|
شات القنوات الفضائية والحب المحرم
نضال شاكر البيابي
الحوار المتمدن-العدد: 2988 - 2010 / 4 / 27 - 23:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كل ثقافة مجتمع ،ثمة نماذج مثالية، تتضمن المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والأعراف، يتشربها أفراد المجتمع عن طريق الامتثال أو الاتباع أو التكيف التلقائي. وإذا تمرد الفرد على هذه النماذج يكون عرضة للجزاءات والعقاب وفقاً للمنظومة الأخلاقية والعرفية لمجتمعه. وهذه النماذج وظيفتها بالضرورة إشباع حاجات الفرد البيولوجية والسيكولوجية والروحية ،ويستمر التفاعل الجمعي مع هذه النماذج أو"الأنا الأعلى" مادامت قادرة على تحقيق الإشباع.بمعنى أن الإشباع يدعم بقاءها ويقويها وقلة الإشباع تحفز التمرد السلوكي لدى المتلقين.أي أن حالة عدم الإشباع لدى الفرد المتلقي تولد تمردا على شكل رفض لاشعوري للتكيف والامتثال للمنظومة الأخلاقية والعرفية. ودائما مانسمع في هذا السياق عن هوس الشباب في تجربة كل شيء جديد بصرف النظر عن مواءمة هذا الجديد للنظم الأخلاقية والعرفية،والأمر ليس كذلك،بقدر ماهو محاولة فطرية للبحث عن وسائل للإشباع لم تتوافر في النظم الأخلاقية والعرفية للمجتمع وليس ذلك انفلاتا أخلاقيا غير مبرر كما يصوره البعض.بعبارة أخرى، هو إفراز طبيعي لحالة الكبت التي تفرزها المناخات السياسية والدينية والاجتماعية ومايصاحب ذلك من نظم أخلاقية متعسفة تطوق الأعناق باللاءات ولاتقدم بدائل موضوعية للباحث عن الإشباع. فعندما تتقلص مساحة الحرية على المستويات المعنوية وتسيج ساحة النقد بسياج شائك على المستويين الديني والسياسي ، ويفصل فصلا تاما بين الجنسين درءاً للمفاسد، وبالتضاد يواكب ذلك انفلات في الحرية المادية التقنية مما يعرف بـظاهرة"التخلف الثقافي" أي التغير البطئ للعناصر المعنوية إزاء التغير السريع للعناصر المادية. فضلا عن النماء المطّرد للبطالة والفقر في النسيج الاجتماعي،ومايترتب على ذلك من تفشي العزوبية والعنوسة بين أفراد المجتمع ،فلاغرو أن تكون هذه الأرض خصبة لإنبات الانحرافات السلوكية كالتطرف الديني من جهة والانحلال الأخلاقي من جهة أخرى. وكلاهما يدوران في دائرة البحث عن الإشباع التي لم توفره المنظومة الأخلاقية والعرفية للأفراد. وإذا استقرأنا الرسائل"sms" التي ترسل للفضائيات الدينية والغنائية من شريحتين متقاطعتين في التوجه ومتوازيتين في الغاية، سنجد أنها محاولة للتنفيس والهروب من ضغوطات الواقع ومشكلاته العصية على الحل لفضاءات اللذة الوهمية إن كانت حسية أو روحية. وهوس الشباب العربي من الجنسين للتهافت لإرسال وتفريغ مايختلج في صدورهم للفضائيات هو نتيجة منطقية لأسباب عديدة على رأسها البطالة التي يعاني من الشباب وعدم وجود متنفس حقيقي يمتص طاقاتهم كما أن يأسهم في إيجاد مساحة لحرية حقيقية في مجتمعاتهم جعلهم لاشعوريا يتماهون مع كل جديد قد يوفر لهم الإشباع الممنوع عرفا . والمسؤول الحقيقي عن هذه المشكلة المجتمع وليس الشباب وفقا للدكتور أحمد مجدوب. وإشكالية الثقافة السائدة في مجتمعنا وخصوصية الوضع المناط بالمرأة وعزل النشء عن متطلبات الحياة الواقعية والارتباك بين التمسك بالموروث التقليدي من جهة ومواكبة التطور التقني الذي قفز على رؤوسنا بسرعة هائلة من جهة أخرى أفقد ذلك كله المجتمع توازنه ،وولد فجوة واسعة بين تراث موروث متراكم وبين قفزة علمية لم يهيأ لها الجيل بشكل صحيح. ولاشك أن مسئولي الفضائيات استغلوا حالة الكبت المتفجرة عند الشباب خير استغلال بطرق ابتزازية رخيصة من خلال التلاعب من قبل القائمين على هذه الدردشات، حيث يتقمص الكنترول شخصية أنثى ويبتز غرائز المراهقين وجيوبهم من خلال إرساله لرسائل طافحة بالإيحاءات الجنسية من مثل:" أنا قشطة وعسل وألبس عدسات وشعري طويل ولوحدي بالبيت..والرقم بالطريق.." فيتهافت المراهقون على إرسال عشرات الرسائل بقصد التعارف،أوابتزازهم من خلال مطربات العصر من "فتيات الليل "الماجنات العاريات اللائي يحشدن كل"أسلحة دمارهن الشامل" لقنص الشباب المنهك بِطُعم السيليكون ..! وما أدراك ماالسيليكون وفعله الذري المدمر. وكم هي من وسيلة مربحة لشركات الاتصال وللفضائيات التي تبث في الفضاء العربي ومصائب قوم عند قوم فوائد. فإن كانت فضائيات الأغاني تبتز الشباب من خلال العزف على وتر الممنوع والمحظور اجتماعيا وعرفيا ،فإن الفضائيات الدينية لاتقل دجلا ونصبا من الصنف الأول،وكلاهما يمارس عملية تخدير وتمييع وتدجين للشباب بوسائل مختلفة تصب في قالب واحد في النهاية.فالفضائيات الدينية تستخدم النصوص المقدسة في عمليات النصب والدجل تحت عنوان"سارعوا إلى الخيرات" ومن ثم يظهر في الشريط العابر أسفل الشاشة دعاء ما، ومن بعده مباشرة نص ديني مفاده"من كرر هذا الدعاء فله كذا من الحسنات "كلها ثوان حتى يتهافت الشباب والشابات على الخيرات من خلال تكرار الدعاء عشرات المرات .ومن عمليات النصب الأخرى التي تمارسها الفضائيات الدينية فتح الباب على مصراعيه للمهاترات الطائفية بين شباب من مذهبين إسلاميين مختلفين.والمحصلة النهائية المبالغ الطائلة التي يجنيها مسؤولو الفضائيات على حساب المهمشين والمقموعين اقتصاديا وثقافيا من شباب الأمة العربية الباحثين عن بدائل للإشباع لم تتوافر في محيطهم الاجتماعي. وإذا كانت الشكوى نوع من العيب في المجتمعات العربية المتحفظة،فإن الشباب سيمارسون التبتل ظاهريا للحفاظ على أمنهم النفسي الاجتماعي وعندما يخلون بأنفسهم بعيدا عن عين الرقيب سيطلقون العنان لما يختلج في دواخلهم من احتباسات وجدانية بكل السبل التي تتيحها التقانة الحديثة بحثا عن الإشباع. ويقول الدكتور محمد آل جعفر:"أن طبيعية المجتمع فرضت على أبنائه نوعاً من البحث الدائم عن مكان لتفريغ الشحنات النفسية فيه،بعيدا عن كل تعقيداته".
#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(المرأة ومجتمع التناقضات)
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|