أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - رائحة الموت ما زالت ترافقني














المزيد.....


رائحة الموت ما زالت ترافقني


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 02:21
المحور: الادب والفن
    




كان اليوم هو السادس عشر من سبتمبر....ما زلت أذكره جيدا...كنت قد خرجت من مخيم شاتيلا ليلا باتجاه الفاكهاني بعد استدعاء الرفاق لي...كان الاسرائيليون قد احاطوا ببيروت ونخروا شوارعها كالسوس وبدأوا حملات اعتقال وتفتيش بمعونة المقنعين...خرجت حتى لا أعتقل بعد أن وشى صاحب البيت عني للحاجز الاسرائيلي/الكتائبي ،والواقع على مدخل المخيم مزودا اياهم بهوية عسكرية تحمل صورتي وكان قد استولى عليها مع كل ما احتواه المنزل من امتعة بعد أن غير قفل الباب مستقويا بالاحتلال المجنزر.
خرجت في الصباح الباكر من منزل جدتي الواقع في الزاروب نفسه...ودعتها هي وجدي على امل لقائهم ليلا...لم يكن يدور بخلد اكثر المتشائمين منا أن الاحتلال سينكث بوعوده لفيليب حبيب والتي على اساسها غادر المقاتلون بيروت...وبقينا نحن/بضعة افراد مدنيين مع العجائز والنسوة والاطفال لانجاز الخدمات الاجتماعية والاغاثية لما تبقى من سكان المخيمات شبه المدمرة...
كنا في الايام السابقة متعبين من كثرة ما تنقلنا بين شاتيلا وصبرا والداعوق وبرج البراجنة ومار الياس واماكن المهجرين في الحمراء والروشه والاسواق...سالكين طرقا التفافية حتى لا يمسكنا جنود الاحتلال المتمترسين وراء حواجزهم أو المزودين بقوائم وعناوين يتم مداهمتها بصحبة المقنعين...
خرجت يومها الى شقة صغيرة مجاورة للمخيم لكن رائحة الموت كانت تحوم حول المخيم وفي الازقة...كان الكثير يتوقع اعتقالات وحمل من يقع في ايديهم باتجاه معسكر انصار...لكننا لم نتوقع أن تمتد يد القتلة بسكين باردة لقتل الاطفال والعجز والمدنيين...
منذ الصباح الباكر احاطوا بالمخيم من كل حدب...كل من كان يخرج كان يعتقل وينقل باتجاه المدينة الرياضية على اطراف المخيم...كانت حواجزهم لا تسمح حتى لنملة ان تمر....عندئذ فهنا ان امرا كبيرا يجرى التحضير له...لكن السيف كان قد سبق العدل ولم يعد بالامكان فعل شيء...لم يكن في المخيم سلاح الا بضعة مسدسات ...كله قد تم اخراجه تحضيرا لمرحلة الاحتلال القادمة..حتى الشباب غادر معظمهم خاصة من كان له علاقة بالمقاومة وتاهوا في حواري بيروت...
ما ان هل المساء حتى فلت القتلة من عقالهم دون رقيب او حسيب36ساعة اتموا فيه مجزرتهم ...الحارات الاولى لم يتركوا فيها حيا حتى الرضع لم ينجوا من الجزارين والقتلة...مثل بالعديد من الجثث واغتصبت العديدات من الفتيات...اما الشباب فقد رحلوا حيث اعدموا بدم بارد او دفنوا احياء في حفرة ضخمة كانت البلدوزرات قد حفرتها على عجل....في الحارات الخلفية المطلة على مستديرة المطار تم الشيء نفسه...قتل بدم بارد....
لم ندرك حجم ما تم الا صباحابعد ثلاثة ايام حينما انسحبوا فجأة وحضرت اول صحافية وهي مذهولة لتخبرنا انه لم يبق احياء في صبرا وشاتيلا ...الجثث تملأ الحارات والزواريب والبيوت...الجميع ما بين قتيل او مفقود او مثخن بالالام من جراحه....كفر قاسم القرن العشرين...ابادة جماعية لمدنيين لا ذنب لهم الا انهم فلسطينيون او فقراء لبنانيون لم يكن لدى القتلة وقت لفرز الضحايا ....اعتبروا الجميع لاجئين يجب ترحيلهم الى الرب والخلاص منهم...
حين دخلنا المخيم الساعة الثامنة من حارات فرعية كان المنظر مرعبا...لقد تجول عزرائيل بين العزل بوحشية وسادية...جثث يغطيها الذباب وسط برك من الدماء...جثث نهشتها كلاب مسعورة اطلق لها العنان...نساء حوامل بقرت بطونهن ورمي بالاجنة بالقرب منهن....اطفال قتلوا بدم بارد في الازقة...منهم من قتل بجانب امه او اخته ومنهم من قتل بعد ان عري بالكامل....نساء عذبن واغتصبن قبل اطلاق رصاصات الرحمة عليهن....
من دخل منا المخيم انهار في اللحظات الاولى وبكى العمر كله فيما بعد ...لماذا لم نبق معهم لندفع القتلة عنهم....لماذا بقينا على قيد الحياة بعد ان ابادوا المخيمين ....
منذ ذالك اليوم لم تغب عن انفي رائحة الموت والدم في صبرا وشاتيلا...للموت رائحة لا يعرفها الا من كان في ميدان القتل والابادة ذاك المسمى خطأ صبرا وشاتيلا....
لم يصدق أحد أن القتلة قد احتسوا الانخاب فوق جثث الضحايا....عام جديد والضحايا يئنون والقتلة ما زالوا طليقون دون حساب ...عام جديد ولم يسامحني جدي أو جدتي لتركهما تلك الليلة يواجهان عزرائيل وحدهما ...ورغم نجاتهما من المذبحة الا انهما لم يسامحاني حتى مماتهما وربما حتى الان.....



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد العالم /وهم دفين
- شخص اخر
- بارد كسمكة
- دونكيشوت‏/تقاسيم مجنون
- غواية طابعة /اقصوصة
- الشهيد/القاتل-قصة قصيرة
- شهريار يتحدى موسوعة غينيس/قصة قصيرة
- همسات عاشق مجنون
- حصان ابيض/قصة قصيرة
- رعب/قصة قصيرة


المزيد.....




- دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في ...
- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - رائحة الموت ما زالت ترافقني