|
الانتخابات العراقية... نُفَايَة من نفايات مزبلة التاريخ
حزب العمال التونسي
الحوار المتمدن-العدد: 2964 - 2010 / 4 / 3 - 20:36
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
مثلما كان متوقعا انتهت الانتخابات العراقية بلا مفاجآت وحافظ الائتلاف الرجعي المدعوم من الاحتلال على مواقعه. وهذه النتيجة تؤكد مرة أخرى أن "العملية السياسية" التي يشرف عليها الاحتلال لن تأتي بجديد، وكل من راهن عليها خاب أمله ولم يجن منها شيئا. ورغم التطبيل الإعلامي فإن هذه الانتخابات لم تأت بجديد بل كرّست الواقع المرّ الذي فرضه الاحتلال على الشعب العراقي. والهدف من هذه المهزلة الانتخابية ومن كل "العملية السياسية" هو محاولة فرض حكومة عميلة على الشعب العراقي تكون قادرة على حماية مصالح الاحتلال الذي لم يعد بإمكانه البقاء بعد الضربات الموجعة التي ما فتئ يتلقاها على يد المقاومة العراقية. وهذه الانتخابات هي محطة أخرى على درب تكريس هذا الواقع وتحقيق هذا الهدف. وكما هو معلوم فإن القوى السياسية التي "فازت" في هذه الانتخابات هي قوى رجعية وطائفية تكوّنت تحت رعاية وإشراف الاحتلال ووضعت اليد في اليد معه ومع قوى إقليمية تحاول إيجاد موقع قدم لها في العراق، ومن أهم هذه القوى الإقليمية إيران التي ازداد نفوذها في العراق بعد هذه الانتخابات حيث أن أغلب "الفائزين" لا يخفون عمالتهم للنظام الإيراني. وهذا في الحقيقة يضع الإدارة الأمريكية في مأزق لأنها بعد كل الذي فعلته في العراق من تقتيل وتشريد ها هي اليوم تساهم بشكل مباشر في صعود حكومة عميلة لإيران التي تعتبرها رأس حربة في المنطقة وهو ما سيصعّب مهمّتها في علاقة بالملف النووي الذي يبدو أن إيران ماضية فيه رغم كل التهديدات والعقوبات. وما الجولة التي يقوم بها نائب الرئيس الأمريكي أوباما في المنطقة إلا دليل على أن طبول الحرب بدأت تدق. فقد عوّدتنا الامبريالية الأمريكية على أنها كلما أكثرت الحديث عن السلام فإن ذلك يعني أنها تـُعدّ لحرب عدوانية جديدة في المنطقة. ومن غير المستبعد أن الهدف الحقيقي من هذه الجولة هو التحضير لتوجيه ضربة لإيران وليس "تحريك عملية السلام" كما هو مصرّح به. فالإدارة الأمريكية مقتنعة أن الوقت لا يعمل لصالحها وأنه كلما أجّلت عدوانها على إيران إلا وصعّبت على نفسها الأمر. لكنّ شنّ عدوان على إيران أو حتى توجيه ضربة سريعة ونوعية لمنشآتها النووية لن يمرّ بسلام وقد يزيد من مصاعب الولايات المتحدة الواقعة في المستنقعين العراقي والأفغاني المجاورين لإيران. ومن شأن توجيه هذه الضربة خلط جميع الأوراق وتحويل المنطقة إلى برميل بارود قابل للانفجار في أيّ لحظة وقد تعلن الفصائل العميلة للمحتل في العراق عن رفضها لهذه الضربة وتتحوّل إلى المعسكر الإيراني، أو على الأقل لا تتعاون بشكل جيّد مع الإدارة الأمريكية في صورة عدوانها على إيران. وهذا سيؤدي إلى فوضى عامة لن تكون في أي حال من الأحوال في صالح الولايات المتحدة. كما أن الائتلاف الرجعي في العراق لن يكون من السهل عليه الخروج من تحت عباءة الاحتلال والاحتماء بإيران في صورة نشوب حرب بين هذين البلدين لأن تشابك المصالح بين هذا الائتلاف وبين الاحتلال لا يمكن فكّه بسهولة باعتبار وأن وجود هذا الائتلاف مرتبط بوجود الاحتلال ولن تقدر إيران على حمايته من ضربات المقاومة. ولو كانت إيران قادرة على حماية عملائها لفعلت ذلك في أفغانستان. فالنظام الإيراني ينظر بقلق شديد إلى ما يجري في هذا البلد بعد الانتصارات الميدانية التي حققتها حركة طالبان المعادية لإيران والضربات الموجعة التي يتلقاها بشكل يومي التحالف الاستعماري بقيادة أمريكا. وهذا ما يفسّر زيارة أحمدي نجاد إلى أفغانستان وعدم تحرّجه من لقاء أحمد كرزاي رمز العمالة في هذا البلد وتأكيد مساندته له موجها نقدا لقوات الحلف الأطلسي المتواجدة في هذا البلد والتي تدعم حكومة كرزاي. وهذا الخلط والتضارب في المواقف يعكس المأزق الحقيقي الذي بات يشعر به نظام إيران فهو من ناحية في صراع مع الولايات المتحدة وهو في نفس الوقت يدعم حكومات عميلة لهذا المحتل. ولسائل أن يسأل: لماذا لا تدعم إيران حركات المقاومة في العراق وأفغانستان عوض "التنافس" مع الولايات المتحدة على استمالة حكومات رجعية وعميلة؟ الجواب هو أن إيران لا تتحرك إلا حسب نوازعها الطائفية وهي تعتقد أن الشيء الوحيد للحفاظ على مصالحها هو ربط علاقات جيدة مع هذه الحكومات العميلة لمحاولة الضغط بها في صراعها مع الولايات المتحدة. إن أهم ما جاءت هذه الانتخابات هو تكريس هذه المعادلة التي ظهرت مباشرة بعد احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين وهو أن إيران اختارت التغلغل في العراق عن طريق عملائها ودفعهم نحو الانخراط في المشروع السياسي الأمريكي والتصدي لكل عمليات المقاومة والعمل على التطهير الطائفي والسيطرة على العراق. وهذا ما نراه اليوم ماثلا: حكومة عراقية عميلة لنظامين متصارعين هما النظام الإيراني والنظام الأمريكي. وهو أمر قد لا يبدو منطقيا للوهلة الأولى وقلّ وندر أن شهد التاريخ مثيلا له، لكن هذه المعادلة الصعبة فرضتها في الحقيقة قوة المقاومة العراقية خاصة في بداية الاحتلال حيث لم يعد أمام الاحتلال خيارات عديدة ولم يبق أمامه سوى التعاون مع النظام الإيراني، عدوّه اللدود، للخروج من المستنقع. لكننا نرى اليوم هذا المستنقع يزداد اتساعا وأمريكا التي أسقطت صدام حسين نراها اليوم وكأنها تسلّم العراق على طبق من ذهب لإيران! وحتى احتلال أفغانستان كان إلى حدّ ما في صالح إيران التي تخلصت من غريم لها وهو طالبان التي طالما شكلت قلقا مباشرا لها. من جهة أخرى فإن هذه الانتخابات سوف لن يكون لها تأثير كبير على المقاومة العراقية. فالحال بقي على ما هو عليه وسيظل حبل التواصل مقطوعا بينها وبين الحكومة التي ستتشكل بناء على هذه الانتخابات. لكن يمكن للمقاومة العراقية الاستفادة من نتائج هذه الانتخابات لأنها كرّست الرأي السائد لدى معظم العراقيين وهو أن أحوالهم لن تتغير بواسطة الانتخابات أو بواسطة الحكومة العميلة المنبثقة عنها لأنّ كل المبادرات السياسية التي عقبت الاحتلال غير شرعية، لأنها لا تعبّر عن إرادة الشعب العراقي وإنما هي صناعة استعمارية أمريكية. وبإمكان المقاومة استغلال الاستياء الذي خلفته نتائج هذه الانتخابات وما صاحبها من استفزاز لمشاعر العراقيين ومن تزوير على نطاق واسع ومن انتقادات حتى من داخل العصابة المنضوية داخل العملية السياسية، والعمل على التقدم للشعب العراقي ببديل واضح وببرامج تقطع مع الطائفية وتنير الطريق أمامه. ولا يمكنها تحقيق ذلك إلا إذا قطعت هي نفسها مع الطائفية. فالحقيقة المرة التي يعلمها الجميع اليوم هي أن المقاومة الموجودة اليوم على الساحة العراقية هي مقاومة طائفية رغم الشعارات المعادية لذلك. وهذا يعود بالأساس إلى أن الاحتلال عمل منذ انتصابه بالعراق على بذر الطائفية ورعايتها حتى أضحى كل شيء طائفيا وانتقلت هذه العدوى إلى المقاومة التي انخرط أغلبها في صراع طائفي ووقعت بذلك في الفخ الذي نصبته لها الفصائل الرجعية التي بنت نفسها على أساس طائفي لأنها لا تملك برنامجا سياسيا. وقد لاحظنا خلال هذه الانتخابات تنامي الخطاب الطائفي رغم أن الجميع يندّدون بذلك. وأصبح الصراع حول عروبة رئيس العراق. وكأن عروبة العراق لا يمكن إثباتها إلا عن طريق رئيس عربي بغض النظر عن طبيعة السياسة التي سينتهجها. وهذا يعكس المستوى المتدني التي أضحت عليه هذه الأرهاط التي باعت العراق بأبخس الأثمان وارتمت في أحضان المحتل. فلو خـُيّر مثلا الشعب العراقي بين رئيس عربي عميل وبين رئيس عراقي غير عربي لكنه وطني وديمقراطي فإننا لا نشك لحظة أن الشعب العراقي سيختار الرئيس الثاني. فالمشكلة لم تعد في البرامج السياسية ولا في طبيعة القوائم المتنافسة وموقفها من المشكلة الأساسية التي يعاني منها العراق، أي الاحتلال، بل مع من هو عربي وغير عربي و بين من هو سني وغير سني وبين من هو شيعي وغير شيعي،إلخ. وهو خطاب يعود بنا إلى العصور الوسطى وقلّما رأينا له اليوم مثيلا في أيّ دولة مهما كانت متخلفة. إن العراق اليوم يحتل المراتب الأخيرة في التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وحطّم أرقاما قياسية في ارتفاع معدلات البطالة والجريمة والأمية وانتشار الأوبئة ووفيات الأطفال وغيرها من الأمراض التي تمكـّن العراق من القضاء عليها في عهد صدام حسين حتى أصبح مثالا لمعظم الدول النامية خاصة في مجال التعليم والخدمات الاجتماعية. هذا ما جناه الاحتلال على العراق. خلاصة القول أن الانتخابات الأخيرة هي نفاية أخرى من نفايات مزبلة التاريخ. وهي حلقة من حلقات مشروع الاحتلال. ولن تغيّر شيئا من واقع العراقيين، إلا إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة إقليمية وتزايد النفوذ الإيراني في العراق ومزيد تعميق أزمة الاحتلال ومدى تأثير ذلك على المقاومة العراقية التي مع الأسف الشديد لم تتمكن من العودة بقوة إلى مسرح الأحداث بسبب طائفيتها والخلفية الإيديولوجية الرجعية التي تقود أغلب فصائلها. لكن لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر طويلا وسيتمكن الشعب العراقي إن عاجلا أو آجلا من طرد المحتل وكنس عملائه من أمثال المالكي والجلبي وعلاوي وغيرهم ..
#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب العمّال الشيوعي التونسي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات وتعبئ
...
-
في ذكرى عيد العمال العالمي :ليس لعمال تونس ما يخسرون في النض
...
-
المعارضة وانتخابات 2009: بين الرغبة في خوض معركة ضد الديكتات
...
-
رأسمالية الدولة بين الدعاية والحقيقة..
-
المسألة الديمقراطيّة في تونس
-
الأزمة المالية العالمية ومؤشرات انهيار النظام الرأسمالي
-
21 سنة من الاستبداد والفساد
-
المفاوضات الاجتماعية الحالية:هل ستكون نسخة من سابقاتها؟
-
برنامج حزب العمال الشيوعي التونسي [1992]
-
-العولمة- أو الامبريالية في ثوب جديد
-
على هامش مؤتمر -الحزب الحاكم-:الفصل الأخير من مهزلة بائسة
-
مطارحات حول قضيّة المرأة
-
لمواجهة التصعيد الفاشستي: وحدة كل القوى السياسية والمدنية
-
20 عاما من الوقت الضائع على تونس الخضراء
-
ملاحظات حول المؤتمر الثامن ل-حركة النهضة-
-
موسم اجتماعي جديد: تحديات جديدة ورهانات متجددة
-
جوان: شهر المنع والقمع
-
في تقييم المؤتمر 21 للاتحاد العام التونسي للشغل
-
ملاحظات حول وثيقة -مشروع أرضية لليسار
-
التعددية النقابية في تونس: قراءة في الوثائق التأسيسية ل-الجا
...
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
المزيد.....
|