. وكان المواطن الاميركي (الناخب ـ المنتج ـ والمستهلك) يقبل بسعر الصرف او القيمة التي تحددها "دولته" للدولار. وكان العالم الخارجي يقبل بما يقبل به "المواطن" او "المجتمع" الاميركي. وفي مؤتمر بريتون وودز، مع حصول الرئيس روزفلت على موافقة الدول الاخرى على اعتبار الدولار العملة الدولية الرئيسية، كان عليه ان يحدد "سعرا" ما لهذه العملة الدولية. فطرح الجانب الاميركي صيغة او معادلة ان كل اونصة ذهب تساوي 35 دولارا، او العكس اي ان كل 35 دولارا تساوي اونصة ذهب. وكان هذا الرقم "منفوخا" بطبيعة الحال، اي انه لا يساوي "القيمة" الفعلية للدولار. ولكن طالما ان الدول الاخرى قبلت، فلماذ لا تستفيد الدولة الاميركية من هذه الفرصة. وبدأ البنك المركزي الاميركي، او الفيديرال ريزرف، يطبع العملة الورقية بكميات كثيفة ليس للاستهلاك الداخلي فقط، بل في كافة انحاء العالم، وبدأت مختلف دول العالم تبيع احتياطاتها الذهبية (لتغطية عملاتها الوطنية). وحل الدولار الورقي محل تلك الاحتياطات وتكدس ذهب العالم في مستودعات الفيديرال ريزرف الاميركي الذي يسيطر عليه الماليون الاحتكاريون اليهود منذ تأسيسه في 1913. وحتى تضمن اميركا المحافظة على هذه الصيغة المنفوخة سلطويا لقيمة الدولار، قام الرئيس روزفلت بالاجتماع مع الملك عبدالعزيز آل سعود على ظهر سفينة حربية اميركية في مصر، وذلك في شهر شباط 1945. وطبعا شرب روزفلت القهوة العربية التقليدية، حتى ويقال انه شارك جلالة الملك في اكل "المنسف"، وبعد الحمد والشكر لله او قبل ذلك اتفق الرئيس والملك على ان يكون سعر برميل النفط في الحدود الدنيا (بـ 2،5 ـ 3،00 دولارات للبرميل). ولا شك ان مؤسس المملكة السعودية وخلفاؤه هم من الرجال الذين "يلتزمون بكلمتهم" خصوصا مع "اصدقاء" مثل اميركا. والذي لم يلتزم لاسباب لسنا في صدد البحث فيها الان، وهو الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، تم اغتياله بطريقة لا تزال الى الان ملتبسة على العالم. ونظرا لحجم المملكة كمنتج رئيسي للنفط، فإن كلمتها في سوق النفط عامة، ولدى دول الاوبيك خاصة، كانت كلمة نافذة. وهكذا اعطى روزفلت البالون المنفوخ، الذي يسمونه دولارا، معنى او محتوى انتاجيا ملموسا يتراوح وسطيا بين 12 ـ 14 برميلا نفطيا لاونصة الذهب الوهمية التي اسمها 35 دولارا. وهذا ما جعل دول العالم "تقبض" الدولار باستمرار بالرغم من المخاطرة التي يمثلها عدم اعلان الدولة الاميركية عن تغطية ذهبية محددة للدولار. اذ ان التغطية النفطية (التي تتكفل بها المملكة السعودية منذ اجتماع روزفلت ـ عبدالعزيز) تنوب عن التغطية الذهبية. ومن الصدف غير العجيبة اننا، اليوم او قبل سنة او بعد لا ندري متى، اذا اجرينا مقارنة بين السعر المعلن لاونصة الذهب والسعر المعلن لبرميل النفط لوجدنا ان سعر اونصة الذهب لا يزال يساوي 12 ـ 14 برميل نفط او اكثر او اقل حسب ذبذبات السوق. ولكن القيادة الاميركية (التي هي قيادة يهودية صهيونية بالدرجة الاولى، وماسونية انغلو ـ ساكسونية بالدرجة الثانية) هي قيادة براغماتية عمليانية قريبة دائمة من الواقع. وهي، خصوصا مع اشتداد الصراع في فلسطين وعليها، كانت تدرك ان الضمان الذي تمثله المملكة السعودية هو نسبي ومؤقت مهما طال الزمن، لأنه ليس كل الاسرة المالكة السعودية هي راضية حكما بالسيادة الاميركية، ولأن الاسرة المالكة السعودية ليست حكما كل السعودية، ولأن المملكة السعودية ليست كل العرب؛ والقيادة الاميركية كانت تدرك ايضا انه في ذلك الوقت بالذات كان يوجد شعارات "عربية" مثل "فلسطين عربية" و"نفط العرب للعرب" و"ارض العرب للعرب"؛ فجاء شعار "ادفع دولارا تقتل عربيا" ليرد على تلك المخاطر، وليؤمن تدفق النفط الرخيص الى الغرب الامبريالي، وليبقى الرأسمالي الاميركي مطمئنا على القدرة التزاحمية لانتاجه بفضل النفط الرخيص، وليبقى حتى المواطن ـ الناخب الاميركي العادي الذي اعتاد على ركوب السيارات الضخمة الفارهة، التي تحتاج كل واحدة منها الى بئر نفط خاصة بها، ـ ليبقى مطمئنا على الحصول على النفط الرخيص وعدم النظر الى العداد وهو يسوق سيارته وعدم التفكير بتغييرها واقتناء سيارة من حجم اوروبي او ياباني قد تصلح لليابانيين "الاقزام" والاوروبيين "الفقراء" ولكنها لا تليق لا بطلته الاميركية البهية ولا بمقام جنابه! اي ان شعار "ادفع دولارا تقتل عربيا"، الهادف الى تسليح اسرائيل وضمان تفوقها العسكري على العرب قاطبة، لم يكن شعارا سياسيا تعصبيا لا علاقة له بالانتاج، بل كان بالدرجة الاولى شعارا تفوح منه رائحة النفط ويعني: الدم العربي الرخيص = النفط العربي الرخيص، اي يعني الانتاج النفطي وزيادة ارباح الشركات النفطية، ويعني تأمين الطاقة الرخيصة لضمان دورة عجلة الانتاج الرأسمالي والامبريالي الاميركي والغربي. هذا غيض من فيض من الامثلة التي يمكن تقديمها، والتي تثبت "رأسمالية" الدولة الاميركية من وجهة النظر "الانتاجية" ذاتها. XXX ولكن فؤاد النمري يحاول ان يفصل الانتاج الرأسمالي الكلاسيكي عن مجمل ومختلف اشكال عمل النظام الرأسمالي الامبريالي الاميركي؛ ويحاول ان يبيض لنا صفحة النظام الرأسمالي الانتاجي الكلاسيكي؛ وذلك باسم الماركسية، علما ان كارل ماركس الذي عاش في القرن التاسع عشر انما هو دحض تلك الرأسمالية بالذات؛ واخيرا لا آخر يحاول النمري ان يبيض لنا صفحة السياسة الاميركية، حتى بشخص الرئيس الاميركي، الذي هو الان باراك اوباما، وينصب نفسه ناصحا ومستشارا له باسم الماركسية ايضا، اي تماما مثلما يفعل سيرغيي خروشوف وميخائيل غورباتشوف. الا ان وقائع الحياة هي عنيدة ولا يستطع كل دجالي العالم ان يقفوا بوجهها. ومهما كانت الصفة التي نطلقها على النظام القائم في اميركا اليوم: رأسمالي، دمقراطي، جمهوري، غانغستيري، جنكيزخاني، ستاليني، عثماني؛ او اي صفة كانت، فإنه لا شك توجد دولة اميركية ذات مؤسسات شرعية منتخبة ومعترفا بها داخليا وخارجيا. واذا كان فؤاد النمري واصحابه يقفون الى جانب باراك اوباما، فإننا نحن نقف الى جانب جماهيرنا الشعبية ونقول ان باراك اوباما وجورج بوش هما وجهان لعملة واحدة، وان الدولة الاميركية ـ كدولة (برئاستها، وحكومتها، وكونغرسها، وجيوشها، ومصانعها وفباركها وبنوكها وبورصاتها ونوادي القمار فيها ومحاششها ومعارصها) هي دولة شريرة وبؤرة للشر في العالم. XXX فمنذ نشأتها الى اليوم، وخلال تاريخ طويل من العداء او حسن الجوار والتعاون، السلم والحرب، المساعدة او الغزو الخ، طورت المجتمعات البشرية منظومة كاملة من العادات والتقاليد والقواعد والمنظومات الاخلاقية والحقوقية، التي تحكم العلاقات الدولية، التي اصبح الكثير منها مبلورا في اتفاقيات دولية معترف بها لضبط حتى مختلف اشكال النزاعات والحروب في ما بين الدول والمجتمعات، تماما مثل القوانين الجنائية التي تضبط المسلك الفردي والجماعي داخل كل مجتمع على حدة. ومثلما يعمل الافراد المجرمون وجماعات الجريمة المنظمة للتحايل على القانون؛ فإن الدول المعتدية، ولا سيما الدول الاستعمارية القوية تعمل هي ايضا للالتفاف على القوانين والاتفاقيات والاعراف والنظم الاخلاقية الدولية، من اجل تحقيق مطامعها التوسعية. وقمة الخلل الانساني ـ الاجتماعي، الاخلاقي والقانوني والحقوقي، على هذا الصعيد، هو ان يصبح (حاميها.. حراميها) كما يقول المثل العربي؛ اي ان يتحول "اللص الى شرطي" و"النصّاب الى مدع عام" و"القاتل الى قاض". والامبريالية الاميركية اليوم، في سعيها المحموم للهيمنة على العالم، فاقت الفاشية والنازية والصهيونية في دوس القوانين والحقوق والاعراف في العلاقات الدولية. وقبل وفاته بسنوات طرح الصهيوني صموئيل هنتنغتون مفهومة "صراع الحضارات"، كبديل عن الحرب الباردة بين المعسكرين السابقين. وفيما يلي بعض الامثلة النموذجية على "الحضارة" التي تعرضها اميركا وتمارسها على العالم: ـ1ـ في 1999 ، قام حلف الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية بشن الحرب من طرف واحد على صربيا (خارج نطاق دائرة عمل الحلف ذاته، الذي كان يدعي انه حلف دفاعي يعمل فقط على اراضي الدول الاعضاء ودفاعا عنها). وبهذا العدوان الخارجي الفظ قطع الحلف الطريق على اي حل سلمي لقضية استقلال كوسوفو (ضمن سيادة ووحدة اراضي صربيا، طبقا لقرارات الامم المتحدة ذاتها). وقبل ان يتوقف الطيران الحربي الاطلسي عن قصف الجسور المدنية على الدانوب، والمصانع والبنايات السكنية والمدارس والمستشفيات وقوافل اللاجئين الالبان والصرب الفارين من كوسوفو ـ كلا في جهةـ، حطت في ليال ليلاء طائرات "مجهولة"، في مطار بريشتينا، وبدون اذن من احد؛ وخرجت منها مجموعات من المهندسين من كل الاختصاصات، ومعها خرائطها ومعداتها الجاهزة، واتجهت للعمل الفوري في احدى المناطق في كوسوفو وشرعت في بناء قاعدة عسكرية ضخمة، هي اليوم القاعدة العسكرية الاميركية المعروفة باسم "بوندستيل"، والتي تعتبر اكبر قاعدة عسكرية اميركية في اوروبا كلها على ما يقول بعض الخبراء. وقرأت مرة (للاسف لا اذكر اين) ان رواد الفضاء الاميركيين يتمازحون فيما بينهم بالقول ان هناك منشأتين من صنع الانسان يمكن تمييزهما بالعين المجردة من الفضاء الكوني وهما: الاهرامات الفرعونية في مصر، وبوندستيل الاميركية في صربيا. فاذا كانت لا القيادة الصربية السابقة، ولا اللاحقة، اعطتا الاذن لاميركا لبناء قاعدة بوندستيل؛ واذا كانت "دولة كوسوفو" ايضا لم تعط مثل هذا الاذن لانها لم تكن بعد موجودة كدولة؛ واذا كان لا يوجد قرار استثنائي من هيئة الامم المتحدة بهذا الخصوص؛ فبأي حق او قانون بنت اميركا قاعدة بوندستيل؟ ـ لا جواب سوى : ان اميركا هي دولة فوق القانون الدولي! وقد ذكرت مؤخرا الصحيفة الصربية "فيتشيرني نوفوستي" أن أعداد المصابين بالأمراض الخبيثة والقاتلة قد تضاعف في كوسوفو بسبب اليورانيوم المنضب الذي استخدم في القنابل والصواريخ التي انصبت على يوغوسلافيا اثناء عملية الناتو "الملاك الحارس" في العام 1999. وأشارت دراسة أوردتها الصحيفة دون ذكر مصدرها الى أن عدد المصابين بالأمراض الخبيثة والخطيرة زاد 200 في المئة خلال السنوات العشر التي تلت نهاية الحرب، وأنه من المثير للقلق ان 80 في المئة من المصابين هم من الشباب. ولفتت الدراسة الى أن متوسط اعمار المصابين بهذه الأمراض سجل سابقاً معدل سبعين سنة، أما الآن فقد انخفض الى الأربعين سنة، وفقاً لما ذكره طبيب القلب نيبويشا سربياك، وهو مندوب عن جمعية غير حكومية كان شارك في الدراسة التي تناولت آثار الاشعاعات الصادرة عن اليورانيوم المنضب المستخدم في الحرب. ويقول الطبيب سربياك انه تم في العام الماضي تسجيل ألفي إصابة جديدة بين الألبانيين فقط في بريشتينا، في حين يؤكد الأطباء الألبان أن زيادة نسبة الإصابات بهذه الأمراض يعود الى الإجهاد (stress) الذي تعرض له السكان اثناء الحرب. الى ذلك، أضافت الصحيفة انه على قدم المساواة مع المواطنين، فإن الإصابات بآثار اشعاعات اليورانيوم المنضب تزداد في صفوف الجنود والعاملين في إطار وحدات "حفظ السلام" الأطلسية في كوسوفو المسماة "كيفور"، حيث تشير المعطيات الرسمية الى أنه توفي نتيجة لذلك 45 جندياً ايطاليا خدموا في كوسوفو، وأن هناك 515 جندياً اصيبوا بمرض السرطان. اي ان بناء قاعدة بوندستيل قد تم خارج نطاق اي اتفاقات او معاهدات دولية، وخارج نطاق اي مراقبة دولية، بما في ذلك مراقبة المؤسسات الشرعية للدولة الاميركية ذاتها وللامم المتحدة ذاتها. ولا يدري احد ما هي وظيفة هذه القاعدة، وماذا يوجد فيها: هل يوجد فيها سجون سرية وغرف تعذيب خاصة تحت الارض ، لخطف وتعذيب خصوم الولايات المتحدة من كافة انحاء العالم و"فرمهم" (حسب تعبير انور السادات) وحرقهم في افران خاصة على الطريقة الهتلرية؟ هل يوجد مخازن ومشاغل علمية خاصة لتخزين وتوضيب المخدرات لتوزيعها في كافة بلدان اوروبا؟ هل يوجد مختبرات كيماوية وبيولوجية خاصة لتوليد الامراض المستحدثة على غرار السارز والايدز وجنون البقر وانفلونزا الطيور ونشرها في كافة انحاء العالم؟ هل يوجد قواعد تنصت الكتروني بالتعاون مع الاقمار الاصطناعية الاميركية للتجسس على المؤسسات والافراد في جميع البلدان الاوروبية والافريقية والاسيوية؟ وبعد ان تم استكمال بناء قاعدة بوندستيل وانتزاع الصمت المطبق للعالم حيال وجودها، تم الفصل "الشرعي" لكوسوفوعن صربيا، واعلان "استقلالها" في شباط 2008، وتم تتبيع كوسوفو بقاعدة بوندستيل ثم تطبيع العلاقات بين بوندستيل وكوسوفو، بحيث يبدو وكأن قاعدة بوندستيل هي موجودة على اراضي دولة مستقلة هي كوسوفو بالاتفاق معها. وبحيث يصبح "شعب كوسوفو" درعا بشريا شرعيا لهذه القاعدة الاميركية التي اقيمت في ليلة ليلاء ضد كل الشرعية الدولية. ـ2ـ بعد احداث 11 ايلول 2001، قامت الولايات المتحدة باحتلال افغانستان بشكل وحيد الجانب بحجة مكافحة الارهاب. اي ـ وبدون صدور اي قرارات دولية ـ اعلن الشعب الافغاني المظلوم بأسره بأنه مسؤول عن احداث 11 ايلول، وبأنه شعب ارهابي. وفي الوقت الذي كان فيه "الاصدقاء" الاميركيون ينشرون "دمقراطيتهم" كالطاعون، اي يقصفون كل عرق ينبض وكل غصن تحركه الريح ويدمرون كل معالم الحياة في افغانستان ويجبرون شعب بأسره على الاختباء والمبيت في شقوق الصخور والحفر والاوجار والمغارات، كانت شاشات تلفزيون العالم المتحضر مشغولة تماما بعرض كل ما هو سلبي عن افغانستان (من مشاهد المراهنات على قتال الديوك، الى الاوضاع المزرية للنساء الافغانيات كالالبسة التي تغطى بها كأنها ـ اي المرأة ـ هي عورة، وجلد النساء واعدامهن بحجة الشرف، ووجود قرارات مضحكة كمنع الضحك ومنع الموسيقى، ونسف معالم حضارية تاريخية كتماثيل بوذا، وصور زراعة الخشخاش) وذلك من اجل ايجاد رأي عام دولي معاد للشعب الافغاني، ولإغماض العين والصمت عن كل ما يجري في افغانستان. وبعد ان احتلوا افغانستان بالكامل، من اعالي الجبال الى السهول الى قاع الوديان، ما هي الحضارة التي قدمها الاميركيون الى افغانستان؟ ـ لا شيء سوى تحويل اراضي بلد بكامله الى مزرعة للخشخاش بادارة الجيش الاميركي ذاته، والدبلوماسية الاميركية ذاتها، وتقول الاحصاءات (راجع احصاءات المكتب الفيدرالي الروسي لمكافحة المخدرات، واحصاءات الامم المتحدة) انه منذ الاحتلال الاميركي لافغانستان زادت زراعة الخشخاش فيها 40 ضعفا. (وهو "انتاج" لا يضاهيه اي انتاج آخر يا مستر فؤاد النمري، لان ارباحه تبلغ 100 ضعف اي انتاج آخر، والرأسمالية انما تنتج من اجل الارباح، وليس من اجل إطعام الفقراء والمساكين واضاءة الشموع لمريم العذراء. ولو أجري اي تحقيق دولي جدي لتبين ان كل حرب افغانستان واحتلالها انما جريا لاجل الافيون، تماما كما جرت حرب العراق اللاحقة لاجل النفط). ولكن باستثناء ذلك هناك تعتيم كامل على ما يجري في افغانستان. لا الاعلام ولا مراكز الابحاث ولا البعثات الدبلوماسية تقدم اي معلومات عن افغانستان. وباستثناء اخبار بعض التفجيرات ومقتل جنود اميركيين او اطلسيين او كرازائيين، وبعض تنقلات العميل الحشاش حامد كرزاي، والزيارات المفاجئة لبعض المسؤولين الاميركيين او الاطلسيين، فلا احد يدري كيف يعيش الشعب الافغاني المظلوم في ظل الاحتلال الاميركي الغاشم. وهكذا تحت قرقعة "صراع الحضارات" الهنتنغتونية وبفضل "الحضارة والدمقراطية الاميركية" وفي القرن الواحد والعشرين يتم تحويل بلد بأسره الى "سجن سري" مثل غونتانامو، لا احد يدري عنه شيئا سوى موقعه الجغرافي، ويتم وضع شعب بأسره في هذا السجن بدون اي تهمة، وبدون الاعلان الرسمي عن سجنه، بحيث ان السجانين الاميركان هم الآن غير مسؤولين عن سجنائهم الافغانيين. ماذا يجري الان في افغانستان؟ ماذا يفعل الاميركان بالشعب الافغاني، بأطفاله ونسائه ورجاله ومرضاه وجياعه؟ لا احد يدري شيئا. بعض نتف الاخبار المتداولة على الارجح شفويا تؤكد ان الشعب ا لافغاني بأسره تم تحويله الى شعب مدمن، على الاقل كي ينسى الواقع الاليم الذي يعيش او يجبر على العيش فيه. ما سوى ذلك: لا خبر! لماذا؟ ما هي الجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها الاميركان بحق الشعب الافغاني المظلوم، لا احد يدري شيئا. وبان كيمون ومنظمته من عملاء الاميركان في الامم المتحدة يصمتون صمت القبور. لدى الهجوم على افغانستان استخدم الاميركان، وبدون ضرورة عسكرية، كل انواع الاسلحة لديهم باستثناء القنبلة الذرية. فماذا يفعلون الان ولماذا كل هذا التعتيم؟ هل هم يأخذون وقتهم لمراقبة تأثيرات ومفاعيل اسلحتهم الممنوعة على ضحاياهم؟ هل هم يواصلون استعمال اسلحة سرية جديدة ضد الشعب الافغاني وبسرية تامة، ويقوم خبراءهم بتوثيق النتائج، من اجل الترويج لهذه الاسلحة وبيعها. واميركا هي اكثر الدول تسلحا، واكثر الدول بيعا للاسلحة ("الانتاج... الانتاج" يا مستر فؤاد النمري). هل يجري تجربة نشر امراض جديدة، ومراقبة النتائج، من اجل نشر تلك الامراض في انحاء العالم والترويج لصناعة لقاحات وادوية جديدة، من اجل تشجيع انتاج الادوية الجديدة، بعد ان تكدست الادوية القديمة في المستودعات لعشرات السنين، دون ان تعمد الشركات المنتجة لتوزيعها باسعار مخفضة او مجانا على المحتاجين. اننا نهيب بمنظمة مؤتمر الدول الاسلامية وجامعة الدول العربية وجميع الاتحادات النقابية والجمعيات الخيرية والانسانية العالمية والوطنية، مثل غرين بيس وآمنستي وكاريتاس والصليب الاحمر والهلال الاحمر، في جميع البلدان العربية والاسلامية والصديقة كي ترسل بعثات من قبلها، ترافقها فرق طبية وخاصة للاطفال، للسفر الى افغانستان والاطلاع على ما يجري للشعب الافغاني ومد يد الرحمة له وفضح الجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها الاميركان ضد هذا الشعب الفقير المظلوم. ـ3ـ بعد احتلال افغانستان ( في المحصلة من اجل "انتاج" الخشخاش والافيون والهيرويين لمصلحة استمرار النظام الامبريالي الرأسمالي في مرحلته المافياوية المخدراتية)، تحضرت الادارة الاميركية ودبلوماسيتها وجيوشها للانقضاض على العراق. ولهذه الغاية بدأ النفخ في بالون اكذوبة علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة، لايجاد مبرر للعدوان. لكن هذه البالون سرعان ما "انفخت" لانه لم يكن من المعقول ان يصدق احد ان صدام حسين يمكن ان يقيم علاقاته مع بن لادن من خلال بعض العناصر الثانوية في المخابرات وغيرها. فاستعارت الادارة الاميركية حينذاك المفهوم الخروشوفي ـ البريجنيفي حول "السيادة المنقوصة" او "السيادة المحدودة"، وهو المفهوم الذي كانت القيادة السوفياتية تبرر به قرارات التدخل العسكري والسياسي في البلدان "الاشتراكية" السابقة، وهو المفهوم ذاته الذي استخدمه بريجنيف للتدخل الاخرق في افغانستان سنة 1979 بحجة مساعدة النظام الدمقراطي الشعبي. وبموجب هذا المفهوم رفعت الادارة الاميركية شعار "نشر الدمقراطية" او "دمقرطة" النظام في العراق والقضاء على نظام صدام حسين الدكتاتوري، الذي كان حليف اميركا عشرات السنين. ولاجل تمرير هذه الهرطقة في الجانب الحقوقي للعلاقات الدولية، كانت الادارة الاميركية قد ألبت حولها غالبية المعارضة العراقية، من القيادات العشائرية الكردية، الى بعض القيادات الطائفية الشيعية والمسيحية والسنية، الى بعض القيادات اليسارية والشيوعية؛ ولكن هذه الحجة بقيت معلقة لان غالبية الدول العربية الصديقة لاميركا لم تتحمس لها لانها كلها ذات انظمة دكتاتورية بمختلف الاشكال والدرجات. واخيرا استخدمت الادارة الاميركية كذبة وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق. وذهب وزير الخارجية الاميركي كولن باول بنفسه الى مجلس الامن ووقف امام اعضاء المجلس يعرض امامهم "كدليل!!!" صورا مفبركة، يعرف هو تماما انها مزورة، ولا تعني شيئا؛ وان اي هاوي كومبيوتر يمكن ان يرسم اذكى منها بكثير؛ ومع ذلك ساير مجلس الامن اميركا وقرر ارسال هيئة خبراء بقيادة اميركي للتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق، ووضعت كل الامكانيات التكنولوجية واللوجستية بتصرف الهيئة، وذهبت ونبشت العراق من اوله الى آخره، فلم تعثر على شيء. ولكنه كان من الواضح ان "حكم الاعدام" الاميركي للعراق كان سينفذ، بمبرر او بدون مبرر؛ وهكذ تم شن الحرب من طرف واحد على العراق، وتدمير جيشه الوطني وارتكاب مجازر بشرية بحق عشرات ومئات الالاف من خيرة شباب العراق من جنود ورتباء وضباط كانوا في حالة مشلولة تماما وغير قتالية، مما كان يفترض اسرهم لا قتلهم، من وجهة نظر عسكرية وبموجب الاتفاقات الدولية حول السلوك المشروع في الحرب، وتم قتل حوالى مليون مدني عراقي وزرع العراق بكل انواع الاسلحة الممنوعة كاليورانيوم المنضب وغيرها مما ادى ويؤدي الى تسميم التربة والاشجار والانهار والمياه الجوفية لعشرات الاف السنين الى الامام. واحتل العراق. واستقبل السيد جلال الطالباني، في اربيل، المفوض الاميركي لحكم العراق، وعانقه وربت على كتفه وقال له "اهلا وسهلا، البيت بيتك". وبعد تحقيق الاحتلال تم تشريد اكثر من 6 ملايين عراقي خارج العراق. وهذا ما يدفع الى التوجه الى السيد جلال الطالباني الذي كان فيما مضى يحظى باحترام كبير لدى الوطنيين اليساريين العرب (وانا واحد منهم) وسؤاله: ماذا ستقول لاحفاد احفادك، وللاجيال القادمة في المستقبل القريب والبعيد، عما فعله "اصحابك" "المحررون" الاميركان بالعراق؟! هذه هي "الحضارة" التي قدمها الاميركان للشعب العراقي، "تعويضا" له عن "خسارته" لدكتاتورية صدام حسين! XXX ـ4ـ منذ ن قضت الدولة الروسية الناشئة، في نهاية القرن العاشر على مملكة الخزر اليهودية، وانتشار اليهود الخزر الاغنياء في بلدان اوروبا الغربية، وممارسة النفوذ المالي والسياسي فيها، وبالاخص بعد وقوف روسيا (المسيحية الشرقية) "على الحياد" وعدم مشاركتها في الحروب الصليبية ضد الشرق الاسلامي في نهاية القرن الحادي عشر، والدول الاستعمارية الاوروبية الغربية (ومعها طبعا اميركا) تحقد على روسيا وتحاول الانقضاض عليها وتفكيكها واستعمارها ونهب خيراتها وثرواتها الطبيعية الهائلة. وكان هذا احد الاهداف السرية، وبالتالي احد الاسباب الخلفية لاندلاع الحرب العالمية الاولى. وكانت الدول المتحالفة ضد المانيا، والحليفة ظاهريا لروسيا، كانت على علاقة وثيقة مع "المعارضة" البرجوازية في روسيا، وتنتظر قيام "الثورة الدمقراطية" بعد الهزيمة العسكرية للقيصرية الروسية، من اجل الانقضاض على روسيا "سلميا" واغراقها بالقروض والتوظيفات، ونهبها. ولدى اندلاع "ثورة شباط 1917" الدمقراطية البرجوازية ومجيء حكومة الصهيوني كيرنسكي الى السلطة ومتابعة الحرب، كانت روسيا مهددة بأحد مصيرين: اما التحول الى مستعمرة المانية؛ واما التحول الى مستعمرة انجليزية ـ فرنسية ـ اميركية. وكانت قيادة الحزب البلشفيكي ذاته، بمن في ذلك يوسف ستالين تؤيد صيغة "الثورة الدمقراطية" وتعارض صيغة الثورة الاشتراكية، بحجة تخلف روسيا وضرورة العبور بمرحلة "الرأسمالية المتقدمة" و"الدمقراطية البرجوازية". اي ان خطر استعمار روسيا كان قد اصبح على قاب قوسين او ادنى ومرهونا بنتائج الحرب؛ ووصل لينين الى روسيا هاتفا "تحيا الثورة الاشتراكية"؛ وقامت الثورة الاشتراكية بزعامة لينين في 1917، وتأسس الجيش الاحمر بزعامة تروتسكي في 1918، مما قطع الطريق على مخطط تمزيق روسيا واستعمارها. وفي 30 اب 1918 جرت محاولة اغتيال لينين، وسقط مضرجا بدمائه الا انه لم يمت؛ وحينما جاء الاسعاف لنقله رفض الذهاب الى المستشفى وطلب نقله الى بيته، لانه ادرك ان المؤامرة على حياته تنبع من قادة الحزب المؤيدين "للثورة الدمقراطية البرجوازية"؛ ومن ذلك الحين بدأ يتركب حلف سري من العناصر القيادية البلشفية المؤيدة "للرأسمالية" ومن العناصر الصهيونية، للاستيلاء على السلطة وازاحة لينين والبلشفيك الاشتراكيين؛ ووجدت الاطراف المتآمرة في شخص ستالين ضالتها المنشودة لضرب الثورة من داخلها وحرفها عن طريقها الصحيح وفرض الدكتاتورية الفردية ورأسمالية الدولة، باسم دكتاتورية البروليتاريا، تمهيدا لاعادة الرأسمالية الى روسيا والاتحاد السوفياتي؛ وقد تم اغتيال لينين بواسطة السم (وقع على تقرير الوفاة 8 فقط من اصل 25 عضوا في الهيئة الطبية للكشف على الجثة)؛ وابعد تروتسكي وطرد من روسيا وطورد الى ان تم اغتياله في المكسيك بالتعاون مع الصهيونية والمخابرات الاميركية. وبعد وفاة لينين، جرت تصفية قيادات وكوادر ومناضلي وجماهير الحزب وضباط الجيش الاحمر بعشرات ومئات الالاف وبالملايين وعشرات الملايين؛ بعد الحرب العالمية الاولى كان الحلف السري الستاليني ـ الصهيوني يؤيد تماما الخطة الهتلرية لابادة اليهود الاوروبيين الذين كانوا في غالبيتهم شيوعيين يعارضون فكرة "الوطن القومي اليهودي" ورفضوا السفر الى فلسطين لتهويدها؛ وبعد الحرب العالمية الثانية ايد ستالين والستالينيون بشدة قيام اسرائيل وتم تسفير يهود اوروبا الشرقية الى فلسطين المحتلة بقرارات حزبية، وذلك مقابل الحصول على استمرار دعم الصهيونية للدكتاتورية الفردية لستالين والستالينيين؛ ولكن هذا لم يشفع لستالين، وبعد تأسيس اسرائيل نشب "نزاع لصوص" بين الستالينيين والصهيونيين حول من يحكم الامبراطورية السوفياتية؛ ونجح بيريا الصهيوني في قتل ستالين بالسم، ولكنه فشل في القيام بانقلاب على المكتب السياسي، فاعتقل واطلقت النار عليه قبل تسليمه للمدعي العام، ثم اعلن عن "محاكمته" و"إعدامه"؛ وحكمت الاتحاد السوفياتي مدة ثلاثين سنة العناصر المتذبذبة من كومبارس الحلف الستاليني ـ الصهيوني السابق؛ واخيرا كشفت هذه العناصر نهائيا عن وجهها وقفاها وقررت تسليم روسيا والاتحاد السوفياتي مرة والى الابد الى الصهيونية والامبريالية الاميركية بحجة "نشر الدمقراطية" و"حرية السوق" و"حقوق الانسان"؛ ولكن هذه المحاولة فشلت وسقطت مع يلتسين السكير، امام يقظة العنصر القومي ـ المسيحي الشرقي المتأصل في روسيا منذ القضاء على دولة الخزر اليهودية في نهاية القرن العاشر؛ والان، بعد ان حولت اميركا افغانستان الى مزرعة افيون، وحولت القواعد العسكرية الاميركية في اسيا الوسطى واوروبا الشرقية المحيطة بروسيا، الى قواعد مضمونة لتوزيع المخدرات، فإن روسيا تتعرض لحرب من نوع جديد، ربما كانت هي الاخطر بالنسبة لها، ونعني بها حرب المخدرات، التي تهدف الى قتل وافساد ملايين وعشرات ملايين الشبان خاصة، والرجال والنساء عامة، وقد اعلن مسؤولو المكتب الفيدرالي الروسي لمكافحة المخدرات عن انه في السنتين الماضيتين مات حوالى 30 الف شخص بفعل تعاطي المخدرات، وان المكتب يعجز عن المنع الكلي لتهريب وتوزيع المخدرات. فهل تنجح اميركا في اخضاع روسيا بالمخدرات، بعد ان عجزت عن ذلك بواسطة الرساميل الصهيونية والتهويل بحرب النجوم والقنابل النووية والفراغية وما اشبه. XXX هذه هي اميركا و"حضارتها" و"دمقراطيتها" ونظامها "الرأسمالي ـ الانتاجي" او "الاستهلاكي غير الانتاجي" او "الرأسمالي/الاستهلاكي ـ الانتاجي وغير الانتاجي". هذه هي اميركا ببوش وبأوباما، ببريجينسكي ولوينسكي. بعصاباتها وعاهراتها. انها بؤرة الشر والخراب والفساد والانحطاط والعدوان في العالم. وفي اواسط الثمانينات من القرن الماضي، حينما كانت انظار العالم كله مشدودة الى الحرب الافغانية ـ السوفياتية والحرب العراقية ـ الايرانية، قال الامام الخميني رحمه الله ان اميركا هي: الشيطان الاكبر! ذلك الشيخ الجليل، الزعيم الثوري الجماهيري المتفاني، واللاهوتي النوراني الشرقي، ادرك ببصره وبصيرته ماهية الدولة الاميركية، ووقف سدا منيعا امام محاولاتها المحمومة لجر ايران الاسلامية الى مخططاتها المسمومة. وقد اثبتت الاحداث التاريخية اللاحقة كم كان الامام الخميني ثاقب النظر وعلى حق في تشخيصه الصائب للولايات المتحدة الشيطانية. ولا عجب ان ينضم ستاليني كفؤاد النمري الى جانب سيرغي خروشوف وميخائيل غورباتشوف في الدفاع عن الرأسمالية والامبريالية الاميركية، والاضطلاع بدور محام "عربي" صغير للشيطان الاكبر! ــــــــــــــــــــــــــــــ * كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قيرغيزستان: -ثورة الزنبق- الموالية لاميركا تسقط ايضا
-
-حرب الافيون- الاميركية ضد روسيا
-
الجيش الاميركي -حرس وطني- خاص لمزارع الخشخاش ومستودعات الافي
...
-
اميركا تكشف تماما عن وجهها كدولة مافيا وتضاعف انتاج الخشخاش
...
-
عشية الانهيار التام للنظام الاقتصادي العالمي
-
الامبريالية الاميركية تخطئ الحساب!
-
الصعود الى الهاوية: أميركا... دولة مافيا!
-
التحول الدمقراطي: حملة صليبية غربية جديدة لاجل عثمنة البلقان
-
بلغاريا قبل وبعد -الانقلاب الدمقراطي- في 10 تشرين الثاني 198
...
-
شعب الله المختار والتحول المافياوي لتركيبة الدولة الاميركية
-
الدولار وشعب الله المختار:التغطية التوراتية للدولار
-
كابوس الدولار
-
العنف الامبريالي الصهيوني أعلى مراتب الحيوانية
-
حزب الله... والأزمة الوجودية للكيان الطائفي اللبناني!
-
افغانستان في الجيوبوليتيكا الدولية لاميركا
-
الجيوبوليتيكا تؤخر تشكيل الوزارة اللبنانية
-
الجرائم ضد الانسانية والسقوط الاخلاقي لمؤسسات -العدالة الدول
...
-
رئيس الموساد السابق داني ياطوم مفوض سام غير رسمي في بلغاريا
-
اليهود الروس بين النقيضين: الصهيونية والشيوعية
-
المخدرات في الستراتيجية العالمية للامبريالية الاميركية الصه
...
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|