|
حدث في 9 نيسان
زكي انور رضا
الحوار المتمدن-العدد: 2966 - 2010 / 4 / 5 - 20:10
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
في التاسع من نيسان 2003 ، كنت في عملي اذ رن الهاتف ، وكانت زوجتي على الطرف الاخر من الخط لتقول لي ، من انها تشاهد من خلال احدى الفضائيات ، دبابتان امريكيتان على احد جسور بغداد . وللحظة تخيلت العراق بكل عظمته وتاريخه ، وحضارته وثرواته بل وبقاءه كبلد موحد ، على كف امريكا ( او كف عفريت فلا فرق هنا بين الاثنين ) . وما هي الا لحظات حتى استقليت سيارتي ، لتنهب مسافة ال27 كيلومترا التي تفصلني عن بيتي ، في زمن لا أتذكره الان ، الا انه كان بنظري صفرا .
وما هي الا ساعات ، حتى بث التلفزيون صورا عن قوات امريكية محتلة . وهي تحيط بدبابتها مبنى وزارة النفط العراقية ،كما يحيط السوار بالمعصم ، مانعة اي انسان من الاقتراب منه . وفي مشهد اخر كان الرعاع الذين سيشكلون لاحقا جيش المهدي ، وامثالهم الذين سيفتحون بيوتهم لتنظيم القاعدة الارهابي وبقايا البعث ، مشغولون كما البدو بالنهب والسلب ، ولكن هذه المرة نهبوا وسلبوا بلدهم وضيعوا آثاره . الا ان صورة وحيدة في هذه التراجيديا ، خففت ثقل المأساة عن كاهل الكثيرين ، ومنهم انا نفسي ولو الى حين. الا وهي صورة الانسان العراقي الحقيقي ، الذي نهض كالعنقاء من تحت ركام الموت الجاثم على صدر العراق . صورة نحن في امس الحاجة اليها اليوم ، في عراقنا الذي فقد بوصلته ويسير بجنون ، نحو كهف من كهوف ما قبل التاريخ . انها صورة ابو تحسين (ذلك الشيوعي النبيل) وهو يصرخ امام عدسات التلفزيون ، بكل ما في ضمير الانسان العراقي ، من ترسبات ثلاثة عقود من حكم الفاشيين . ولينهال بنعله على رأس ضحاك العراق ، ليقول لكل العراقيين من ان امثاله ، لا ينزلقون الى منزلقات من سيحكم العراق لاحقا من الحواسم والارهابيين . وسيسير في طريق الحق رغم قلة سالكيه ، كما يقول الامام علي (ع) .
في ذلك اليوم اعاد البعثيون الى اذهاننا صورتهم وهم بملابس النساء ، او عندما كانوا يسلمون رشاشات البور سعيد العروبية عن طريق نسائهم الى مراكز الشرطة في تشرين الاول من العام 1963 . اذ شاهدهم العراقيون بل والعالم اجمع ، وهم يهربون من قصور الطاغية بملابسهم الداخلية وهرب رأس النظام الى جهة مجهولة ، لتصيده القوات الامريكية بعد اشهر بعملية اشبه ما تكون بعملية لصيد الجرذان .
في تلكم الايام ولاعتقاد العراقيين ، من ان قادم الايام سيحمل لهم تباشير السلم والحرية والديموقراطية ، والتي ستجلب بدورها الرخاء لهم ولوطنهم . كان الجميع ينتظر على احر من الجمر اعتقال الطاغية ، لتنتهي بأعتقاله وتقديمه للمحاكمة ، فصول احدى احلك فترات تاريخ العراق السياسي واكثرها بشاعة . وما ان اعلنت القوات الامريكية عن اعتقاله بعد أشهر ، حتى انقسم العراقيون الى مجموعات عدة ، لكل وجهة نظر وطريقة ما للقصاص من المجرم . وكنت شخصيا الى جانب الرأي القائل ، بسجنه في سجن تتوفر فيه كل وسائل الراحة ، وتحت رعاية طبية فائقة . كي يمتد به العمر لخمس او سبع سنوات اخرى ، ليتم اخراجه من سجنه حينها . ليرى بأم عينيه العراق وبغداد التي دمرها نظامه الدموي ، وكيف خلال سبع سنوات حولها الحكام الجدد ، الى روضة من رياض الجنة وليتبغدد بها العراقيون .
ولكن اليوم وبعد هذه السنوات السبع من حكم الطائفيين للعراق ، ارى ان احلامي واحلام الملايين من العراقيين لم تكن الا سرابا . وما راهنا عليه لم يكن الا حصانا خاسرا في ميدان السباق ، لانه وبكل بساطة لم يكن حصانا بل بغلا . واني اتخيل الطاغية اليوم ، يقهقه من قبره الذي حوله البعثيون في تكريت ، الى مزار وللاسف الشديد . متعاليا ساخرا ليس من احلامنا فقط ، بل من انفسنا ايضا . لاننا اثبتنا وخلال دورتين انتخابيتين ، من اننا لا نريد لبلدنا الا الموت والدمار . فننتخب في كل مرة نفس الوجوه الكالحة ، ليستمروا بسرقة البلد دون ان يقدموا لابناء شعبهم الا التفجيرات ، كتفجيرات يوم القيامة ، والتي كانت القيامة بالفعل . والا هل هناك عاقل على هذه الارض يتخيل شعبا ، كان اول من عرف الحرف والكتابة ، واول من سن القوانين ، واول من عرف الزراعة ، واول من بنى شبكة من المجاري تحت الارض ( في اور منذ خمسة الاف سنة ) ، واول من حل معادلة ذات مجهولين ( بابل قبل حوالي الاف عام ) . وكانت بغداد قبلة العالم واليها كان يحج السياسيون من ارجاء العالم المختلفة ، عكس ايامنا هذه اذ يحج ( ساستنا ) الى طهران ودمشق بدل ان يحجو الى شعبهم الذي انتخبهم . اقول هل هناك عاقل يتخيل شعبا يهينه حكامه كل يوم وينتخبهم ثانية . سؤال اطرحه بمناسة التفجيرات الاخيرة وذكرى التاسع من نيسان ، على ابناء العراق من الذين يلدغون من نفس الجحر اكثر من مرة ، دون ان يكفوا عن اللعب مع الافاعي .
#زكي_انور_رضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغم تحذير الجيش الإسرائيلي.. لبنانيون يبدأون بالعودة لمناطقه
...
-
مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق: وقف إطلاق النار اختبار للبنا
...
-
الداخلية الكويتية تعلن ضبط مواطن ووافد سوري ضمن تشكيل عصابي
...
-
مصر: اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان يجب أن يكون توطئة لوقف إ
...
-
ما هي أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان؟
-
بسبب تكلفة اختيار المقعد.. شركات طيران تحقق أرباحا بالمليارا
...
-
خبير ألماني: -الإسلامويّون- يفضلون استخدام السكاكين في اعتدا
...
-
تحديد علامة رئيسية للاضطراب النفسي
-
الرقابة الروسية تحذر من خطورة تفشي فيروس -نورو-
-
مسؤول كبير في -حماس-: الحركة مستعدة للتوصل إلى اتفاق بعد -وق
...
المزيد.....
|