|
القدوة الحسنة
أشرف عبد القادر
الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 03:58
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
رزقني الله بثلاثة أولاد (إسراء وصفاء ومنذ شهرين بشريف) وهم يعيشون في قرية من قري محافظة المنوفية وسط الدلتا، ومنذ عامين قررت إرسال طفلتي إلى المدارس الخاصة منذ نعومة أظفارهن ، لأن حالة التعليم الحكومي أصبحت لا تسر عدو ولا حبيب،، حيث تكدس الفصول [الفصل المدرسي به أكثر من 60 تلميذاً] بالاضافة إلى المناهج الدراسية الغير معاصرة لعصرها، بل هي من صميم العصور الوسطي خاصة في التعليم الديني، فقررت إنقاذ طفلتيّ من بؤس هذا التعليم، وكنت مدرساً في الفترة ما بين 1987 – 1990 وأعرف جيداً ما يدور في هذه المدارس. فذكرت ذلك أمام زوجة أخي (نبيل) وهو إمام وخطيب مفوه، فما كان منها إلا أن سربت الخبر لأمي _حيث أبي رحمه الله قد توفي _ فغضبت أمي وأتتني قائلة: هل صحيح أنك سترسل طفلتيك إلى المدارس الخاصة؟ فابتسمت وقلت: نعم، لأن التعليم العام لا يرضيني ، وأنا أريد لأولادي أن يتأسسوا جيداً على حب العلم وتشرب القيم الحديثة، وتعلم اللغات الأجنبية، عملاً بقول الإمام علي كرم الله وجهه "ربوا أولادكم على غير شاكلتكم لأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم" . فغضبت قائلة: لكن زوج أخيك تقول إن هذه المدارس إباحية وستعلم أولادك "قلة الأدب"، ولا تنسي أنهن بنات ! . فابتسمت لها قائلاً: يا حاجة ، أنا أدري بمصلحة بناتي، أما زوجة أخي فلتربي أولادها كما تريد. فقالت بنفس الغضب: انظر إلى أخيك (إيهاب) إنه طبيب ناجح وأستاذ في كلية الطب ، وتخرج من المدارس الحكومية. وبنفس هدوئي قلت لها: (إيهاب) وصل إلى هذه الدرجة من العلم لأنه منذ صغره كنا نرعاه جميعاً ، وأنا نفسي كنت أذاكر له دروسه. فتركتني غاضبة غير راضية عما قلت. وفي صبيحة اليوم التالي جاءني أخي نبيل (الشيخ) قائلاً: هل صحيح أنك سترسل بناتك إلى المدارس الخاصة؟. قلت له : نعم. فقال : لماذا فلقد تعلمنا جميعاً في المدارس العامة وتخرجنا جميعاً بشهادات عالية؟ فقلت له: يا شيخ نبيل على أيامنا كان التعليم غير التعليم الآن، وأنا اريد لأولادي أن يتأسسوا جيداً ، خاصة في فترة الطفولة، فالتعليم في الصغير كالنقش على الحجر. فتركني ولم يعقب. وفي اليوم التالي، كان على زوجتي (منال) أن تأخذ شهادتي ميلاد طفلتي وتذهب بهما إلى المدرسة لدفع المصروفات اللازمة وتسجيل أسمائهن ، وإذ بالمفاجئة ، أن الشيخ نبيل أرسل زوجته مع زوجتى لتسجيل أولاده هو أيضاً ، بل وحول إبنه الكبير أيضاً من التعليم العام إلى التعليم الخاص. لماذا أحكي ذلك؟ أحكي ذلك لأقول أنه على كل إنسان مستنير أن يحاول أن يؤثر في محيطه وأسرته، وأن يأخذ بيدهما إلى المام للقضاء على العادات البالية، التي ورثناها جيلاً بعد جيل،، وكذلك الأحكام المسبقة، فلقد عارضتني أسرتي أن المدارس الخاصة "إباحيه" وأن أولادي "بنات"، لكن مع إصراري على تعليم بناتي الحديث، أرسل الجميع أولاده من تلقاء أنفسهم أسوة بي [ عدوي العمل الصالح] ، بما فيهم الإمام والخطيب الشيخ نبيل. فلقد أردت أن أجنب أولادي أسلوب التلقين الببغائي الذي يقتل فيهم ملكة الإبداع والفكر النقدي والذي لحسن حظي لم أعش عليه، وكذلك أسولب التأنيب والتذنيب في التربية. فإبنتي الكبري تبلغ الآن ثمان سنواتوالثانية ست سنواتأ ما شريف فهو ابن شهرين (وعلى فكره والدتي التي كبل الروماتيزم رجليها ومع ذلك تكبدت مشقة الذهاب لقبر أبي لتخبره بأنني أنجبت ولداً،وقالت لي: أنا الآن لو مت أموت مرتاحه، أما بالبنتين فلم تكن مرتاحة "وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم"). وأنا أتبع مع أطفالي أسلوب الحوار الهادئ، أشرح لهم اسباب كل تصرف ولماذا أفعل ذلك. حتى عندما يخطئون أوضحلهم سبب خطأهم مع الثناء عليهم بأنهم نافعين، ، فمن المهم جداً أن نفصل بين سلوك الطفل وشخصيته.لكي نغرس فيه ثقته بنفسه التي هي رأس ماله الرمزي في الحياة. وأذكر أن إحدى بنات أختى الكبري(إعتدال) وهي مديرة مدرسة، وإبنتيها الكبري (شيماء) وهي مدرسة لغة إنجليزية، قالت لي ذات يوم بمرارة: إنني أتحسر على معاملة أبي لي وأنا المدرسة ، وأنا اراك تحاور إبنتك إسراء وهي طفلة، فكم كنت أتمني أن أن يعاملني أبي بهده الطريقة. فعلى كل كاتب ومفكر أن يؤثر أولاُ في أسرته ومحيطه الذي يعيش فيه، وهذا ما فعله رسولنا الكريم "وأنذر عشيرتك الأقربين"، فبدا بنشر دعوته في من حوله ، وأستطاع أن يؤثر بعد ذلك في المجتمع كله، فلو اقتدينا برسولنا الكريم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" وأدرك كل منا أن عليه أن يؤثر في محيطه، ولو أدرك كل منا أنه رسول الحداثة والديمقرطية والحوار داخل الأسرة والمجتمع لتغير وجه العالم العربي كله. "فكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته". "في كل شجرة فرع أعوج، وأنت الفرع الأعوج في هذه العائلة" هذه هي العبارة التي قالها لي أبي _ رحمه الله _ مراراً وتكراراً وأنا ابن العشرة، وللآن لا أعرف لماذا قالها لي، وهذه العبارة كفيلة بتدمير ثقة أي طفل في نفسه، أي أغتياله نفسياً، وبرغم ذلك ربما حاولت ألا أفقد ثقتي في نفسي، بل على العكس، حاولت منذ صغري أن أثبت لأبي أنني لست الفرع الأعوج في شجرة العائلة. ربما كانت عبارته هذه دافعاً وحافزاً لي لأثبت له إنني أصح غصن في شجرة العائلة. وهذا مااعترف به أخيراً لجميع أفراد الأسرة أخي الأكبر (عادل)، حينما قال : أنتم مخطئون للآن في تقدير أشرف، وهو أنجح واحد فينا"، وتذكرت داروين الذي قال له أبوه ذات يوم "أنت عار العائلة"، ولنتخيل داروين ونظرية تطور الإنسان عن أصل قرد بواسطة الانتخاب الطبيعي، والتي كانت إحدى أكبر ثورات العالم العلمية هو عار العائلة، فأرجو من كل أب ألا يخرب ثقة طفله في نفسه بمثل هذه العبارات."أنت الغصن الأعوج في شجرة العائلة"، أو كما قال أبو داروين له "أنت عار العائلة". وعلى كل طفل يسمع مثل هذه العبارات، أن يصبح عالماً كداروين، أو على الأقل كاتباً ومصلحاُ دينياً مثلي. عندما أذهب كل عام إلى مصر لقضاء أجازتي السنوية، تتجمع الأسرة كاملة، الأسرة التي كانت مكونة من أب وأم وستة أولاد، أصبح عددهم الآن ثلاثين بعد أن تزوج كل منا وكون أسرة، وأصبح له من الأولد ثلاثة. وبما أنني آت من مجتمع ريفي قروي، فلا زالت لنا بعض العادات التي مازلنا نتمسك بها ، وهي أن نأكل جميعاً معاً _ برغم كثرة العدد وموت الوالد رحمه الله _ في الطابق الأول مع الوالدة _ أطال الله في عمرها _ وأحمد الله أن لدينا بيتاً واسعاً يسع مثل هذا العدد. لكن ما يثلج صدري هو إننا عندما نتناول الطعام يتسابق جميع أطفال الأسرة بما فيهم أولادي للجلوس بجانبي، وأشعر بسعادة غامرة وأنا أري هذا المنظر يتكرر أمامي ثلاث مرات يومياً، حتى إنني عملت لهم جدولاً حتي يتمكن الجميع من الجلوس بجوارى كل بدوره، حتى أن الأطفال الصغار يمتطون ظهري وأنا أصلي كما كان يفعل الحسن والحسين مع رسولنا الكريم (ص). فعلى كل إنسان عقلاني وحديث أن يكون رافعة للأخذ بيد من يحيطون به، فالديمقراطية ، والحوار لابد أن يبدئا من الأسرة، ومن المنزل، وإذا كانت الديمقراطية دخلت معظم البلدان وبصدد الدخول إلى باقيها، إلا أنها مازالت تطرق باب العالم العربي الأصم الأبكم، فذلك لأن الأسرة العربية الإسلامية مازالت أسرة استبدادية فاشستية في أحيان كثيرة. ولن تستوطن الديمقراطية عالمنا العربي الإسلامي في المؤسسات العامة إلا إذا دخلت أولاً الأسرة والمدرسة والمستشفي والشارع ... لذلك علينا قبل أن نطالب حكامنا بتطبيق الديمقراطية، أن نطبقها في منازلنا حتى تنغرس في سلوكنا وسلوك أبنائنا، فلا يضرب الزوج زوجته، ولا يحكم الأخ أخته، وليتشارك الجميع كبيراً وصغيراً في كل الأمور ، صغيرها وكبيرها، ويكون أخذ القرارات بالنقاش الهادئ والحوار البناء، وعلي أن أحيي الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي أصدر سنة 1993 قانوناً يلغي رئاسة الرجل للعائلة ليجعلها مشاركة بين الزوج والزوجة لصالح الأطفال، فليكن كل منا قدوة حسنة لينذر عشيرته الأقربين.
#أشرف_عبد_القادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر : حكومة الفرصة الأخيرة والرئيس المنتظر
-
حرب الظلاميين الفيروسية ضد المسلمين المستنيرين
-
إذا وصلوا إلى الحكم: ماذا سيفعل الإخوان بأقباط مصر..؟
-
التجربة التونسية رائدة في مكافحة الفقر
-
تعليق علي : -الحملة اللاأخلاقية الظالمة- ضد رمز -الاعتدال وا
...
-
المأزق العربي العرب في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة
-
مؤتمر -الحداثة والحداثة العربية- خطوة على طريق الحداثة
-
زعيم ثورة الفاتح والفتح الجديد
-
شافعي مصر المستشار محمد سعيد العشماوي مرشح للاغتيال
-
نداء عاجل للرئيس مبارك لحماية المستشار محمد سعيد العشماوي ال
...
-
أسباب عدم قيام حوار عربي – عربي ناجح
-
المرأة لعبة المتأسلمين
-
الحجاب وحجب العقل
-
الحجاب والإسترينج
-
هل تكره فرنسا الإسلام والمسلمين؟!
-
مشكلة المتأسلمين مع شيخ الأزهر ليست في الحجاب بل في تصفية ال
...
-
رداً على واصف منصور: الأمية ليست فضيلة بل رذيلة وأمة اقرأ لا
...
-
د. سيد القمني في حديث غني - إصلاح الإسلام فرض وواجب حتى لا ن
...
-
نداء إلى نساء العراق لا قهر ولا وصاية للمرأة بعد اليوم
-
د. سعد الدين إبراهيم مثال لمثقف القرن الحادي والعشرين يجب أن
...
المزيد.....
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|