|
هل ساهم النظام النمطي للأسرة السعودية في صناعة الإرهاب؟
مها الحجيلان
الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 04:16
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ليس هناك خلاف جوهري حول التأكيد على أهمية الأسرة في تكوين المجتمع من الناحية النظرية، بيد أن الممارسة العملية في حياة البعض قد تكون بعيدة عن الإيمان بروح العائلة وسلامتها، إضافة إلى أنّ مفهوم «أهمية الأسرة» يحمل عموميّات أخلاقية في الغالب تحول دون التعرّف على هذا المفهوم وتفعيله في حياتنا. فهل الإيمان في الأسرة يقتضي عزلها عن الواقع بحيث يظن الفرد أنها مُحصّنة ضد تحدّيات العصر و تداعياته؟ وهل مفهوم الأسرة متغير مع هذا العصر أم أن الأسرة تفرض نفسها عليه؟
هناك اعتقاد قوي بوجود صلة قوية بين الحالة الاجتماعية لشعب ما وبين الحالة الاقتصادية وكذلك السياسية لذلك الشعب؛ فاختلال الحالة الاجتماعية ينعكس أثره على الجوانب الاقتصادية والسياسية سواء بالإيجاب أم بالسلب. وعندما نتأمل مجتمعاً كالمجتمع السعودي الذي يعيش الآن حقبة جديدة من ظروف اقتصادية وضغوطات سياسية- سوف نجد أن هناك متغيرات معينة في حياة الأفراد حتى أولئك الذين تقتصر اهتماماتهم على دائرة مألوفة من قضاياهم الخاصة التي تحيط بهم.
من أهم القضايا الاجتماعية التي تُشكّل عبئاً كبيراً على أي دولة- التضخم السكاني المتسارع بشكل يفوق القدرات المتاحة لتلك الدولة. فمثلا مجتمعنا السعودي الذي يزداد فيه عدد السكان بشكل لافت للنظر وقد يكون خارجاً عن السيطرة- أصبح يُعاني من تقلصٍ كبيرٍ في الفرص الوظيفية وهذا أدى بدوره إلى بطالةٍ باتت ظاهرة بين الشباب. هذه البطالة لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال إغفال آثارها خصوصاً في ظل فترة يعتريها نوبة من التشدد الديني الذي يحمل رسالة مغرية لهؤلاء تتمثل في إبراز شعارات تتضمن معاني الأمل والعمل لهؤلاء الشباب. هذه الرسالة التي اكتشف العالم كله زيفها تقوم بتوظيف هذا الشباب العاطل المليء باليأس و قلة الحيلة وتسبغ عليهم العطايا فتكسب ودّهم ثم مع الوقت ومع تكثيف دروس دينية ذات توجه أيديولولجي معين ستكسب ولاءهم. إن ظهور هذه المشاكل الاقتصادية هي نتيجة طبيعية بعد الحروب الأخيرة التي مرت بها المنطقة، كما إن سقوط بعض عمالقة سوق الأسهم و تردّي النشاط المالي بعد أحداث سبتمبر -التي هي نفسها استهدفت رمزاً اقتصادياً مهماً ليس لأمريكا فقط و إنما للعالم بأسره- يزيد من هذه التوترات الاقتصادية.
ومن هنا فإنّ البطالة لا يمكن أن تكون حكراً على الدول العربية فقط، فكل دول العالم أصبحت تُعاني منها بمستويات معينة. ولكن اللافت للنظر هو ردة فعل الشباب العربي تجاه هذه المشكلة، إذ يبدو أنّهم أكثر استعداداً لفقدان الثقة في النفس بحيث تضمحلّ قيمتهم أمام أنفسهم بشكلٍ يدفعهم للشعور بالخجل من أفراد أسرتهم خصوصاً ممن يعقدون عليهم آمال معينة. هذا الإحباط ينمو مع الوقت حتى يصل إلى مرحلة تُعيد مجرى التفكير وتتسبّب في تصرفاتٍ ربّما لم يكن الشاب ليفعلها في الظروف الطبيعة.
إنّ ما يؤول إليه حال الشباب العربي وبخاصة السعودي ربما يكون له علاقة قوية بنظام الأسرة النمطي والتي وجدت وفق ظروف معينة استدعتها الحال المعيشية في فترة زمنية ماضية. وقد نما هذا المفهوم وفق عقلية شاملة لا خصوصية فيها بحيث تلزم الفرد أن يُلغي شخصيّته الذاتيّة ويندمج تحت مظلة المجموعة بغض النظر عن ظروف الشخص نفسه. مفهوم الأسرة النمطي يقوم على أساس إنجاب عدد كثير من الأطفال خوفاً من موتهم بسبب ظروف الرعاية الصحية المعدومة آنذاك، أو لمواجهة العدو المحتمل في زمن الفوضى. وحينما تقدم الطب ووُجدت الدولة نسي الناس مسوغ كثرة الإنجاب واستمر الفعل نفسه ليجد مسوغات أيديولوجية لا صلة لها بالواقع. إنّ الثقافة تتوقع من الزوجة – سلفاً- القيام بدور الأم والمربية والطباخة والخادمة ورفيقة الفراش و مدبرة المنزل بكل إتقان و بدون أدني خلل في أيٍ من هذه الوظائف، حتى حينما أضيفت لها وظيفة العمل أو الدراسة لم يسقط عنها شيءٌ من تلك الوظائف التي أصبحت وكأنّها أساسيّة!
ويتبادر إلى الذهن سؤال عن سمات النسل الذي ستنتجه أمّ متعبة كهذه؟ فهي مرهقة كأم بالاعتناء بعدد كبير من الأطفال ومرهقة كزوجة بمتابعة طلبات الزوج الذي غالباً ما يعتبر المنزل نقطة استراحة على اعتبار أنّ واجباته تقتصر على جلب الطعام و توفير الملابس واستقبال الضيوف!
هذه البيئة يبدو أنها لا تسمح بنمو الطفل تحت رعاية كاملة تشبع احتياجاته النفسية والجسدية والعقلية؛ ومما لاشك فيه أن كل طفل مختلف عن الآخر ولا يمكن جمع الأطفال في بوتقة واحدة والتعامل معهم على أنهم عشرة في واحد!
إنّ الذي يحدث في مجتمعنا هو معاملة الجميع بنفس المعيار، وهو معيار معنيّ فقط بالحاجات الحسيّة للطفل، فمبلغ الاهتمام هو رعايتهم بطريقة تشبه رعاية أي حيوان داجن، وذلك بتأكيلهم إن جاعوا و تنظيفهم إن اتسخوا و تطبيبهم إن مرضوا! فليس ثمة عناية بجوانب نمو الشخصيّة في جانبها العقلي والنفسي، كما لا يوجد اعتبار للنضج الذي يطرأ على الطفل مع الزمن، فهو يظل ذلك الطفل الصغير القابع تحت سيطرة الأسرة.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ إهمال حاجات الطفل النفسية والعقليّة يُنتج أطفالاً مُتعبين في طفولتهم ويعانون أمراضاً نفسيّة في نضجهم. إنّ هذه المشكلة حينما تكون مكررة في أسر كثيرة فهي بالتأكيد مشكلة وطنية عامة؛ فهؤلاء الأشخاص يحملون تفكيراً غير متزن ويعيشون حالة قلق تبحث عن استقرار. وحينما يُضاف إلى هذا الوضع مشكلة البطالة ووجود تيار أديديولوجي متطرف يجلب الأعضاء ويغريهم؛ فإن البيئة التي يعيش فيها الشاب تهيئه لأنه يصبح فريسة سهلة للإغواء والانجراف خلف ما لا يهتم به الأسوياء في العادة.
إنه من البديهي القول بأنّ كل ما صلح في السابق ليس بالضرورة أن يكون ساري المفعول في كل وقت! إنّ المعضلة الاجتماعية في السعودية تقوم على فرض مفهوم معيّن من الحياة وُجد وفق ظروف معينة ومعطيات مختلفة على زمن آخر ذي تحديات جديدة وظروف متغيرة؛ مما يسبب الارتباك في الأسرة وربما يعود إليها السبب في ضياع هويّة كثير من الشباب الجدد؛ فتجدهم تارة يمارسون العهر في الشوارع بلا حياء وتجدهم تارة ينضمون إلى منضمات إرهابية تقتل البشر بلا رحمة. وليس ثمة فروق كبيرة في شخصيات هؤلاء رغم أن بعضهم يتحوّل من إزعاج الناس في الأسواق والشوارع بالغزل والاعتداء إلى إزعاجهم بطريقة أخرى تتّخذ شكلاً أيديولوجياً ورسمياً. كلا النموذجين يمثلان نمطاً من الشخصية القلقة التي تُعاني من مشكلة عقلية ونفسية حتى وإن اختلفت طبيعة التصرفات بينهما. وهذه المعضلة تنسحب على التعاملات العامة وتخلق فجوة بين أفعال الشخص و بين متطلبات الواقع، مما يجعل الشخص يسقط -غالباً- في الاختيار الخطأ.
و من الجدير بالذكر أنّ أجهزة الإعلام العالمية بدأت في الآونة الأخيرة تنتبه إلى مفهوم «الجهاد» وسيكولوجية المنتحر، وليس خافياً سرّ هذا الاهتمام الذي جاء عقب أحداث سبتمبر. وقد أظهرت التقارير في هذه الأعمال الوثائقية ما كان متوارياً عن الأنظار أو ربما مفهوماً بشكل خاطيء.
وعند تأمّل تلك الروايات المتعددة لكبار المجاهدين ومشاهير المحاربين -التي يعرضها أصحاب التيار المتشدد الذين يسمون أنفسهم بـ"شباب الصحوة" وذلك لاستقطاب الشباب في المدارس والمراكز الصيفية مثلا- ربما يجد الشاب نفسه أمام هالة قوية من الإعجاب و الوله في صورة هذا المجاهد التي عُرضت على أنّها كاملة. إنّ هذه المشاعر القوية التي تتسم بالاندفاع جاءت لكي تتوافق مع ذلك النمط من الشخصية للشاب السعودي القلق نفسياً وأسرياً واقتصادياً وفكرياً. فالواقع الذي يعيشه لا يشبع احتياجات الفرد النفسية و العقلية؛ ومن هنا فإن النتيجة هي أن عقلية أولئك الشباب ليست منطقية، تعتمد في مجملها على قاعدة عاطفية قوية يصعب التحاور معها. وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً حينما يتزامن هذا الاستعداد النفسي مع حاجة ملحة مادية أو معنوية معينة يتم احتضانها من فئة متشددة تتسلح بتلك المبادئ الجهادية التي تربى عليها الشباب في الأساس. إنّ سيكولوجية المنتحر كما أوضحت مقابلات عدة معهم في المحطات العالمية (البي بي سي و الإم إن بي سي والسي إن إن وغيرها) تتسم بالتبعية السلبية بشكل يلغي العقل نهائياً. فليس من المعقول أن يوافق شخص سويّ على قتل نفسه مهما زُين له الثواب، ولكنه فعل ذلك تحت تأثير عاطفي هائج!
ومن هنا فإنّ إشكالية الشباب العاطل لا تكمن في وضعهم الاقتصادي فحسب؛ فالعوز المادي ليس سبباً مباشراً لقتل الغير من أجل المال تحت مسمى الجهاد؛ فالفقراء موجودون في كل أنحاء العالم ولم يمارسوا الإرهاب من أجل التغلب على الفقر. كما إنّ السبب لايرجع فقط للمناهج التعليمية المشحونة بقيم أيديولوجية متطرفة، وإن كانت تساهم في تأجيج العنف المتأصل لدى الشخص. إن الأسرة تتحمّل المسؤولية بالدرجة الأولى، فمن خلال التربية الناقصة للفرد الذي يعيش في أسرة كبيرة وممزقة ينشأ وهو مستعد للإصابة بأي مرض فكري وعاطفي. وهذا النمط من الشخصية غير المستقرة لديها التأهيل للوصول بالعنف إلى أقصى مداه من خلال دعم المناهج الأيدلوجية والأنشطة المدرسية التي تنمي الفكر الأحادي وتقديس الذات مقابل احتقار الغير، وكل العوامل المتغيرة الأخرى ستكون بمثابة القطرة التي يسيل منها الإناء.
#مها_الحجيلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|