|
قلت افعلي
بهاء الدين البطاح
الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 09:10
المحور:
الادب والفن
قالت : أُميطُ عن مُحيّايَ اللِّثام ؟ قلتُ : افعلي أشرقتْ شمساً لا كشمسِ العالمين قالت : أزيد ؟ قلتُ : افعَلي فسَرى النُّورُ يُسْرَى ويفيض كالصبا بل كالندى إذ حين قيظ قالت : فإني أستفيض ؟ قلتُ : افعلي فضَّوعتْ شذواً شذىً - ليس كالمسكِ - يُثمِلُ هاماتِ الرؤوسْ يشفي أعلالَ النُّفوسْ قالت : فدعني أقترب قلتُ : افعلي فبدى لي لمعانٌ بخيوط ٍ من حريرٍ يتطايرْ ناعمٍ كثٍّ رقيقْ يتماوجْ ببريقْ قالتْ : فإني والهةْ قلتُ : افعلي .. قالتْ : وقميصي يرغبُ عني ! قلتُ : افعلي .. ثم قالت وأشارتْ : ههنا بستانُ شوقي هل أُزيحُ عن عينيك سِتري لتراه قلت : افعلي .. فإذا بي بجِنانٍ ورياحينَ وأنغامْ وهديلٍ يشبهُ أنغامَ الحمامْ يصدرُ من جذعِ الشجرْ وإذا في قُرْبِ ثغري تتدلى صنوفٌ من ثمرْ وإذا في الأُفقِ نورٌ مثلُ مشكاةٍ بمصباحٍ بزجاج وسناهُ مثلُ وجهِ الله مثلُ يعسوبِ الطفوفْ ثم أنوارٌ صغارٌ وكبارٌ بملايينِ الأُلوفْ غيرُ صنوانٍ حولها كانت تطوفْ ودويٌّ مثلُ تسبيحٍ وتمجيدٍ تراتيلٍ ، تهاليل بهدوءٍ كهدوءِ أصحابِ الرَّقيمْ وعليهم نظرةُ آياتِ النَّعيمْ وترى على الكلِّ تدورْ رحمةُ رحمنٍ رحيمْ قلتُ إنها الجنةُ حيثُ من قبلُ وُصِفْنا قالت : وإني نحوها ؟ قلتُ : افعلي .. وهناك .. إذ كنا نجوبْ كلَّ ركنٍ وفضاءٍ وشمالٍ وجنوبْ إني أتفقَّدُ شيئاً ! قالتْ : إني أرى أنك تبحثُ عن نار جهنَّم نمضي ؟ قلتُ : افعلي .. وإذا بجهنَّم خابيةْ !! ما بها نارٌ حاميةْ لا لهبْ ولا ( تبتْ يدا أبي لهب ) ولم تعدْ للآثمين هاويةْ قلتُ : أين الآثمون الخاطئون ! ؟ قالتْ : شملتهم رحمةُ ربِّ العالمين!! فبيقتُ أتلفتْ يمنةً يسرةْ ومن دون حسيسْ قالتْ : يا حبيبي تتساءل عن أين إبليسْ وضعتْ كفّاً بكفي : ؟ قلتُ : افعلي .. فاستوينا عنده قلتُ : يا إبليسُ ما بالك لم يُقضَ عليك وقد أضللتَ البشرْ ؟ قال: كانتْ رحمةُ الربِّ أكبرْ قلتُ : فما بينك وبين الناسِ قد غُفرْ فأنت الآن ههنا في نعيمٍ مستقرْ فما بينك وبين الربّ ؟ هل تريني حجَّتك ؟ قال : لما شاء ربي سجودي نحو آدم قلتُ لغيرك لا ينبغي ياربُّ السُّجود إني قد عشتُ ملايينَ الدُّهورِ ساجداً لك لم يكن رفضي جحودْ إنَّ إيماني بك لم يعلّمْـني سجوداً لسواك أنت معبودُ الوجودْ إني لم أعبدْ سواك إني لم أعرفْ سواكَ في السُّجودْ إني إن كنتُ عصيتُ أمركَ هذا إيماني بكَ كيف أسجدْ نحو آدم بينما أنت الإلهُ الواحدُ المعبودْ أحدٌ أنت أنت فردٌ وصمدْ قلتُ : فـ( قل هو الله أحدْ ) ثم عاد ساجداً بسلامٍ ويقين مثل ما كان قَبلاً منذ آلافِ السنين كأنْ ما عصى يوماً ولا باللهِ جحدْ .... حينها قلتُ فأين الربُّ تمضي قالتْ ؟ قلتُ : افعلي .. فمررنا بسماءٍ بعد أُخرى كانت الكلُّ منهنّ بلونْ طبقاتٍ طبقاتْ كأنَّ البعضَ في بعضٍ يموجْ تختلطْ في بعضها دونما أيّ تمازجْ حتى في المداراتِ ضعنا إذ بدا أنّا ندورْ قالت : لم ندُرْ ثم أرختْ ساتراً عن صدرها قلتُ : لم أعد أُبصرْ قالتْ : فعلى عينيك غشاوةْ قلتُ : رُبَّ مُبْصِرٍ أعمى قالت : ليس ذو عينين بصير أنت في ساحة القدس كن بصيرْ قلتُ : افعلي فرأيتُ من فوريَ عرشاً يعتليهِ مثلُ عفريتٍ كبيرْ وجهُهُ من وجهِ شمسٍ ويداهُ من أُفُقْ قالتْ : أنت لازلتَ بشر فدنتْ مني بثغرٍ كالدُّررْ ثم قالت : إني عطشى .. قلتُ : افعلي أرتشفْ عذبَ شفاهٍ ؟ قلت : افعلي لا تخجلي ومضينا .. فرأيتُ شبهَ عرشٍ من زمرّدْ يعتليهِ مثـْلُ حوتْ دون وجهٍ بملامحْ ويداهُ مثلُ أمواجِ البحار قالتْ : لم تزلْ أنت بشرْ ومضينا فولجنا في سنا فرأيتُ عرشَ ربٍّ يعتليهِ مثلُ قردٍ قالت : لم تزل أنت بشرْ ومضينا .. فدخلنا في ضبابٍ أو كهذا .. فرأيتُ مثلَ عملاقٍ طويلْ يعدلُ في عرضهِ مثلَ مليارِ بشرْ طوله ضعف هذا لم أرَ الوجهَ سوى أنّ فيه عينَ بركانٍ مهولْ يتفجرْ بلظىً نارْ قالت : أنت لازلتَ بشر دعني أمضِ للإله قلتُ : افعلي ومضينا .. فرأيتُ الربَّ عندي ورجعنا .. فرأيتُ الرَّبَّ عندي فَعَلَوْنا .. فرأيتُ الرَّبَّ عندي وسَفلنا .. فرأيتُ الرَّبَّ عندي وجنوباً وشمالاً فرأيتُ الرَّبَّ عندي فدخلتُ داخلي فرأيتُ الرَّبَّ عندي فهبطتُ أسفلي فرأيتُ الرَّبَّ عندي فَعَلَوتُ وما في العلوِ علو فرأيتُ الرَّبَّ عندي فهبطتُ نحو ذاتي بما فيها من غلو فرأيتُ الربَّ عندي !!! ثم قالتْ : إنّ ستري حاجزٌ ؟ قلتُ : افعلي .. فتعرّتْ لم ارَ الذي عرّتْ فقالتْ : أنت لازلتَ بشر فاغتنمْ وجهي وثغري ودنتْ مني بهمسٍ وأشارتْ نحو صدري قلتُ : افعلي .. ثم أرْخَتْ وتراختْ ثم شحّتْ ومضتْ فرأيتُ الربَّ فيها !! عايَنَتْ نحوي وقالت : أنت لازلتَ بشر في عيونك في رؤاك في ابتكارك واهتزازات الهيولي في المآقي فيك قابلْ ، في رفاتك أنت لازلتَ بشر لستَ قابلْ فعلَ فاعل أنت في الفاعل قاصر ليس في الفاعل نقصٌ بيدَ أنَّ القابلَ قاصر أنت لازلت بشر في مآقيك ترابْ وشكوكٌ واضطرابْ أنت في ذاتك تنظر فترى شعركَ ، فنّك كلماتِك كلَّ ما كنتَ خلقتَ في إطارِكْ تلك ذاتك أنت ذاتك أنت لازلتَ بشر كلمتني وأفاضتْ حتى خلتُ هي ذاتي هي شِعري كلماتي ثم عادتْ حين أنْ مَسَّها شوقٌ ثم قالتْ : وهناك .. في تلك السماءِ الفارهةْ إنّي إنّكْ منكَ لكْ ومضينا .. فتخلّتْ عن نعالٍ من زمرّدْ وهي في عينيَ تُبصرْ قلتُ : افعلي .. لم أرَ الأقدامَ منها غير أني لم يفتْ عني النعالْ لحظتني ثم قالت : أنت ذاتك في رفاتك وأنا لستُ رفاةْ إنني بعضُ بناتِك إني جزءُ ما يركنُ فيك من صفاتكْ وأنا لستُ بجزءٍ !! أنت لازلتَ بشرْ فتهادى نحو سمعي : ما لعبدي ؟ قلتُ : ربي أرني أنظر إليك إنّ ذاك في طوعِ يديك لا تحلني مثلَ موسى لِجَبَلْ قال فاذهب لعبادي في الجِنانْ لتراني مثلما الآن أراك ... وأحاطت يدُها كتفي قلتُ : افعلي .. فانطلقنا .. واستوينا عندهم قلتُ : مَن رأى الربَّ منكم ؟ كلُّهم قال بلى فصِفوهُ قلتُ لي وَصَفوه .. كلُّ وصفٍ لا يجاري صاحبَهْ ثم قالتْ : لنعُد قلتُ : افعلي .. ومضينا نحو ما منه أتينا وإذا في وجهي نارٌ تلتهبْ !! وبها من ملايين البشرْ بصراخٍ تنتحبْ واستغاثاتٌ عويلْ وثبورٌ ثم ويلْ وخطوبٌ تضطربْ وإذا إبليسُ في الأسفل منها في عذابٍ وجحيمٍ ونكال فذُعرتُ !! قالتْ : أنت لازلتَ بشر فانزوينا .. أخذتْ تمتصُّ خوفي وارتجافاتِ الذُّعرِ مني وتُردِّدْ أنت لازلتَ بشرْ أنت لازلتَ بشرْ !! .... قلتُ : بالله عليك من تكونين فإني حينما أُودعتُ قبري لم أظن أني مُلاقٍ غيرَ نارٍ وظلامْ وسلاسلْ وجحيم ٍوأفاعي وثبورْ هكذا علَّمنا مَن يسودُ الأديانَ مِنَّا قالتْ : إنَّ ماكنتَ تراه من جحيمٍ ونكالٍ وجهنَّم كان من طبع البشر أنت لازلتَ بشرْ فتعال كي اُريك كلَّ آياتِ النَّعيم قلتُ : افعلي هيا افعلي هيا افعلي وإذا صوتٌ لي تناهى !! إنها ( هيفاءُ وهبي ) تطلبُ الإذنَ في الدخولِ عند بابِ المنـزلِ قلتُ : كلا أبداً لا تفعلي . ------------ من كتاب (نبي ضال) ص 232 * رئيس مؤسسة انكيدو الثقافيه الحره
#بهاء_الدين_البطاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤسسة انكيدو الثقافية تتقدم بالتهنئة الصادقة للحوار المتمدن
...
-
التفتوا ..عندما انتحر تعتدل الدنيا ج1و2
المزيد.....
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
-
لماذا يعد -رامايانا- أكثر أفلام بوليود انتظارا؟
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|