أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - (محمد رمضان الجبور(الصورباهري - تعيش انت















المزيد.....

تعيش انت


(محمد رمضان الجبور(الصورباهري

الحوار المتمدن-العدد: 2975 - 2010 / 4 / 14 - 18:52
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة


تعيش أنت …
فزع من نومه وهو يمد يده باتجاه المنبه اللعين وبعد محاولات عديدة تمكن من الوصول والاستدلال على تلك الصغيرة التي تقطع أوتار حنجرته و ترمي به في قيعان البحار المرة .

ينظر إلى الساعة المعلقة على الحائط من جديد تقفز عيناه من رأسه،يتذكر المدير الجديد يراه يتربع فوق الساعة ينظر إليه كقرد أضاع أمه ، يسمعه يصرخ … يتأفف من تأخر الموظفين يهدد..يتوعد،يزبد..يرغي..يثور وتضيع منه الكلمات والحروف بعد أن يأخذه التعب .
تخيفه نظرات المدير ، يتحاشاها ،يحاول ألا يتطلع في عينيه مهما كانت الأسباب ،لا يقوى على النظر و التحديق فيهما ،ينهض ،يعلم انه يجب عليه أن يمر في برنامجه اليومي الذي اعتاده بأسرع من السابق بكثير ، يقف أمام المغسلة ولكنه في هذه المرة لا يطيل الوقوف كالسابق ،فهو يعلم انه في عجلة من أمره وضياع الوقت ليس في صالحه .


ينظر في المرآة ، يرى مديره الجديد ، يقف يحرك يده وشفتيه ورأسه ، وجسده ، ويسمعه يقول :
 ألـك أولاد ؟؟
 . أربعـة يا سيدي.
 ألـك زوجة ؟؟
 واحدة يا سيدي.
 ألـك بيت ؟؟
 واحد يا سيدي.

إذن لماذا تصر على تدمير بيتك بيدك …. لماذا لا تكون كباقي الموظفين ، مطيع …تأتي إلى وظيفتك في الموعد المحدد دون تأخير


 سأكون واحدا من هؤلاء يا سيدي .
 إذن ليكن هذا الإنذار الأخير يا أستاذ عثمان.

يشرب قهوته وهو يرتدي ملابسه ، وكان قبل اليوم يشربها وهو ما زال في فراشه يتقلب من جهة إلى أخرى.
يحمل حقيبته الدبلوماسية ، فقد اعتاد إلا يخرج إلا بها حتى تجرأ أحدهم يوما
وسأله إن كان يشغل منصبا مهما في الحكومة أو ماذا فيجيبه وهو لا يلتفت إليه بأنه لم يبق في الحكومة مناصب تستحق الأهمية .

يرتب أموره وهو يتذكر وجه مديره الجديد وهو ينظر إليه بعينيه ويشد على الحروف وهي خارجة من مخارجها غير الصحيحة في كثير من الأحيان.

 الدوام مقدس يا أستاذ ، أنا لا أسمح بأي تأخير وهو لا يجد منه سوى هزة الرأس التي اعتاد عليها منذ كان طفلا ، يقف أمام والده وهو يوجه اللوم إليه أحيانا والأوامر في أحيان كثيرة ، ولم يكن يستطيع أن يفعل أكثر من أن يهز رأسه وراء كل أمر ، وفي مرات كثيرة وراء كل كلمة.


يغلق وراءه الباب بهدوء حتى لا تستيقظ زوجته وأولاده ،و يخرج لا يلتفت إلى شيء ،فقط ينظر إلى الساعة مرة وإلى الدرجات تحت قدميه مرة أخرى ،وقد
كان قبل اليوم يمضي بعض الوقت في عدها ،و يتمهل قليلا وهو يمر بجارته التي تتقن اختيار ألوان قمصان نومها كما تتقن الوقوف على الأبواب .

يستوقفه جار لهم كثير الكلام في وقت لا يرغب فيه الوقوف مع أحد ،فهو يعلم أن هذا الجار سيكون سببا في تأخره ،لكن جاره يصر على إيقافه ويطمئنه بأنه لن يأخذ من وقته كثيرا .
ويحاول أن يشعره المرة تلو الأخرى بأنه في عجلة من أمره ،لم يعد وقته صباحا يسمح له بالتحدث مع أحد ،والآخر يصر على انه لن يأخذ من وقته كثيرا.

كان يمعن النظر في وجه جارهم الذي كان يشبه وجه مديره كثيرا … الخالق … الناطق … الملامح الساخنة … الجبين المقطب … التهاون بالآخرين العينان … عينا مديره الأنف … انه هو … صرخ في داخله ، يقف في طريقه ،يعيق حركته يضمر له العداء ،هل يطبق يديه على رقبته و ينتهي .

كان ما زال يهز برأسه وجاره يتحدث وهو لا يسمعه ولا يراه ، ثم ينفجر غضبا : أرجوك يا جاري العزيز أنا في عجلة من أمري .



يمضي في سبيله و جاره ما زال يتحدث إليه و يرفع صوته كي يسمعه وهو يحث الخطى نحو موقف الباص الذي توقف و صعد إليه ليأخذ مكانا قريبا من السائق .








كان ينظر في ساعته ويطمئن نفسه بأنه سوف يصل في الوقت المناسب حين استوقفهم شرطي المرور وأشار لهم بالتوقف .

 ينظر إلى السائق وهو يتوقف على يمين الطريق ،يطفأ المحرك يستخرج علبة تبغه ،يسحب منها سيجارة و بحركة كسولة جدا يشعلها ، و يرمي رأسه على المقود و كأن الأمر لا يعنيه .
فينفجر صائحا به :

o يا أخي لماذا لا تذهب إليه و تنظر ماذا يريد ؟؟
ينظر إليه السائق و ينفجر ضاحكا ، ثم يقول :
 أنا الذي أوقفته أم هو الذي أوقفني ؟؟
o ولكني قد أتأخر عن وظيفتي .
ويرد عليه السائق ببرودة شديد :
 وما ذنبي ؟؟

تجرح الكلمات أذنيه ، يقف على قدميه ، يقترب من السائق كانت ملامحه تشبه ملامح مديره الجديد ،الوجه … النظرات … الاستهانة … التهديد ، لا بل هو نفسه ، توشك يداه أن تطبق على عنقه ولكنه يتوقف حين يرى شرطي المرور يمد يده من نافذة السائق طالبا رخصه .

فيخرج السائق رخصه و يمد بها إلى الشرطي الذي يأخذها ويعود إلى الشارع مرة أخرى حاملا صافرته يطلقها متى شاء ، والسائق لا يتحرك من مقعده ، و الشرطي منهمكا في عمل قد لا ينتهي أبدا .

الدم يغلي في عروقه، أوداجه تنتفخ ، عرقه يتصبب ، جسده يهتز كشراع غلبته الريح،الشرر يتطاير من عينيه ، قدماه تسيران باتجاه الشرطي ، يسأله :

o إلى متى سنظل نقف هكذا ؟
ينظر الشر طي بطرف عينه و يقول :
 من أنت ؟؟

يجيبه وهو ينظر إليه بعناية شديدة بأنه واحد من الركاب الذين يستقلون ذلك الباص ، وأنه سوف يتأخر عن دوامه إذا لم يفرج عن هذا السائق بإعطائه رخصه .

يجيبه وهو ينظر إليه بعينين أكلها النوم :

 وما ذنبي … تتأخر لا تتأخر هذا شيء لا يعنيني .

ينظر في وجهه … انه يشبه وجه المدير الجديد … لا بل انه هو . يرجع إلى الباص يجلس كفأر خائف مهزوم ،و يركز بصره على ساعته التي كانت تسير وهي تلتهم كل الآمال في الوصول إلى عمله مبكرا دون تأخير تدور الأفكار في رأسه يسرح خياله في مدينة مثالية … فاضلة ، لماذا لا تكون همومنا مشتركة ؟ لماذا لا نحفل بهموم الآخرين يتقدم الشرطي من نافذة السائق ويرمي عليه رخصه و يقول له : مع السلامة ، أي سلامة يرجوها لهم .

يتحرك الباص بهم ، يسمع السائق يهذي بكلمات كثيرة ، لم يفهم منها إلا القليل… ما كان يشغل باله هو تصرف المدير الجديد معه عندما يصل إلى عمله .

كيف سيعامله … هل سيرفع صوته عليه ويكتفي . هل سوف يصمت ويكون صمته ونظراته أقوى وأبلغ من صراخه، أم سيكتفي بإنذاره كالعادة ويقول له بصوت المقاتل المتعب، الذي أنهكه طول الحروب :
 لتكن هذه آخر مرة يا أستاذ.

كان يسبح في بحر من الأفكار العفنة ، يسرق النظرات إلى مديره …والى نفسه، يرسم له صورا عديدة ، يستيقظ من شروده وغفلته والباص يتوقف بهم بالقرب من مكان عمله ، يحمل حقيبته ويهبط من الباص ونفسه تضطرب، يدلف إلى الدائرة وهو يرصد خيال مديره ، لعله قد خرج من مكتبه متفقدا ، أو لعله يقف في أحد الممرات أو …

كانت نظراته تتوزع في كل الفراغات والاتجاهات ، وقدماه تتجهان إلى مكان وجود سجل الدوام … لم يكن غير المراسل الذي رمى برأسه على الطاولة ـ على غير عادته وغط في نوم عميق … ينظر في ساعته … لقد تأخر ساعة على الأقل … يوقع أمام اسمه تسير قدماه مسرعة نحو مكتبه قبل أن يراه المدير ، لكن المكان هادئ ، بل يسبح في هدوء مريب ، النوافذ ما زالت مقفلة ، الأبواب موصدة ، الممرات تخلو من أي حركة، تفقدت عيناه غرف زملائه الموظفين… لم يكن فيها أحد، سمح لنفسه بفتح الأبواب الموصدة ، كانت الغرف فارغة … لا أحد ، تقدمت قدماه بخوف شديد من غرفة المدير ، حاول أن يستجمع جأشه وقوته ،ولكنه تلعثم بينه وبين نفسه ولم يستطع تحضير إجابة مقنعة لسؤال مديره عن سبب تأخره ، دفع الباب بعد أن قرع عليه بلطف شديد ، كانت الغرفة فارغة تماما ، أرسل بصره نحو كرسي المدير الذي كان يهتز رغم فراغه وخلوه ، وصدى صوته كان يملأ الغرفة البائسة .

بدأ يعيد إلى نفسه توازنها ، وراح ينسى تأخره شيئا فشيئا ، وأحس بالخوف وهو ينسحب من جسده رويدا … رويدا … أين زملاؤه … أين المدير … ما بال هذه البناية خاوية ، كأنه اخطأ العنوان ، أو أخطأ في عد الأيام … العنوان هو … هو … مكان عمله … واليوم … يوم عمل رسمي … ولكن لا وجود للعمل … البناية التي تغص بالموظفين والمراجعين عادة … لا أحد فيها … ما الذي حدث ، تسير قدماه باتجاه غرفة الاجتماعات ، خيل له … تصور أن يكون هناك اجتماع طارئ قد دعا إليه المدير ليضع حدا لتأخر الموظفين أمثاله ويكون هو أول الذين تطالهم هذه القرارات … كانت خالية تصفر فيها الشياطين ، ويملأ الغبار مناضدها ، ومجموعة من الأوراق قد تركت هنا وهناك .

ماذا يفعل ؟؟؟

رجع يجر قدميه تاركا العنان لخياله ، كمن أضاع دليله واتجه في صحراء عمياء ، يصحو من جديد ، يحث الخطى نحو المراسل الذي كان ما يزال يغط في نوم عميق ، ربما يفسر له شيئا ، يشرح له ما لا يفهم ، قد يكون عنده ما ليس عنده، دائما نحن بحاجة للآخرين

 محمود … محمود … استيقظ يا رجل .
 مين … مين … الأستاذ عثمان .
 الأستاذ عثمان … الأستاذ بطيخ … أين ذهب الموظفون … أين المدير… أين الناس أين … أين … ؟؟؟؟
 المدير تعيش أنت يا أستاذ .
 انتهت



#(محمد_رمضان_الجبور(الصورباهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزمار كفيف …. وعزف متواصل


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - (محمد رمضان الجبور(الصورباهري - تعيش انت