|
نحن والحمير
قاسم السيد
الحوار المتمدن-العدد: 2988 - 2010 / 4 / 27 - 20:25
المحور:
كتابات ساخرة
لايوجد في بلادنا وبقية بلاد العرب والتي ربما يحق لي ان انسب نفسي اليها اليست بلاد العرب اوطاني على حد قول الشاعر شيئا اكثر تواجدا من الحمير فلا تزال المدن العربية العتيدة يشاهد فيها هذا الحيوان الصبور الوديع الذي طالما احتمل قساوة بني ادم وغثاثتهم صابرا محتسبا لايشكو ولايتذمر رغم كل هذه المزايا ومزاياه الاخرى العديدة التي يمتلكها لم يحظى بنفس التكريم الذي حظيت به زميلته البقرة عند بني الهندوس فهي تتنقل وتتبختر في بلادها محاطة بالاكبار والاجلال والتقديس والتبجيل بل وقد يضعونها في مقام اعلى مما يضعون به الانسان نفسه بينما هذا الحيوان المسكين لايلقى من انساننا الا كل اذلال واهانة واحتقار في الصاعد والنازل او على حد قول اخواننا المصريين في الرايحه وفي الجايه وهو ان اراد صاحبه ان يمتطيه او يتعامل معه فسيعامله بكل ما يستحق من دونية لم يختر المسكين ان يضع نفسه بها ولكننا اخترناها له رغم انفه وسيرى من هذا الصاحب انواع التعذيب من جلد وضرب مبرح فلا جمعيات حماية حقوق حيوان تحميه ولاهم يحزنون فهي لم توجد لبني الانسان اصلا فهل يتم ايجادها لبني الحمير هذا شيء نكر . هذا الحيوان تجده في كل مكان وهو يعترض طريقك في كل المدن مهما كان مبلغ رقيّــها وانتمائها الى العصر ولاندري ان كنا نحن الذين نعمل على بقاءه والحرص على عدم انقراضه ام هو اصراره على الحياة وحب البقاء هما اللذان يدفعانه على ان يكون موجودا بيننا فهو كالاشجار البرية لايهمه قساوة الظروف التي يعيش فيها فهو يعيش في كل مكان وتحت كل ظرف ولااظن ان هناك دوائر للصحة البيطرية في أي بلد من بلادنا العربية العزيزة تهتم بشؤون هذا الحيوان او تعني بصحته كاهتمامها بصحة الكلاب او الابقار او المعيز او غيرها من بقية الحيوانات التي لها علاقة بالانسان مما جعل هذا الحيوان يشمخ بأنفه اعتزازا وافتخارا بعافيته بين اقرانه وزملائه من بقية الانعام الاخرى اذ انه برغم هذا الاهمال فهو افضل منها عافية ولله الحمد فلم نسمع يوما ما بزكام الحمير او سل الحمير او ايدز الحمير مثلما نسمع عن الطيور والابقار والخنازير من صفات مرضية حملت اسمائها بامتياز . ومع لهذا الحمار من حضور واسع على صعيد الحياة فله حضوره ايضا على صعيد التاريخ كحمار جحا الغني عن التعريف فهو له مع صاحبه صولات وجولات بل ورد اسمه في بعض الكتب المقدسة وبالذات في القران الكريم كحمار لقمان حيث ساهم هذا الحمار مع صاحبه لقمان وابنه بأن ينتج هولاء الثلاثة من خلال قصتهما المشهورة مثلا عظيما هو{ رضـا النـاس غـاية لاتـدرك} ومن الشخصيات االادبية والتي كان للحمار حضورا بارزا في كتاباتها هو الاديب المصري الكبير توفيق الحكيم فلطالما استخدم الحكيم في كتاباته هذا الحيوان الوديع كشخصية ذات دلالة لاتخفى على عين اللبيب الى الحد الذي اطلق عليه في الادب العربي تسمية حمار الحكيم . غير ان هناك في هذا الحيوان اللطيف خصلة سيئة رغم كل حسناته التي ذكرناها انفا لااستطيع الدفاع عنها فهي تهمة مؤكدة بامتياز له ومن دون نقاش الا وهي نهيقة والذي حاز بسببه لقب انكر الاصوات عن جدارة واستحقاق ولقد وصل الامر الى درجة ان ورد ذم هذا الصوت في القران الكريم بأعتباره أنكر الاصوات . وللحمار في حياتنا حضورا اخر فهو يستخدم مقياسا تقييما لكثير من الناس سواء على مستوى العقول او على مستوى الاخلاقيات فلو أردنا ان نذم بعض الاصوات الادمية يحضر وصفنا هنا الحمار لنشبه اصواتهم بصوته لما يمتاز به هذا الصوت من نشاز وقبح رغم ان هذا الحيوان لايطلق صوته باستمرار كبقية الحيوانات مثل القطط والكلاب والطيور على انواعها او كما يستعمل سائقوا السيارات عندنا المنبهات {الهورنات} وكأنها شرط من شروط القيادة الامنه فهذا الحيوان المظلوم لا يظهر هذا الصوت المنكر والقبيح الا في حالة واحدة تقريبا فعندما تلتقي هذه الحمير في ما بينها او عندما يشم بعضها ريح بعض ولو عن بعد فهي حينئذ تنخرط في نهيق متبادل يصدح في اجواء الاثير تسمع كل ذي سمع ولها قدرة عجيبة على الاستمرار بالترحيب ببعضها البعض باشكال مختلفة من شم ولحس وعض هو اشبه بالقبلات منه بالقضم ولأوقات قد تطول أو تقصر خصوصا اذا لم تجد من يمتطيها او يؤذيها. ونحن والحمير لنا مشتركات عديدة منها ان اصحاب المنطق اي ارسـطوا وجماعته يربطون بيننا وبين الحمير في الجنس الاعلى بأعتبار الانسان كجنس هو عبارة عن حيوان ولكن بما ان هذا الحيوان اصبح ناطقا فأنه دخل في نوع اخر هو نوع الانسان وترك المسمى حيوان لأخيه الحمار لبقاءه في نفس جنسه لان مفهوم الماصدق انسان لاينطبق عليه لكونه غير ناطق حسب تعبير هولاء المناطقه فلا غرابة اذن ان وجدنا مشتركات سلوكية بيننا وبين الحمير وكم مرة يعترف الواحد منا بحماريته فيما لو دفعته غفلته للوقوع في مطب ما او فيما استغفله الاخرون فتراه سرعان ما يعترف قائلا بصوت مسموع غير مهموس... انا حمار فعلا ؟؟؟؟ بينما نجد اخرين يفتخرون بهذه الحماريه من خلال وصف انفسهم بأنهم من اصحاب الجلد والتحمل وأن احدهم في صبره وتحمله كالحمار بل اشد تحمرا من الحمار نفسه فأنت ان كلفته بعمل وأشفقت عليه من أن هذا العمل شاق عليه وان يتركه او على الاقل يمنح نفسه فسحة من الزمن للراحة اجابك بأعتزاز وتباهي ولا يهمك انا حمار شغل ..... هل ترون ان الحمار هنا مصدر فخر . لكننا أحيانا نظلم هذا الحمار بأن نتهمه بالغباوة والحمق والبلادة من خلال تشبيهنا لاشخاص بالحمير في الواقع هم اكثر غباء وحمقا وبلادة من الحمار نفسه بل اننا نلحق به اساءة بالغة جدا من خلال تشبيه هولاء الاشخاص به أو نعتهم بأنهم اخوة للحمير وهي أخوة اتصور انه لو ترك للحمار الخيار فيها لما قبلها وكم نسمع على مدار ساعات النهار والليل اناسا يشتمون بعضهم بعض بأن يقول الواحد منهم للاخر يابن الحمار رغم ان في هذه الحياة اناس لايستحق ان يشبه تحمرهم بالحمار نفسه . ويبدو ان للحمير حظا في السياسة ولقد اتخذته بعض الحركات والاحزاب السياسية رمزا لها لتؤكد لانصارها انها تمتلك كل خصال وصفات الحمير وأن لها من الثبات والصبر والمطاولة والجلد في الخطوب وهذه بالطبع كلها مزايا تنسب بلا فخر للحمير ولعل ابرز حزب سياسي على المستوى العالمي اتخذ من الحمار شعارا له هو الحزب الجمهوري الامريكي ونحن في ازمتنا السياسية الحالية التي جاءت اثر الانتخابات الاخيرة وما ولدته من اشكالات يبدو ان حلها بعيدا ان لم يكن متعسرا وما خلقته من تشنجات وتوترات وربما انهيارات نفسيه وعصبية لدى العديد من سياسينا ارى ان لهم في الحمير اسوة حسنة لما تمتاز به من صبر وطول نفس يفتقده مع الاسف اغلب سياسينا المتهافتين على المناصب وليتخذوا من زهد وعفة هذا الحيوان الودود في الدنيا وما فيها مثلا ويجعلوه قدوة لهم في العفاف وأن يراعو الله في اموال البلاد والعباد ولكي يقتصر مجلس النواب القادم على المخلصين والمضحين في خدمة الناس وأبعاد الطامعين والانتهازيين من تجار الحروب وأشباههم وأصحاب الفرهود وأشياعهم فأني اقترح تبديل تسميته مجلسنا الموقر وجعلها تسمية محببه للنفس لتصبح تسميته الجديدة مجلس الحمير العراقي اني ارى في هكذا تسمية ابعادا لكل الطامعين والمنافقين من أن يدخلوا الى هكذا مجلس عتيد لأن امثال هؤلاء سيبدون ترفعا وتأففا وربما خجلا لأن اغلبهم من التافهين وأصحاب المظاهر والتسميات البراقة التي لاتستطيع ولايمكن لها أن تقرن نفسها بالحمير ظنا منهم انهم أرفع قيمة منها وبأبعاد هولاء ستتاح الفرصة للمخلصين أن يثبتوا فعلا انهم حمير شغل وأني لاأرى انه ليس هناك من داع للخجل من هذه التسمية لأن جالب الديمقراطية لوادينا العزيز هم الامريكان ولقد جعله حزبهم الجمهوري شعارا له فنحن على طريق الاصدقاء سائرون .
#قاسم_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع كامل النجار وتأملاته في القرآن المكي
-
كلام في الحب والصداقة
-
هل في الطريق تفجير قبة اخرى
-
كلام رجاله
-
ماذا جرى ياهل ترى ؟؟؟؟
-
ماذا يعني قرار اعادة الفرز اليدوي في بغداد / هذا القرار له م
...
-
الهلكوست ... نموذج صارخ للارهاب الفكري
-
المليحة ذات الخمار الاسود والموبايل
-
ايران هل ستضرب بالسلاح النووي ام ستمتلكه
-
قصيدة {{ نعي وط-----ن }}
-
كوتا المرأة في البرلمان العراقي مالها وما عليها
-
الديمقراطية العراقية والقمة العربية وأشياء اخرى
-
وأد البنات - بين العامل الاقتصادي والشرف القبلي - الحقيقة أي
...
-
القذافي وأمومة الشعب العراقي
-
اذهبوا فأنتم الطلقاء
-
الهاشمي بين شهوة السلطة والذرائعية القومية
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|