أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - الشق














المزيد.....

الشق


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 2977 - 2010 / 4 / 16 - 14:40
المحور: الادب والفن
    



يعلِّقُ رداءهُ الصيفيَّ في نفسِ المكانِ منذُ أن سَكَنَ هذا البيت قبل ثلاثةٍ وعشرينَ عاماً، لم يكُن ذلك يحملُ أيَّ معنىً فلسفيٍّ، ولم يكُن لهذا الفعلِ ارتباطٌ بذكرياتٍ قديمةٍ، فقط، كان هناكَ شقٌّ واسعٌ في الحائطِ، عندما بدأت حكايتهُ بدا وكأنه مُصَمَّمٌ بمساحةِ الرداء ذاتِها، فهو لم يكن يرتديه أبداً على أي حال.

في البدايةِ، أي قبلَ ثلاثةٍ وعشرين عاماً تقريباً، كانت المشكلاتُ الخاصّةُ بالشِّقِّ تتمثَّلُ في نملةٍ أو نملتين كان يعالجهما برشِّ الماء مع تأكُّدُهُ الجازمُ أنَّهما تستكشفان المكان من أجلِ جيوشٍ مخبّأةٍ في ثنايا الشق، ولم يكن يهتمُّ كثيراً، إذ أن خططه لم تكن تتضمن الإقامة في هذا البيت للأبد، فأحلامه المستندة إلى اللاشيء كانت تغطي مساحةً بحجمِ كوكبٍ خياليّ، كانت تتضمنُ ما هو أكثر بكثير من بيتٍ مستأجرٍ في حارةٍ قديمةٍ يسكنُها الطلابُ المغتربونَ عادةً.

بعدَ زمنٍ بدأت الصراصيرُ أيضاً تطلُّ من الشقِّ وبعددٍ وافرٍ على الأخص حينَ تأتي الكهرباءُ فجأةً قبلَ أن تتمكَّنَ من الهروبِ إلى شقها الأثير، وبعد الصراصير التي عالجها بصعوبة بالغة بواسطة مبيدٍ قويٍّ غير متوفر في الأسواق، أحضره من مختبر الجامعة، جاء دور الزواحف التي لم يعرف الكثير من أنواعِها، وبدأت قدرتُهُ ورغبتُهُ في مقاومة الغزاة الجدد تذوي مع كل نوعٍ جديد إلى أن تعلّمَ مع الوقت أن يتعايش معها، وهي فهمت بالتالي أن مساحتها المسموح بها هي في محيط الشق فلم تحاول تجاوز القاعدة غير المكتوبة.

بالطبع ظهر جيل من هذه الزواحف لم يعترف بالقاعدة، ولم يعرفها أصلا، فأخذ في التجول بصفاقة في أنحاء الغرفة، بدايةً كان ذلك يحدث أثناء غيابِهِ عن الغرفة، أما بعد ذلك فقد أصبحَ الأمر طبيعياً بالنسبة لها وله، ولم يعد يكترث حتى حين لاحظ أحد أغلفة كتبه وقد تم قرضها بفنية عالية وتحدٍّ مطلق لسلطته على هذه الزاوية بالذات من الغرفة.

توسَّع الشق مع الأيام، وأصبح الرداء غير قادر على تغطيته حتى لو تم فرده إلى آخره، وقد كان يرى بوضوح ما كان يفعله ساكن الغرفة المجاورة، وكثيراً ما كان يتمنى أن يفعل نصف ما يفعله، لكن الجرأة كانت تنقصه لذا فقد أعطاه الشق فرصةً للمشاهدة لكن ليس للفعل بأي حال.

المرة الأولى التي دخل فيها أحد أطفال الجيران من الشق، قدم الجار اعتذارات سخية لجاره، مع وعد مؤكد بعدم تكرار المسألة، وفي المرة الثانية كان الاعتذار أخف لهجة، أما بعد ذلك فقد أصبح الرجل نفسه يأتي من الشق ليرتاح من صخب أولاده في الظهيرة، سواء كان ساكن الغرفة موجوداً أم لا.

الآن وبعد ثلاثة وعشرين عاماً، لم يعد هناك حائط على الإطلاق، وأصبحت الغرفة جزءاً من بيت الجار، وصار يشعر بنفسه ضيفاً ثقيلاً، فيضطرُّ لطرق الباب قبل أن يدخل إلى غرفته.

في زيارته الأخيرة للغرفة، والتي حدثت هذا الصباح، فتح له جاره الباب نصف فتحة، وقال وهو يقطر عرقاً: يمكنك العودة آخر النهار، فلسنا مهيأين لاستقبالك الآن.

12 نيسان 2010



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتذارات
- أو هكذا قالت الغيمات
- أعتقتها فمت مرتين
- بنتٌ في كتابِ الرّملْ
- هل تريدون معرفة ما حدث في غزة؟
- أبحث عن المدينة التي أعرفها
- وجوه أليفة
- معلمة الكمنجة
- فضة المكان
- ذاكرة قصيرة
- أبعد مما يحق لك
- المساء مساء
- كبرت وحدها
- الليل
- الريح في جنازة
- نصف قصيدة
- مرآة على الحائط المقابل
- عن اللغة
- الحواجز
- عن موت الإله الصغير


المزيد.....




- التمثيل السياسي للشباب في كردستان.. طموح يصطدم بعقبات مختلفة ...
- رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا ...
- فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - الشق