|
-غربلة- الماركسية
الاخضر القرمطي
(William Outa)
الحوار المتمدن-العدد: 2989 - 2010 / 4 / 28 - 09:07
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ان عملية "الغربلة" الفكرية مهمة تفرض نفسها على كل مفكر/مناضل يريد ان يبقى "داخل" العصر بتحولاته وتراكماته الجدلية المتجددة دومًا.وهي عملية نقدية بامتياز تضع الفكر/النظرية/الايديولوجية على سرير التشريح لكشف بواطن النقص والتقصير والمحدودية من اجل تجاوز هذا النقص الى ما هو اكمل واكثر اقترابًا من الحقيقة؛ ان غربلة الفكر هي سيرورة معرفية جدلية تسعى الى امتلاك الواقع المادي عبر فهمه والانتقال من ظاهره السطحي الى جوهره العميق عبر خلق المفاهيم القادرة على تصويره بدفة اكثر واكمل. انها بمعنى آخر عملية تحديث دائم للنظرية من اجل اكبر قدر من الاستعاب للواقع في تغيره الدائم. من هنا فالنظرة الماركسية الى العالم الطبيعي والانساني ، وعلى اعتبار انها مرشد للعمل ومنهج للمعرفة، فهي بحاجة اكثر من غيرها الى عملية نقد دائم ومتجدد يربط النظرة الماركسية ربطًا وثيقًا بجدلية العالم المادي الاجتماعي التاريخي والثقافي. النظرة الماركسية للعالم (وانا اشارك الدكتور فالح عبد الجبار في هذه التسمية كبديل عن المادية التاريخية والمادية الجدلية ذات الارث الستاليني) هي بالدرجة الاولى نظرة ثورية تبغى تغيير هذا العالم وبالتالي لا تستطيع ان تبقى اسيرة نصوص المؤسسين الاوائل(ماركس انجلز) والمعلمين الكبار(لينين-كاوتسكي-بليخانوف-تروتسكي-بوخارين-لوكسمبورغ-غرامشي-ماو-"دار التقدم"...) رغم البصيرة الثاقبة للعديد من هؤلاء الثوريين. لا يجب ان ننسى ان الماركسية "ابنة" القرن التاسع عشر وبالتالي فهي وليدة التراث الفكري الغربي بمضامينه الفلسفية والعلمية والاجتماعية، ولا بد ان يكون الكثير من طروحات ماركس وانجلز قد عفى عليها الزمن وبالاخص فيما يخص بالعلوم الطبيعية ("ديالكتيك الطبيعة"مثلاً لانجلز). وتكمن عظمة ماركس مثلاً في تواضعه الرائع حيث كان يعيد دومًا قراءة كتاباته وتصحيحها بما يتلاءم مع تطورات الواقع السريعة، وهذا التواضع النقدي جعل بالمقابل الكثير من تنظيراته الاستشرافية حول آليات التوسع الرأسمالي ونمط العمل المأجور والعلاقة بين الطبيعة(البيئة) والرأسمالية وحول الاغتراب والتشيؤ والصنمية، جعلى هذا التواضع كل هذه الاستشرافات (ولا نقول تنبؤات) راهنية الاهمية.(لا ننسى ان معظم كتب ماركس يبدأ عنوانها الفرعي او الاصلي بكلمة "نقد"، "نقد فلسفة الحق"، "نقد النقد النقدي"، "نقد الاقتصاد السياسي"...). ان القراءة الجامدة والمشوهة لنظرة ماركس حول التاريخ مثلاً جعلت معظم الماركسيين يعتبرون ان كل البشرية سارت على نفس القدر الاجتماعي الاقتصادي من المجتمع المشاعي الى الرأسمالي مرورًا بالعبودي والاقطاعي، هذا على الرغم من ان ماركس قد طرح هذه الصيرورة كفرضية نظرية احتمالية املتها عليه قراءاته للابحاث التاريخية في عصره (بالنسبة لعصرنا طبعًا). والفهم المتزمت (على الطريقة الدينية) لبعض نصوص ماركس الفلسفية تجعل البعض حتى اليوم يحاكمون مفكرين وفلاسفة على طريقة ان المفكر البرجوازي(او اللاهوتي...) لا يستحق عناء القراءة لانه ببساطة ليس ماركسيًا ومناصرًا للاشتراكية ولليسار!! هل من المعقول ان نتبنى مقولات انجلز مثلاً حول الاثير كنظرية علمية تهافتت منذ قرن واكثر (على الرغم من الاهمية الراهنة مثلاً لمقالة انجلس حول "دور العمل في تحويل القرد الى انسان" في كتابه "ديالكيتك الطبيعة"). بالانتقال الى "معلمينا" الكبار، فلا جدال حول اهمية قراءة نصوصهم الرئيسية ولكن ليس بهدف اسقاطها على واقعنا الحالي بشكل ميكانيكي آلي (كما درجت عليه، ((وما يزال بعضها)) معظم الاحزاب والكادرات الشيوعية في العهد السوفياتي المرحوم)، فعملية الاسقاط هذه انتجت سقوطًا مدويًا لعملية فهم الواقع وتشكيل المفاهيم والنظرية القادرة على تملكه والانغماس فيه بهدف تغييره. لم يعد بالامكان اليوم قراءة كتاب "ما العمل ؟" للينين كما لو كنا في بدايات القرن الماضي، ولا نستطيع اعتبار ان كتاب "الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية" يكون صورة شاملة وواضحة حول ما ندعوه العولمة في عصرنا. هل ما زال علينا مثلاً ان نرفض كل النظريات الادبية ونوسمها بالبرجوازية الرجعية لمجرد انها لا تتفق و الواقعية الاشتراكية على الطريقة السوفياتية.؟؟ انننا بحاجة دومًا الى توسيع دائرة قراءاتنا السياسية والفلسفية والفكرية. لم يعد بامكاننا كماركسيين ان نبقى غافلين عن التطور الباهر للعلوم التقنية والطبيعية ولثورة المواصلات(تطور ادوات وقوى الانتاج) ومدى تأثيرها على حياتنا اليومية وعلى نمط عيش كل الطبقات الاجتماعية. لا نستطيع ان نعتبر المنهج الماركسي كمنهج اوحد صحيح بشكل مطلق وان نهمل الكم الهائل من المناهج التي ظهرت واسهمت فعليًا في القاء الاضواء على مساحات كانت مخفية عن نظر الماركسيين لوقت طويل (كالمناهج التفكيكية والبنيوية والتحليلية والنقدية والتاريخية والدراسات الانتروبولوجية...). هذا مع العلم ان المنهج الماركسي بجدليته المتحركة عليه ان يبقى مفتوحًا على كل ما تنتجه العقول البشرية من نظريات ومناهج عقلانية نقدية مادية (هل نستطيع مثلاً التغاضي عن النقد الموجه للرأسمالية من داخل مؤسساتها او من خارج التيارات الماركسية: تشومسكي، الحركات البيئية، الفوضويون، الحركات القومية والاسلامية...هل نستطيع ان نغض الطرف عن النقد الموجه للماركسية ولليسار :النقد الاسلامي، النقد الليبرالي، النقد الفلسفي الجديد؟...الخ). هل يعد بامكاننا كقوى تغيير جذري الاّ نكون على اطلاع على مواضيع ذات اهمية قصوى كالنظرية النسوية، وحقوق الجماعات المهمشة، وتفشي العنصرية والتمييز الفئوي والاضطهاد الجنسي السنا بحاجة كفاعلين في عملية التغيير الاجتماعي (وبعضنا لا بل اكثرنا يعتبر نفسه ثوريًا وطليعيًا) الى التعمق الدائم في الدراسات والابحاث الاجتماعية التاريخية المحلية والعالمية من اجل فهم افضل لواقعنا المادي وانعكاسه الفكري المجتمعي والفردي بدل اسقاط مقولاتنا وتنظريتنا القديمة عليه، ففهم الواقع يقتضي الاقتراب منه للعمل على تأسيس آلية ناجحة لتغييره.
هناك مقولة علمية لم اعد اذكر اين سمعتها ومفادها انه اي نظرية تدعي انها صحيحة بالمطلق تكون خاطئة بالضرورة، والماركسية لا تُستثنى من ذلك، ولا يجب ان يخيفنا او يزعزعنا هذا الكلام.الماركسية ليست دينًا ارضيًا جديدًا لتدعي العصمة، انها في نهاية الامر نظرة نقدية تغييرية ثورية، هي عملية التملك المعرفي المتجدد للواقعين المادي والروحي في تحولاتهما وجدلهما الدائم ، انها النظرة التي لا تقف عند حد تفسير العالم بل تتخطى ذلك الى تغيير وان كنا نبغي التغيير فلا بد لنا من الخروج من انعزالنا الفكري والعملي من اجل الاختبار الدوري لصحة النظرية التي نحملها. الاخضر القرمطي
#الاخضر_القرمطي (هاشتاغ)
William_Outa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ان تكون قوميًا او ماركسيًا امميًا!
-
التربية كجهاز طبقي
-
الصراع على الماركسية
-
حول الاغتراب والماركسية
-
نعم، نناضل من أجل الاشتراكية
المزيد.....
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
-
تسعة شهور من الحبس الاحتياطي.. والتهمة “بانر فلسطين”
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|