جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2974 - 2010 / 4 / 13 - 20:45
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
بعد سبعة سنوات فقط تحولت الديمقراطية العراقية من خطر كبير على الأنظمة المجاورة إلى ألعوبة في يد هذه الدول. لنتفق بدء إن وصولها إلى هذه الحالة المربكة والمؤسفة لم يكن بعيدا عن تدخل تلك الدول بالشأن العراقي الداخلي. وبسبب خوفها من تلك التجربة فقد عملت تلك الدول لإجهاضها بشتى الوسائل وفي مقدمتها تشجيع الإرهاب وتسريب الإرهابيين وقبل ذلك مدهم بالفتاوى التي تنقلهم مباشرة من العراق إلى الجنة دون أية استراحة في مطار وسط.
لكن الاعتراف بذلك, وهو يستند بقوة إلى ثقافة عملنا على بنائها, أي تلك التي تقول بوجود دور معاد للديمقراطية العراقية نشأ بسبب الخوف منها, سواء من قبل إيران أو السعودية, سيتناقض بشكل كبير مع صورة الوفود الحزبية والرسمية العراقية وهي تحج تارة إلى طهران لكي تتبارك بعباءة أية الله السيد خامنئي أو تلك التي تحج إلى الرياض لكي تتقلد قلادة الملك عبدا لعزيز, والتي هي أعلى وسام سعودي يمنح لرجالات السياسة والدولة تثمينا لدور كبير لا بد وإن ارتأت المملكة إن رجل السياسة أو الدولة قد قام به. ولا أدري حقا كيف يقوم ملك السعودية الذي يخاف من أخطار التجربة الديمقراطية على عرشه بتقليد أحد القادة الأساسيين لتلك التجربة أعلى وسام سعودي, وكيف يقوم نائب الفقيه في إيران بتجميع صفوف قوى عراقية تقود نوع من الديمقراطيات التي تتناقض مع ولاية الفقيه وتعمل بالضد منها.
أعترف إن هناك صعوبات حقيقية تجابهني وأنا أحاول التوفيق بين هذه الصور المتناقضة, وإذا ما كنت سأطلب النجدة من إخوة تعودت على مساهمتهم في أغناء الأفكار فليس عيبا أن أقول إنني بت في حاجة حقيقية إلى ذلك.
وإن أول الأمور التي سأطلب مناقشتها وتوضيحها هي تلك التي تتأسس على السؤال التالي.. كيف يمكن لديمقراطية تخيف دول الجوار وتهدد أنظمتهم القمعية أن تطلب النجدة والمساعدة من هذه الدول ذاتها, وبالخصوص من دولتين متهمتين من قبل الأطراف العراقية بالتناوب إنهما تقودان بشكل رئيسي عملية التدخل في الشأن العراقي وذلك بسبب الخوف من التجربة الديمقراطية العتيدة ولغرض قبرها في المهد.
كيف يمكن لهذه الديمقراطية المخيفة المرعبة والحارقة الخارقة أن تطلب النجدة من هذه الدول ذاتها التي كادت أن تصاب بالعمى بسبب نور الديمقراطية التي يذهب بالأبصار, وهل سيكون بإمكاننا بعد اليوم أن نردد الحكاية القديمة عن دور تلك الدول اليومي واللحظوي لإجهاض ديمقراطيتنا والقضاء عليها.
سأحاول أن أجيب على سؤالي بنفسي راجيا من الله العون والتوفيق لأنني الآن في هذه اللحظة بحاجة ماسة وشديدة له لهذا العون...
وإن من حقي قبل تدوين إجابتي أن أبدي وجهة نظري بالعلاقة ما بين الديمقراطية وسيادة الدولة على أراضيها وشعبها فأقول إن كل شيء في الديمقراطية يجب أن يمتحن على ضوء هذه العلاقة قبل أن يمتحن على ضوء أية علاقة أخرى, فالديمقراطية التي تعجز عن تحقيق مبدأ السيادة الوطنية للشعب على أراضيه لن يكون بإمكانها أن تحقق ولو كلمة مما تدعيه على مستوى الأهداف الأخرى, وإذا ما لجأ أحدكم إلى إهمال هذه الحقيقة لافتا انتباهي إلى أن نجاح الديمقراطية في العراق كان هائلا حقا والدليل إن لدى العراقيين الآن ثلاثمائة صحيفة بدلا من أربعة, وخمسون محطة فضائية بدلا من إذاعتين اثنتين, وإن العراقي بات حرا في اختيار مجلس نوابه ورئيس وزراءه وجمهوريته, وإن بمقدوره وبأشارة من إصبع بنفسجي رشيق أن يبدل هؤلاء كل أربعة سنوات وبالسهولة التي خلع الأشعري بها صاحبه, فسأقول ما دام كل ذلك قد تحقق ولكن بغياب سيادة العراقي على نفسه ودولته وأراضيه فلا بد أن يكون هناك ثمة خطأ كبير, كأن تكون الديمقراطية قد جاءت بغير ميعادها أو أن تكون القوى العراقية من الفرقة والتمزق بحيث إن الديمقراطية, وقد أتت بوجود هذه الفرقة والتمزق, فقد شرعنتهما, فزادت الواقع العراقي ضعفا على ضعف وحولت هذا الضعف من حالة راهنة عابرة إلى حالة تاريخية ثابتة.
إن استقطاع مشهد هنا ومشهد هناك من المشهد الإجمالي الحقيقي لما أفرزته الديمقراطية العراقية من سيئات وذلك للتاكيد على نجاحها هي محاولة إستغباء لشعب ووطن برمته من قبل قوى بدأت الديمقراطية تتحول على يديها إلى تابوت ذا ألوان زاهية, وإلى وسيلة إثراء على حساب شعب جائع مظلوم متمزق ومقهور مخدوع.
هناك ثمة أخطاء كبيرة علينا أن نضع اليد عليها لكي نفهم إلى أين قد أوصلتنا الديمقراطية.
فأما أن تكون الديمقراطية ذاتها هي خطأ.. وهو أمر غير معقول لأن الديمقراطية هي أفضل ما حققته الإنسانية من إنجاز.
وأما أن تكون قوى الديمقراطية العراقية هي الخطأ لأنها قوى لا علاقة لها بالديمقراطية لا من بعيد أو قريب, وما قبولها إلا إذعان لمرحلة تتسيدها ظروف خارج السيطرة وفي المقدمة منها وجود العراب الأمريكي الذي يجد إن ديمقراطية من هذا النوع تناغم مع أهدافه الإستراتيجية ويجد الصهاينة فيها أيضا تأكيدا على أن الشعب الوحيد في المنطقة الذي تليق به الديمقراطية ويليق بها هم اليهود وإن العرب والعراقيين هم شعب من الماضي لا يعرف ولن يعرف كيف يتعامل مع الديمقراطية.
وأما أن يكون العراق غير مؤهل حقا للمسألة الديمقراطية, فتكون الديمقراطية بالتالي هي المنهج الصحيح ولكن.. في المكان الخطأ, في الوقت الخطأ, للناس الخطأ.
وفي مقالة سابقة لي, ربما قبل أكثر من عام, قلت.. إن على العراقيين أن يفهموا معادلة التدخل الإقليمي بشؤونهم بشكل معكوس, فبدلا من أن يؤمنوا بأن الدول الإقليمية هي التي تتدخل بشؤونهم عليهم أن يدركوا بأنهم هم الذين يتدخلون بشؤون تلك الدول, وقد تعجب من قولي أحد الإخوة متسائلا .. كيف يمكن لبلد ضعيف ومغلوب على أمره أن يتدخل بشؤون جيرانه الأقوياء, وكانت إجابتي عليه وقتها إن هذا الضعف هو بالذات تدخل كبير ومدان للعراق في شؤون جيرانه, وبدون أن أمنحه الفرصة لسؤال آخر قلت له .. إن الدول الإقليمية تخوض صراعا فيما بينها من أجل الهيمنة وحتى التوسع, فإذا ما ضعف العراق إلى الحد الذي يصبح فيه تبعا لدولة من هذه الدول فما الذي يمنع الدولة الأخرى من أن تخوض صراعها أيضا لكي تمسك بجزء من الورقة العراقية في ميدان صراعها مع تلك الدولة.
ولقد باتت الصورة الآن واضحة, وبكل ما يمكن استخدامه لتفسيرها فقد صارت أيضا مخزية, وإلا كيف يمكننا أن نقبل بديمقراطية صارت قواها الأساسية تطلب النجدة من دول مجاورة بعد أن ظلت تفاخر أنها صارت بالديمقراطية افضل وأقوى من تلك الدول مجتمعة, وإن ريح ديمقراطيتها سرعان ما ستطيح بعروش تلك الدول وتأسس لشرق أوسط جديد سيكون للعراق فيه مكان الصدارة.
ربما ستكون الإجابات التي طلبتها من الأخوة القراء متناقضة مع إجاباتي ولكني رغم ذلك سأعيد.. إن الديمقراطية التي تأكل سيادة البلد إلى هذا الحد وتجعل القوى السياسية تجتمع لتشكيل التآلفات والوزارة, مرة في طهران ومرة في الرياض, على حساب سيادة البلد وكرامة أهله, هي ديمقراطية قد تكون صح ..
ولكنها صح في المكان الخطأ والزمان الخطأ وللناس الخطأ.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟