جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2960 - 2010 / 3 / 30 - 01:52
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
منذ بدء الخليقة ومجتمع الإنسان تميزه ظاهرة الهجرة والاستقرار , وكلما كان الإنسان مهاجراً كلما زادت قدراته في التأقلم مع عدة بيئات ومناحات ,وكلما كان الإنسان مستقراً كلما كانت قدراته ضعيفة جداً في التأقلم مع البيئات والمناخات الأخرى وهذا ينطبق على الإسلام الذي استقر لفترة طويلة جداً أكثر مما يجب حتى أصبح غير قادر كفكر وكعقيدة على التأقلم مع الديانات والثقافات والجماعات الأخرى وأي مذهب ديني أو فكري منطوي على نفسه سينهار في غضون نهاية هذا القرن ذلك أن الحياة العصرية اليوم تعتمدُ على قدرة الإنسان في قبول الآخرين والتعايش معهم ضمن جماعات ثقافية و(إثنيات ) متعددة , وهذا بحاجة إلى روح التسامح مع الآخرين واحترام الرأي والرأي الآخر , وأظن أن الإسلام لا يتمتع بهذه الصفات فهو غير قادر على أن يتأقلم مع الثقافات الأخرى وبحاجة إلى تعديل كبير في نمطه الثقافي والعقائدي وأن تتغير نظرته للآخرين وللمثقفين ولأصحاب دعوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان .
حياة الإنسان اليوم تختلفُ عن حياته السابقة , فقديماً كان الإنسان مستقراً ثقافياً ولم يكن بحاجة إلى تحويل مساره الفكري والاجتماعي نظراً لرسوخه في مناخه الذي اعتاد عليه , وبهذا كان الإسلام قديماً جزء من هذا النظام المتأقلم مع مجتمعه وبيئته ومناخه الذي يحيط به ولم يكن الإسلام أو المسلمون بحاجة ٍ إلى تغيير وجهات نظرهم عن الآخرين لذلك كانت نظريات واجتهادات الفقهاء لا تهتمُ بالآخرين ولا بوجودهم , وكان الإنسان بحاجة إلى أكثر من 100 عام لنقل فكرة أو 500 عام لنقل نظرية فلسفية, كانت الناس تتأثر بأفكار بعض الحضارات على المستويات الفردية وليست الجماعية فكان يتأثر فيلسوف عربي مغربي مثلاً بالفلسفة اليونانية ولم تكن الناس تتبعه أو تشهد معه هذا التحول , ولكن الوضع اليوم مختلف فاليوم تتغير الناس العوام قبل أن يتغير المثقفون وبالتالي الإنسان اليوم يتعلم من جديد على كيفية التأقلم مع الثقافات الأخرى .
وكانت الناس قديماً قد اعتادت على الجمود التفكيري والعقائدي والفلسفي وذلك نظراً لركود السكان وجمودهم في مواقعهم واستقرارهم السياسي والاقتصادي وكان الركود الاقتصادي يؤدي إلى ركودٍ ثقافي نظراً لأن الإنسان لم يكن يرغب بالهجرة من مواقع الخصب لذلك كانت استقراره الاقتصادي هو استقرار وثبات ثقافي وعدم الهجرة إلى مجتمعات أخرى معناه عدم التأثر بثقافة الآخرين , ويبدو أن الإسلام قد عانى من هذه المشكلة قديماً نظراً لاستقرار البدو في مواقعهم لذلك أصبحت العقلية جامدة وغير متطورة , واليوم يواجه الإسلام صدمة المواجهة مع الآخرين باعتبارهم غرباء عن تفكيره في الأسلوب والطرح , لقد عاد الإنسان العصري التقني كما كان في بدايته جامع للثمار ومطارد للطرائد حيث كانت تلك الحياة توفر للإنسان قدرات عالية في التأقلم مع المناخات الأخرى .
نعم, لقد عاد الإنسان التقني اليوم إلى سابق عهده حيث كان يتنقل طوال اليوم من منطقة إلى أخرى وقد توقف الإنسان قديماً عن التنقل نظراً لدخوله مجتمعات الاستقرار الزراعي حيث بنا المدن والقرى الزراعية وبدأ فصلاً جديداً من حياته درب من خلاله نفسه على الاستقرار في بيئات محددة كل إنسان على حسب ما يرغب في البيئة , واليوم بفضل التقدم والتطور فإن الإنسان أصبح في قرية صغيرة بسبب سرعة الاتصال وبهذا عاد الإنسان التقني الحديث إلى الإنسان البدائي الذي كان يتصل مع مناخات أخرى واليوم الإنسان يتصل مع ثقافات أخرى بسرعة وبالتالي فالإنسان بحاجة للتأقلم مع الآخرين, وبنظرة فاحصة نجدُ أن الإنسان قديماً كان يتنقلُ ليس بسبب بحثه عن الثقافة وإنما بسبب لهاثه خلف أكله وطعامه وشرابه ولهذا كان يتأقلم مع المناخات الأخرى وهذا يفسر لنا إلى اليوم سبب قدرة الإنسان في التأقلم مع عدة مناخات , واليوم الإنسان لا يتنقل من أجل الثقافة بل ما زال يتنقلُ أيضاً من أجل الاقتصاد وأصبح يواجه مجتمعات أخرى لها معتقدات أخرى وثقافات أخرى , والذي يراه الشرقي عيباً لا يراه الغربي عيباً , ويواجه الإنسان كل يوم ثقافات جديدة يتأثر فيها بسرعة , لذلك وجب على الثقافة القديمة أن تطور نفسها وأن تنسى أنها كانت مستقرة وثابتة لألف عام أو لألف وخمسمائة عام , ولنلاحظ ذلك في الدول الحديثة الاستبدادية القمعية كيف عمل الاستقرار فيها على تعويد المواطن على عدم القدرة وعلى عدم المقدرة في التأقلم مع أي ثقافة وافدة أو إذا خرج من موطنه الاستبدادي كيف يواجه صعوبة في بداية الأمر في التعايش مع الآخرين , وهذا ينطبق على المواطن العراقي في عهد النظام البعثي القديم كيف كان هذا النظام يقمع أي محاولة للتغير وبالتالي كان يساهم في ثبات العقلية العراقية على مبادئ وحيثيات ثابتة لا تتغير وليس من السهولة أن تتزعزع أن تقبل بالآخر , حتى دبت الفوضة فخرج العراقي من العراق وجاءه جنود وأنظمة حديثة متعددة المشارب والمذاهب والأيديولوجيات فبثت في العراق أكثر من 100 صحيفة يومية تصدر في العراق بعد أن 20 مليون عراقي يقرؤون عشرة صحف فقط لا غير , وبالتالي فإن أي مذهب وأي دولة لا تتصل بالآخرين سوف تكون معرضة للزوال وعلى رأس تلك الأنظمة الإسلام .
الإنسان بطبعه ومزاجه كائن يحبُ التأقلم مع بيئته ومحيطه الذي يعيش فيه ,وهذا التأقلم لا يتوقفُ على استقرار الإنسان على نمط واحد , وإنما يتوقف على تدريبه طبيعياً لآلاف السنين على التنقل من بيئة إلى أخرى ولأضرب على ذلك مثلاً في الإنسان البدائي الذي كان يبحث عن الطعام والشراب في الأودية الكبيرة ذات المياه الجارية ,كان الإنسان دائم التنقل من موقعٍ إلى موقع ومن مصبِ نهرٍ إلى مصب نهرٍ آخر , وكان يقطع مئات وآلاف الكيلو مترات للحصول على مواقع رعي, وبهذا كان الإنسان معتادٌ نوعاً ما على التأقلم مع البيئة التي يذهب إليها فكان ينتقل في كل عام بين البيئات الصحراوية والخصبة والحارة والجافة والباردة والممطرة واستمر على ذلك مئات السنين حتى اعتاد على العيش في كل المناخات , وحين بدأ الإنسان دخول عصر المدن والاستقرار عن طريق معرفته للزراعة تراجعت قدراته في التأقلم مع البيئات الأخرى , فلم يعد أهل المواقع الحارة قادرون على العيش في مواقع باردة بسبب اعتيادهم على الاستقرار, ولم يعد الراعي ذا قدرة على السكن في المواقع الزراعية والعمل في البيئة الزراعية , وكذلك الفلاح تراجعت قدرته في التأقلم والعيش مع حياة البدو والرعاة , وكذلك كان لظهور المهن دورٌ كبير في تراجع قدرات الإنسان في التأقلم مع البيئات المعادية أو المغايرة له , فصاحب مهنة الطيان لا يستطيع التأقلم مع صاحب مهنة الحداد وكما يقول المثل اللي مش كاره يا ناره , وكذلك الخياط لا يستطيع العيش مع أصحاب مهنة الحدادة أو جبل الصوان أو الفخار , إن الاستقرار للإنسان أدى به إلى اعتياده الطويل على حياته حتى أصبحت البيئة التي يعيشُ فيها جزء لا يتجزأ من جسمه أو عقله أو قلبه , لذلك تتراجع قدرات الإنسان في التأقلم مع ازدياد رسوخ الإنسان في المناخ والالتصاق به , ومع مرور الزمن استقر كل نوع على طبيعته وتشكلت طبيعة البشرة ولونها على حسب المناخ حتى شكل الأنف وشكل العينين قد ثبتا في وجه الإنسان وأخذ كل شكلٍ شكله على حسب ما سمحت به المناخات , والإسلام كان جزء من تلك العمليات والثبوتات حتى دخلنا العصر الحديث فأصبح التأثر بالآخرين عن طريق الاتصال ومواجهته أمراً حتمياً لذلك حتى تتأقلم الثقافات مع بعضها البعض فهي بحاجة إلى رسوخ مبدأ التسامح وحب التعايش مع الآخرين والتجاوب مع النوعيات الأخرى الثقافية والسياسية .
إن ثقافة الاتصال اليوم تجعلنا في المواجهة وجهاً لوجه مع الآخرين وبالتالي يجب أن نعتاد على قبول الآخر لأن هنالك أفراد سيتأثرون بالعالم الآخر أو الكائن الآخر ولسوف تظهر قدرات الانسان القديمة في التأقلم داخل عقلية الانسان التقني الحديث .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟