حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 2960 - 2010 / 3 / 30 - 00:30
المحور:
الادب والفن
13
يتساءل أبو إبراهيم محدثاً نفسه : هل ستلاحظ ريتا فيما لو جاءت الآن ونظرت في وجهي ، اختلاف الذقن والرقبة وزيادة التجاعيد ؟ وهل ستعرف مقدار المدة الزمنية التي غابتها من خلال كثافة الشيب كبوصلة في يد صياد ركب موج البحر فأخذه الحظ العاثر بعيداً عن رمال الشاطئ وأهازيج الصيادين ؟
يراها مع إبراهيم وطفلها ، يدخلون باب الغرفة دون أن تصدر خطواتهم صوتاً ، فوق البلاط العتيق ، الذي شارف على النهايات ؛ ممدداً فوق السرير في غرفته الجرداء بلا صوت أو ستائر ، العيون تنظر إليه مبللة ثم تبتعد وتحل محلها عيون أخرى ، البعض يعرفها حق المعرفة، والبعض الآخر ربما يشاهدها لأول مرة ، ينظر إليهم ويود أن يقول كلمة واحدة ولكنه لا يقوى عليها .
في المساء ، تجلس أم إبراهيم ومريم وأطفالها إلى جواره .. أم إبراهيم تمتلئ عيونها بالدموع وهي تقول للأطفال : ابتعدوا عن جدكم قليلاً ، يجب أن يتنفس . يتراجع الأطفال إلى الوراء ، تقول مريم لأصغر بناتها : اقتربي يا بنيتي من جدك حتى يتعرف عليك .. قولي له ما اسمك .. هيا ..
ينظر إليها أبو إبراهيم بإمعان ، آه .. " مازلت استطيع أن أتبين خديها الملتهبين وعينيها اللامعتين " ولكني لا أذكر اسمها !
تتقاطع نظرات أم إبراهيم وابنتها وتنفرج أساريرهما في الوقت الذي تقترب فيه الصغيرة نحو جدها وتقول :
- اسمي صفية .. أنا صفية يا جدي !
ينظر إليها العجوز صامتاً ويركب صهوة جواده ويمضي بعيداً في المدى .
التداعيات المنعشة العذبة للذكريات تأتي تباعاً !
يقول بصوت مسموع :
لقد فرضت الأحداث نفسها عليّ .. حاولت إعاقة اندفاعها المتوتر حينما تقدمت بجنون ولكنني لم أستطع ، فاضطررت أخيراً أن أجعل من نفسي متراساً يسد طريقها..
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟