|
الديمقراطية والتحدي الاكبر
طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2970 - 2010 / 4 / 9 - 19:36
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
العديد من الدول والمجتمعات ناضلت من اجل التثبيت مباديء ومفاهيم للديمقراطية , وقد اقرت ثوابت مهمة واليات للوصول الى تعبير حقيقي لرغبة الشعوب وارادتها في اختيار حكامها , وتم وضع قوانين وضوابط لتنظيم العمليات الانتخابية على كل المستويات من اصغر قرية الى انتخابات رئاسة الدولة والبرلمان والحكومة فضلا عن انتخابات الاحزاب والجمعيات والنقابات وكل مايتعلق بالشأن العام . ومنذ اجيال تحولت العملية الديمقراطية الى نظام راسخ وارث ثابت وممارسة لايمكن التخلي عنها تحت اي ضرف من الضروف وقد قطعت الدول الاوروبية والولايات المتحدة وغيرها شوطا بعيدا لتجاوز كل اشكال الازمات السياسية والانقلابات والانظمة الفردية والشمولية بسبب رسوخ النهج الديمقراطي فيها . هنا في العراق تلقى ابناء الشعب التغيير الذي حصل في البلاد بعد سقوط النظام السابق تلقاه بمزيد من الدعم والتأييد والتفاؤل وقد ترجم العراقيون ذلك عبر اربع جولات توجهوا فيها الى صناديق الاقتراع في غضون سبع سنوات , وكان توجه المواطنين بنسب جيدة ومقبولة وفق المعايير الدولية مما يدل على ان العراق اخذ يتشبث فعلا بالنهج الديمقراطي كطريق مهم وثابت لرسم مستقبل بلاده . وكان من الطبيعي ان يجرى اعداد دستور دائم للبلاد بعد ان ظلت عقودا طويلة تعيش تحت احكام الدساتير المؤقته , وشرع دستور عام جديد سنه 2005 وبالرغم من وجود الكثير من الثغرات والنواقص والمتناقضات في بنود ذلك الدستور الا انه بات المعتمد في المرحلة الراهنه ريثما يصار الى تعديل بعض بنوده التي اثير حولها الكثير من الجدل والنقاش . ولقد رسم الدستور العراقي الجديد شكل الحكم والطريق لاختيار مؤسساته الدستورية ووفقاً لذلك جرت انتخابات عام 2004 ثم انتخابات عام 2005 وانتخابات مجالس المحافظات واخيـــرا انتخابات اذار 2010 , والتي كان من ابرز شعاراتها التغيير، والتغيير يعني بالضرورة اصلاح الخطأ الذي رافق العملية السياسية منذ سقوط النظام ، لكن الغريب ان هذا الشعار رفعته نفس النخب الحاكمة وكانها تريد ان تقول بانها سوف تقوم باصلاح برامجها السياسية التي كانت مبعثا للتذمر. وقد بات جلياً ان شعار التغيير صار طريقا للاحتفاظ بالسلطة مرة اخرى بعد ان فشلت تلك النخب في ايجاد الطريق السليم لاخراج البلاد من المأزق الذي تعيش فيه . الانتخابات الاخيرة هي بلا شك تمثل نصرا للديمقراطية وللشعب العراقي ودليل مهم على تقدم العملية السياسية , ولقد كان من الطبيعي ان يبحث الناخب العراقي عن مخرج لاقامة حكومة تتبنى فعلا مبدأ التغيير وصار واضحا منذ البداية ان القائمة العراقية تجسد مثل هذا التوجه بحكم تركيبتها المتنوعه التي تضم مجموعه كبيرة من الجماعات والكتل ذات التوجهات الليبرالية والبعيدة عن الخنادق الطائفية . وقبل اشهر من موعد الانتخابات وبعد ان اعلنت القائمة العراقية عن مكوناتها اصيبت الاحزاب المنافسة والمتربعه على كراسي الحكم بالهلع وبدأت تعد الخطط لوضع المعوقات وخلق المشاكل امام تلك القائمة وكانت البداية مع هيئة المسائلة والعدالة الفاقدة لاي غطاء قانوني لوجودها . وبتحريض من تلك الجهات اصدرت الهيئة المذكورة قائمة تضمنت اكثر من 500 مرشح للانتخابات استبعدوا من الترشيح بموجب مبدأ اجتثاث البعث وكانت اغلب الاسماء من مرشحي القائمة العراقية وقد اضيفت اليها اسماء اخرى على سبيل التمويه غير ان القصد الواضح من تلك الخطوة هو دفع العراقية لاتخاذ قرار بمقاطعه الانتخابات الا ان ذلك لم يحصل وقامت القائمة العراقية باستبدال من شملهم قرار المسائلة والعدالة بمرشحين اخرين وتجاوزت هذا المعوق بقرار جريء وبتحدي واضح . وقبل بدأ الانتخابات واثناءها وبعدها اطلقت ضد القائمة العراقية جملة من حملات التشهير تناولت شخوص القائمة ورئيسها بطرق غير لائقة ولاتنسجم مع التنافس الانتخابي الحر وعندما ظهرت المؤشرات الاولية تعلن فوز العراقية اطلق رئيس قائمة ائتلاف دولة القانون صيحة مدوية معلنا رفضه لنتائج الانتخابات والمطالبة باعادة العد والفرز يدويا والغريب ان نفس الشخص كان قد وصف العملية الانتخابية قبل يومين من ذلك بالشفافية والنزاهة وقال بان اي خرق صغير هنا وهناك سوف لن يؤثر على النتائج ؟؟ . في السياقات الديمقراطية المعروفة والمطبقة في كل العالم هي ان القائمة الفائزة تقوم بتشكيل الوزارة والدستور العراقي تناول هذه المسألة في المادة (76) التي تنص على تكليف رئيس الجمهورية لمرشح الكتله النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء وذلك خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية , وهذا النص واضح وهو يعني تكليف القائمة العراقية بذلك علما انه سبق السير بنفس السياق في انتخابات عام 2004 و 2005 وانتخابات مجالس المحافظات ولم يكن هناك اي اعتراض من جهه اخرى كما لم يحصل اي تفسير جديد لنص المادة (76) من الدستور . غير ان الذي حدث الان هو ان قائمة ائتلاف دولة القانون قامت بقلب منضدة الدستور وسارعت الى المحكمة الاتحادية لتفسير المادة (76) والمحكمة بدورها اعلنت بان الكتله التي تتكون داخل المجلس بعد الانتخابات من قائمة واحدة او اكثر تعتبر هي الكتلة الاكثر عددا وهي التي يمكن ان تكلف من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة . ان صدور قرار المحكمة الاتحادية بالشكل المبين اعلاه ادى الى تشويه نتائج العملية الانتخابية وقد عكس امورا عديدة منها :- 1. تفسير المحكمة كان يجب ان يصدر بعد ان ينعقد مجلس النواب ويعجز رئيس القائمة عن تشكيل الحكومة بسبب عدم حصوله على الاغلبية المطلوبة وهو بالضبط مانصت عليه الفقرة (ثالثا) من نفس المادة . 2. التفسير ساهم في خلق حالة من البلبلة السياسية ودفع الاخرين للسعي من اجل عقد تحالفات مسبقة القصد منها عزل رئيس القائمة العراقية على الرغم من كونه يمثل القائمة الفائزة . 3. تفسير المحكمة الاتحادية جاء جوابا لكتاب قدمه رئيس السلطة التنفيذية الحالي وهو يلقي بعض الشكوك من ان ضغوطا ما قدمورست للفوز بذلك التفسير وهو ماكان على المحكمة الاتحادية ان تتجنبه وان تترك العملية الانتخابية تنطلق في مساراتها الطبيعيه وفقا لنصوص الدستور .
عندما يتعلق الامر بالتشبث بالسلطة تجرنا الذكريات الى مقولة احمد حسن البكر عام 1968 ( باننا جئنا لنبقى ) لكنه ذهب والكوارث هي التي بقيت ومن هنا نجد ان الممارسة الديمقراطية عالجت مسالة التشبث بالسلطة عبر اليات العملية الانتخابية بين فترات محددة ليست بعيدة والقصد من كل ذلك هو تحقيق تداولا للسلطة , وفي العراق الان عندما نجد صدى واسعا لشعار التغيير فان هذا يعني ان التداول صار مطلبا شعبيا يهدف الى التغلب على المصاعب التي تعيشها البلاد، وبغرض تحقيق المزيد من المطالب التي تلح عليها جماهير الشعب . نحن لاننكر الجهود التي بذلتها الحكومة الحالية المنتهية ولايتها حسب الدستور ولا يمكن ان نغض الطرف عن العديد من منجزاتها غير ان ذلك لايكفي امام الوضع المعقد الذي تمر به البلاد . الشعب العراقي بات يتطلع الى الحكام اللذين يلتزمون بتنفيذ برامجهم الانتخابية لان تنفيذ البرامج والوعود هو الضمانه الاكيدة لنجاح اي حكومة في ممارسة مسؤولياتها في الحكم .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات العراقية والتداول السلمي للسلطة
-
الانتخابات التشريعيه في العراق وعملية التغيير
-
في عشية انتخابات العراق للعام 2010
-
قانون دولة القانون
-
7 اذار هل سيكون موعدا للتغيير ؟
-
الديمقراطية وسياسة الاقصاء
-
العملية السياسية في العراق والمازق الجديد
-
الحركة الديمقراطية ضرورة وطنيه لتقدم الصفوف
-
العراق سفينه بلا ربان
-
خطوة الى الامام .. خطوتان الى الوراء
-
من سينتخب العراق .. ؟
-
الى اين تمضي يا عراق ... ؟
-
القائمة المغلقة والقائمة المفتوحة
-
ماراثون الائتلافات الانتخابية
-
في سبيل اقامة جبهه ديمقراطية موحدة
-
ولادة حركة ... جماعه الاهالي اليوم
-
دولة العراق الدينيه
-
في الشأن العراقي ومستلزمات الحل
-
العراق والمستقبل المجهول
-
جولة تراخيص النفط الاولى
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
المزيد.....
|