أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - العنف المقدس وإرهابي طائرة الرئيس















المزيد.....

العنف المقدس وإرهابي طائرة الرئيس


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 2964 - 2010 / 4 / 3 - 09:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كثيرون ولاشك شاهدوا الفيلم الأمريكي "Air force one" أو "طائرة الرئيس"، والذي فيه قامت جماعة من المناضلين من أجل استقلال جزء من الاتحاد السوفيتي السابق، باختطاف طائرة الرئيس الأمريكي، وعلى متنها الرئيس وزوجته وابنته الصغيرة، بالإضافة إلى عدد من مسئولي إدارته. . وكان الهدف من عملية الاختطاف هو الضغط على القيادة السوفيتية، عبر العلاقات الحرجة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، للقيام بإطلاق سراح زعيم تلك الجماعة الثورية المعتقل لدى السلطات السوفيتية. . حَفَل الفيلم كعادة الأفلام الأمريكية بالكثير من المواقف والمفارقات الإنسانية والسياسية، بداية من الالتزام بعدم التفاوض مع الإرهابيين، مروراً بالآليات القانونية والدستورية لتولي السلطة في أمريكا في حالة غياب طارئ للرئيس، ما تمثل في تولي نائبته القيادة، وتحملها العبء الثقيل والمعقد للحدث، بجانب العديد من المفارقات والمواقف الإنسانية الحرجة والمعقدة، لكن مشهداً محدداً كان أهم ما شد انتباهي، وظل طوال فترة طويلة يلح علي لأسجله، وبالأخص كلما تأملت في نوعية ما يرتكب الآن من جرائم عنف مقدس، يرتكبها من يريدون دخول الجنة، بذبح رفقائهم في الإنسانية ذبح النعاج، وهم يُكَبِّرون وكأنهم يؤدون طقوساً مقدسة، تذكرنا بالعبادات البشرية القديمة، التي كانت تقدم ذبائح بشرية للإله، لكي يرضى ويكف غضبه عن الناس!!
كان الإرهابيون وزعيمهم قد اقترفوا العديد من جرائم القتل لشخصيات هامة على متن الطائرة، في محاولة لإجبار الرئيس الأمريكي على الإذعان لهم، ومطالبة القادة السوفيت بالإفراج عن الزعيم المتمرد المعتقل لديهم، لكن إزاء إصراره على رفض الخضوع لهم، قام الزعيم بالتحول لتهديده بقتل زوجته وابنته الصغيرة، باعتبار أنهما نقطة الضعف الإنساني لدى الرئيس، كما هي لدى أي إنسان. . هنا وجدنا الفيلم يعرض لنا مشهداً، هو الأكثر عمقاً وأهمية ودلالة فيما أعتقد. . فلقد انتحى زعيم الجماعة الإرهابية جانباً بابنة الرئيس الطفلة، وهو في غمرة هياجه الإجرامي، فيما الطفلة ترتعش من الخوف. . ليبدأ في الحديث إليها حديثاً إنسانياً، محاولاً تبيض صورته أمام طفلة بريئة مرتعبة. . كان هناك لدى هذا الوحش الآدمي إذن بقية من عقل يدرك به بشاعة موقفه وممارساته، وبقية من إنسانية جعلته حريصاً على أن يبدو أمام الطفلة كإنسان، وليس بالمطلق وحشاً مفترساً ومسعوراً!!
حاول زعيم الإرهابيين في المشهد أن يهدئ من روع الطفلة، بما يكفي لأن تنصت إليه، وتتقبل ما ينتوي أن يشرحه ويسوقه لها من مبررات، جعلته يقدم على ما فعل ويفعل وسيفعل!!. . الأغلب أنه كان يحدث نفسه أكثر مما يحادث الطفلة، مستجمعاً الحيثيات التي تسكن بعضاً من ضمير مازال حياً. . قال لها ما خلاصته أن أبناء وطنه يسعون إلى الحرية والاستقلال، وأن جرائم كثيرة بشعة قد ارتكبت في حقهم من قبل السلطات السوفيتية، وأنه قد نذر نفسه وحياته من أجل تحرير قومه، ومن أجل حقهم في حياة كريمة. . بعدها أتى إلى فكرته المركزية، التي هي بالتحديد ما يهمنا في هذا المقال، وهي أنه مضطر لارتكاب ما شاهدت من جرائم بشعة، من أجل هدف سام نذر نفسه له!!
هنا ينبغي علينا أن نتوقف ونتأمل الأمر ملياً، ليس لكي نتقبل أو نتفق مع ما ساقه الزعيم الإرهابي من تبرير لجرائمه ضد الأبرياء المسالمين العزل، ولكن لنفرق بين هذه النوعية من الإرهابيين الراديكاليين المسوقين بقناعات أيديولوجية قومية، وبين إرهابيي الشرق الأوسط، الذين يقتلون بوحي من مفاهيمهم الدينية!!
زعيم الإرهابيين هنا حسب ما أوضح لابنة الرئيس الطفلة يقترف القتل وهو يدرك أنه يرتكب جريمة وإثماً عظيماً، لكنه يقدم على هذا مضطراً (كما يقول) من أجل هدف سام هو تحرير قومه من عبودية النظام (السوفيتي). . بعبارة أخرى يكون توصيف الإرهابي ذاته لممارساته هو أنها "أعمال قتل إجرامية"، تجعله يخجل من نفسه، أمام طفلة ترتعش خوفاً وهلعاً مما يقترف، أما لماذا يرتكب أفعالاً هو نفسه يدينها، فهذا أمر آخر لا يمكن بالطبع لأي إنسان متحضر أن يقره عليه. . فمهما ساقتنا الحياة أحياناً لوسائل تتناقض مع الأهداف، وتعللنا في بعضها بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، فإننا بالطبع لا يمكن أن نذهب في هذا الاتجاه إلى حد قتل الأبرياء، من أجل تحقيق أي هدف مهما كان سامياً أو مشروعاً!!
نركز فقط على نقطة واحدة محددة، أن هذا النوع من الإرهابيين تبقت لديه بقية من عقل وإنسانية، تجعله يدرك أن قتل الأبرياء جريمة. . أما إرهابيي التأسلم السياسي، فالقتل بالنسبة لهم غاية في ذاته. . هو جهاد يستحقون الإثابة عليه في الآخرة، بالمزيد من حور العين. . قتل الأبرياء هو فريضة كانت غائبة ردحاً طويلاً من الزمان، كما سطر لنا "عبد السلام فرج" في كتابه "الفريضة الغائبة"، وها قد عادت وازدهرت فريضة القتل في شرع هؤلاء، الذين القتل لديهم ليس مكروهاً يرتكب من أجل هدف سام، وإنما القتل في ذاته هو الهدف، وهو الإنجاز والقربان الذي يقدمونه للإله، لكي يجزل لهم الأجر والثواب في جنات الخلد!!
نحن هنا إذن أمام قتل وعنف مقدس، ولسنا أمام حالة اضطرارية، تؤدي بالبعض من المتحمسين أو المتهوسين إلى ارتكاب جرائم، مدفوعين بظروفهم أو ظروف أهليهم السيئة، فلو كان الأمر وفق الحالة الأخيرة، لتعلقنا بالأمل في حل المشاكل الحياتية لهؤلاء الناس، حتى لا يخرج من بين ظهرانيهم ثوار ومناضلون، يرتكبون الجرائم اللا إنسانية خلال سعيهم للتحرر. . لكن ماذا يمكننا أن نفعل إزاء هؤلاء الذين يقدسون العنف والقتل في ذاته، ويحتاجون باستمرار إلى ضحايا، لكي يقوموا بنحرها تقرباً من الله؟!!. . كيف نقنعهم بوصية "لا تقتل"، والتي هي أول ما توصل إليه الإنسان، فور مغادرته الغابة، ليسلك طرقاً ومناهجاً مختلفة عن طرق ومناهج الضواري؟!!
من يخبر هؤلاء أنه حتى الضواري في الغابات لا تقتل استمتاعاً بالقتل، وإنما لا تتعدى حدود الحصول على طعامها، وأنها لا تقتتل فيما بينها حتى الموت، وإنما يكتفي الطرف المنتصر بتراجع غريمه معلناً الهزيمة، وعندها يتركه يذهب إلى حال سبيله؟!!
متى ندرك جميعاً أن هؤلاء لن يذهبوا بنا جميعاً سوى إلى الموت والخراب، وإلى ما دون الحيوانات أخلاقاً وسلوكاً؟!!
مصر- الإسكندرية



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان للتوقيع من علمانيين مصريين
- خربشات طفولية- 1
- بيان علمانيين أقباط- مازال مفتوحاً للتوقيع
- أجنحة الغياب- قصة قصيرة
- تغيير أم صراع على السلطة؟
- عندما يتناقض الدستور
- ثقافة الصدام المنقرضة
- البلطجة باسم الإله
- نحن والوطن
- الإخوان واستراتيجيتهم الحربائية
- -عنزة ولو طارت-
- هل نعشق الحرية؟
- المرأة والرجل والسيرك
- محاولة اختطاف البرادعي
- تشريح جثة التخلف
- كتاب كمال غبريال: العولمة وصدمة الحداثة
- حركة كفاية والمهزلة الحنجورية
- إشكالية الفتاوى الدينية
- أزمة الإنسان الشرقي
- فرصة ذهبية للمشاركة


المزيد.....




- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - العنف المقدس وإرهابي طائرة الرئيس