|
رؤى ورقَةُ القوافي في زمكانية (وتَر المنافي)
حامد كعيد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 2962 - 2010 / 4 / 1 - 01:16
المحور:
الادب والفن
نشرت الصباح الغراء في ملحقها للثقافة الشعبية العدد 1703 الصادر في 16 حزيران 2009 م قصيدة للأعلامي والشاعر المبدع (حمزه الحلفي) تحت عنوان(وتَر المنافي) ، وأبتداءاً أقول للأصدقاء المحررين والمشرفين على ملحق الثقافة الشعبية ، لماذا أوطرت القصيدة برسالة للفنان الكبير (كوكب حمزه) ؟ والمتعارف عليه أن الرسائل وشائج بين المرسل والمرسل أليه ولا داعي لأقحام المتلقي بفحوى الرسالة لأنه غير معني بها ، كان الأجدر بالشاعر (الحلفي) مهاتفة المرسل أليه أوكتابة رسالة يقول فيها ما يريد , وأن جهل عنوان المرسل أليه فما عليه ألا تسليمها (للروضة) – مقهى دمشقية- وستصل حتماً ل(كوكب حمزه) ، لأن (الحلفي) حرمني أنا شخصيا ًمن سبر أغوار القصيدة وأستخلاص رؤاها دون الرجوع أو التمعن بقراءة الرسالة التي أفصحت عن مكنوناتها دون عناء من المتلقي ، وألتمس العذر للشاعر(الحلفي) فلربما أراد أخراج رسالته عن شخصانيتها ليجعل المتلقي عوناً له لأيصال مايريد ل(كوكب حمزه) ، ولو أكتفى الشاعر بالمناجاة التي رتلها المبدع (كاظم غيلان) في محراب (وتر المنافي) لأدت الغرض ولربما أكثر من الرسالة أياها . (وأنتهت بيك المسافات البعيده بليل صافي / ووكرت حطيت حملك / جنطه مليانه صبر / وّي عود أخرس / باكت ألسانه المنافي) ، مدخل وأستهلال رسم من خلاله كينونة الغربة عامة والمخاطب خاصة والذي يحمل سفره حقيبة من اللوعة والصبر وعوداً أخرس ، وهنا المحطة الأولى –الرسالة- التي يؤشرها الشاعر ل(كوكب حمزه) ، فالعود لا يمكن ألا أن يكون ناطقاً ، والمعروف عن (كوكب حمزه) غزارة أنتاجه قبل الغربة القسرية مقارنة بنتاجه الأقل الذي وصل ألينا عن طريق الأذاعات العربية وأذاعة صوت العراق الحر آنذاك ، وما يبعث به لأصدقاءه داخل العراق ، ومنهم صديق حلي-الصكر- الذي كان يوزع لنا خلسة بين الفينة والأخرى مايصله من (كوكب حمزه) ، لقد درس الشاعرالحلفي (كوكب حمزه) فسلجياً فأنارت له المحطات لدى الأخر –كوكب- و(كوكب) مسكون بالعود والأبداع ، وهنا أذكر عام 1968 م قبيل الأنقلاب الأسود ، زواج أحد أصدقائنا –هجول-ومعلوم أن زفات الخميس طقوس -وما أجملها- أشار أليها الراحل (كاظم الرويعي) بقصيدة باعثاً أياها من غربته لأحبته في (المدحتيه) قائلاً (أشلونكم / أشلون زفات الخميس / أشلون روبيانه) وروبيانه نهر يخترق مدينة (المدحتية) ، وزفة صديقنا تأخرت لعدم وصول (كوكب) قادماً من بغداد لأنه في المراحل الأخيرة لدراسته في كلية الفنون الجميلة ، وحضر (كوكب) متأبطاً عوده ليعلن أبتداء مراسيم الزفة منطلقين لمدينة كربلاء المقدسة عائدين للحلة-طقوس حلية- لأكمال مراسيم الزواج ، وأوتار (عود كوكب) لم تصمت لحظة واحدة ، متخذين من مثابات التوقف التي جعلناها أجبارية لننهل من (كوكب) وأغانيه وعوده الشفيف ، أذن أستطاع (الحلفي) فسلجياً وتحليلاً لشخصية (كوكب حمزه) وبما أن العود جبلته الكلام أذن على (كوكب) أن يحمل في جيبه مايناغي به عوده ، فكانت قصائد المغيب الشاعر العراقي الكبير (أبو سرحان) وقصائده الحديثة التي يبتعد فيها كثيراً عن النصوص الكلاسيكية الجاهزه ، وهذا مايحبه (كوكب) لذلك شكلا ثنائياً يندر أن يتسنى لآخرين ، وكينونة (كوكب) متعددة المشارب العود ، السفر الدائم بل قل الغربة الدائمة سابقاً ولاحقاً ، عشقه الغير منقطع لكل ماهو جميل الوطن ، الأم ، اصدقاء الطفولة والشباب ورفقة الدرب السياسي الطويل سجناء وأحرار ، والحبيبة ، وكأن مالحنه الكبير المرحوم (كمال السيد) ،مناكدة ومكايدة ل(كوكب حمزه) أن مره يوم بلا حبيبة تؤنس وحدته فكانت أغنية (أجه المطر وأنت بلا حبيبه) ،(شيل كاسك / وكاسره أبخيط الفجر / هسه أبتدت / وأشرب بصحتك عوافي / لاتكل للخمر كافي / ولاتكل للسهر كافي / ولا تكل للعود كافي / ولاتكل للبوس كافي) ، وهذا (كوكب) قامة من الأبداع العراقي الوطني المتجذر نخرته الغربة والأسفار فأحالته لليل وثقله ، والخمرة ونشوتها ، والنساء ومكائدها وسحرها، والغناء الذي ينبع من رحم الوجع العراقي الغير منقطع ، وما يقتل قبل كل ذلك الوحدة المرة وجهنمها اللاهب ، (يل مشيت لوّحدك / صيف أعله صيف / بلايه كلشي / وسجة حزيران ماتعذر الحافي) ، مع ملاحظة (بلايه كلشي) التي جسدت الوجع وجذرته هوية يحملها المغترب ليطوف منافي الدنيا القسرية سابقاً والطوعية التي أختارها (كوكب) لاحقاً ، (وهذا عمرك / كله عمرك / مانمت بحضان ليلك / بعت جفنك للصبح / وتكلي غافي) ،وعودة لما قبلها (أشكد ثلج غافي أعله شعرك / وأنت دافي) ، في هذه الزحمة من الصور المتخيلة التي لا تعطي للقارىء أو المتلقي حرية الأستراحة راسمة وبمرارة عراقية صميمية (مانمت بحضان ليلك / بعت جفنك للصبح) ، تركيبة صورية ساحرة تقودنا رمزيتها الآخذة ل(ليل الشته يهواي) ، فأنى للصور المباشرة أن توقع شباكها السمجة على الصور الحسية المقروءة بشفافية ورمزية غير مغلفة ليفض القارىء الواعي بكارة الحروف عن صيرورتها الشعرية ليصل لمكامن الألم والغربة والتشرد والضياع ،(كوم أفتح للشمس / ضيف أعله بابك / ضاويه وتشبه ضحكتك / وصافيه أشلون أنت صافي) ، من هذا المقطع ومقاطع أخرى سنصل لها يفتح الشاعر أبواب رسالته المتعددة الأغراض ليوصلها للمرسل أليه ، (كوم أفتح للشمس) فالشمس هنا رابطة العقد بما قبلها وما سيأتي بعدها ، فالشمس نور والنور بكل المعايير فطرة والفطرة مدعاة للأخرين لأستغلالها نحو مقاصدها الخيرة ليطوعها رقياً وخيراً يعمان البشرية أجمع ، والغرض الأخر تحريضيٌ لمسك زمام المبادرة مجدداً فالثلج أكتساه الرأس الكوكبي ، (أنت من تروح / أتخضر ألف كوكب بنفسج / وريحة بخور / ووسم حنه وجفافي) مذكراً للمرسل أليه بعودة أستطرادية لتكسب القصيدة روعة وحلة جديدة بعودة موفقة لما يكتبه الشاعر ليبوح بها جملاً مضمخة بالصدق والعفوية (مارويت من العطش / يوميه غربه / تنام غربه / تصحه غربه / تمشي غربه / وحتى أمانيك غريبه أعله الأماني) ، بهذا النسغ المتصاعد يصل (حمزه الحلفي) لبيت القصيد كما يسمونه الشعراء ، وبيت القصيد كما أزعم (لا تظم الغنه بصدرك / غني بيه الليل بعده أبأوله / والشعر هد روحه هسه / وكله أجاني) ، لست أدري لماذا أستوقفتني كثيراً (الشعر هد روحه هسه/ وكله أجاني) فأي مَلَكَةٍ حركت شياطين الشعر لدى (الحلفي) ليبزغ في فجر (وتر المنافي) عمود النور ليطفىء ليل الوحشة في تردي شعر المنصات الخائبة أيامنا السوداء هذه ، وهل ستتقبل الذائقة المتردية صوراً تنويرية ك(مشط أوتارك بأصابيعك / كتلها الشوك من اسنين / جلمتها أعلى شفتها وتتاني / لاتظم الغنه بصدرك) ، وكما أشرنا سلفاً لقصدية (الحلفي) لأستنهاض (كوكبه حمزه) ليمشط أوتار عوده الذي أخرسته المنافي والسنون ليستنطقه شوقاً ولوعة وحنيناً ووفاءاً والكلمات على شفاه أوتاره تنتظر من يطلقها من آتون قمقمها ليخرج ماردها الذي فجر (آبنادم والطيور الطايره والكنطره بعيده وحاصوده) وغيرها من الروائع التي كانت فاكهة لجلساتنا الحميميه الصادقه-ما أحلاها- مدغدغاًعواطف (كوكب) ليقول (أشكد مسافة شوك بيك / أتفر على القاسم صواني / تغفه بالعشار ليله / وتشبك أوداع المواني) ، ولأن (حمزه) كما قلنا درس تركيبة المخاطب –كوكب-وعرف من أين يفجر حنينه الداخلي فكانت (القاسم) الطفولة والشباب والصحبة والرفقة و(العشار) محطة الوظيفة الأولى –معلم موسيقى بمدرسة للبنات متصورة تربية البصرة آنذاك أن أسم كوكب معلمة أنثى-وبروز أسمه كملحن حاز على الجائزة الأولى مناصفة مع الراحل (كمال السيد) في مسابقة للأوبيرتات المدرسية ، (غني بيه الليل ياكوكب طويل / يريد خاطر / وغني بعناد السهر / أتنام وكحه / وماتفز ألا أعله باجر) على أن هناك خيطاً مرئياً يشد (الحلفي) و(كوكب) لصاحب المعلقة أمرؤ القيس (ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلي / بصبح وما الأصباح منك بأمثل) فأين الصبح منكما -ومنا- أيها الطائران ؟ وهل ستغادران ونحن معكم (البلور والريان) ؟ ،(وكاس يترس كاس / والواهس يكاسر) ، وهل يمكن مغادرة (باب توما) وأبواب الضياع الأخرى الملونة (طويرات كاع / أشكد خذن حسرات منك / ويّ دخان الجكاير) ، وبعد كل هذا وذاك والمعاناة والسفر اليائس من كل شىء ألا من حقيقة تجذير المأسآة العراقية وعولمتها وبلورتها وتهيأتها -(للنايمين للظهر حاضر أمحضر)- ناقلة لكل الدنيا صورة شعب أستبيح ويستباح ، (سافر أبجنح النهار أعيونه تحجي / ولا تصدك بالظلام الليل أخرس / ونسة المضنوك يفرح / وأنت ليش أويّ الحزن دوم أتونس) ، تعال أيها الوتر الغريب الذي تعاضدت على أخراسه دكتاتورية غاشمة ، فلا تكن أيها (الكوكب) الوتري عوناً للآخرين على نفسك لِلَجم أوتارك ، ألم تقل بجلسة ضمتنا الحلة الفيحاء فيها عام 2006 م في ليل شتائي وأنت تسنُ هممنا وتقول سأعود للعراق فلاحاً في أي أرض بور، أو عاملاً أحمل فوق رأسي طاساً للبناء ، وسأطلِقُ الليل وكؤسه ودخانه القاتل وأدعوا أصدقائي ومن أحب لنبذ ترفهم لبناء العراق الجديد ! ، ترى هل صُدمت كما الأخرون بعراق يقتات بقتل أبنائه ويتبجح بطائفية سياسية مذهبية ، ومحاصصة حزبية ضيقة ، لتحيل العراقيين لرماد لاتذروه الرياح ، (ماترد يامن عذرتك / أنزع الغربه وتعال / وجيب عمرك / كبل ليدك الجرس) ، بعد كل ماقاله (الحلفي) نجد أنه قد ألتمس لصاحبه العذر في بقاءه مغترباً طوعياً (ما ترد يامن عذرتك) ، أن اللعبة الشعرية والفنية التي مارسها (الحلفي) في (وترالمنافي) تأجيله لما يسمى ب(ثريا النص) وجعله نهاية قصيدته داعياً صديقه (كوكب حمزة) للعودة قبل أن تقرع أجراس الرحيل .
#حامد_كعيد_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يومية أنتخب
-
صبر مفطوم
-
روض
-
مشهد الشمس وطقوسه الحلية
-
العراق الفاز / مهداة للحزب الشيوعي
-
أوتارٌجبهويه *
-
واقع أم خيال حلاق بيد واحدة
-
الحلة الفيحاء وأعياد أيام زمان
-
تباً للسيلسة / مهداة الى العراق العظيم
-
حرامي الضحاك
-
الشاعر عبد الصاحب عبيد الحلي /تجربة رياديّة ضاجّة بالعطاء
-
عيون الشعب
-
سالوفة فَخر
-
ويلاد مريدي
-
الخيط والخويطات
-
ديوان البخيت
-
التمرد على المألوف في القصائد الشعبية ( النهد انموذجا)
-
أضلوع السجن
-
بعيداً عن الضجيج ، قصائد تخترق الشغاف
-
حوارية الدموع في قصائد موفق محمد الشعبية
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|