|
هل الخِرفانُ أصْلُها عَربي !؟
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 2967 - 2010 / 4 / 6 - 22:06
المحور:
الادب والفن
أعتقد أن أغلبية القراء سيستغربون هذا العنوان ، لكن بعد ما قرأت هذه القصة شخصياً أول مرة ، خطر ببالي هذا السؤال ، وأتمنى من الجميع عدم إجابة السؤال قبل الانتهاء من قراءتها . تبدأ القصة في زاوية قصية .. وبعيدا عن أعين الإعلام ... حيث كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه ... في تلك اللحظة كانت الخراف في الزريبة تعيش وتأكل وتشرب وتمرح ... وكأنها قد جاءت إلى تلك الزريبة بضمان الخلود ... دخل الجزار فجأة إلى وسط الزريبة فأدركت " الخرفان " بحسها الفطري أن الموت قادم لا محالة ... وقع الاختيار على احد الخراف .. وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه إلى خارج الزريبة .... ولكن ذلك الكبش كان فتياً في السن ... ذو بنية قوية وجسما ممتلئا وقرنين قويين .... وقد شعر برهبة الحدث.. وجبن الموقف .. وهو يقاد إلى الموت ... فنسي الوصية رقم واحد من دستور القطيع ... وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور ... وكان قد سمع بتلك الوصية قبل ساعات قليلة من كبار الخرفان في الزريبة .... وكانت الوصية تقول ؛ حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم ... فهذا لن ينفعك .. بل سيغضب منك الجزار ... ويعرض حياتك وحياة أفراد القطيع جميعا للخطر ... قال هذا الكبش في نفسه ؛ هذه وصية باطلة ... ودستور غبي ... لا ينطلي حتى على قطيع الخنازير .. فكيف بنا نحن الخراف ... فنحن أشرف وأطهر..... فإذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف... فلا أعتقد أنها ستضرني... أما قولهم أن مقاومتي ستغضب الجزار وقد يقتل جميع الخرفان ... فهذا من الغباء بمكان ... فما جاء بنا هذا الجزار إلى هذه الزريبة إلا وقد أعد عدته ورسم خطته ليذبحنا واحدا بعد الآخر.... فمقاومتي قد تفيد ولكنها بلا شك لن تضر... انتفض ذلك الكبش انتفاضة الأسد الهصور.... وفاجأ الجزار..... واستطاع أن يهرب من بين يديه ليدخل في وسط القطيع حيث نجح في الإفلات من الموت الذي كان ينتظره ... لم يكترث الجزار بما حدث كثيرا... فالزريبة مكتظة بالخراف ولا داعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب.... أمسك الجزار بخروف آخر وجره من قرنيه وخرج به من الزريبة.... وكان الخروف الأخير هذا مسالما مستسلما ولم يبد أية مقاومة تذكر..... إلا صوتاً خافتاً يودع فيه بقية القطيع ... نال ذلك الخروف إعجاب جميع الخرفان في الزريبة لتضحيته بنفسه ... ولالتزامه بالوصية الدستورية حرفياً ... وكانت جميع الخرفان تثني عليه بصوت مرتفع وتهتف باسمه... ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري ... بادئا الذبح وهو يقول ؛ بسم الله والله أكبر... خيم الصمت على جميع الخرفان .... خاصة بعد أن وصلت رائحة الدم والموت إلى الزريبة ... ولكنهم سرعان ما عادوا إلى نشاطهم المعتاد .. من أكل وشرب ومرح .. مستسلمين وغير آبهين بمصيرهم القادم ... و رافضين أي فكرة لمقاومة الجزار ... وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحداً بعد الآخر... وفي كل مرة يأتي الجزار ليأخذ أحدهم ... تذكره بقية الخراف أن يكون ملتزماً بدستور القطيع " لا ثم ألف لا لمقاومة الجزار" ...
وأقدم الجزار على فكرة جديدة توفيراً للوقت والجهد.... فإذا وجد خروفاً هادئاً مطيعاً... فإنه يأخذ معه خروفاً آخر ... وكلما زاد عدد الخراف المستسلمة ... زاد طمع الجزار في أخذ عددا اكبر في المرة الواحدة... حتى وصل به الحال أن يمسك خروفا واحدا بيده وينادي خروفين آخرين أو ثلاثة أو أكثر بإشارة أو إيماءة من يده ... لتسير خلف هذا الخروف إلى المذبح.... وهو يقول؛ يا لها من خراف مسالمة... لم أحترم خرافاً من قبل في حياتي قدر ما أحترم هذه الخراف ... إنها فعلاً خراف تستحق الاحترام ....
كان الجزار من قبل يتجنب أن يذبح خروفاً أمام الخراف الأخرى حتى لا يثير غضبها ... وخوفاً من أن تقوم تلك الخراف بالقفز من فوق سياج الزريبة والهرب بعيدا... ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق له ... أدرك أنه كان يكلف نفسه عناءً فوق طاقته... و أن خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم ما يكفي ليمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق... بل وبأي حقوق تذكر... وأنه بإمكانه أن يتجاوز على حقوقها أكثر وأكثر دون أي اكتراث منها .... فصار يجمع الخراف بجانب بعضها بعضاً ... ويقوم بحد السكين مرة واحدة فقط ... ثم يقوم بسدحها وذبحها... والأحياء منها تشاهد من سبقت إليهم سكين الجزار... ولكن... كانت الوصية من دستور القطيع تقف حائلا أمام أي خروف يحاول المقاومة أو الهروب... فوصية " لا تقاوم "...لا يمكن مخالفتها أبداً ....
في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لأخذ قسط من الراحة ليكمل في صباح اليوم التالي ما بدأه ... كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت وإخراج بقية القطيع معه ... كانت الخراف تنظر إلى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي لوحده ... مندهشة من جرأته وتهوره ... وعدم التزامه بالوصية الدستورية ... ولم يكن ذاك الحاجز الخشبي قويا..... فقد كان الجزار مطمئن ... وغير قلق من حدوث شيء ... فهو يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب ... فقط لمجرد المحاولة .... وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة... لم يكد يصدق عينيه... صاح في رفاقه داخل الزريبة ... طالباً منهم الخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح .... ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع..... بل كانوا جميعا يشتمون ذلك الكبش ... و يلعنون اليوم الذي أنضم فيه إليهم ... و يرتعدون خوفا من أن يكتشف الجزار ما حدث من تخريب لسياج الزريبة ... ومحاولة الهروب... فقد يظنها محاولة هروب جماعية ... وهنا تكون عقوبة الجزار الشديدة عليهم جميعاً ....
وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر إلى القطيع..... في انتظار قرارهم الأخير... تحدث أفراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بأنفسهم من سكين الجزار... وجاء القرار النهائي بالإجماع مخيبا ومفاجئا للكبش الشجاع !!
في صباح اليوم التالي ....جاء الجزار إلى الزريبة ليكمل عمله... فكانت المفاجأة مذهلة... سياج الزريبة مكسور... ولكن القطيع موجود داخل الزريبة ولم يهرب منه أحد !!! ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفاً ميتاً... وكان جسده مثخنا بالجراح وكأنه تعرض للنطح ... نظر إليه الجزار ليعرف حقيقة ما حدث.... صاح الجزار بعدها ... يا الله ... إنه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم أمس !!!
نظرت الخراف إلى الجزار بعيون الأمل ... ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف " الإرهابي " الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويعرض حياتهم للخطر .... كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف ... حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الإعجاب والثناء ... ووقف خطيباً فيهم قائلاً ؛ أيها القطيع ... كم أفتخر بكم ... وكم يزيد احترامي وتقديري لكم في كل مرة أتعامل فيها معكم ... أيتها الخراف الجميلة ... لدي خبر سعيد سيسركم جميعاً ... وهو ... تقديرا مني لتعاونكم منقطع النظير معي ... فأنني وبداية من هذا الصباح ... لن أقدم على سحب أي واحد منكم إلى المذبح بالقوة ... دون رغبته وإرادته ... كما كنت أفعل من قبل معكم ... فقد اكتشفت أنني كنت قاسيا جدا عليكم ... وأن فعلي ذاك يجرح مشاعركم وكرامتكم .... وكل ما عليكم أن تفعلونه الآن يا خرافي الأعزاء ... هو أن تنظروا إلى مكان تلك السكين المعلقة على باب المذبح ... فإذا لم ترونها معلقة بمكانها هناك ... فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المذبح ... والسكين بيدي ... فليأت كل واحد منكم بعد الآخر دون تأخير... ولتأتوا بفارق زمني بسيط بين خروف وآخر ... وتجنبوا التزاحم على باب المذبح .... لأنه يربك عملي بذبحكم بمتعة ... وفي الختام ... لا أنسى أن أشيد بدستوركم العظيم ...... " لا للمقاومة "...!!!! وبواضعيه وكاتبيه ...
انتهت القصة ... وهنا يأتي السؤال الذي خطر ببالي عند قراءة هذه القصة ؛ هل الخرفان أصلها عربي ؟؟ دمتم بخير
نقلت لكم بتصرف من قبل محمد الحداد 06 . 04 . 2010
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنتاجُ فِكْرٌ أمْ عَمَل ؟
-
قَطّارَة النَتائج
-
الأخلاق الانتخابية
-
توضيح مهم لكافة القراء الكرام حول مقالنا الموسوم لو كان البع
...
-
لَو كانَ البَعثُ دِيناً وَ رَبّاً لَكَفَرتُ بِه
-
الجدار الناري
-
عِ قَوْلَكْ
-
القاعدة والتكفير وأحمد صبحي منصور
-
نظارات جدتي
-
أين العقلاء في مصر والجزائر ؟
-
مِيزان قبّان
-
مقالات علمية بسيطة ج 2
-
رزوق دق بابنا
-
نوري قزاز
-
مقالات علمية بسيطة ج1
-
قدري ربانا
-
نار نور
-
دار دور
-
التوريث والتأبين
-
المقرحي والأربعاء الدامي
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|