|
السيد المدير العام لجرّات الغاز المحترم
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 11:48
المحور:
كتابات ساخرة
كم كانت فرحتي عظيمة وكبيرة وأنا "أنتع" إلى الطابق الثالث، وسيراً على الأقدام، حيث لا يوجد مصعد أو أسانسور، كلا وحاشانا، جرة الغاز التي اشتريتها من أحد الباعة الجوالين، بمبلغ خرافي وكبير بالنسبة لمواطن "معتر ومشحر"، وهو ثلاثمائة ليرة سورية، فقط لا غير، ليرة تنطح ليرة وفوقهم بوسة شوارب ودعوة مفتوحة على كأس شاي "أكـْرُك عجم"؟ وكم كان سروري بالغاً وكبيراً، وأنا أتخيل أم العيار التي تشغل إضافة لوظيفتها الأصلية، منصب رئيس شؤون الطبخ والنفي، وتدبير الحال، ومكلفة حالياً بإدارة المطبخ وفق المرسوم الخاص الذي أصدرته بنفسي ليلة الدخلة وتناقلته النسوة في الصبحيات وقعدات طق الحنك واللسان، أقول تخيلتها وهي تقف وراء الغاز كي تعد لهذه العائلة السورية ما لذ وطاب من طبخاتها الشعبية يعني "المفركات"، بأنواعها، كي نتناولها هنيئاً مريئاً، وننام قريراً بعد متابعة المسلسل الأزلي باب الحارة. وما زاد من فرحتي هو تقاطر وفود المهنئين والأحباب والأقارب من كل حدب وصوب، من كافة المناطق والقرى السورية، للتهنئة بهذه المناسبة التاريخية، والمنعطف الحيوي، و"الليلة الكبيرة". وقد تم التقاط الصور التاريخية والابتسامات العريضة تكلل وجوه أبو جعفر، وأبو حيدرة، وأبو ذو الفقار، وأبو الزين، وأبو علي، وأبو حسن، وأبو حسين، وأبو الحسنين، وأبو خضر، وأبو زينة (ليس لديه أبناء ذكور)، حيث حضروا من القرى البعيدة لمشاركتنا الأفراح بهذا الإنجاز التاريخي الكبير، الذي أعقبه حفلة متة، غير شكل، وعلى الهواء مباشرة، تخللها فصفصة بذور دوار الشمس "الميالة" باللهجة الساحلية. كما أقيمت الدبكات الشعبية حتى ساعات الفجر الأولى وظلت النسوة تزلغط و"تهاهي"، حتى مطلع الفجر، وتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض. واستمرينا في تلقي البرقيات من تلك الوفود والشخصيات التي نعرفها حتى ساعات الصباح الباكر، أو تلك التي اعتذرت عن الحضور والمشاركة بسبب انشغالها بمناسبات تاريخية أخرى، لا تقل أهمية، كالوقوف على الفرن، أو انتظار السرافيس وباصات النقل العام.
وبعد أيام ثلاثة أيام فقط، من هذه الاحتفالات المثيرة وغير المسبوقة، من حيث المشاركة الجماهيرية، حدث ما لا يحمد عقباه، فحين دخولي للمنزل، في ثالث أو رابع يوم على تلك "الليلة الكبيرة"، رمقتني أم العيال بنظرة تهد الجبال، وتقطع الحيل والنسل، والخميرة من البيت، مع طقوس أخرى من التكشير وترديد التمتمات والكليشيهات الجاهزة في هكذا مناسبات زوجية وعائلية سعيدة، ويعرفها الجميع، قائلة: " من أين أحضرت جرة الغاز الأخيرة"، فقلت لها: " خير واعيني شو القصة؟ جلبتها طبعاً من البائع الجوال"، فجاوبتني ودمع العين يسبقها : "خلصت يا أستاذ، تفضل شرف سيادتك واجلب لنا واحدة جديدة، كي نعد الطعام قبل مجيء الأولاد من المدارس والجامعات". فقلت لها وعلى لحن أغنية فريد الأطرش تؤمر ع الراس والعين، واشرب واسقيني من العين"، فرمقتني بنظرة لا تقل عن سابقتها، فهرعت أتدحرج على الدرج لأبدأ مهمة أخرى شاقة في "نتع" جرة غاز أخرى خلال أقل من أسبوع وهذا كابوس مرعب بعد أن بلغت من العمر عتياً. وبعد تحليل وتمحيص وفحص دقيق وسؤال زملائنا خبراء الغاز واستشارة محللين في فنون النصب والغش والاحتيال، قالوا، وبالحرف الواحد: "هوهو الله يطعمك الحج والناس راجعة، أنت فين والحب فين و"لساتك على نياتك"، إذ تتم سرقة كمية كبيرة من الغاز من داخل الجرة، وتعبئتها بوابير غاز منها ومن ثم بيعها بما تيسر وبقي، أو تعبئة جرات فارغة أخرى أي أن الجرة الواحدة ممكن تصبح ثلاث جرات، قبل تسويقها وبيعها للمستهلك، وقد تجلب جرة الغاز الواحدة، أحياناً ألف ليرة وأكثر لهؤلاء اللصوص عديمي الضمير والأخلاق، ولا يتركون في الجرة ما يكفي لاستهلاك عادي، وليس تجاري، لثلاثة أو أربعة أيام كحد أعلى. هل من المعقول هذا الكلام جرة غاز يا "دويك" ثلاثة أيام؟ أي صنف من البشر هؤلاء؟ ومن هنا إن أموال هؤلاء المواطنين المساكين، وكدهم وعرقهم، أمانة في أعناقكم لوضع حد لهؤلاء الشذاذ، وذلك عبر إرفاق الجرة بسدادة محكمة لا يمكن أن تفتح إلا مرة واحدة، وقد رأيت هذا الأمر بنفسي في دول أخرى كنت قد زرتها سابقاً، إذ إن أي تلاعب بها يـُكشف على الفور ما يعرض المسوق لمساءلة قانونية، وعلى أن تكلف دوريات من التموين لمراقبة هؤلاء الباعة الجوالين، وكل متلاعب بهذه المادة الحيوية للأسرة، وخاصة الفقيرة منها، وهذا الأمر كما تعلمون يهم شرائح عريضة وطبقات فقيرة ومعدمة في المجتمع يشكل ثمن الأسطوانة الواحدة دخل يوم واحد بالنسبة لكثيرين منها، وهذا أمر حيوي، وواجب إنساني، قبل أن يكون مهمة وطنية ومسؤولية أخلاقية كبرى وضعت على عاتقكم. بالمناسبة، وبكل صدق وموضوعية، لا نلمس، ولا يوجد مشكلة ولا أزمة في توزيع وتأمين أسطوانات الغاز وهي متوفرة على الدوام، وهذه الشهادة لله والتاريخ. ولكن هناك فعلاً أزمة أخرى، ومشكلة عويصة، وهي أزمة ضمير وأزمة أخلاق لدى بعض صغار النفوس ممن يتلاعبون بأساسيات وضروريات الناس ويتاجرون بآلام واحتياجات الفقراء، ما يتطلب حلاً على الفور. والكرة، الآن، مع جرة الغاز، في ملعبكم، أو مكتبكم يا سيادة المدير العام لجرّات الغاز.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيرة ذاتية لكاتب عربي
-
العرب وموسوعة غينيس
-
أنفلونزا البراكين
-
التعنيز: وإفلاس إعلان دمشق
-
دول الخليج ومخالفة شرع الله
-
الزيدان الفهلوي: وتصابي الشيخ الماضوي
-
هل أفلس إعلان دمشق حقاً؟
-
هل ينتهي الإرهابي الدولي أحمد موفق زيدان إلى غوانتانامو؟
-
سكاكين أحمد موفق زيدان ودعواته العلنية للتطهير العرقي
-
مطلوب القبض على وزاراء االتربية والثقافة العرب بسبب إعدادهم
...
-
أحمد موفق زيدان على خطى أحمد منصور: زيدان يدعو لإبادة طائفة
...
-
لماذا خسر العرب معركتهم الحضارية؟
-
رسالة إلى السيد مدير المصرف العقاري
-
إهانة التاريخ العربي: رد على قيادي إخواني
-
فعاليات حقيقية لمهرجان الثقافة العربية
-
يا عيب الشوم يا كاجينسكي
-
شاهد على العهر
-
الهجوم على الإسلام
-
إخوان سوريا ونصرة المنصور
-
ماذا تنتظرون من مؤذن في مساجد دبي؟
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|