|
هروب ميت
سالم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 2985 - 2010 / 4 / 24 - 02:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليست قصة من قصص ألف ليلة وليلة ولا هي من أساطير الأولين ولا حلم راودني ولا هذيان أصابني، هي قصة حقيقية مائة في المائة من بدايتها وحتى نهايتها، نعم لا يوجد شهود، ولا يوجد أي إثبات على صحة ما ادعي لكن قولنا نحن أحفاد الأنبياء يتسم بالصدق والأمانة فلا حاجة إلى شهود أو إثبات الواقعة. القصة بدأت حين قرع جرس باب الشقة الساعة الثانية بعد منتصف الليل قبيل أن استسلم للنوم بشكل كامل، نهضت من فراشي متثاقلاً وجلست على حافة السرير وأنا أتمتم بكلام لا يليق أن أتفوه به وأنا بكامل وعي الآن لكن لك أن تضع نفسك مكاني لتتوقع ما كنت أقول، ثم بدأت رحلة العذاب نحو باب الشقة، شعرت أن المسافة من غرفة النوم إلى باب الشقة تقاس بالكيلومترات وتحتاج إلى زمن يقاس بالساعات، لكن بإصراري المتذمر تحديت النعاس والكسل وصارعت المسافة والزمن حتى انتصرت ووصلت إلى الباب، وما أن فتحت الباب حتى وقع نظري على فتاة جميلة في العقد الثالث من عمرها أنستني عذاب تلك الرحلة الطويلة ودبت الحياة من جديد في عروقي وفر النعاس مني فبادرتني بالقول: مساء الخير ... آسفة على الإزعاج... إن لم أكن غلطانة هذا منزل السيد سالم النجار؟ نظرت إليها وأنا لا اصدق عيناي فتاة بمنتهى الرقة والجمال والأناقة تأتي منتصف الليل لتسأل عني!!! يا لي من رجل محظوظ، نظرت إلى عيناها الواسعتين وقلت: لا مش غلطانة ممكن اعرف مين حضرتك؟ ودعوتها للدخول وأقفلت الباب خلفها، عندما وصلت منتصف البيت وقفت واستدارت نحوي وهي تقول: لا داعي لتعرفني، لأن لقائنا لن يطول ولن نلتقي بعد اليوم. قلت: أمرك عجيب تأتيني بعد منتصف الليل وتزعجيني وتزعجي أهل بيتي ولا ادري ماذا ستقول الآن زوجتي عندما تراك!!! وأنت لا تريدي أن تعرفي على نفسك!!! الفتاة: نعم لا داعي لتعرف من أنا ولا تقلق لن تسمعني ولن تراني زوجتك فقد متُ منذ عشرة أيام... واليوم فررت من قبري لأراك. كلماتها سقطت كالصاعقة على مسامعي وتوقف الدم في عروقي ولم تعد قدماي قادرة على الصمود أكثر فتوجهت إلى اقرب كنبة وجلست عليها مصدوماً دون أن أتفوه ببنت شفة ... بينما الأفكار تتصارع في رأسي، وأنا أتسأل أيعقل ما تقول تلك الفتاة؟ أين حارس المقبرة؟ وكيف غافلته وفرت؟ بل أين منكر ونكير؟ وأين أصواتهما كالرعد القاصف وأعينهما كالبرق الخاطف؟ هل تقاعسا عن أداء عملهما؟ وأين الثعبان الأقرع؟ وكيف نفذت من أنيابه؟ أم أنها ما زالت في البرزخ تنتظر الحساب؟ وقاطعت أفكاري بقولها: ما بال وجهك اصفر ويداك ترتجفان! ولسانك انعقد!... لا تخف لا أريد بك شراً ... بعد أن سمعت كلامها اطمئن قلبي قليلاَ أو بصراحة أكثر استسلمت للأمر الواقع فلم يعد لي قدمان تحملاني ولا حتى نفس ولا مجال للفرار لذلك قررت الاستمرار في الحديث فقلت لها: لكن كيف استطعتي الهروب من القبر رغم الحراسة المشددة؟ الفتاة: لا....لا يا سالم لقد خذلتني يا حفيد الأنبياء!!! لكن دعني أقول لك كيف، إله أجدادك لا يهمه من المرأة إلا جسدها أما روحها ونفسها فلا تعني له الكثير، وها أنا قد تركت جسدي بين يديه ليتفحصه فإذا كان مصوناً عفيفاً فيا فرحتي ستكون جائزتي الزواج من فحل مؤمن يختارني من بين جميع النساء، يشير بإصبعه فقط وعلي أن أطيع كي أصبح رقماً من أرقام ً زوجاته أما مشاعري وأحاسيسي فلا قيمة لها. فقلت: ولماذا فررت إلي؟ الفتاة: جئت لأقول لك إني اكره أجدادك .. قلت: لا اعتقد انك تحديت كل تلك المتاعب.. وعانيت كل تلك الصعاب وأصبحت مطاردة من حرس المقبرة والأمن الإلهي وجميع من في السماء والآن تم التعميم عليك على كافة النقاط الحدودية لتقولي هذا الكلام!!! الفتاه: تصور... كل هذا لأقول لك أنا اكره أجدادك ومن أرسلهم ... لن استطيع الموت بسلام وتلك الكلمات عالقة في جوفي .. كلمات لم استطع البوح بها وأنا على قيد الحياة لأريح ضميري، أما الآن فقد أغُلق الكتاب وختم بالشمع الأحمر وتخلصت من جميع قيود أجدادك السلف والخلف الصالح وأصبحت حرة . قلت: انك تتحاملين كثيراً على أجدادي فما قدموه عبر التاريخ من بطولات وتضحيات لإخراج الناس من الظلمة إلى النور... الفتاه : يا ريت تركونا في الظلام يا أخي اشرف مئة مرة من النور الذي أخرجونا إليه! قلت: المفروض أنك من الشاكرين بعد أن أعادوا للمرأة كرامتها ومكانتها في المجتمع! نظرت إلي والشرر يتطاير من عينيها وتقدمت نحوي بخطى سريعة، عندها شعرت بالخطر وبدأ قلبي يرتجف وتضاعفت نبضاته، فما كان مني إلا الإسراع بتذكيرها بوعدها... الفتاه: أية كرامة وأية حقوق تتكلم عنها؟ ... إذا كانت الواحدة منا محاصره في المنزل والعمل والشارع، لا تستطيع التعبير عن نفسها ومكنون صدرها وضعتم القيود والسلاسل بأيدينا وأرجلنا وقلتم لنا انطلقن!! لماذا الرجل لا يعيبه العيب؟ وكل زلاته مغفورة؟ قلت: عزيزتي الجواب بسيط، في مفهومنا المفتاح الذي يفتح جميع الأقفال يسمى- ماستر كي- هذا هو الرجل. أما القفل الذي تفتحه جميع المفاتيح لا حاجة لأحد به وهذه هي المرأة. هذه المرة اعتقدت إنها لا محالة ستنكث الوعد بعدما رشقتني بنظراتها الغاضبة لكنها والحمد الله التزمت به مرة أخرى. الفتاة: الأقفال التي أغلقت عقولكم صدأت مُنذ قُرون وهي بحاجة إلى كسر لا مفاتيح، وما دمتم تعتقدون اننا أنصاف الرجال بالشهادة والميراث... وأنا لا اعترض، إذن لماذا لا يكون لنا نصف ما للرجل في الزواج فيكون لزوجتك زوجان ولها نصيب بخمسة وثلاثين من غلمان الجنة.... انتفضت من مكاني كثور هائج مائج واندفعت نحوها بكل عزيمة وإصرار محاولاً الإمساك بها لكنها اختفت فجأةً وتفقدت المكان من حولي فلم أجد لها اثر فتناولت كوب ماء كان على المنضدة ورشفت منه رشفة وإذا بصوتها خلفي تقول: الحقيقة بعض الأحيان مّرة ولا بأس بقليل من الماء حتى تخفف حدة مرارتها .... هل احضر لك ليموندا؟ التفت إليها وقلت: لقد تماديت كثيراً ... انتهى الكلام بيننا رجاءاً عودي إلى قبرك لا أريد أن اسمع منك المزيد. الفتاة: أنا لم انتهي بعد من كلامي، أرجوك اسمعني أنا لا أسعى لنفسي فقد مت وانتهى أمري لكن هناك من يعاني يصرخ ويستنجد فمد له يد العون والمساعدة. قلت: ما هي قصتك وماذا تريدين مني تحديداُ؟ الفتاة: اسمع قصتي أولا لتعرف ماذا أريد. بدأت حين أحببت شاباً تعرفت عليه صدفة في الكلية رغم حقدي على جميع الرجال بعدما عايشت معانة أمي مع أبي التي لم تقتصر على الإهانات والشتائم بل تعدتها إلى الضرب باليدين والعصا وحين طلقها لم يدري أحدا ما هو سبب الطلاق. هذا العنف حتى لو اختلفت أنواعه وأشكاله كانت السمة السائدة داخل مجتمعنا فكان أكثر ضحاياه الأطفال والنساء والجلاد هو الرجل، لذلك قررت عدم الزواج كي لا أنجب ظالماً أو مظلومة. لكن الحقيقة لم استطع منع نفسي ومشاعري من حب ذلك الشاب، ما زلت أتذكر أول يوم كيف جائني مسرعاَ وقدم لي وردة حمراء وقبل أن أتفوه بكلمة لاذ بالفرار فقد تبعه حارس الحديقة مهدداً متوعداً، تلك الوردة كشفت ذاتي ومشاعري وأخرجتني من عالم الكآبة والاضطهاد إلى عالم آخر جميل شعرت أني الأهم والأجمل وزادت ثقتي بنفسي، لا اعلم كيف تغير العالم من حولي وكيف تغير كياني أصبحت أحب جميع الناس وأغفر لكل من أساء إلي حينها شعرت بمعنى الحب وماذا تعني المحبة، عشت ذلك الحلم الوردي بضعة شهور وأيام. وحين اكتشف أبي علاقتي بذلك الشاب انهال علي بالضرب والشتم وهو يصرخ: بنات أخر زمن ... ما عنا بنات تحب!!! منعني من الخروج وبقيت حبيسة المنزل ولا احد يزورني، وكنت يومياً أمني نفسي أن ألقاه لدقائق أو لحظات لأقول له أني على العهد باقية. لكن كل تلك الأماني ذهبت أدراج الرياح حين وافق أبي على تزوجي من قريب له رغم انه متزوج ولديه ثلاثة أطفال بالطبع دون استشارتي، برأيه كان هذا الحل الأمثل للستر علي!!!. ألا يكون العقاب على قدر الذنب؟؟ وهل أذنبت فعلاً حتى استوجب العقاب؟؟. لم يكن قرار الرفض أو القبول بيدي فذهبت إلى بيته ذليلة مكسورة القلب والوجدان. لم أشأ أن أبدء الحياة مع زوجي وقلبي ما زال معلقاً بشخص أخر، صارحته بحقيقة مشاعري وطلبت منه أن يمهلني بعض الوقت ويساعدني كي أنساه. لكن على ما يبدو قرعت الباب الخطأ وقبل أن انهي كلامي معه انهال علي بالضرب والسب والشتم وطردني خارج المنزل وأغلق الباب، فعدت إلى منزل أهلي اطلب العدل والإنصاف، لكن الحال في منزلنا كان اظلم بكثير فقد استقبلني أبي بالسب والشتم والضرب ولم تقوى زوجة أبي بمنعه عني وكان كلما أراح نفسه قليلاً ازداد شراسة وهو يصرخ لماذا عدتي؟ ماذا فعلتي؟ ثم تناول سماعة الهاتف وخاطب زوجي ودار بينهم حديث لا اذكر منه شيئاً سوى نهاية الحديث عندما سقطت سماعة الهاتف من يد أبي وهو يردد ابنتي عاهرة، صرخت على الفور أبي أرجوك اسمعني لا تصدق.. لكن لا احد يريد أن يسمع مني فكانت تلك أخر كلماتي شعرت بعدها إنني اسقط في بئر عميق ليس له قرار وأنا أمد يدي طالبة النجاة وعيناي تراقب بقعة ضوء أخذت تتلاش شيئاً فشيئاً حتى اختفت ومازلت اصرخ أبي أرجوك... أرجوك اسمعني... توقفت عن الكلام وجلست على الكنبة ووضعت رأسها بين كفيها وأخذت تمسح الدموع التي انسكبت على خديها، كنت اجلس على الكنبة المقابلة مرتبكاً ابحث عن كلمات تواسيها وتخفف من ألآمها فكرت أن اعتذر منها لكن هل تكفي كلمة آسف؟؟ وهل تعيد لها ما قد خسرت؟؟؟ فكرت أن أقدم لها بعض المناديل لتمسح دموعها لكن لو مسحت ما سقط ما الذي سيوقف الدموع التي بعينيها؟ وبينما أنا غارق في التفكير اقتحم المكان رجل ضخم بشع المنظر وهو يصرخ أين هي؟ أين هي؟ ثم توجه نحوها وامسك يدها وجذبها بقوة نحوه حتى أسقطها أرضا ثم عاد من جديد وأمسك شعرها وجرها خارج المنزل وهو يصرخ: كيف تخرجين من القبر دون محرم؟؟
#سالم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيخ وخوري وحاخام ...وحوار الأديان مع سالم النجار
-
اجدادي الأنبياء... النبي والديمقراطية
-
اجدادي الأنبياء... النبي الأمين
-
اجدادي الأنبياء... النبي والضباع
-
اجدادي الانبياء....مولد نبي
-
قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الخامس والأخير
-
اجداد سالم النجار......الجزء الرابع
-
معاً للدفاع عن حقوق حور العين.........
-
قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الثالث
-
قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الثاني
المزيد.....
-
الزاوية اللؤلؤية.. قبلة المبعدين عن المسجد الأقصى
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|