|
د. رفعت السعيد يكشف من جديد عن صفحات مجهولة من حياة مؤسس جماعة الاخوان المسلمين
عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 909 - 2004 / 7 / 29 - 08:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع يكشف من جديد عن صفحات مجهولة من حياة حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين فى مقال جديد لة نشر بجريدة " الاهالى " اليسارية فيقول لابد أن الأستاذ حسن البنا قد تأمل الخريطة السياسية في مصر الثلاثينيات، تأملها وأطال التأمل في مختلف تضاريسها، ثم اختار0
وكان اختياره علي ماهر باشا0 وعلي ماهر شخصية طموحة لعبت أدواراً بالغة الخطورة في الحياة السياسية المصرية، وكان يناصب الوفد العداء، ويحتقر أحزاب الأقلية، ويحاول أن يتلاعب بها، وأن يصوغ من ذلك معادلة تحاول تعبئة الجماهير المصرية في صف السراي0
ومعه في ذلك كله.. كان حسن البنا الذي اتخذ من علاقته بعلي ماهر سلماً سريعاً ليجعل من جماعته التي كانت تعاني من عزلة خانقة، ملء السمع والبصر0
وعلي نغمات علي ماهر بدأت جماعة الإخوان تتحرك وسريعاً في الساحة المصرية0
ونعود إلي علي ماهر باشا فقد كان البداية، كان مفتاح العلاقة الفسيحة بين الشيخ البنا والملك ، كان علي ماهر عدواً لدودا لحزب الوفد، وكان واحداً من دعائم القصر الملكي الأساسيين وللسببين معا وجد في البنا ضالته0 وتكاد المراجع في أغلبها أن تجمع علي أن بداية العلاقة بين البنا وعلي ماهر كانت عام 01935
و البنا من الناحية الأخري كان حريصاً علي توثيق علاقته بالقصر الملكي والاستناد إلي دعمه0 وكان ذلك منذ بداية تأسيس الجماعة، وقد رأينا في فصل سابق كيف تقرب من الملك فؤاد لكنه كان مجرد تأييد من مدرس مغمور وجماعة مغمورة0 يقول أحد الباحثين «بدأ حسن البنا دعوته وعينه علي القصر الملكي، يحاول أن يرتبط به ويشد الرحال إليه ليقنعه بأن مصلحة العرش أن تكون جماعة الإخوان ركيزة له».
ولأن علي ماهر كان صاحب النفوذ الأول في عصر فاروق ، فقد أدرك البنا أن مفتاح أبواب القصر بين يديه، ولهذا قرر أن يوثق علاقته به، ومهما كان الثمن الذي يدفعه0 وإذا كانت إيماءات وربما ترتيبات علي ماهر هي طريق البنا نحو الألمان، فإن علي ماهر استطاع أن يغرس حسن البنا وجماعته بالكامل في حقل الولاء المفتوح والمبالغ فيه ربما إلي درجة الفجاجة للقصر الملكي0
وإذا أردنا نموذجاً لهذه العلاقة المتينة بين البنا وماهر نطالع كنموذج واحد من عشرات وربما أكثر من العشرات من أشكال العلاقات المميزة بين الطرفين، نطالع بعضا مما كتبه البنا «حضر علي ماهر باشا ومعه عبد الرحمن عزام باشا مؤتمر فلسطين في لندن فودعهما الإخوان أحر وداع، وبعد حضوره ذهب وفد من الإخوان إلي المحطة لاستقباله وعلي رأسه الاستاذ أحمد السكري فهتف بحياته، وأمر الإخوان أن يهتفوا بحياته كذلك، فهتف بعضهم وامتنع الآخرون، وعادوا ثائرين، ورفعوا إلي احتجاجاً عنيفاً ذكروا فيه أن الإخوان ليسوا هتافين، وأنهم لم يهتفوا لأشخاص، وإنما يذكرون الله وحده، ويهتفون لجهاد وأعمال، فطيبت خاطرهم بأن هذه تحية المسافر، وأننا لا نحيي شخصاً، ولكن نحيي عمله لفلسطين، فاحتسبوها عند الله في سبيل فلسطين العربية».
ويقول ميتشيل أن هذه العلاقة المبالغ فيها مع علي ماهر كانت سبباً في إحداث انشقاق في صفوف الجماعة فقد عارضها البعض مستندين إلي قول سابق للبنا يؤكد أن من بين فضائل الجماعة ومن خصائصها الأساسية تجنب التورط مع الأكابر والأعلام والأحزاب والجماعات00 ولذلك فقد طالبوا بفصل أحمد السكري محور العلاقة مع علي ماهر، وكان يحرك بعض المنشقين فكرة الرفض لأن تصبح الجماعة أداة في يد علي ماهر والقصر لمحاربة الوفد.
ويؤكد المؤّرخ الإخواني الأستاذ محمود عبد الحليم أن حسن البنا كان يري أن أقصر طريق لتحقيق أهداف الدعوة إنما يكون بالاتصال بالملك الشاب فاروق وإقناعه بأهداف الدعوة، وبأن انتماءه إليها سيصلح البلاد ويحفظ له عرشه، ومن أجل ذلك سعي البنا للاتصال برجل محايد كان يأنس في رجاحة عقله وفي صدق وطنيته ونزاهته، وكان في نفس الوقت من أقرب الشخصيات إلي الملك حيث كان أستاذه من قبل، ذلك هو علي ماهر0 وكان علي ماهر من القلائل الذين يفهمون فكرة الإخوان ويقدرونها، كما يقدرون الأستاذ المرشد كل التقدير ». وكان البنا جاهزاً لكل شيء، وأي شيء يرضي القصر ويفتح أبوابه أمامه0
وعندما توفي الملك فؤاد كتبت مجلة الإخوان تحت عنوان «مات الملك يحيا الملك» «مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة الظلماء، ولا تجد النور الذي اعتادت أن تجد الهدي علي سناه0 فمن للفلاح والعامل، من للفقير يروي غلته ويشفي علته، ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع، ومن للإسلام يعز شوكته ويعلي كلمته ومن للشرق العربي يؤسس وحدته ويرفع رايته».
ثم توالت مقالات مجلة الإخوان في الدعاء لفاروق ولي العهد، ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان يتحلي بها والده، وتصفه «بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه». وفي مقال آخر تصف المجلة الفتي صغير السن الذي لم يزل ولياً للعهد بأنه «المربي والاستاذ والمثل الأعلي».
وفي هذه الأثناء كان الخلاف بين رجال القصر وحكومة الوفد علي أشده0 وفيما كانت الاستعدادات لتولية الملك اقترح الأمير محمد علي (الذي أصبح بتولية فاروق ملكا وليا للعهد) بأن يقام احتفال ديني تتم فيه مراسيم تولية الملك0 حيث يعقد الاحتفال في القلعة ويقوم شيخ الأزهر بتسليمه سيف جده محمد علي0 ولم يكن هذا الاقتراح سوي جزء من مخطط كامل رسمه الثالوث المسيطر علي القصر (علي ماهر- الشيخ المراغي- كامل البنداري) لاحتواء الملك، وتقوية نفوذه وتقديمه في صورة الملك الصالح المسلح بالدين في مواجهة النحاس باشا المسلح بتأييد الشعب0
لكن النحاس باشا يتمسك بأهداب ليبراليته ويرفض أن يتولي الملك بأسلوب إسلامي قائلا في خطاب عنيف أمام مجلس النواب«إن هذا الاقتراح إقحام للدين فيما ليس من شئونه، وإيجاد سلطة دينية خاصة بجانب السلطة المدنية»0 وقال «الإسلام لا يعرف سلطة روحية، وليس للرسل وساطة بين الله وبين عباده ، وليس أحرص مني ولا من الحكومة التي أتشرف برئاستها علي احترام وتنزيه الإسلام، كما أنه ليس أحرص منا علي الالتزام بأحكام الدستور، ولكن الاحتفال بمباشرة جلالة الملك لسلطته الدستورية شيء آخر0 فهو مجال وطني يجب أن يتباري فيه سائر المصريين مسلمين وغير مسلمين».
ويأتي الرد سريعا من حسن البنا، فيعقد وعلي وجه السرعة المؤتمر الرابع للجماعة معلنا وبصراحة تامة أن هدف المؤتمر الوحيد هو الاحتفال باعتلاء فاروق العرش 0
ويصدر مكتب الإرشاد نشرة تقول «قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين الاحتفال بحضور جلالة الملك المعظم فاروق الأول وتسلمه مهام ملكه السعيد وتقديم فروض التهنئة والولاء بهذه المناسبة الميمونة» وكان الملك قد وصل إلي الإسكندرية، وركب القطار الملكي إلي القاهرة وعلي طول الطريق احتشد الإخوان وجوالتهم في محطات السكة الحديد لتحية الملك0 وعقد المؤتمر الرابع للترويج لهذا الاحتفال0
ولم تكن كل الإمكانات بعيدة عن دعم ونفوذ وتمويل علي ماهر0
ويصف حسن البنا في مذكراته نقلا عن مجلة الأخوان مسيرة ضخمة تحت عنوان أقوي رجل في العالم يحمل لواء الإخوان حشد لم يسبق له نظير في تاريخ مصر الحديثة- عشرون ألفا أو يزيدون لتحية الملك»، ويقول «هذه أول مرة في التاريخ رأيت أو سمعت أن سارية اللواء تبلغ حوالي أربعة أمتار ونصف متر، وعليهارقعة فسيحة من القطيفة الخضراء وقد رسم عليها المصحف في نصف دائرة هلالية، وكتب في أعلاها: الله أكبر ولله الحمد0 ومن تحتها الإخوان المسلمون وحمل هذا العلم السيد بك نصير بطل العالم في حمل الأثقال». وفيما يبدو أن سيد بك نصير قد تمت إعارته للإخوان لحمل هذا الثقل الكبير لأنه لم يحدث أن شارك لا قبلها ولا بعدها في أنشطة الإخوان0
ويبقي في هذا الصدد أن نشير إلي أن إلي جماعة الإخوان لدي إعادة طبع كتاب الأستاذ البنا «مذكرات الدعوة والداعية» والذي أورد فيه في طبعاته الأولي عديداً من حكايات وروايات وكتابات الولاء المفرط للملك فاروق قد حرصت علي شطب كل ما له علاقة بهذا الأمر0
وفي هذا المؤتمر برزت لأول مرة جوالة الإخوان بزيها الكاكي لتقوم بدور قوة النظام والأمن . وبعد احتفالات ومهرجانات ومسيرات مليئة بالبهجة تجمع الإخوان عند بوابات قصر عابدين هاتفين لملك «نهبك بيعتنا وولاءنا علي كتاب الله وسنة رسوله».
وعندما وقع الخلاف بين الملك حديث العهد بالحكم وبين النحاس باشا قرر النحاس أن يروع الملك، فخرجت الجماهير الوفدية إلي الشارع هاتفة النحاس أو الثورة» و«الشعب مع النحاس» سريعا ما يثبت البنا جدارته بالولاء الفعلي للملك فتخرج جموع الإخوان هاتفة «الله مع الملك» وتباهي الإخوان كثيرا بأن جلالة الفاروق خرج إلي شرفة القصر ست مرات ليحيي مظاهرتهم. وتقول جريدة البلاغ «أن جلالة الملك كان بالغ السعادة بشعار الله مع الملك، وكان يردد نعم00 الله معنا».
ولعلها المرة الأولي التي تبرز فيها هذه المفارقة ، ويتواجه فيها شعاران «الشعب مع النحاس» و«الله مع الملك»0
وكان هذا بالضبط ما أراده علي ماهر وما أراده القصر من حسن البنا0
ولنغد إلي كتابات البنا التي مجدت الملك ومهدت السبيل لتعديه علي الدستور0 فهو يكتب تحت عنوان «حامي المصحف» «لأن 300 مليون مسلم في العالم تهفوا أرواحهم إلي الملك الفاضل الذي يبايعهم علي أن يكون حامياً للمصحف فيبايعونه علي أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف0 وأكبر الظن أن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلي بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك». 00 إنه يدغدغ أحلام الفتي الشاب الذي تولي العرش، ويلوح له بحلم الخلافة، بل ويمنحه هداية عامة منحها له الله علي كل المسلمين0 فماذا يريد الملك أكثر من ذلك؟
بل أن الأستاذ البنا يتجاوز كل الحدود عندما يشبه الملك بالرسول (صلي الله عليه وسلم) فيوم شهد الملك فاروق الاحتفال بعيد الهجرة، قالت مجلة الإخوان أنه «أعاد صورة سالفة، صورة الرسول الكريم حينما طلع علي أنصاره طلوع البدر».
ولقد أفرط البنا في الكتابة مديحا للملك، فقد كتب تحت عنوان «ملك يدعو وشعب يجيب» «إلي جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين» «يا جلالة الملك الصالح العظيم، لقد دعوت فأسمعت، وناديت فأبلغت، ونصحت فأفصحت، وإن شعبك الذي عرفك مؤمنا صالحاً تقياً، ووثق بك مجاهدا في سبيل إسعاده وإعزازه أمينا قوياً، وأن هذا الشباب الذي ناديته فلبي، وأهبت به فاستعد ليعلن بهذه المناسبة السعيدة عظيم إخلاصه وولائه للعرش المفدي ويترقب بفارغ الصبر يوم الخلاص وساعة الإنقاذ0
يا جلالة الملك الصالح العظيم: عرف فيك شعبك المنقذ له والحارس لدينه والساهر علي رعاية مصالحه ، والداعي إلي الخير والفضيلة فيه بالقول والعمل فأحبك من كل قلبه، وأخلص لعرشك من قرارة نفسه وعقد علي عهدك الرجاء وكنت عنده الرمز والأمل » ثم طالبه «بصدور أمر ملكي بألا يكون في مصر المسلمة إلا ما يتفق مع الإسلام، فإن مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هناك الشعب كله يعملون في جد وهدوء ونظام يرقبون هذه الساعة ليسعدوا بالشهادة بين يديك في سبيل الله لنصرة الإسلام00 إن الجنود علي تمام الأهبة، وأن الكتائب معبأة، وقد طال بها الانتظار، واشتد شوقها إلي ميادين العمل والكفاح، فمتي تقام الصلاة، ومتي يتقدم الإمام».
وتمتد المبالغة كما اعتاد الاستاذ البنا بلا حدود فعندما وجه الملك تحية إلي الشعب بمناسبة حلول شهر رمضان تقول مجلة «النذير» «إن الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين إذ يهنئ شعبه بحلول رمضان الكريم».
واستمر البنا علي سياسة الولاء للملك، وبالغ في ذلك مبالغة دفعت الكثيرين لانتقاده، وإن كان هو وأنصاره قد اعتبروا ذلك نصراً كبيراً0
يقول المؤرخ الإخواني الأستاذ محمود عبد الحليم «أن علي ماهر اتفق مع فضيلة المرشد علي أن يقوم الإخوان باستقبال الملك أمام مسجد سيدي جابر حين يذهب إليه لأداء صلاة الجمعة، وحضر مائة من الإخوان واصطفوا أمام المسجد وهم يلبسون ملابس الجوالة ويتقدمهم المرشد مرتدياً هو أيضا ملابس الجوالة، وحضر الركب الملكي يتقدمه الملك وبجانبه علي ماهر فحييناه هاتفين له وللإسلام فأخذ علي ماهر بيد الأستاذ المرشد وقدمه لجلالة الملك فسلم عليه الاستاذ مصافحا باحترام دون تقبيل يده0 ورجعنا بعد صلاة الجمعة إلي معسكرنا الصيفي بالدخيلة، وكان الإستاذ البنا يشعر بالرضا النفسي لأنه احس أنه قد خطا الخطوة الأولي التي كان علي الداعية المصلح أن يبدأ بها، وكنا نعتقد في ذلك الوقت بسذاجتنا وحسن ظننا أن الله تعالي قد اختصر لنا الطريق، واختار لنا غير ذات الشوكة، وأن هذا الشاب الذي يبدو وديعا في مظهره، وبجانبه الرجل العاقل علي ماهر لابد أنه سيتجه اتجاها إسلامياً فيسعد ويسعدنا الناس».
وكجزء من تأييد الملك ودعم نفوذه كان هجوم البنا علي الأحزاب وهو ما يعني أساسا الهجوم علي الحزب الأكبر والأخطر علي نفوذ القصر أي حزب الوفد00 ونقرأ للأستاذ البنا «لقد انعقد الإجماع علي أن الأحزاب المصرية هي سيئة هذا الوطن الكبري، وهي أساس الفساد الاجتماعي الذي نصطلي بناره الآن0 وبما أن الأحزاب هي التي تقدم الشيوخ والنواب، وهي التي تسير الحكم في الحياة النيابية ، فإن من البديهي إلا يستقيم أمر الحكم وهذا حال من يسيرون دفته، وإذا كان الأمر كذلك فلا ندري ما الذي يفرض علي هذا الشعب الطيب المجاهد المناضل الكريم هذه الشيع، والطوائف من الناس التي تسمي نفسها الأحزاب السياسية؟! أن الأمر خطير ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعا».
ويقول «إن الإخوان يعتقدون من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تحل الأحزاب كلها، وتتألف هيئة وطنية عاملة تقود الأمة إلي الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم0 وبهذه المناسبة أقول إن الإخوان المسلمين يعتقدون عقم فكرة الائتلاف بين الأحزاب ويعتقدون أنها مسكن لا علاج0 والعلاج الحاسم الناجع أن تزول هذه الأحزاب مشكورة فقد أدت مهمتها وانتهت الظروف التي أوجدتها، ولكل زمان دولة ورجال كما يقولون».
وبعد مثل هذا الهجوم الضاري علي الأحزاب والحياة البرلمانية يمتلك الملك الجرأة في تحدي الدستور محاولا أن يفترض لنفسه نفوذا غير وارد في الدستور فيذيع خطابا بالراديو بمناسبة رأس السنة الهجرية معلنا فيه توليه زمام الأمور بين يديه قائلا «إن ثقتي وتوكلي علي الله هو الذي يلهمني تصريف الأمور ويوجهني الوجهة الصحيحة».
ويرد النحاس محذراً من أي تعد علي الدستور0 لكن البنا يظل جاهزاً للدفاع عن الملك0
وكان الملك بدوره جاهزا لمنح البنا وجماعته المزيد من التأييد والدعم0
ويكتب السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني إلي وزارة خارجيته «أن القصر الملكي قد بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأنه أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم بعدم التدخل في أنشطة الإخوان، ولا شك أن الجماعة قد استفادت كثيرا من محاباة القصر لها كما نالت التأييد المادي والمعنوي من علي ماهر».
>>>
ثم يتقلب البنا واحدة من تلقباته المعتادة، فما أن يصل الوفد إلي الحكم عقب حادث 4 فبراير 1942 حتي يتحالف معه البنا صراحة0 وتكتب الأهرام «استقبل مصطفي النحاس باشا رئيس الوزراء المرشد العام لجماعة الإخوان علي رأس وفد من الجمعية، وقدم الاستاذ حسن البنا لرئيس الوزراء كتابا يؤيد سياسة الوزارة، ومما قاله المرشد العام في رسالته والواجب يقتضينا، والمصلحة تدعونا إلي أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التي وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا». وأعلن البنا أيضا انسحابه من الترشيح للبرلمان إرضاء للنحاس باشا ويفهم الأنجليز الرسالة، فالنحاس يأتي والألمان يهزمون ويتحول البنا يترك علي ماهر ليتحالف مع خصمه النحاس ويترك حلفه مع الألمان ليتحالف مع عدوهم الإنجليز0
ويرضي الانجليز، ويكتب السفير البريطاني إلي وزارة خارجيته «كتب رئيس الإخوان المسلمين عند انسحابه من الترشيح للبرلمان خطابا إلي رئيس الوزراء يعده بالتعاون مع الحكومة، مما يعني ضمنا الولاء للمعاهدة الانجليزية - المصرية وربما تم التوصل إلي هذه النتيجة بمزيج من الإرهاب والرشوة، ولكن قيمتها مشكوك فيها».
ويغضب الملك من هذا التحالف مع الوفد، ويحاول الإخوان استرضاءه ، فإذ أعاد النحاس باشا لهم مجلتهم «الإخوان المسلمون» علي أن تصدر نصف شهرية وذلك بعد أن أغلقتها حكومة حسين سري باشا، يكتب صالح عشماوي تحت عنوان «تحية عهد وأمل» «أن قلوب المسلمين وأبصارهم لتلتقي عند رمز كريم وملك عظيم، هو أمل المسلمين في الوحدة وفي العزة وهو الفاروق حفظه الله ورعاه وأيده وقواه وأعز به دولة الإسلام حتي يعود علي يديه مجد الدين وعزة المسلمين».
لكن الملك لم يعد ترضيه مثل هذه الكلمات بينما المواقف تقف في تضاد معها00
كذلك فإن النحاس باشا لم يقبل من حيث المبدأ وجود حزب سياسي يتحدث باسم الدين، فأصدر في سبتمبر 1942 قراراً بمنع الاجتماعات العامة للإخوان0 واستدعي فؤاد سراج الدين المرشد العام، وقال له : يا شيخ حسن أنا عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حزب سياسي؟ احنا معندناش مانع أبداً انكم تكونوا حزب سياسي، اعلنوا علي الملأ انكم بتشتغلوا بالسياسة، وانكم كونتم حزبا سياسيا، ولا تتستروا بستار الدين، ولا تتخفوا في زي الدين0 أما أن تتستروا «الله أكبر ولله الحمد» وفي نفس الوقت تقوموا بعمل سياسي وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول ، لأنه يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية، وأنا كرجل سياسي حزبي لا استطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادي بشعارات دينية سامية، وإلا سأكون محل استنكار من الرأي العام»0 ويرد الشيخ البنا مستيعنا بكل قدراته علي المناورة قائلا «نحن لم نفكر في العمل بالسياسة، ونحن رجال دين فقط ورجال فكر ديني، وإذا كان قد صدر من بعض رجالنا أو من بعض شعبنا أي عمل يخالف هذا الخط أو يدل علي اتجاه سياسي فأنا استنكره وسأوقفه عند حده فورًا».
وينسي البنا كل إلحاحه علي ضرورة اشتغال المسلم بالسياسة00 وينسي إنه قال شعراً
الدين شيء والسياسة غيره
دعوي نحاربها بكل سلاح
إنه الأسلوب المناور الذي اعتاد عليه البنا 0
ولكنه لم يعد مجديا، فالقصر غضب0 والألمان هزموا، والانجليز متشككون والوفد لا يبتلع مناوراتهم ويمارس ضغوطا عليهم0
ويبدو الأمر وكأن أبواب المناورة قد اغلقت في وجه الاستاذ حسن البنا ، لكنه لم يلبث أن يستغل تقلبات السياسة لصالحه0
فحكومة الوفد ترحل0 وحكومات الأقلية بحاجة إليه، والانجليز يفسحون صدرهم له خاصة بعد تأييده المطلق لمشروع معاهدة صدقي- بيفن0 ولعمله الدائب لتفتيت الموج الوطني العارم0 ورفض الإخوان الانضمام إلي اللجنة الوطنية للعمال والطلبة ، ولجوئهم من جديد إلي التحالف فيما اسمي بالجبهة القومية مع علي ماهر الذي أصبح صديقاً حميماً للانجليز00 كل ذلك فتح أمامهم آفاق مناورات جديدة00
ولكن يبقي الملك، ويبحث البنا بدأب عن قناة جديدة تمده بإمكانية تواصل جديد مع القصر، ويروي أنور السادات أن الشيخ حسن البنا قد ألح عليه إلحاحاً شديدا، أن يحاول ترتيب اتصال مع الملك عن طريق يوسف رشاد، وأن يوسف رشاد قد قابل البنا بناء علي موافقة الملك، ويضيف السادات أن يوسف رشاد قد أفهمه فيما بعد أن عام 1946 قد شهد رضاء تاماً من الملك عن الشيخ البنا وأتباعه» والحقيقة أن الأستاذ حسن البنا قد استحق عن جدارة بتصرفاته ومواقفه السياسية المعلنة هذا الرضاء الملكي0
وتمضي سياسة المناورة بصاحبها، يتصور بها أنه قادر علي أن يتلاعب بالجميع، لكنه وبعد فترة قصيرة لا يلبث أن يدفع هو وجماعته ثمناً باهظاً 0 ويكتشف أن الجميع كانوا يتلاعبون به إذ كان هو يتصور أنه يتلاعب بهم0
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفحات مجهولة من تاريخ حسن البنا
-
بلاغ الى وزير الداخلية المصرى :من يواجه فساد مافيا رجال الاع
...
-
حيوانات فى نعيم
-
الحقيقة الغائبة فى التغيير الوزارى الجديد ... حكومة مصر بدون
...
-
ظاهرة جديدة : العمال المصريون يتظاهرون من أجل الخروج الى - ا
...
-
أمريكا أكبر بلطجى ولص فى العالم .
-
25 عاما من السياسة الاسكانية الفاشلة لحكومة الانفتاح فى مصر
-
اعتصام عمالى كبير يطلب تدخل الدولة لانقاذ المال العام من قبض
...
-
التعذيب صناعة حكومية
-
السرطان يلتهم عمال مصر
-
على هامش فوضى التغيير الوزارى الغير مرتقب ..مواطن مصرى : الف
...
-
انتصار عمالى ساحق علي أصحاب الملايين في الحزب الحاكم المصرى
-
الحكومة تطرد العمال من المساكن الادارية !!
-
أيام وليال من التعذيب واهدار حقوق الانسان
-
الماركسية ليست كل ما قاله ماركس
-
رسالة الى الرئيس مبارك
-
العائدون من السجون اللبنانية : خرجنا من سجن الفقر المصرى لند
...
-
المجلس القومي لحقوق الإنسان فى مصر يرفض إلغاء حالة الطواريء.
...
-
حكاية الصفقة المشبوهة مع عمال شركة الدلتا للغزل والنسيج فى م
...
-
!-خبطة صحفية :ننفرد بنشر وقائع تعذيب مصريين فى السجون اللبنا
...
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|