|
التعنيز: وإفلاس إعلان دمشق
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2982 - 2010 / 4 / 21 - 22:00
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
منطق إعلان سورية، والمعارضة السورية اليوم يقول: لا مانع أن يعلن إعلان وطني وديمقراطي عن هويته الفئوية بمناسبة قرب سقوط النظام، ولكن لا يجوز لأحد أن ينتقد هذه الفئوية، حتى من منظور وموقف علماني ويساري بحت، فسره البعض كما يحلو لهم، فالإقصاء يصل بالبعض حد الاستكثار على "بعض" بعينه حق الكلام وتجريده من حق الكلاام. بالأمس أعلن هيثم المناع، وليس نحن، عن حقائق مرعبة تمس جوهر وتركيبة وخلفية هذا الإعلان وارتباطاته المرعبة، ومع ذلك يصر البعض على التعامل مع هذا الإعلان على مبدأ عنزة ولو طارت في فقه جديد وتيار سياسي وفتح ثقافي يمكنني أن أطلق عليه تيار "التعنيز"، أي التعامل مع الواقع من مبدأ عنزة ولو طارت. ولا يريد لا التراجع ولا الاعتراف بالخطأ التاريخي والخطوة الكارثية التي خطاها هذا البعض وفي تلك الظروف الجيوسياسية المعقدة والإشكالية التي كانت سائدة، والتي كانت ترتبط بجوهر الوجود الوطني. مبروك للإعلانيين مدرسة التعنيز التي تحسب لهم، وربما هذا هو المكسب الوحيد الذي جنوه من وراء هذا الإعلان المشبوه الذي لم يبق فيه سوى قلة قليلة لا تساوي أصابع اليد الواحدة، ولكن المدرسة التعنيزية، إياها، تراهم، وبمنظورها، ربما أكثر من ذلك بقليل.
لقد أثار مقالنا عن إفلاس إعلان دمشق موجة عارمة من التعليقات الغاضبة، نترفع عن الرد على معظمها لعدم احتوائها على ما يثير الرد اللهم احتواؤها على كم من التحقير والسباب وهذا ينم عن عجز وضعف وهزال فكري أكثر من أي شيء آخر، وبدا كثير منها أنه كتب بقلم ونفس واحد وموقف واحد، يعكس الحال الذي وصل إليه البعض من الحرج. والمؤسف أن الكثير من تلك التعليقات لم تناقش فكرة المقال بقدر ما انهالت سباباً وشتائم وخرجت عن الطور وعن اللياقة في كثير من الأحيان، وكنت أصر على نشرها جميعا، وتعلم إدارة الحوار والتحرير، بإمكانية حذف الكاتب لأي تعليق، ولكن كان الإبقاء على تلك التعليقات حتى تلك الخارجة عن اللياقة والأدب العام لأنه في صلب إستراتيجيتنا في تعرية هذا الإعلان وتبيان مستواه الفكري والثقافي والأخلاقي والشخصي للبعض، ولمن يقال بأنهم تعاطون بقضايا شأن عام، وممن يقولون لنا بأنهم رسل التحرير والديمقراطية والتغيير في سوريا. فإذا كان هذا هو المستوى الحقيقي لبعض ممن يلوذ بهذا الإعلان المريب فإن النظام يبدو بحق جنة حقيقية أمامهم، وأكرر وأشدد يبدو كجنة، لاسيما أن الفضائح المالية والأخلاقية والفكرية والوطنية تطغى على بعض الإعلانيين ومواقفهم وسلوكياتهم ومن شخصيات في المعارضة ذاتها، وفي ذات الإعلان وأحيلكم للتصريحات الأخيرة للمحامي هيثم المناع، وتصريحاته الواضحة لقدس برس عن تمويل خارجي لبعض ممن ينسبون أنفسهم للإعلان، وسط صمت مريب من قيادة الإعلان، على ما يبدو بسبب درجة الحرج الكبير في الرد وثبوت "التهمة" وعدم القدرة على إنكارها.
وبكل الأحوال، كنا وما زلنا نقول بأن ذلك الإعلان لم يبلغ ولم يرتق للمعاير العلمانية والحداثية والفكرية والتنويرية واليسارية التي نؤمن بها، والتي كنا وما زلنا نرنو إليها جميعاً ،ومن هنا كان موقفنا المبدئي من الإعلان الذي بدا وكأنه يبشر بدولة الخلافة، وللأسف فقد صاغ تلك الفقرة أحد المراكسة-القوميين وكان محسوباً بشدة وبقوة على النظام وأحد كبار أعمدته الأمنيين. فإقحام فكرة إشكالية وخلافية حول إقامة دولة الخلافة في دولة سمتها التعدد والثراء الثقافي والعرقي والديني، والإشارة الفاقعة إلى لونيته، وتحديه لبقية المكونات السورية في ذلك الزمن العصيب لاعتقاد الإعلانيين في تلك الفترة أن النظام قاب قوسين أو أدني من السقوط، وصار كل "مناضل" ومتمركس سابق يغازل التيار السلفي لاعتقاده بأنهم البديل الوحيد للنظام، وتلك الفقرة كانت هي سبب موقف كثيرين من ذلك الإعلان المريب. ولو كنا في وارد استغلال وركب الموجة، كما فعل مراكسة وليبراليون وقوميون ومستقلون، لوقفنا مع الإعلان، وليس ما بدا أنه مع "النظام"، الذي كان يبدو للجميع أنه في حكم الزوال، ولن يتبقى له أكثر من ثلاثة أشهر حسب التصريح الشهير للمنشق الكبير، والشجاعة والتحدي تجلت في الوقوف في صف الوطن وضد الإعلانيين، في ذلك الوقت وتحديهم وتحدي إعلانهم في ذروة فورتهم واندفاعهم وغرورهم السياسي، وليس العكس. ولو كان هناك أية مواقف ملتبسة، أو حسابات للربح والخسارة، وكما فعل البعض في ذلك الحين، لكان الموقف يقتضي، وحتماً، الوقوف مع الإعلانيين وليس مع أحد غيرهم؟ مع العلم بأننا كنا خارج سوريا في حينه وعلى مبعدة آلاف الأميال من أقرب فرع أمني، ولا تقدر أية قبضة مخابراتية ومهما قويت أن تنال منا.
المهم. ما علينا. نكرر ما قلناه في مقالنا السابق، الإعلان لم يفلس، وليس بمقدوره حتى الإفلاس، ولا يمتلك حتى شرف الإفلاس، فهذا يعني أنه كان لديه شيئاً ما في يوم من الأيام، ولكن التجربة والأيام، ومضمون الإعلان ذاته، تنبؤنا بأنه لم بكن بنطوي، أو يمتلك أي شيء على الإطلاق. هذه هي الحقيقة المرة، سواء رضي أو قبل بها البعض أم لا؟ وسواء كانت الحقيقة مؤلمة وجارحة، بقدر ما هي صاعقة، على الدوام، وهذا يفسر ذلك الحجم الكبير من التشنج والاكفهرار والاحتقان. والمطلوب، في مثل هذه الحالات، حالة الهزيمة والمرارة والانكسار الهدوء، وقليل من التروي، وأخذ الحكمة والعبرة والتعلم وليس الثرثرة والانتفاضة والهراء، واجترار الكلام الفارغ الذي لا يجلب إلا مزيداً من الهم ومزيداً من البلاء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دول الخليج ومخالفة شرع الله
-
الزيدان الفهلوي: وتصابي الشيخ الماضوي
-
هل أفلس إعلان دمشق حقاً؟
-
هل ينتهي الإرهابي الدولي أحمد موفق زيدان إلى غوانتانامو؟
-
سكاكين أحمد موفق زيدان ودعواته العلنية للتطهير العرقي
-
مطلوب القبض على وزاراء االتربية والثقافة العرب بسبب إعدادهم
...
-
أحمد موفق زيدان على خطى أحمد منصور: زيدان يدعو لإبادة طائفة
...
-
لماذا خسر العرب معركتهم الحضارية؟
-
رسالة إلى السيد مدير المصرف العقاري
-
إهانة التاريخ العربي: رد على قيادي إخواني
-
فعاليات حقيقية لمهرجان الثقافة العربية
-
يا عيب الشوم يا كاجينسكي
-
شاهد على العهر
-
الهجوم على الإسلام
-
إخوان سوريا ونصرة المنصور
-
ماذا تنتظرون من مؤذن في مساجد دبي؟
-
يوم في حياة الرئيس مبارك
-
أوربة ديار الإيمان
-
تهنئة للأخوة المسيحيين بأعياد الفصح المجيد
-
هل بدأت الحرب على أسلمة أوروبا؟
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|