|
ام كوكاية
عادل الامين
الحوار المتمدن-العدد: 2960 - 2010 / 3 / 30 - 16:43
المحور:
الادب والفن
استيقظ في الصباح مذعورا..خطف مسدسه من جواره وأطلق النار على سارية العلم عبر النافذة حيث كان يجب ان يكون هناك غراب ينعق في الفضاء ويسلح على علم البلاد..لم يكن هناك غراب يسقط مضرجا في دمائه ويقوم الحراس بدفنه في المقبرة الجماعية في فناء المنزل تحت أشجار الليمون والبرتقال لم تنهض زوجته مذعورة توبخه على هذا الفعل المشين والمكر ور...اذ انها لم تكن موجودة الي جواره هذا الصباح"ما هذا الصمت المخيف؟؟!!"..فرك عينيه وأصاخ السمع..عله يسمع صفارة قطار بعيدة من قلب المدينة او أزيز طائرة من مطار ها او الضجيج المعهود في الشارع..."هل هذه كوابيسه المستمرة والتي جعلته يجوب بلاد العالم لطببتها...ام انها الحقيقة؟؟!!" لم تأتي سيارة الراسة التي تقله الي القصر الراسي ، رفع سماعة التلفون ووجد المجيب الآلي في الانتظار"ناسف..اما هذا الرقم خارج نطاق التغطية او الهاتف مغلق"...تناول الريموت واراد ادارة التلفاز..ظهرت الشاشة البلورية عارية من كل بث ..فقط التشويش الذى ينبعث من مثل هذه الاجهزة الالكترونية...ادار مؤشر الراديو..نفس الامر ..انطلق صفير ولم يجد له المذياع يمحطة اخبارية واحدة"رباه ..ما هذا الذى يحدث في العالم" هب مذعورا واخذ يركض في ردهات القصر وشرفاته الخاوية والاشجار في الفناء تحملق فيه في ذهول وقد خلت من زقزقات عصافيرها"خطب ما الم بالمدينة واغرقها في هذا الصمت المريب؟؟" ارتدى ملابسه على عجل وقرر ان يقود سيارته بنفسه...خرج الى الطرقات المقفرة والمتشحة بالغبار...شاهد اوراق ومنشورات تغطي الشوارع...تحملها الرياح وتصفع بها زجاج سيارته...مر امام الشارع المعهود...حيث كانت تقبع مريم بائعة الشاي...وتداعي الى ذهنه المجهد ذكريات من نوع خاص
كان عندما يمر بموكبه وضجيجه المعهود امام الشجرة التي تجلس تحتها عن كثب من قصر الراسة...لا يطيق النظر اليها...ونظراتها الممتلئة بالوعيد والاحتقار تشوي جسده وتوخذه كالابر...ويحس بالازبز يجتاح كيانه بقوة الف ديسبيل ..كانما سحقته طائرة بوينج 747
عجز رجال الامن عن ازاحتها شبر من مكانها ولم ينبت احد منهم بكلمة عن ما يحدث له..كلما شرع في مضايقتها..حتى انهم مرة احضرو مشعوذ المدنية الشهير الذى تلجا الحكومة في ملماتها...لهزيمة سحرها الاسود...كانت حادثة...اقشعر لها بدن الجميع واصيبو بالغثيان والخوف معا..جعلتهم يقبلوها كأمر واقع...سقط الجرل مغشيا عليه لمجرد ان حدجته بنظرة من تلك النظرات المخيفة.. ثم نهض يتقصع ويسير ويتحدث في ميوعة فقد استوطنت جسده فجاة امراة...ليت الامر انتهى الي هذا الحد...اضحى المسكين...تحت رغبة لا تقاوم يتسكع عن المدراس يبحث عن عنفوان المراهقين...يصطاد احدهم وياخذه معه الي بيته البعيد في اطراف المدينة...ويتم الامر الذى قد قدر من اجل حفنة نقود..
بائعة الشاي مريم من قبيلة المساليت في اقصى غرب البلاد..التي تحيط بها الاساطير...لم تاتي الي المدينة بطوعها...وحبا في مباهجها...احرقت طائرات الاباتشي الصينية قريتها في دارفور...داست سنابك خيل الجنجويد على اجساد اهلها الطاهرة...قتل ابيها الشجاع واصيب زوجها بطلق الناري جعله مقعدا ويعاني من الدرن الباهظ التكاليف..وابنها الوحيد يقبع جوارها...وتقيم في هوامش المدينة الغربية... عندما كانت مريم طفلة ترعى الماعز في فيافي دارفور الموحشة...ظهر لها رجل فجاة..امسك بها بقوة وطرحها ارضا واجرى لها عملية جراحية غريبة..دفن شيء ما في لحمها الطري اعلى الفخذ..كان يردد على مسامعها الغضة"لا تبكي يا الزينة بنت الزينين...ستتالمي الان ولكنه سيحميك من ام كوكاية ومن ناس الخرطوم بقية حياتك كلها"...ومن يومها وهي تحمل سرها معها..كانت تخيف الرجال... خاصة هؤلاء الاوغاد الذين يتعهرون معها دون حياء ولا يتكلمون بصورة لائقة معها كامراة ملتزمة تبيع الشاي... لها زوج وطفل... اضحت الحادثة االمشينة للمشعوذ...القشة التي قصمت ظهر االبعير..وانتشرت وغدت مكان تندر المواطنين.....وفرضت وجودها المخيف تحت شجرة اللبخ جورا قصر الراسة
نظر الي موقعها تحت الشجرة بعين متوجسة...لمح كل ادواتها قابعة في مكانها والمقاعد الصغيرة متناثر تعبث بها الريح...ولا احد..."تبا..حتى هذه المراة المخيفة..رحلت !!..ما دهى هذه المدينة؟؟!!..ظل يتجول بالسيارة في الطرقات المقفرة...كان الزمن يمضي...والسيارة تائهة في الطرقات...المدينة التي سكنها الضجر منذ امد بعيد...الاوراق المريبة تعبث بها الرياح في كل حدب وصوب... والأتربة ايضا
شارفت شمس ذلك اليوم على الغروب..عاد بسيارته منكسرا وعندما مر جوار ملعب المدينة الفخم...شعر بالاسي..."اليوم االمبارة النهائية في الكاس اعياد الثورة الظافرة...كان الملعب قابع في الظلام..كانه جبل مرة..وتبرز ابراجه الكهربائية من اركانه الاربعة...مثل كائنات جيمس كاميرون الاسطورية...ترجل من السيارة ونظر الى هذا الصرح العظيم الذى كان يملا المدينة ضجيجا وحيوية وقد خيمت عليه سكينة اللحد العميق..تملكه الاسى والرعب تماما..."هل يعقل ان احدهم اخلى المدنية باكملها دون علمه؟؟ابن الاجهزة الامنية والعسس؟؟!!..اين زوجته الوفية؟؟..اين مريم بائعة الشاي؟؟..اين مضى هؤلاء؟؟ التفت حوله نحو الاوراق التي تغطي المكان وتصفعه من كل جانب..تناول احداها التصقت بوجهه ودسها في جيبه وطفق عائدا بالسيارة الي قصره المنيف والغارق في الصمت المؤسف.....دلف يجرجر اقدامه كانه يسحب فاطرة خلفه....دخل غرفته وأضاء الشموع..حيث لم يعد هناك كهرباء او حياة تدب في جسد المدينة...اخرج الورقة من جيبه وأدناها من عينيه وقرا...كلمة واحدة بخط عريض احمر.. أنيقة وحاسمة"قرفنا" هب كالملسوع واخذ يردد في هذيان مرير وينتف شعره" فعلوها...الاوغاد الملاعيين"
.... هوامش: ام كوكاية:الفوضي الخلاقة بلغة اهلنا في دارفور
#عادل_الامين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاصدقاء الثلاثة والطاعون
-
كل الوان الظلام
-
الفراشة والنار
-
قطار الشمال الاخير(مجموعة قصصية)
-
سيرة مدينة: مك الدار
-
مقالات سودانية:المحكمة المهزلة .. وعار الأبد !! ... بقلم: د.
...
-
سيرة مدينة: العمة نورا وسوق الزيارة
-
اليقين والقدر
-
السودان صراع الرؤى وازمة الهوية
-
اخر جرائم مصطفى سعيد
-
الساقية...(رواية سودانية)
-
رواية-عازف الكمان-
-
لم تنهار الاشتراكية بعد...
-
سيرة مدينة:سباق المسافات الطويلة
-
أركاماني المؤسس الأول للدولة السودانية المدنية 270- 260 ق.م.
-
مقالات سودانية:الإسلام كنظرية نقدية
-
سيرة الرجل الذى ناضل لكل الاجيال
-
صباح الخير عام 2008
-
الحوار المتمدن والثورة الثقافية
-
اللعنة التي حلت بالمكان
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|