خليل بوهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 910 - 2004 / 7 / 30 - 13:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
من المبادئ التي كانت متأصلة في عادات العرب مبدأ التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد, وهذا ما أكد علية الإسلام في اكثر من موقع و أصبحت المجتمعات العربية و الإسلامية معتنقة لهذا المبدأ , ولهذا نجد التكافل من اجل الخير في العديد من الأمثلة البارزة كتآخي بين المهاجرين و الأنصار و أداء الزكاة والصدقات والتعامل مع الفئات الاجتماعية التي وصفت في كتاب الله وسنة نبيه والتي حُددت اجتماعياً بالفقراء والمساكين و أبناء السبيل والسائلين والمحرومين وغيرهم.
فكان وجود بيت مال المسلمين والذي يعتبر بمثابة ميزانية الدولة في تلك الازمنة, يمثل الجهة التي تقوم بكفالة الفقراء والمحتاجين من خلال منحهم ما يسد حاجتهم عن طريق الأموال التي كانت تصب فيه من زكاة وصدقات, بالإضافة إلى الغنائم التي كان يغتنمها المسلمون في الغزوات.
ومع تطور المجتمع العربي الإسلامي في جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, وبسبب فشل أسلوب التنمية الموجة من القمة إلى القاعدة, و عجز الحكومات في توفير الدعم المطلوب للفقراء وعدم قدرتها إلى إدخالهم ضمن العملية التنموية, أدى كل ذلك إلى ظهور صيغ جديدة على صعيد مؤسسات المجتمع المدني والمهتمة بالتكافل بين أبناء المجتمع الواحد, تتناسب مع معطيات الواقع . فقد عرفت البحرين خلال النصف الثاني من القرن العشرين الماضي العديد من الجمعيات الدينية التي كانت لها توجهاتها السياسية ذات الطابع الطائفي البحت, والتي كانت لها بجانب تلك التوجهات الغير معلنة أو السرية أهدافها المعلنة في أدبياتها التي تعمل على مساعدة الفقراء والمحتاجين. إلا أن البحرين ظهر فيها شكل جديد من صيغ التكافل ألا وهي الصناديق الخيرية التي باتت منتشرة في جميع مدن وقرى البحرين, فكان عددهم قبل التصويت على ميثاق العمل الوطني ( صندوقاً خيرياً.73 صندوقاً, أما ما بعد مرحلة الميثاق إلى ألان فقد قفز العدد إلى 47) قد بلغ 2000فبراير
ولتسليط الضوء على هذه الصناديق, من الضروري التعرف بشكل مختصر على ظروف نشأة هذه الصناديق والأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نشأت فيها. حيث بدأت بواكير هذه الفكرة تنشأ في منطقة م, ولكن بطريقة غير رسمية مشهرة من وزراة العمل والشئون الاجتماعية, إلا أن 1984النعيم خلال عام م, مستندين في ذلك على قانون الجمعيات الأهلية الصادر في1993الإشهار الرسمي للصناديق قد بدأ منذ عام م, مبتدئه بإشهار صندوق الحد الخيري, حيث جاء هذا التأسيس نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي1989 سنة الماضية جراء فشل التنمية الاقتصادية وتزايد الفقراء في البحرين, بالإضافة إلى30مر بها المواطنون خلال غياب المشاركة السياسية في الحكم الذي أدى بشكل مباشر في تفرد الحكومة في إدارة عجلة التنمية بشكل مضطرب وغير محدد المعالم, كما كان لحل وتجميد بعض الجمعيات الإسلامية " الشيعية " الأثر الكبير في نشأة هذا الشكل من العمل الخيري وانتشاره بسبب تزايد الفقر والإهمال في القرى.
تتركز اغلب أنشطة الصناديق الخيرية في اعتماد المساعدات للمحتاجين والفقراء وترميم المساجد والمآتم ودعم مراكز تحفيظ القرآن, كما تنفذ بعض المشاريع الموسمية الأخرى, إلا أنها لا تخرج عن الطابع الخدماتي و الرعائي وهي بعيدة كل البعد عن المساهمة في التغيير الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي , وبمعنى أدق أن تساهم في عمل تنموي بالمفهوم الشامل, فالعلاقة مع الفئات المستفيدة ينبغي أن تخرج عن مفهوم الوصاية والرعاية إلى علاقة يتحقق فيها شراكه الفئات المستفيدة من خلال تحديد احتياجاتها وتحديد المشروعات التي يمكن أن تساهم فيها, والمشاركة الفعالة في عملية التنفيذ, وليس مجرد تلقي الخدمة كما هو سائد في التعامل مع هذه الفئات, حيث تعتمد تلك الصناديق بشكل كبير على التبرعات والزكاة والخُمس كمصادر تمويل لانشطتها.
ولقد شكل التوسع العمراني والنزوح السكاني الذي أدى إلى التداخل بين القرى والمدن, واختلاط أبناء الطائفتين السنية والشيعية), تحدياً كبيراً أمام هذه الصناديق لإثبات هويتها الوطنية غير الطائفية, بمعنى آخر, إنها تقوم ( باستهداف جميع المحتاجين في منطقة سكنية ما, دون الاعتداد بالانتماء العقائدي أو الطائفي, غير إن الواقع الراهن قد اثبت عكس ذلك. فمن خلال النظر إلى تركيبة مجلس إدارة اغلب هذه الصناديق نجد إن التيار المذهبي (سني أو شيعي) مسيطر عليها بشكل كبير, وعدم اتخاذ الأسلوب الديمقراطي منهجاً في انتخابات الإدارة ورئاسة اللجان لا يدع مجال للشك بمنحاها الطائفي. فيكفي أن نراقب هذه الصناديق ونرى أن تقسيمها ) صندوقاً سنياً والبقية صناديق شيعيةّّ!! ولكل من هاتين الطائفتين أسلوب 12يتم على أساس طائفي فهناك ( في العمل الخيري إدارياً خارج عن القانون؟!!
و لتدليل على صحة ما ذكرناه , فهناك مثلاً إشكالية كبيرة في آلية توزيع المساعدات على المحتاجين والفقراء, وفي كيفية الانتساب إلى تلك المؤسسات, فحين يتم تأسيس صندوق خيري في منطقة عراد مثلاً (صندوق عراد الخيري) والذي يُحسب بشكل أو بآخر على الطائفة الشيعية وتقتصر مساعداته على نفس الطائفة, فقد قام السنة بالمقابل بتأسيس صندوق آخر ( صندوق عراد للعمل الخيري) والذي بدوره حصر العضوية في الطائفة السنية دون الإشارة إليها في النظام الأساسي إلى جانب عدم طرح فكرة التأسيس على مستوى المنطقة لاستشفاف الآراء حول أهداف وبرامج الصندوق, بل كان التعتيم على الفكرة لحين تزكية أعضاء مجلس الإدارة بصيغة انتخابية, ليفاجئ ممن لديهم الرغبة في خدمة أهل المنطقة بتشكيل اللجان وتوزيع المناصب من خلال الصحف, فاصبح في نفس المنطقة صندوقين أحدهما سني المذهب والآخر شيعي المذهب, مسببه انقسام في هذا المجتمع الصغير على حسابات طائفية بحتة, والجدير بالذكر أن أحد الصناديق يرأسه عضو برلمان, حيث كان المفترض منه أن يساهم في تخفيف هذه النزعة الطائفية, وان يعمل جاهداً في توحيد الرؤى حول إيجاد صيغة موحدة تعمل بشكل جدي على خلق صندوق موحد في المنطقة يوحد جميع الجهود لما فيه خير أهل المنطقة, لاسيما وان من اوصله الى البرلمان هم سكنه المنطقة على اختلاف طوائفهم, علماً بأنه في معظم المدن الحديثة التي نزحت إليها الطائفتين يوجد صندوقين خيريين, أحدهم للسنة والآخر للشيعة, كما هو الحال في مدينة عيسى ومدينة حمد.
وإذا كانت هناك رغبة في إصلاح أوضاع هذه الصناديق, فإن من المهم أن تقوم الصناديق الخيرية بمراجعة شاملة لأهدافها وبرامجها ذات الطابع الطائفي, وان تعمل جاهدة على تطويرها بما يتناسب مع المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد, وان تتبنى مبدأ المواطنة أساسا في عملية رصدها للفئات المستفيدة من خدماتها دون الاعتداد بالروابط الطائفية والعقائدية و إنما بمعايير موضوعية واجتماعية محددة. والاهتمام بمصادر التمويل الذاتي عن طريق تبني بعض المشاريع التنموية بما يتناسب مع قدراتها المالية, كما أن على ورزاة العمل والشئون الاجتماعية الدور الكبير في هذه المراجعة من ناحية تقديم مشروع قانون خاص بالصناديق الخيرية يجعل منها مؤسسات مجتمع مدني مدنية وليست تقليدية ويضبط عملية تأسيسها بما لا يتجاوز صندوق واحد في المنطقة الواحدة والرقابة على الأموال التي تُضخ فيها, وأن يكون تولي المناصب فيها بشكل ديمقراطي مفتوح للجميع لا يقتصر على فئة دون الأخرى, بل يكون لكل مواطن يعيش أو يقيم في المجتمع المحلي له الحق في الانضمام إلى الصندوق والاستفادة من خدماته وبرامجه, ومن المفيد التفكير بربط هذه الصناديق بالمجالس البلدية المنتخبة, وذلك بهدف تفعيل الإدارة المحلية.
ان الخطوات الجارية الآن لتأسيس اتحاد للصناديق الخيرية, والتي ما لبثت ودخلتها الحسابات المذهبية, تعد مهمة في طريق تصحيح وضعيتها, والعمل على مأسستها ضمن ضوابط قانونية واضحة تنظم آليات العمل بينهم, اضافة الى امكانية الوصول لصيغ توافقية من شأنها تقليل نسبة هذه الصناديق بحيث يكون في كل منطقة صندوق واحد يخدم ابناء المنطقة الواحدة بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية أو المذهبية, كما يجب التأكيد على استبعاد الصبغة الطائفية عن الاتحاد والتي من شأنها تقليل فرص الانسجام بين تلك الصناديق لاسيما وان اغلب مجالس إداراتها هم من السلفية السنية والشيعية.
ومن هذا المنبرنوجة دعوة صادقة لجميع القائمين على الصناديق الخيرية, وللعقلاء من مشايخ الدين, بأن يضعون مصلحة المجتمع على رأس أولوياتهم وان يكونوا على قدر المسئولية المناطة بهم, والحل الامثل للترفع عن الفروقات المذهبية البسيطة هو طاولة الحوار والنقاش العقلاني وليس الاختلاف والتنافر, فالاسلام دين رحمة وتعاون بين ابناء المجتمع الواحد دون الاعتداد بالجوانب الهامشية, وهذا ما نستدل عليه من بعض المواقف التي جرت مع الصحابة, فأحد الخلفاء الراشدين امر بيت المال بأن يدفع مبلغاً من النقود لرجل يهودي يصلح به حاله بعد ان كبر في السن وليس لديه من يعوله لانه يعيش كمواطن في المجتمع الإسلامي, فالمجتمع الاسلامي الذي كفل غير المسلمين من اموال المسلمين حري به ان يكفل اخوته في الدين.
إن استمرار واقع الصناديق الخيرية ومن بعدها الاتحاد حسب الراهن ودون العمل الجاد لتطورها يعني استمرار طأفنة العمل الخيري, بدلاً من تعزيز مبدأ المواطنة كمقياس مهم والذي نحتاجه في المرحلة الراهنة اكثر مما في السابق, فأمامنا العديد من القضايا التي يجب ان نتكتل للوقوف عندها- سنة وشيعة- فالقضية الدستورية والبطالة المنتشرة في صفوف شباب هذا البلد والتمييز الطائفي والطبقي, والتجنيس, جميعها تحتاج إلى لملمت الصفوف المبعثرة, لنحيا ايام البحرين الحلوة التي لم نحياها بعد.
#خليل_بوهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟