عادل كنيهرحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2980 - 2010 / 4 / 19 - 20:11
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الجزء الثالث
العراق لايختلف عن بلدان العالم الاخرى ,فقد عاش فترات من تاريخه القديم والحديث ,حالات من ذعر الحروب والصراعات الاجتماعية , الا ان الفترة التي تلت ثورة 1920 وحتى قيام ثورة 14 تموز المجيدة كان العراق يعيش خلالها رغم الصراعات مع المستعمر البريطاني , حالة من التعايش الاجتماعي السلمي ,حيث لم تشهد البلاد صرعا دمويا يؤدي بارواح ألآف البشر , وحتى ان الحكومات وقتذاك لم تصادق على حالات اعدام لمواطنين عراقيين ,الا بحدود افراد لايتجاوز عددهم اصابع يدي شخص واحد , واكبر حادثة اعدام لسياسيين كانت عام 1949 لزعيم الحزب الشيوعي العراقي سلمان يوسف ومحمد حسين الشبيبي وزكي بسيم عضوي المكتب السياسي ,بل ان الثورة في 14 تموز رغم كونها عملية تغيير كبرى لنظام الحكم في العراق لم تتجاوز ضحاياها الثلاثين شخص وبعض الضحايا , قتلتهم الناس دون توجيه من قيادة الثورة , ولكن الارهاب في العراق اطل بوجهه البشع بشخص حزب البعث ,حتى اصبح الارهاب مقرونا بحزب البعث وحزب البعث مدموغا بألارهاب , بطبيعته وسلوكه السياسي العام . وذالك على مدى القرون الاربعة الاخيرة من تاريخ العراق الحديث . حيث افتتح البعثيون ارهابهم بشق الصف الوطني , وخلق العداواة بين قيادة الثورة ,وذالك من خلال تلحفهم بعباءة القومانية والتفافهم حول عبد السلام عارف وتحريضه على الانقلاب على قائد الثوره عبد الكريم قاسم , ولم يسمعواالتحذيرات التي كان يوجهها الزعيم لعبد السلام عارف من مغبة السير في هذا الطريق , ولم يكتفي البعثيون بخلق حالة الريبة والخوف ,حتى وصل بهم الامر الى تمزيق القران الكريم , واتهام الشيوعيين بذلك كما يقول احد كوادر البعث القدامى الاستاذ حسن العلوي في مقابلة تلفزيونية مع قناة البغدادية , ثم حاولوا اختيال قائد الثورة التي انتزعت العراق من براثن الاستعمار البريطاني , وذالك في شارع الرشيد , الامر الذي احدث شرخا في الوحدة الوطنية ,مما فسح المجال لرجالات الحكم الملكي والاقطاعيين الذين لهم علاقات طيبة بالمخايرات الانكليزية والامريكية واعداء الثورة في الخارج ان يتحالفوامع البعث ,للقضاء على الحكومة الوطنية , وتم لهم ذالك , حيث اسقطوا الحكومة التي انبثقت عن ثورة تموز الخالدة . وبعدها اعترف قائد حزب البعث في العراق صالح السعدي بأن حزب البعث وصل الى الحكم بقطار امريكي .
وبعد ان تسلم البعث السلطة ,ضاعف اساليب ارهابه ,حتى امسى الارهاب هو السبيل الوحيد في التعامل مع الرأي الاخر , الحال الذي تجلى في ابشع صور القتل الاعمى للشيوعيين العراقيين ,حيث استشهد منهم اكثر من خمسة ألاف ,بعد تعذيبهم اقسى انواع العذاب , ومنهم اعداد كبيرة ماتوا تحت التعذيب , واولهم زعيم الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل ورفاقه في المكتب السياسي وقائد ثورة 14 تموز الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم , وكوكبة لامعة من الضباط الاحرار , منهم جلال الاوقاتي وعبد الكريم الجدة وفاضل عباس المهداوي وماجد محمد امين ووصفي طاهر وغيرهم , وبعد ان قتلوا الاحرار من رجال الثورة , امتد ارهاب حزب البعث ليشيع الهلع في نفوس العراقيين , ويعيث فسادا وقتلا وترهيبا , واستباحة للاعراض , بحيث لم تعد السجون تستوعب افواج المعتقلين حتى استخدمت سلطة البعث الملاعب الرياضية وبعض البيوت للقتل والتعذيب , حتى وصل عدد المعتقلين من الشيوعيين فقط اكثر من 27 الف معتقل , عانوا شتى صنوف التعذيب , على ايدي قطعان الحرس اللا قومي .سئ الصيت ,الذي تنسب له كل المؤبيقات من قتل وتعذيب المواطنين الى الاعتداء على الاعراض وترهيب وبتزاز عوائل المعتقلين واخذ الرشاوي منهم...
ويمكن القول ان حزب البعث طور اشكال ووسائل الارهاب , حيث مارس اساليب القتل والتعذيب , من تقطيع الاطراف وقلع العيون والاسنان وثرم البشر حيا في ماكنة ثرم كبيرة ينتهي اللحم والعظام المثرومة الى حوض ملئ بالاسماك , الى رمي الانسان حيا في حوض من التيزاب , الى وسائل اخرى تحمل بأ متياز ماركة حزب البعث , مثل اغتصاب اخت او أم اوزوجة اوابنة السجين امام عينيه , او قتل الطفل امام امه السجينة ..الى اخرالاساليب التي لايمكن للعقل ان يتصورها . ويمكن للقارئ الكريم ان يتعرف اكثر على بشاعة ارهاب حزب البعث لو تمكن من الحصول على كتاب { ألمنحرفون } الذي صدر بعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين بعد 9 اشهر من ارهاب منقطع النظير ورعب لم يشهده تاريخ العراق الحديث . لذلك منع حزب البعث تداول الكتاب بعد عودتهم للحكم عام 1968 لانه وثيقة ادانة صارخة لجرائم قطعان مليشيا البعث المسمات {الحرس القومي } حيث يشير الكتاب الى نماذج لوقائع التعذيب ,لايمكن للقارئ الغيور على شعبه ووطنه الا ان تملئ وجهه الدموع عندما يسترسل في قرأة ذلك الكتاب .
وبعد ان سقطت حكومة الارهاب والرعب البعثي , عادوا يتأمرون وشكلوا {جهازحنين} بشع الذكر ونصبوا صدام بعد ان احسن في تعذيب المناضلين في هيئة التحقيق التي يرأسها ويساعده في عضويتها حسن العامري وأخرين وكان ابن خالي الذي خرج شبه ميت من تلك الهيئة التي كان مقرها في البيت الابيض قرب ساحة الاندلس . وفعلا اجاد جهاز حنين في الاغتيالات . رغم ان عبد السلام عارف مات في حادث تحطم طائرة ,واخلفه في الحكم اخيه عبد الرحمان عارف , التي كانت ايام حكمه هادئة , الا ان حزب البعث سادر في غيه , الذي يتجلى ارهابا وتامر , حتى تكلل تامر البعث بالاتفاق مع عبد الرحمن الداود وعبد الرزاق النايف والذين هم حماة الدولة , بأسقاط حكومة عارف ,وبعد طرد عبد الرحمن عارف من الحكم , غدرالبعثيون بمن اوصلوهم للحكم وطردوهم بعد 13 يوم فقط , وسموا ذالك اليوم 30 تموز1968 ثورة التصحيح . وبعد عودتهم للسلطة , كرسوا هاجس فقدانهم الحكم في1963 حيث جعلوا من هذا الهاجس دافعا قويا للدفاع عن وجودهم في السلطة , واعتبروا كل السياسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , الخارجية منها والداخلية خاضعة اولا واخيرا لدرجة تثبيتهم في الحكم , وكل اعتبارات الوطنية مثل السيادة والاستقلال والكرامة ومصالح الشعب والوطن , والامة العربية وغيرها , كلها خاضعة لذلك المبدأ (تثبيتهم في الحكم ) , وبناء عليه قمعوا بوحشية كل القوى الوطنية , والحركة الكردية , وهجروا ابناء العراق من الكرد الفيليين , واستخدموا بذالك انواع واشكال الارهاب ,التي يجيدونها من تجاربهم السابقة , واخرها دفن الجموع من البشر الاحياء, اطفال ونساء وشيوخ , في قبور جماعية , يندئ لرؤيتها جبين اجبن الجبناء , ولم يكتفي ايتام هتلر بهذا الارهاب الاسود , وانما دفعوا الشعب الى حروب عبثية ,راح ضحيتها مئاة ألاف القتلى والجرحى والمعوقين , وملايين الايتام والارامل , حتى غطى ليل الارهاب البهيم كل مناحي حياة المواطن العراقي وبات المرء يخاف من ضله , ووصل الامر الى ان العراقي يخاف على نفسه من وشاية اطفاله , ولم يستطيع حتى التمتع بأحلامه , التي يرى فيها زوال كابوس النظام , وقد كان في سجون النظام اناس سبب سجنهم انهم رأوا حلما يموت فيه صدام حسين . وهكذا يتراكم عذاب العراقيين من ارهاب الدولة التي يقودها البعث , وهو ارهاب دون رادع , وعليه فقد افسد ارهاب البعث ,حياة المجتمع العراقي عموما وخصوصا الجانب الاقتصادي الذي عبث به الحصار الاقتصادي , والذي كان بأمكان النظام تفاديه بالقبول بمقترح النفط مقابل الغذاء , والذي وافق عليه بعد اعوام من المأساة , ولم تنتهي بشاعة الارهاب عند الحروب , وانما تفاقمة في الهجوم على شعب كردستان في عمليات الانفال سيئة الصيت ,التي زاد عدد ضحاياها عشرات الاضعاف على ضحايا جريمة قصف مدينة حلبجه بالسلاح الكيمياوي المحرم دوليا في الحروب ,حيث قتل اكثر من خمسة الآف امرأه وطفل وشيخ بضرف 25 دقيقة من الوقت . غير عشرات ألاف المصابين والذين يعانون حتى الان من العمى , ثم كرر مأساة القصف بالسلاح الكيمياوي لقرية زيوه ,التي كانت تحتضن المقر الرئيسي لمقاتلي الحزب الشيوعي العراقي في منطقة بهدينان, ومقتل واصابة اكثر من120 نصيرة ونصير ,ومن بين المصابين كاتب الحروف ,والمؤلم ان الظباط الطياريين الذين ارتكبوا المجزرة , والقوا السموم على مقر الشيوعيين ,قلدهم صدام انواط الشجاعة . ولم ينتهي ارهاب حزب البعث عند حدود العراق , وانما عبر الحدود ليروع الاشقاء من مواطنين الدول الشقيقة التي اعانته في حربه ضد ايران , حيث غدر بها في يوم اسود عندما زحف بدباباته على الكويت الجارة الشقيقة والبلد الصغير المسالم , ليحتلها ويشرد اهلها وينهب ممتلكاتهم ,دون ان يعرفوا ذنبهم , وعمل الانكا عندما اصر على البقاء في الكويت رغم تحذيرالكثير من محبي العراق في الخارج من عرب واجانب , وضل حتى هاجمته الجيوش
الدولية والعربية ,وراحت تقتل ابناء الجيش العراقي رغم انسحابهم , وكان قتل لمجرد القتل , بعدها جلس في خيمة صفوان ووقع على بياض للامريكان ليضع شؤون العراق بيد الامم المتحدة من خلال توقيعه على القبول بوضع البلاد تحت مقتضيات البند السابع . بعد ان خسر المعدات العسكرية لثلاثة فيالق وألآف الشباب من الجنود والضباط بين قتيل وجريح , وامتلئ محيى العراق بالحزن والدماء , وعشعش ارهاب البعث في كل مناحي حياة العراقيين , حتى جعل الشعب لايعير الاهتمام لدبابات الاحتلال وهي تسير في شوارع بغداد . اما اعضاء حزب الارهاب فقد لاذوا بالفرار في اول الغيث ,وأولهم القائد الضرورة . ولم يصدق ناس العراق بأن الارهاب وحزبه , قد ولى دون عودة , ولكن هذا المنظمة الغارقة في الارهاب التي تسمي نفسها (حزب البعث ) في العراق ,وبدلا من ان يعترف بجرائمه ويطلب العفو من الشعب العراقي , ويقدم نفسه بثوب اخر , راح يتبجح بماضيه وكعادته استمر بتسمية الجرائم مناقب والخسائر انتصارات ... ويتمسك بخطه السياسي المشئوم , واعلن نفسه قائد المقاومة ,ووضع نفسه وعوائل اعضائه ملاذا للارهاب حتى كأن لسان حاله يقول ان الارهاب هو طبعي وعقيدتي سواء كنت حاكما او محكوما , ثم اسكن قطعان القاعدة في بيوت اعضائه بعد ان جهزهم بالمفخخات وحدد لهم الاهداف , وهنا اظهر البعث ان الارهاب هو ليس اسلوب لحماية السلطة التي كان يحكمها وانما هو طبيعة متأصلة في الفكر وطريقة التعامل السياسي , وذلك عندما انتقل بممارسة الارهاب من ارهاب الدولة الى زمر ارهابيه تروع العراقيين كل وقت ,وسيضل هذا الارهاب مستمرا ما برح حزب البعث في العراق , لان هذا الحزب ادمن على الحكم بأسلوب ارهابي وايضا بنفس الاسلوب في المعارضة , كون غايته هي الحكم , ومن اجل الحكم كان حزب البعث في العراق مصدر الارهاب طيلة العقود الاربعة الماضية وما زال وسيضل السبب الاول والاخير , وما لم ينتهي حزب البعث في العراق كتنظيم سياسي , بعد ان انتهى كمنظومة افكار ,عندما لم يعلن الوحدة مع مصر التي كان ينادي بها ايام حكومة قاسم , والاشتراكية فقد جسدها عمليا باالاستيلا على ممتلكات الدولة ومصادر ثروة البلد . اما الحرية فقد عبر عنها بما مر ذكره من ارهاب اسود طيلة العقود الاربعة التي كان خلالها في الحكم او في المعارضة . فمن هو هذا الحزب الكارثة , هذا ما سيجري الحديث عنه في قادم الكلام .
عادل كنيهر حافظ
#عادل_كنيهرحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟