|
حديث عن العالم الافتراضى
محمود عبد الحى
الحوار المتمدن-العدد: 2960 - 2010 / 3 / 30 - 23:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هو عالم لا يقل خطورة و غموض عن العالم الحقيقى,هو اكبر دليل و برهان على امكانية المحدود خلق اللامحدود فبينما خلقة العقل البشرى حتى فشل و عجز عن تصور قدرة اختراعة و تاثيرة علية من جميع الجوانب و الجهات.
قبل اربعين سنة قبل أربعين سنة، وُلِد الفضاء الرقمي الافتراضي المشبع بالذكاء،عندما استطاع فريق علمي بقيادة ليونارد كلاينروك الربط بين كومبيوترين في جامعتين أميركيتين.
قال كلاينروك كلام غريب و ذو دلالات كثيرة : عند ولادة الفضاء الافتراضي، لم نقل "إنها خطوة كبيرة للإنسانية" كما فعل رائد الفضاء نيل ارمسترونغ حين خطا على القمر.
الجدير بالذكر انة تزامن مع دخول الانسان للفضاء الافتراضى الرقمى تزامن من خروج الانسان من الارض للانتشار كونيا عبر وصل الانسان الى سطح القمر.
انه فضاء الكلمة لا تحتاج الى شرح فهى تقدم نفسها بنفسها من اتصال عقلين اصطناعيين يقومان على فكرة محاكاة الذكاء الانساني والتشبيه عليه (بمعنى أنهما يحملان شيئًا ما عن حقيقة ذلك الذكاء، من دون أن يكوناه فعليًا)، وُلد فضاء افتراضي مملوء بتلك العقول "المحاكية".
نتذكر هنا حكمة توراتية تقول :إن النسخة الشبيهة لا تخفي الحقيقي البتة، بل إن الحقيقي هو الذي يخفي واقع عدم وجود شيء حقيقي. إن النسخة الشبيهة هي حقيقية.
استخدم هذة الحكمة المفكر الفرنسى جان بودريار في كتابه النسخ الشبيهة والمحاكاة و يعتبر بودريار من اوائل من لمح تاثيرات الوجود الافتراضى على الانسان,فشرح مفهومه عن "الواقع الفائق" Hyper Reality، الذي يصف العيش الحاضر المتمازج بين الإفتراضي والحقيقي
سرعان ما امتلأ الفضاء الافتراضي بالذكاء البشري فعليًا، وصار مساحة للتلاعب والتفاعل بين الذكاء التشبيهي للفضاء الافتراضي وعقول البشر . ثمة مثال شديد السخونة عن عيش الواقع الفائق حاضرًا، المملوء بالتفاعل وتبادل الأدوار بين الحياة في فضاء الإنترنت والإنسان نفسه، هو مواقع المحاكاة الافتراضية (أو التشبيه الافتراضي) مثل موقع "حياة ثانية" Second Life. يشبه الأمر افتتاح تاريخ جديد لعلاقة غير مسبوقة بين الإنسان و"فضاء ذكائه" في زمن ما بعد الحداثة. أيّ علاقة لذلك الإفتتاح المذهل مع مفهوم الفضاء نفسه عند البشر؟
كان لوكالة "داربا"دور كبير و فعال فى ولادة هذا العالم فقد قادت فريق عمل كلاينروك وموَّلته، حتى ظهر للبشرية اول فضاء افتراضى فى التاريخ عبر شبكة "أربانت" التي ربطت بين الصواريخ الاستراتيجية الحاملة للرؤوس النووية ذات الدمار الشامل. لقد كان ولادة الفضاء الرقمى تحمل بين طياتها قوة و عنف كبيرين , مثل خفاء صراع القوى الهائل في ألق الاحتفال بالسير الأسطوري على القمر. استطرادًا، يقفز إلى الذهن فورًا وصف العنف بأنه قابلة التاريخ، وقد وصل إلى ماركس من هيغل، لكن الماركسيين لم يفهموا العنف إلا بأشكاله الأكثر رداءة. وأيضًا، ساهمت "داربا" في إعطاء البشر مكانًا "شبيهًا" في الفضاء. إذ أنشأت تلك الوكالة نفسها في عام 1957 للردِّ على التحدي الذي رمى قفازه الإتحاد السوفياتي في وجه أميركا، عندما أطلق القمر الاصطناعي الأول "سبوتنيك"، فكانت نقطة انطلاق لمشاريع في الفضاء.
الحديث فى هذا الموضوع يقودنا مباشرة الى الاستعانة برأى مارتن هايدغر في كتابه الكائن والزمان، و حديثة عن علاقة الانسان و التقنية التقنية ليست شيئًا تقنيًا على الإطلاق، ولا تُدرك علاقتنا بماهية التقنية، طالما اقتصرنا على تمثُّلها والإنبهار بها وممارستها، شدَّد هايدغر على أن تصوُّر التقنية كشيء حيادي، يمثل استسلامًا بائسًا للعقل أمامها، لأن هذا التصوُّر الذي يحظى بمكانة محبَّبة في المجتمعات ما بعد الصناعية، يجعلنا غير مبصرين تمامًا تجاه ماهية التقنية.
و يمكننا بالتجرد من الفضائين العثور على اجابة للحدثين و علاقاتهما ببعض وتاليًا، العثور على البنية الخيالية التي تربطهما بعالم ما بعد الحداثة الذي يبدو كأنه وُلد منهما.
ويمكننا ان نقول ان مفهوم الافتراضى رقميا,وفق المعنى الذي أبرزته الإنترنت إلى الوجود، وكما يظهر في المحاكاة الإفتراضية Virtual Simulation.
فقد اظفى هذا المعنى انفجار فى مفهوم الممكن لدى العقل البشرى , كذلك يقف الإفتراضي في قلب ما يظهر في "الواقع الفائق" من تظاهرات مثل الرواج الانفجاري للشبكات الاجتماعية على الإنترنت، وتجذُّر ظاهرة العيش الإفتراضي ,والعودة "الملتبسة" لأشكال كانت مكبوتة من اللاعقلانية، ابتداء بالتباس تدريب إرهابيي تنظيم "القاعدة" على برنامج الطيران الإفتراضي "فلايت سميولايتر"
تزامن صعود الكمبيوتر وتبلور العالم الافتراضي، مع تغيير قوي (يضج بالتناقضات أيضًا) ومع الكثير من أسس عقلانية الحداثة وظهور ما بعد الحداثة،لاحظ هايدغر أن المجتمعات الحديثة ترتاح إلى تصور يجعل التقنية من فعل الإنسان حصرًا (البعد الانتروبولوجي) وأنها تحقِّق غايات إنسانية. ولم يرتح هايدغر إلى هذا التصور، الحداثي بامتياز، لأنه يقصر الحوار مع التقنية على مدى صلاحيتها واستعمالها الجيد، وذلك قول يتردد كثيرًا من القنبلة الذرية إلى الترفيه المتطوِّر ووسائل الاتصالات السريعة والإستنساخ وغيره. ونظر إلى التقنية باعتبارها انكشافًا، بمعنى السير بالشيء من الاختفاء والغياب إلى الظهور. ولاحظ هايدغر أن للإنكشاف أمام التقنية حدًّا آخر هو الحقيقة. ورأى أن ما ينقذ الإنسان يكمن في الخروج من التفكير في التقنية باعتبارها أداة، وفي التحاور مع ماهيتها، للوصول إلى تأمل مختلف عنها أيضًا. وخلص إلى أن لا يقين في الطريقة التي يستطيع فيها الكائن الإنساني الوصول إلى وضع اليد على ماهية التقنية (وتاليًا الحقيقة)، داعيًا إلى الاستمرار في طرح الاسئلة لأن "التساؤل هو تقوى الفكر".
يظهرفى نموذج الكمبيوتر سطوة وحدانية المرجعية الرياضية، وامتدادًا سطوة المرجعية والحتمية المحمولة في المنهج الدقيق للنموذج. عندما صنع إدوارد لورنز نموذج الكومبيوتر الأول عن المناخ، وقع في الخطأ لأنه أخطأ في إدخال إحدى المعلومات. صحَّح الذكاء البشري المعلومة، فتصحح نموذج الكومبيوتر. بقدر ما يسير نموذج الكومبيوتر بصرامة لا تقبل أي خروج على دقتها المرهفة، يفيد بأن كل ذكاء يستطيع أن يصنع نموذجه، وأنه يصعب القول مسبقًا بتفوق نموذج على آخر. المرجعيات صارمة إلى حدٍّ أقصى، ولكنها منهكة ومتعددة ومتفككة إلى حدِّ التذرر. وكذلك تراوغها الحقيقة بقدر إدِّعائها. يبدو وضع الافتراضي ونموذجه، كأنه مزيج من هايدغر وبودريار، بطريقة لم تستنفد أفقها بعد، بل حتى لم تشرع في التفتُّح والظهور.
ثمة ما هو أهم. إن النموذج الافتراضي هو غير التراسل بين عقل الإنسان والطبيعية والكون. حلَّ النموذج الافتراضي مكان التجربة. بالأحرى، صار النموذج الرقمي محلاً آخر إفتراضيًا (و"حقيقيًا" بمقدار) للتراسل بين العقل والطبيعة، الممثلة في رقميات الكومبيوتر. مرة أخرى، ثمة إنهاك واضح، لأن النموذج معتمد على الرياضيات التي تعبِّر عن علاقات الأشياء، ولكنها لا تستطيع ان تكون أشياءه فعليًا، إضافة إلى التحدي المضاعف الذي يرفع حدَّ الارتياب واللايقين، ويأتي من الرياضيات غير التقليدية ونظرية الفوضى والفيزياء الكمومية. استولى الإفتراضي الرقمي ونماذجه المتعددة المتذررة على كثير من العقل، وأنهك العقلانية، وأفلت كثيرًا من اللاعقلانية.
#محمود_عبد_الحى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة الصهيونية قبل هرتزل
-
الفكر السياسى الاغريقى 2
-
الفكر السياسى الاغريقى
-
الدين و الايديولوجية
المزيد.....
-
450 عامًا.. عمر صناعة الحبر الياباني بالأقدام.. ماذا نعرف عن
...
-
ضبط عشرات الألعاب النارية في حقيبة محمولة بمطار في أمريكا
-
بتصاميم مبهرة.. أنفاق مائية تربط جزرًا نائية بين أيسلندا واس
...
-
أذربيجان: -عوامل خارجية مادية وفنية- وراء تحطم طائرة الركاب
...
-
مدفيديف: لا يمكن التسامح مع ما فعلته السفينة النرويجية
-
عشرات القتلى والمفقودين.. الجيش الإسرائيلي يدمر منزلا على رؤ
...
-
عراقجي يكشف عن أهم أهداف زيارته للصين
-
ألمانيا ـ دعوات لتكثيف المراقبة لمكافحة جرائم السكاكين
-
أوكرانيا تخسر 600 جندي في محور كورسك خلال آخر يوم وإجمالي خس
...
-
الرئاسة الفلسطينية تدين إحراق الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال ع
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|