أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - قصة قصيرة :نحن من قتلنا الرفاعي















المزيد.....

قصة قصيرة :نحن من قتلنا الرفاعي


بديع الآلوسي

الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 01:40
المحور: الادب والفن
    


نهار حزين  حزين  وسوء ما بعده من سوء ..صبرا ً ياروح على هذا البلاء : هذا ما ردده العم إبراهيم وهو يشاركني العزاء

******************************************************************                                          
......لكن السكون العميق يهيمن على المكان الذي سيسمى فيما بعد بتلة الرفاعي والمطلة على الوادي الممتد نحو قريته الهاجعة تحت رماد الزمن وغموض الأسرار والعزلة . أجل ان تله الرفاعي موحشة ليلا ً لكنها مليئة بشقائق النعمان والكمأ والحصى الأبيض وروث البهائم.
الكل يعرف إن الرفاعي ليس مجنونا ً ، حتى الأطفال المتطفلين والذين يزعجونه وينعتونه :ابو خيوط . ..هو الوحيد من كان يجرء وبلا وجل صعود تلك الرابية التي نرهبها ليلا ً،، هذة هوايته المليئة بالتفاصيل الصغيرة . قلت اجل نحن جبناء .
قال العم ابراهيم : ربما له علاقة حميمة بالجن .
هكذا يتهامس اهل القرية ، هوذا كعادته ، اراه في المقبرة يتنقل بين القبور ويبكي ،اتوقف لأسأله ـ تبكي مَن يا ....
عجبت كيف ان اهل القرية متفقين على انه سوف يجن ويتيه في الظلام مع الوقت ،،هكذا اذن انهم يرون ما لا ارى .
اشعر بالتعاطف والوجع احيانا ًوتختلط الهواجس في رأسي خاصة ًحين صرح لي : إن الله لا يحبني .
زادت الأقاويل مع تصاعد وتيرة الحرب وأحباطاتها ،،أختارالعزلة وزداد صمتا ً ، حينها خفت علية وحاولت التمسك به ، نعم إن ضاع ستنثلم روحي .
فارقني الخوف وشعرت بالغبطة حين قال لي العم ابراهيم : ستحل اللعنه بنا اذا تخلينا عنه او سخرنا منه ، علينا ان نخاف الله .
الوقت يمر والحرب لا تستقر او تهد أ ، وطبعا ً انها خلقت هموم جديدة وقتلت الأحاسيس والرغبات ، اصبح الرجال يتوافدون ويختفون ، الملفت إن لهاث وعشوائية الكارثة وستفزازها جعلتنا نكتشف معنى القلق . بدأ ينتاب الرفاعي الفزع من قصف الطائرات وتعكر أمزجتنا وتساع المقبرة وختلطت عليه الأمور بغموضها وما حفت به من أسئلة .
هو كعادته يستدرجني الى ما يقلقه ، زاد اندهاشي حينما سر لنا البارحة بأحدى همومه ألحالمة .
ـ اني احب هند العرجاء .
قال العم ابراهيم : إنها لك ولكن بعد إنتهاء الحرب
نفر منا باكيا ً ، قلت لنفسي : أذن نشوة الحب لا يلتقي بالخراب المفرط ؟.
لم يتغير الرفاعي كثيرا ً لكنا جميعا ًتطلخنا بالبلادة وتحملنا غموض الهباء بسذاجة وصرنا لا نخاف الله .
لا أدري لماذا هند العرجاء افقدتني الثقة بنواحها وعويلها قلت :لولا انها لم تفقد أخاها في بداية الحرب لربما تزوجت ونخرطت في تفاصيل الحياة ؟.
روحي إكتشفت مع الوقت ان الحرب مست بحريقها وخيبتها حتى البلهاء البسطاء من خلق الله .
الشيء المؤكد لنا جميعا ًهو إن الفرح قد شح وستسلم الجميع للمجهول والخذلان .
الرفاعي اصيب بالذهول وتزايدت آلامه وهذياناته ولم اخف ِ خيبتي .
قال العم ابراهيم : لا تقلق ...متى تنتهي الحرب ستتبدد هذياناتنا .
نعم لقد كنا نتفرج ولم نرفض الحرب وها نحن نتحمل وزر مواقفنا الموءودة .
هاجسي الأول ان لا اتخلى عن الرفاعي ، تَركنا و غاب ، حقا ً هجر القرية الى تلته ، كنت اعرف انه يلتقي بما يدهشه وأفرح لهم ، قلت : ليس من ضرر أنهم ابرياء .
من بعيد ميزت ملامحه ، لحضات وهو يبصرني بتساؤله الحذر :ماذا تعني الحرب ؟
اقترب مني وهمس : لماذا الأطفال يركضون ورائي ويصرخون جبان ؟
أضطربت هواجسي وخطر في بالي ان أقوم بما هو ضروري ، الهرب معه الى اي بلدة اخرى ربما الى......
لا اعرف ماذا افعل لأجعله اكثر هدوئا ً او لأحد من وجله المتنامي .. وحشية الحرب ربما ستطول وتنهيه او تنهيني ، لكني كنت أمني النفس : لا ..النار لا تطيل الملائكه . هكذا كنت حاسما ً في كبح ما ينتابني من هواجس غريبة .
اتفرج علية ،،ابتسم له ، فهو رغم كل ما يحدث من عنف يرهب الحجر كان متشبثا ً بهوايته في تحويل المقبرة الى باحة مكسوة بالزهور .
واصلت الحرب فجورها ورمت ظلالهاعلى ارواحنا الدكناء المطعمة بالجبن والبؤس . من اين تجيء الراحة وأذرع القتله بدأت تتغطرس على الرفاعي ..لم اعر إهتماما ً لذلك اول الأمر . ماذا افعل الأن ورجال مسلحون غرباء يختفون ويعودون بحثا ً عنه ؟ .
خطرت في ذهني فكرة ابعاده ، بحثنا عنه وجدناه نائما ً في المقبرة ، صحى ضاحكا ً على همهماتي وصوت العم ابراهيم .. نظر الينا ، ظن إنا سنخبره بنهاية الحرب التي أربكتنا ، وأدخلناه في الدوامة فليس ما يسر او يدعو الى التفائل .
ـ ستموت يارفاعي ، عليك ان تهرب .
بوداعة قال العم ابراهيم : أختفي لنرى ما سيكتب الله لنا من قضاء .....
من يستطيع ان يفهمه حينها إن الأمل بدأ يتضائل .
ـ لماذا سأموت ؟
وقبل فوات الأوان .. هرب وأختفى بين الأحراش والأدغال متواريا ً عن الأنظار .
كان كل شيء هادءا ً ذلك المسا ء ، يومين وفاجئنا بعودته غير المبرره بشكل واضح ،،شعر بالقرف ، عاد .. كاسرا ًطوق عزلته ، راميا ً نفسه في فراغ الزوبعة المفاجئة،،نعم إستجاب الى قدره . هاجس الحياة والموت إنطفأ في قلبه ،،ونام في مخدعه المهلهل عدة ليالي مصغيا ً لأفعى النعاس , دخل المتاهة بلا هدف مستسلما ً لما سيحدث ،،لم يشعر بالألم لكنه حتما ُ لم يتحرى الفرح المفقود حينها .
رغم مرور ثلاث ايام من اختفاءه مع المسلحين لكن كلماته ترن في قلبي : انا جبان ...أنا أخاف الموت .....أنا ....
نهضت القرية على صراخه المشحون بالرهبة ،،كان ليلا ً إستثنائيا ً ،حتى في حلكته ،،عرفت انهم القوا القبض عليه ، لم يتداعى كما ظننت ،استقرت عيناه على البنادق الكريهة ، مكثت ارصده ،قلت في نفسي : آه ، كم انتم مجرمون .
اراد العم ابراهيم ان يقبله لكنهم منعوه ،، كانت عواطفي تغتال بصمت .
ها هو يتعثر ويتلاشى مع الريح والظلام الذي بلا شفاعة .

عاد الهدوء الحذر يكتنف المقبرة والتله ويفاجئني صوته الذي لا ينعم بالسلام والهناء ،هل انتحر هذا المساء..؟.......اغتنمت الفرصة وقلت لهند التي لا تتوقف على النواح : لا يخيب ظنك بالله الواحد الأحد........
حينما اتذكر طفولة الرفاعي وحبه للرقص حافياً امام الشفق، يومها كان يضحك ويطالعنا مردادا ً : هل تحبوني بحق ؟ ،،،عجيب كم كان محبا ًللأسئلة الواضحة المشاكسة بوجل .
ريثما نكتشف معنى لوعة الفراق ، كنا نخدع انفسنا بتجليات الحاضر الذي يربكنا .
قلت للعم ابراهيم : يجب ان نفعل شيئا ً .
انهمرت دموعي رغما ً عني ،، قلت سيعودون ..... وصرت أتخبط في الظلمة.
لم يخطر في ذهني ان يختفي العم ابراهيم عن تفاصيل حياتنا بسبب تلك الفاجعة ، نعم توارى هو الآخر عن التناقضات الموحلة والتي تكتنف القرية وتباغتها .
لعنه وكابوس الحرب وأختطاف الرفاعي قتلت في قلبي المسرات وكسر ظهري  : هذا ما إعترف لي به فيما بعد .
صهيل الشر المهلك والذي يحدق بنا يذكرني بأضرام النار في الهشيم ، حولت الرهبة هواجسنا الى رماد ودخان ونطفأ شغفنا و تأملنا للعناصر الجديدة للمصادفات.
عجبي الوحيد ، حتى التله الأن اكثر وحشة وكإن اختفاء الرفاعي قلب حياتها الى جذب ،، الأسئلة تجرفني ، لكن اين هو الأن ؟،، ماذا حل به ؟،،هل وجد تلة اخرى ؟،او هند اخرى ؟،، متى .... ؟
كنا سعداء حين نرى الجنود يعودون او يمرون بالقرية ،،نستوقفهم ونسأل :هل هو بخير ...هل تعلم حمل السلاح ،، هل صار يحب القتل والقتال ؟ ، هل عرف العدو  ..هل ..؟
الزمن يمر فاتت الأيام بتثاقل ،،اتتنا اشاعة تقول :انه مشغول بنا ويسأل عن احوالنا .... فرحنا وقلنا : سيرحع محملا ً بالحكايات ... ربما تعلم شيئا ًمن خرافة الحرب الملعونه .
أغتيل أملنا ،، وبدأ الملل الغامض يتزايد مع هيجان مسلسل الموت السخي بعنفه ،،دخلنا في شروخ الوجل وفقدنا الرجولة.
القرف الثقيل من امر هذه الحرب جعلنا نتمنى إنتصار الأعداء ... العبث طالنا، حتى الموت النادر بقدسيته تحول الى امر ٍ بديهي وتجاوز حدود وعينا في التأويل .
ما كدت اتذكر ذلك اليوم حتى ينتابني الضجر والأسى والشعور بالذنب ، وأنا انقله على كتفي ،،كان خفيفا ً ، نعم الحيرة لفت عقلي حين اتوا بالرفاعي مكللا ً بالأهازيج والعيارات النارية .
عاد ،أجل.. عاد الى قريته بعد ان لمسه الموت بالعدوى ، قال لي العم ابراهيم : حقيقة الفراق المجهول تربكني....البقاء في حياتك .
هكذا إذن غادرنا بالرفاعي والى الأبد ؟ اتدرين يا هند ماذا يعني ذلك ؟
يومها انشغلت بمعنى الأغتيال ،لم تندمل جروحي ولا التساؤلات التي لها رائحة العفن النافذة ،، صار الجواب عسيرا ً ، كيف تركناهم يأخذونه الى المذبحة ؟.
لكن اليوم وبعد اربعين يوما ُ ، تارة ً ابكي وتارة ً اضحك معه ... لا افهم ماذا حدث ،،انينه الذي لا يفهم سره يصلني عبر الأشارات . تذهلني الحياة لكن آخر جملة سمعتها منه في ذلك اليوم المشؤم ما زالت عالقة ترن في ذاكرتي وتسلبني الأرادة : لماذا تبتعد وتتخلى عني يا .... ؟
الغثيان يطاردني ، اصبح خلاصي بالإعتناء بضريح الرفاعي ،صعدت الى التلة ابحث عن اثر له ، حينها وجدت المكان يكتض بالبشر ،اخبرتني هند وهي تبكي : جاء الرفاعي وأبلغني انه يتمنى ويدعو لنا بالخير .
خاب ظني ، لم ارى في الوجوه غيرالخراب ،،همس في اذني العم ابراهيم : صدقني رغم خسارتنا للحرب لكن الله احبه.
نعم هنالك زمن للحب والأوهام والذكريات والذل والأحلام والصمت والبطولة والموت السخي ايضا ً .
ـ كيف ؟.... ونحن من قتلنا الرفاعي.
ـ لكي لا يرى ما هو أعظم ، وستنبأك الأيام بما ينتظرنا من خيبة............

أجل ،هنالك زمن لغرباء الأطوارالذين من تفاصيل ما هو مذهل ضحكوا ،، الكل يعرف إني ليس مجنونا ً حتى الأطفال المتطفلين والذين صاروا يزعجوني صارخين : هَي ..هَي مخبل . ؟.. بين التشاؤم والخيبة إنزلقت  روحي إذن ؟.
سألت العم ابراهيم بحيرة ووجل : هل سيطاردني عصاب الهوس الغامض الذي مس َاخي وتوئمي الرفاعي ..................؟



#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا ً / بلا ميعاد / ماعاد كما
- قصص قصيرة جدا ً : منعطف / هل ....
- تأملات بعنوان : لقاء افتراضي معهم
- قصة قصيرة : المطارد
- قصة قصيرة : غبش الأنتظار
- قصة قصيرة جدا ُ : حياة بين قوسين
- قصة قصيرة : بلا تردد
- رسالة الى بيكاسو
- قصص قصيرة جدا ً : تداعيات في البئر
- ( بول كلي ) وموسيقى اللون
- تباريح الشوق
- حكابة ( الخنجر )
- اربع قصص قصيرة جدا
- موعد ألإمبراطور مع الذباب
- تأملات في ما قبل النصب وما بعد الحرية
- المنحوته المنحوسة
- بين الحلم والواقع شعرة
- حيرة الغرانيق
- تشكيل اللوحة انصار للعقل
- آه ...جورنيكا


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - قصة قصيرة :نحن من قتلنا الرفاعي